..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الشام المباركة

المدرسة العمرية (لم يكن شيء من أنواع البر إلا وهو موضوع في العمرية)

أسرة التحرير

٦ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6791

المدرسة العمرية (لم يكن شيء من أنواع البر إلا وهو موضوع في العمرية)
العمرية 00.jpeg

شـــــارك المادة

المدرسة العمرية (لم يكن شيء من أنواع البر إلا وهو موضوع في العمرية)
في العام 1156م رحل الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة من قريته (جمّاعيل) التابعة لمدينة نابلس في فلسطين سرا، مهاجرا في سبيل اللّه، هربا من بطش "باليان بن بارزان" الفرنسي، حاكم إقطاعية جبل نابلس، الذي قتل كثيرا من المسلمين وعذب آخرين فقطع أيديهم وأرجلهم، ولم يكن في الفرنجة أعتى ولا أظلم منه، وقد صحب الشيخ في هجرته ثلاثة من أقاربه قاصدين مدينة دمشق، فنزلوا في مسجد أبي صالح، خارج باب شرقي، ضيوفا على بني الحنبلي المتولين إدارة شؤون وقف المسجد وإمامته.

 

حي الصالحية

ثم لحق بالشيخ خمسة وثلاثون نفسا، بينهم أولاده وبعض أحفاده وأصهاره، وتوالت هجرة آخرين إلى المكان عينه، الذي مكثوا فيه نحواً من ثلاث سنوات، ثم غادروه، إلى دير في سفح جبل قاسيون، اختاره لهم رجل صالح يدعى أحمد الكهفي·
وبنى القوم، في ذلك المكان المهجور، بيوتاً ثلاثة أتبعوها برابع ما فتئت تتسع بتشييد دور وحوانيت ومساجد حتى عمرت المنطقة بالسكان والعلماء والزهاد، واتسعت معها شهرة بني قدامة، وذاع صيت حديث الشيخ أحمد والمهاجرين الذين عرفوا بالتقوى والزهد والصلاح فسموا بالصالحين، وسميت المنطقة بالصالحية نسبة إليهم:

الصالحية جنة  *** والصالحون بها أقاموا
فعلى الديار وأهلها *** مني التحية والسلام

وقد اعتزل الشيخ أحمد الناس وآثر الخلوة والعبادة، تاركا تصريف شؤون أهله وجماعته إلى ابنه "أبي عمر"، الذي كان زاهداً مجاهداً مقداماً شجاعا عابدا···
ترك "أبو عمر" المدرسة العمرية، التي بدأ ببنائها سنة 557 هجرية بين مسجدي محي الدين بن عربي وعبد الغني النابلسي، كما يقول الدكتور محمد مطيع الحافظ في كتابه: المدرسة العمرية بدمشق وفضائل مؤسسها، بعد أن أرسى بنيانها ونظم نهجها الذي استقرت عليه، وبعد أن رأى إقبال الناس على عمارة الجبل والسكنى فيه، وبعد ما سمع اسم قاسيون يتحول إلى اسم الصالحية التي باتت في أقل من قرن واحد، بلدة عامرة تكتظ بالسكان وتعمر فيها المدارس التي تنشر شتى أنواع العلوم وتقدم لكل قاصديها، من المقيمين والوافدين، ضيافة سخية تشمل المأوى الكريم والمعيشة الهانئة، في خلوات تؤوي طلاب العلم بفضل ما وقفه عليها أهل الخير من ريع وأرزاق لتقف الصالحية في وجه "تيمور لنك" وتقدم من أبنائها ما يقرب عشرة آلاف شهيد يصدونه عن غزو مدينة دمشق وتخريبها····
وقد وصف "القلقشندي" الصالحية: أنها مدينة ممتدة في سفح الجبل تشرف على مدينة دمشق وضواحيها، ذات بيوت ومدارس وربط وأسواق وبيوت جليلة·

*****

الحديث عن المدرسة العمرية، التي سميت بالشيخة أو الشيخية، متشعب وفضلها لا يمكن حصره لما هي عليه من حقيقة حضارية متميزة، أسسها الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، وكانت تعد أُمَّ النهضة العلمية الرائعة التي قامت في سفح جبل قاسيون شمال غرب دمشق في المنطقة التي عرفت فيما بعد بالصالحية نسبة لصلاح الدين منشئها على أرجح الأقوال.
ففيها تخرج الآلاف من الفقهاء والقراء والمحدثين، وضمت غرفها وخلاويها التي قاربت الثلاثمئة والستين ألف طالب في وقت واحد، وكان مدرسوها وشيوخها من أعظم الشيوخ، فهي أشبه بجامعة تضم كليات لمختلف فئات الطلبة وطبقاتهم ومستوياتهم·مسجد العمرية
وقد أوقف المحسنون الأوقاف اللازمة عليها لكي تفي بمتطلبات مناهجها في التعليم، وكانت من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها ولا طرائق صرفها، ولم تكن تخلو سنة إلا ويحدث فيها وقف جديد لتحقيق غاية علمية معينة·
وكان الطالب لا يقبل فيها إلا بشروط معينة في مقدمها تمتعه بالسلوك الحسن والأدب والتقوى··· وكان لها مكتبه خاصة بها عامرة بآلاف الكتب من كل الفنون، حتى ضمت نفائس الكتب ونوادرها·

نبذة مختصرة عن محلة الصالحية في دمشق:
في كتابه (المدرسة العمرية)، تناول الدكتور مطيع الحافظ تاريخ المقادسة وهجرتهم وتأسيس الصالحية سيرة "أبي عمر" وتراجم أولاده وحفدته، كما تناول تاريخ المدرسة العمراني والعلمي والوقفي ومناهج التعليم وتراجم شيوخها وطلبتها وكنوز مكتبتها التي نقلت إلى المكتبة الظاهرية ومن ثم إلى مكتبة الأسد·
المدرسة العمرية مدرسة عظيمة جمعت أقساما متعددة لتحفيظ القرآن وعلومه، ورواية الحديث وعلومه، وتعليم الفقه ومذاهبه·
حيث تقع محلة الصالحية في سفح جبل قاسيون المطل على مدينة دمشق من الشمال الذي يبلغ ارتفاعه 1100م عن سطح البحر. وفي هذه المحلة كثرت المدارس العلمية والشرعية المبنية وبشكل خاص في عهد الأيوبيين حيث اهتم الأيوبيون بالعلم والمعرفة، فانتثرت المدارس في الصالحية انتثارا ً ولا تزال معالم أكثرها قائم كالمدرسة الأتابكية والدلامية والعمرية ومدرسة الصاحبة التي بنتها الأميرة خاتون أخت السلطان صلاح الدين والمدرسة الركنية في ساحة شمدين التي تضم ضريح القائد العسكري الأيوبي الأمير ركن الدين منكورس، وقد تحولت فيما بعد إلى جامع سمّي باسمه، وفي الجهة الشمالية من شرق حي الأكراد تقع مقبرة الشيخ خالد النورسي النقشبندي، وهو مدفون في جامع يقع في منتصف المقبرة، كما تضم المقبرة رفات الكثير من رجالات الأكراد كجلادت بك بدرخان، وقدري جان، ومحمد برزنجي، كما دفن في الصالحية الكثير من العلماء العرب كالشيخ العلامة الموفق بن أحمد بن قدامة المقدسي صاحب المغني، ومرجح المذهب الحنبلي، وكذلك أخوه الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامة الذي أوقف أعظم مدرسة في دمشق وهي المدرسة العمرية وهم مقدسيون من أهالي القدس، والشيخ عبد الغني النابلسي (من نابلس في فلسطين).
وهناك مرقد للحاجة حفيظة ويقع في قبة كبيرة في موقف الميسات ومرقد الشيخ المتصوف محي الدين بن عربي ومرقد الأكراد الأيوبية في ساحة شمدين حيث تظهر قدم رجل المدفون خارجة من القبر وهذه معجزات من المعجزات النادرة، كما أنه ومن المدارس التي اشتهرت في الصالحية المدرسة الأتابكية ودار القرآن الدلامية، كما اشتهرت دور القرآن الكريم على ضفاف نهر يزيد، حتى بلغت العشرات، و منها المدرسة العمرية التي كانت تحتوي 360 حجرة لتحفيظ وتدريس القرآن الكريم، ولا تزال فيها إلى اليوم 110 غرف سمعت أن الأوقاف تقوم بترميمها حاليا وإعدادها لتكون داراً للبحوث الإسلامية.
ويمر في الصالحية فرعان من نهر بردى هما نهر "يزيد" في حي الأكراد ، ونهـر " تورا " في حي الصالحية ، وقد كانت الصالحية تضم سابقا ً حي الأكراد، وحي الصالحية، والمهاجرين، ثم اقتصرت فيما بعد ومنذ عهد الفرنسيين على حي الصالحية.
وقد ذكرها العلامة محمد سيدو الكوراني في كتابه من عمان إلى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية بأنها كانت محلة واحدة وذلك في الثلاثينات من القرن العشرين وفي هذا الحي توجد منطقة اسمها: الشركسية وهي كلمة معربة عن الكلمة الكردية (جار َكس carkes) أي الأشخاص الأربعة مدفن يضم أربعة رجال مزودين بأسلحتهم الحربية كاملة..!!
فيما تغير اسم حي الأكراد وأصبح في عهد الوحدة السورية المصرية (22/شباط/1958 – 28/أيلول عام 1961) حي ركن الدين وتمتد به ثلاثة شوارع أساسية هي:    
- شارع أســد الدين     
- شارع ركن الدين  
- شارع صلاح الدين
ويرجع تاريخ هذا الحي إلى عام 1179 عندما عسكرت قوات الأيوبيين المسلمين في قاسيون على حين عسكرت قوات الصليبيين في سهل داريا والمزة جنوب غرب دمشق.
وكان في حي الأكراد في الثمانينات من القرن المنصرم وحسب إحصاء قامت به منظمة حزب الاتحاد الشعبي الكردي لمدينة دمشق 140 طبيبا ً وطبيبة، و14 صيدلية، ومستوصف واحد، ومشفى ضخم اسمه (مشفى ابن النفيس) كان مخصصا ً للمعالجة من مرض السل وذلك لجفاف الجو في جبل قاسيون وقد تحول أخيرا ً إلى مشفى عام.

موقع المدرسة:
تقع المدرسة العمرية القديمة في حي الشيخ محيي الدين، خارج أسوار مدينة دمشق القديمة على سفح جبل قاسيون من جهة الشرق بمنطقة حي الصالحية في وسط دير الحنابلة جنوب جامع الحنابلة ـ المظفري، وتنسب المدرسة إلى مشيدها وواقف المدرسة وبانيها الشيخ المجاهد أبى عمر الكبير أحمد بن قدامة المقدسي والد قاضي القضاة شمس الدين الحنبلي وكانت أكبر مدرسة في دمشق في حينه، ونموذج للمدرسة الجامعة.

تأسيس المدرسة:
رحل الشيخ ابن قدامة المقدسي من قريته سراً عام 551 هـ ـ 1156 م مع ثلاثة من أقاربه باتجاه دمشق هرباً من القتل والتعذيب وقطع الأيدي والأرجل التي تعرض لها أبناء بلدته على يد الفرنسيين، خاصة حاكم إقطاعية جبل نابلس الطاغية الظالم بالبان برزان الفرنسي.
وعندما وصلوا إلى دمشق نزلوا في مسجد أبي صالح خارج باب شرقي، ثم لحق بالشيخ وأقاربه خمسة وثلاثون شخصاً بينهم أولاده وبعض أحفاده وأصهاره.
وتوالت هجرة آخرين إلى المكان نفسه، وبقوا هناك ما يقارب الثلاث سنوات، غادروه فيما بعد إلى دير في سفح قاسيون على نهر يزيد.
وفي هذا المكان المهجور بنوا بعض البيوت القليلة التي زاد عددها باضطراد. جرى بعدئذ حركة عمرانية بهمّة هؤلاء الوافدين.
فأقيمت بعض الدور والحوانيت الصغيرة والمدرسة والفرن والمساجد، وعمرت المنطقة بالسكان واتسعت شهرة بني قدامة، وسمي هؤلاء القوم بالصالحين (واسم الصالحية نسبة إليهم)، وكان الشيخ ابن قدامة صالحاً وإنسانياً وأصبح من أعلام دمشق والعالم الإسلامي في عصره. توفي في الصالحية عام 607 هـ، عن 79 عاماً، ودُفن في قاسيون.
كان السلطان نور الدين يزور الصالحية وأهلها ويلتقي الشيخ أحمد في المدرسة الصغيرة على نهر يزيد المجاورة للدير والفرن.
ويمكن القول إن الأساس الأول للمدرسة العمرية قد وُضع في عهد نور الدين عام 555هـ، قبل وفاة الشيخ أحمد الذي كان له دور هام وكبير ومبادر في تأسيس المدرسة، وكان موقعها على نهر يزيد، فوجد أبو عمر أن المكان مناسب، فبنى المدرسة وعشر غرف للفقراء، ووضع تحتها مصنع الماء، وبنى الطبقتين الأخريين من الجهة الشمالية فوق هذه الغرف العشر. كانت المدرسة العمرية تنشر شتى أنواع العلوم وتقدم لساكنيها الوافدين إليها المساعدة الممكنة، مما ساعد الصالحية على الوقوف بوجه تيمورلنك إذ قدمت الصالحية من أبنائها ما يقارب 10 آلاف شهيد يصدّونه عن غزو دمشق وتخريبها.
توسيع المدرسة:
وحاول الشيخ المرادي قاضي القضاة توسيع المدرسة بعد أن ضاقت بأهلها، فبنى لصيقها من الشرق مدرسة على هيئة العمرية فاتصلت المدرستان، وكانت هذه الزيادة الأولى.
كما تمت زيادات أخرى وأصبحت المدرسة مؤلفة من ثلاث طبقات و360 حجرة مع مرافقها، وهذا ما جعلها أكبر مدرسة في دمشق إن لم يكن في بلاد الشام.
شهرة المدرسة:
تميزت المدرسة العمرية في حينه بتطور بارز تخرّج الفقهاء والقرّاء والمحدثين. وضمّت غرفها ما يقارب ثلاثمئة وستين ألف طالب في وقت واحد، وكانت أشبه بجامعة تضم عدة كليات لمختلف الطلاب والفئات وكل المستويات، وكان طلابها يأكلون وينامون فيها، يوزع عليهم كل يوم ألف رغيف ويُطبخ للجميع، وتقدم لهم الفاكهة والحلوى. ومعهم جيش من الموظفين لهم رواتب وسجلات، وللطلاب سجلات وتفقد، وكان لمسؤوليها مدير جامع في هذه الأيام.
كان للعمرية سمعة عالية عند الحكام حتى إنه إذا دخل إليها غريم لا يحق للحكام تعقبه، وإن جاء في نهرها ميت يُدفن دون مراجعتهم.
مكتب العمرية ومصيرها:
كانت مكتبة العمرية والضيائية من أعظم مكتبات مدارس دمشق على الإطلاق، وفيها عدد من الخزائن المليئة بنفائس الكتب. وعندما انحلّت الضيائية نقلت كمية من كتبها إلى العمرية ثم بدأت الكتب تتسرب من المدرسة.
فقد ذكر أن جماعة جاؤوا إلى دمشق سنة 1250هـ، وقدموا لناظر العمرية مالاً على سبيل الرشوة، فساعدهم على سرقة أربعة أحمال من الجمال من كتب المدرسة نقلوها ليلاً.
فصادر نصفها لنفسه وذهب الآخرون بالباقي، مما حدا بالوالي العثماني مدحت باشا إلى الأمر بجمع ما تبقى من كتبها ونقلها إلى (المدرسة الظاهرية).
وعندما سمع ناظر المدرسة بذلك انتقى أحسن كتبها ونقلها إلى داره.

كتب قديمة
فقدمت اللجنة فلم تجد رجلاً واحداً يحمل الكتب حتى استعانوا بدواب القمامة ونقلوا 600 مجلد خطي ومجموعة كبيرة من (الدشت).
وقد بدأ أمر المدرسة بالانحطاط مع نهاية عصر المماليك، وعندما انتقلت نظارتها إلى بني زريق الذين عاثوا فيها فساداً، وناصر زريق أحدهم كان ناقص العقل فاسد النية والبنية. فباع كثيراً من أوقافها وحاول إعلاقها.

المدرسة أثناء الحكم العثماني:
وعندما جاء الحكم العثماني، تراجعت أحوال البلاد عامة. واختُلست معظم أراضي المدرسة. ويذكر أن قاضي دمشق عبد المحسن الأسطواني كلف لجنة عام 1910 الطواف على مدارس دمشق ووصف حالها وما فيها من طلاب، وما تحتاج إليه من إصلاح وترميم.
فذكرت اللجنة في التعريف بالمدرسة العمرية أن فيها 110 غرف والحجرات المأهولة بالطلبة خمس، وفيها عشرون طالباً.
وباقي الغرف بيد الفقراء وحجراتها قديمة وضيقة، ولم يبق من بناء المدرسة اليوم إلا غرف الطابق الأرضي وهي غير صالحة. وقد جرت محاولات لإصلاحها وترميمها، بدأها إيكوشار عام 1942، ثم فخري البارودي الذي جمع مبلغاً من المال (6500 ل.س)، رمَّم 22 غرفة من هذه المدرسة لسكن الأحداث والمشردين.
وتبين أن قسماً كبيراً من هذه المدرسة قد أزيل بفتح شارع واسع في جبهتها القبلية، وقسماً آخر من جهة الشمال، ضُمّ إلى دور السكن المجاورة، وآخر سطا على الحديقة في غربها والدير في شرقها، ولم يبقَ من المدرسة غير جدارها القبلي الحجري وآخر بني في غربها وشرقها والطابق الأرضي ذهب به الشارع الجديد.
إحياء دور المدرسة:
يطالب أهالي حي المهاجرين والصالحية وركن الدين منذ سنوات بجعل هذه المدرسة بعد إصلاحها مركزاً ثقافياً للحي الذي يتسم بكثافة سكانية عالية، وبحاجة ماسة إلى مركز ثقافي يساعد على رفع الوعي في أوساط الشباب والأطفال والنساء، غير أن هذه المحاولة لم تلاق تجاوباً من المسؤولين. وفي عام 2008 جرت محاولة جديدة من قبل أهالي وسكان الحي بمناسبة إعلان دمشق عاصمة للثقافة العربية، فتقدموا بعرائض حملت مئات التواقيع تطالب الأمانة العامة بالتدخل لفتح مركز ثقافي للحي، وحددوا المدرسة العمرية مكاناً مناسباً لذلك بعد إصلاحها وترميمها.
قالوا في المدرسة العمرية:
قال الشيخ جمال الدين بن عبد الهادي: هذه المدرسة عظيمة لم يكن في بلاد الإسلام أعظم منها والشيخ (وكأنه يقصد ابن قدامه) بنى فيها المسجد وعشر خلاوي وقد زاد الناس فيها ولم يزالوا يوقفون عليها من زمنه إلى اليوم قل سنة من السنين تمضي إلا ويصير إليها فيها وقف فوقفها لا يمكن حصره من جملته:
العشر من البقاع والمرتب على داريا من القمح ستون غراره ومن الدراهم خمسة آلاف للغنم في شهر رمضان ومما رأيناه وسمعنا به من مصالحها الخبز لكل واحد من المنزلين فيها رغيفان وللشيخ الذي يقري أو يدرس ثلاثة وهو مستمر طول السنة والقمصان في كل سنة لكل منزل فيها قميص وقد رأيناه والسراويل لكل واحد سروال سمعنا به ولم نره وطعام شهر رمضان بلحم وكان الشيخ عبد الرحمن ينوع لهم ذلك ويوم الجمعة العدس ثم انقطع تنوع واستمرت القمحية وزبيب وقضامة ليلة الجمعة يفرق عليهم بعد قراءة ما تيسر رأيناه ووقفه دكاكين تحت القلعة وكل سنة مرة زبيب وقفها تحت يد ابن عبد الرزاق خارج عن وقف المدرسة وفرا وبشوت في كل سنة وقفها أيضاً وحلاوة دهنية من وقفها سمعنا بها ولم نرها.
وحصر لبيوت المجاورين مستمرة وصابون سمعنا به ولم نره وختان من لم يكن مختوناً في كل سنة من الفقراء والأيتام النازلين فيها رأيناه ثم انقطع وسخانة يسخن فيها الماء في الشتاء لغسل من احتلم وكعك سمعنا به ولم نره ومشبك بعسل في ليلة العشرين من رمضان مستمر وكنافة ليلة العشر الأول من رمضان ثم نقلت إلى النصف مستمرة.
وقنديل يشعل طول الليل في المقصورة للمدرسة مستمر وحلاوة في الموسم في شهر رجب لوزية وجوزية وغيرها مستمرة في نصف شعبان وأضحية في عيد الأضحى مستمرة وطعام في عيد الفطر حامض ولحم وهريسة ورز وحلو مستمر إلى الآن.
وقد ذكر كثير من فضلها وبركتها وبركة النازلين فيها· يقول يوسف عبدالهادي، أحد أبرز شيوخها: لم يكن في بلاد الإسلام أعظم منها··· ويضيف محمد بن عيسى بن كنان: هي مكان مبارك لا يدخله أحد إلا وجد فيه روحانية وخشية من اللّه، يقول ابن طولون: إنها لا تخلو من الصالحين.
ويقول الشيخ علي الطنطاوي: يرحمه اللّه كان فيها كلية للقرآن وقراءته وعلومه وقسم خاص للمكفوفين وقسم للأطفال، وإن الدراسات والتلاوات كانت تستمر طوال الليل والنهار، وكان فيها خزائن عدة فيها الكثير من نفائس الكتب، وكان طلابها يأكلون وينامون فيها، ويوزع، في كل يوم، ألف رغيف، ويطبخ للجميع وتقدم لهم الفواكه والحلوى، ومعهم جيش من الموظفين لهم مرتبات وسجلات، وللطلاب سجلات وتفقد، وكان لشيخها رتبة مدير جامعة في هذه الأيام·

 

*****

ويمكن من خلالها تصور الحياة العلمية والثقافية في دمشق قبل ثمانية قرون مضت.
يسكنها اليوم أي في بدايات القرن العشرين قوم من ذوي المتربة ويمر بها نهر يزيد وداخلها مدرسة لطيفة وبهما ما يقرب من تسعين خلوة، وقد كان بها خزانة كتب لا نظير لها فلعبت بها أيدي المختلسين الى أن أتى بعض الطلبة النجديين فسرق منها خمسة أحمال جمل من الكتب.... وفر بها!!
ثم نقل ما بقي وهو شيء لا يذكر بالنسبة لما كان بها الى خزانة الكتب في قبة الملك الظاهر في مدرسته الظاهرية ، وكذلك لعبت أيدي المختلسين في أوقافها فابتلعوها ....!!!! هذه حالتها اليوم.
وأما حالتها في أبان صباها وشبابها فقال عز الدين هي بالجبل في وسط دير الحنابلة وقال ابن كثير وقف عليها سيف الدين بكتمر درسا وقال ابن الزملكاني أن احمد بن زريق المعروف بابن الديوان وسع مدرسة أبي عمر من الجهة الشرقية ويمكن أن تكون هي المدرسة الصغيرة داخلها انتهى.
قلت: وجميع هذه المرتبات درست.... وانقرضت.... وماتت بموت أهلها.... وكان يقال: لم يكن شيء من أنواع البر إلا وهو موضوع في العمرية....
ثم لم تزل الأيام تأتي على أوقافها... ومرتباتها.... بالنقصان إلى أن تولى نظرها الشهاب أحمد المنيني... ثم صارت في زمننا... إلى توفيق المنيني من ذريته... فابتلع الوشل الذي بقي من أوقافها... وأهلكها هلاكا لا يرجى له برء.
وصف هذا الحي أدق وصف فضيلة شيخنا الفاضل علي الطنطاوي ـ طيب الله ثراه و رحمه في واسع رحمته في كتابه دمشق صور.. من جمالها فقال فيه... هذا الحي العظيم الذي يَعِدلُ هو وحي الأكراد ربع دمشق.
كان أثراً من آثار لاجئ من أرضنا المباركة بفلسطين من بلاد الشام، نزح من بلدته هرباً بدينه من الصليبيين، كما هرب إخواننا اليوم بدنياهم من اليهود الشُذاذ الأفّاق، ونزل المسجد كما نزلوا وجاء بلا ثروة ولا مال كما جاءوا، ولكنه صنع هو و أسرته العجب العُجاب.
أفضلوا على دمشق ديناً و دنيا، و أعطوها أكثر مما أخذوا منها، أعطوها حياً جديداً من أحيائها لبث قروناً، وهو الآن أجمل أحيائها منظراً.. وأصحها هواءً.. وأكثرها مدارس و معاهد.. ألا هو حي الصالحية.
نشروا في الحديث والمذهب الحنبلي، وأنهضوا دمشق نهضة علمية رائعة، تركوا مؤلفات عِظاماً هي المراجع الأولى في موضوعها.
وأنشؤوا من المدارس ما تعجز عن إنشائه دولة وكان من هذه المدارس جامعة، جامعة كاملة بالمعنى المعروف اليوم، بقيت إلى عهد قريب، وكان من عجيب أمرهم نشر العلم في النساء، حتى ظهر منهم وظهر في عصرهم من العالمات والمحدثات ما لا أعرف مثله في عصر أخر .
مخطط المدرسة العمرية:
المدرسة مؤلفة من طابقين، العلوي للخلاوي من الفقراء.

أما الميضأة بناها جهة القبلة وتحت الخلاوي، أي في الطابق الأسفل، وضمت المدرسة حرماً وأبواب مطلة على الشرق والغرب، وباباً كبيراً من جهة الغرب، وفيها مقصورة كبيرة لقراءة القرآن ليلاً.

وبنيت في المدرسة خزائن جدارية لوضع المصاحف والكتب، وأمام الباب الغربي فسحة بها بئر معلق عليها سطل من نحاس للشرب.
وكان الصحن مبلطاً بحجر أسود ومزي، وفيه بئر ماء وسقاية، وقبالة الزاوية الغربية صفة لتفريق اللحم والخبز، وبالطريق الغربي يوجد المطبخ والميضأة الكبرى.
هذا وقد كان للمدرسة دور اجتماعي كبير بالإضافة للدور العلمي البارز، فقد لعبت دوراً هاماً في ترابط المجتمع لذلك العصر، وسبب تسميتها بالشيخة لمؤسسها وبانيها الذي كان يلقب بشيخ الإسلام «أبو عمر»، أما الشيخية: لأنها رئيسة المدارس جميعها وهذه الأقسام والأجزاء التي تجولنا فيها جعلها في مصاف الجامعات الحديثة، فهي من أقدم المراكز التي حققت السكن الداخلي للطلاب، وتوفير حاجياتهم ومتطلبات عيشهم، من طعام وشراب وكساء ونظافة.
أوقاف المدرسة العمرية:
إن دراسة أوقافها يعطينا صورة عن النظام المالي ورعايته، والذي سيكون له الأثر البالغ في حي ومجتمع الصالحية لعدة قرون.
بدأت أوقاف هذه المدرسة منذ عصر بانيها أبو عمر -رحمه الله- حيث يقول لنا عبد الهادي أحوال أوقافها فيقول: «هذه المدرسة عظيمة، لم يكن في بلاد الإسلام أعظم منها، والشيخ بنى فيها المسجد وعشر خلاوي فقط، وقد زاد الناس فيها ولايزالون يوقفون عليها من زمنه إلى اليوم-أي عصره-قلما تمضي سنة من السنين إلا ويصير إليها فيها وقف، فوقفها لا يمكن حصره حتى صار من كل أنواع البر إليها» النعيمية / الدارس في تاريخ المدارس.
أهم موارد وقفــــــها:
1- مايدفعه المتبرعون والمحسنون من نقود ومواد عينية.
2- العشر في البقاع - أي اللبناني - ولا غرابه فهناك علاقة بين مقادسة الصالحية ومقادسة لبنان ولاسيما (بعلبك وبونين).
3- وقف كفر بطنا - ووقف داريا.
4- من الدراهم خمسة آلاف للغنم في شهر رمضان.
5- السوق المعروف بعمارة الإخنائي غربي شمال باب الفراديس.
6- ألفا رغيف تفرق كل يوم.
أما التوزيع والاستفادة من الوقف: منهم النازلون فيها من المدرسون والملقنون والمعيدون والمكفوفون وأفراد من المجتمع الصالحاني.
واللافت للنظر أن هذه الأوقات ليست وقفاً لطلبة العلم والفقراء، وإنما أصبحت تقوم بدور اجتماعي يشبه دور المؤسسات والجمعيات المعاصرة.
أعرفتم لماذا قال الشيخ علي الطنطاوي والذي [سبقت زمانها..] رحمه الله.
فأي عزيمة وهمة إيمانية حتى بلغت قوله سبقت زمانها في الجوهر والمضمون، وذاع صيتها البلاد.. رحمهم الله، ورضي الله عنهم، وجعلنا لهم خير خلف اللهم آمين نعود نكمل جولتنا الروحية لهذه المدرسة العظيمة، الأثر والفائدة.

ما هي مناهج هذه المدرسة؟
والمقصود بذلك هو سير العملية التعليمية والذي يعتمد على الأستاذ والطالب والمقرر أي المادة العلمية. لقد قدمت المدرسة العمرية تراث حضاري للأمة الإسلامية، لم يقتصر هذا التراث على الناحية الفكرية العلمية، وإنما على الناحية العمرانية والسكانية، فمن آثار النشاط العلمي وازدهاره، نشط المجتمع الصالحاني، فكثر بناء المدارس وظهر التنافس المحمود بين السكان، وسوف نقوم بسرد هذا التنوع العلمي وكيف ازدادت أعداد المدارس في تلك الفترة، وهذا الفضل بعد الله عزوجل يعود لهذه الأسرة المباركة آل قدامة، ولينة الصدق والإخلاص التي ترعرعت ونشأت في قلوب الأبناء والأحفاد بسقايةِ الشيخ الكبير رحمه الله أحمد بن قدامة.
أما عن المدرسة العمرية، والتي قام فيها أشهر المدرسين وأقدمهم في ذلك العصرنذكر منهم:
الحافظ العلامة الشيخ عبد الغني المقدسي، والفقيه عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي، وهذا تلميذ الموفق.
ومنهم الفقيه عز الدين عبد العزيز بن عبد الملك المقدسي الحنبلي، تلميذ الموقف. ونجم الدين أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي، والقاضي شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر ابن مؤسس المدرسة، كان عالماً بالفقه.
ومن الملاحظ أن الشيخ أبو عمر مؤسس هذه المدرسة لم يكن من أول المدرسين في هذه المدرسة، والسبب في ذلك لارتباطه الاجتماعي والرسمي الذي كان يقوم به باسم المقادسة هذه أولاً، ومشاركته في الجهاد ضد الفرنج، والسبب الأخير شغله في النظر لأوقاف هذه المدرسة والإشراف عليها.
والخلاصة في هذا الكلام أن أبو عمر -رحمه الله- مؤسس هذه المدرسة كان بمثابة مدير للمدرسة تربوياً ومالياً، كرئيس جامعة في عصرنا، ولذلك فقد حظي بمديح ودعاء كبير ممن جاء من بعده، وصولاً للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله،  وتأسفه: «فهل نسيهم أهل دمشق وهم أهل وفاء».

أما الطلاب:
فقد تمتعوا برعاية كبيرة على الصعيد المادي-العلمي-النفسي.
والعنصر الثالث والأهم في سير العملية العلمية والتربوية، هي المادة العلمية. كيف كانت وعن ماذا..؟
لقد اعتنت المدرسة وبإشراف أبو عمر-رحمه الله-بكل فنون العلم، لاسيما الشرعي. لم يقتصر التدريس على الفقه الحنبلي، إنما على المذاهب الأربعة، وحرص بنو قدامة على تعليم الصغار القرآن الكريم، وكان لهم متخصصون بالإقراء.
فازداد عدد القراء في الصالحية ثم في دمشق حفظها الله، وكان من العلماء الذين يتوافدون إلى هذه المدرسة بعد رحلاتهم العلمية خارج الشام، ومروياتهم لما سمعوا ورأوا الأثر العظيم في زيادة النشاط وازدهارها.
وتنوعت العلـوم في هذه المدرسـة كالحديث والسـيرة والعقيـدة والقصص واللغـة ومجالــــس الأشعار ومجالس النظر.
ومع الأيام نالت هذه المدرسة العمرية شهرة عالمية لم يكن لغيرها هذا الصيت، كانت بمثابة أكاديمية تستقطب الناس بمدرسيها وبموادهم العلمية الغنية التي كانوا يدرسونها، وزيادة على ما سبق المكتبة التي أسسها هذا الشيخ الفذ أبو عمر رحمه الله والتي من صدق وإخلاص توجهه في إنشائها أصبحت معلماً من معالم الثقافة الهامة لما ضمت من كتب ومصادر هامة وساهم هذا الشيخ وغيره من العلماء في إثرائها وإغنائها حتى نالت هذه الخطوة الهامة في العالم بأثره لذلك العصر.
وهذه المكتبة في بداياتها كانت ينسخ فيها المصاحف يدوياً، ونسخ الكتب بأعداد كبيرة من الشيخ أبو عمر رحمه الله، ثم أخذ بقية العلماء يحذو حذوه بدون أجر مادام الأجر المضاعف سيناله عندما يلقى الله عزوجل رحمهم الله وجزاهم الخير كله.

 

 

---------------------
المصادر:

1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
2- موقع الدرر الشامية
3- موقع حملات التمدن
4- موقع رواق الحنابلة
5- مجلة الوعي الإسلامي
6- موقع نبض سوريا
7- نسيم الشام - الباحثة نبيلة القوصي

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع