..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مهاجرون وأنصار

نجوى شبلي

٣ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2886

مهاجرون وأنصار
سوري مسن وإلى جواره طفل في حالة انتظار في مخيم الزعتري -(تصوير_ محمد أبو غوش).jpeg

شـــــارك المادة

منذ مدة والحديث يدور حول ما حدث وما يحدث وما يمكن أن يحدث من تصرفات لبعض السورييّن الذين لجؤوا إلى تركيا هرباً من آلات الموت والبراميل الأسدية التي لم تستثن لا البشر ولا الحجر ولا الشجر, هذه التصرفات التي لا يمكن أن ترضي السورييّن أنفسهم فضلا عن مضيفيهم من الأتراك.

 

 

فهل كانت هذه التصرفات مستغربةً أو غير متوقعةٍ وقد بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا وحدها أكثر من مليون لاجئ؟!

إننا لا نتوقع أن يكون الشعب السوري ملائكةً، ولا نتوقع منه أن يكون في مستوى واحد من التربية، فحاله حال كل الشعوب والمجتمعات فيه المحسن والمسيء، وفيه الخير والشر، وهناك من تربى تربيةً راقية، وهناك من لم يجد الرعاية والعناية الكافية؛ فنشأ كنبتةٍ شيطانيةٍ يجب اقتلاعها، فكيف وقد سيطر على المجتمع فئةٌ جاءت في جنح الظلام، واغتصبت الحكم، ولم تكن مؤهلاتها إلا الجشع والطمع والخسّة، وتحمل أحقاد مئات السنين، وكما قال كوهين الجاسوس الإسرائيليّ الذي أُعدم في السبعينات من القرن الماضي، حيث قال: بأنه لم يجد أكثر لؤماً ودناءةً من حافظ الأسد الذي خبره من خلال السهرات واللّقاءات ببعض من أعضاء حزب البعث الحاكم وقتها، ولم يكن قد اكتُشِف أمره بعد، فكان حافظ الأسد أن استلم حكم سوريا بعد مؤامرة بيع الجولان.

لقد عمل النظام الطائفيّ منذ استلامه الحكم في سورية على قتل المبادئ والقيم والأخلاق قبل أن يرتكب مجازره في حماة وغيرها، وأقصى الدين عن المجتمع، ولم يبق منه إلا ما يتناسب معه، ولم يُبقِ من علماء الشرع إلا من يصفقُ له ويثني على تصرفاته، فكان صاحب المنصب الرّفيع هو الأكثر تزلّفاً ودناءةً، والأكثر استعداداً للتّضحيةِ بالقيم، وانتشرت الرّشوةُ، فلا وصول إلى حقّ إلا بعد دفعها، واضطّر الكثير ممن اهتماماته دنيوية فقط إلى فعل الموبقات وبيع النفس والعرض في سبيل ذلك.

ولكن هل ينطبق الأمر على شعب بأكمله خاصةً أنّ هذا الشّعب صاحب حضارةٍ وموروثٍ ثقافيّ وأخلاقيّ ودينيّ متأصّلٌ في نفوس غالبيّته.

ولم يستطع هذا النظام بما حمله معه من سوء أن يغير من هذه الثوابت شيئاً؟!

وهنا لا بد أن نذكر بأنه وعلى مدى تاريخنا المنظور قد استقبل الشعب السوريّ الكثير من المهاجرين والمضطهدين واللاجئين ابتداءً من الأرمن المسيحيين إلى اللاجئين من الإخوة الفلسطينيين إلى اللاجئين الشيعة الذين قدموا من لبنان، وغيرهم وغيرهم، ولم يجد هؤلاء من السوريين إلا الترحاب والإكرام.

إنّنا وبالمقابل لا يمكن أن نتوقع أن يستقبل الشعب التركي كلّه الكمّ الهائل من السوريين بنفس الأريحيّةِ والأخلاق، بل ولا بد أن يكون بين الأتراك وكما في كل الشعوب من لا يرحب بهؤلاء المهاجرين بل ويجدهم عالةً عليه سيّما وأن هناك من المعارضة التركية من لا يرى في حكومة أردوغان إلا ظلاً للدولة العثمانية التي عمل العلمانيّون والغرب واليهود على محاربتها سنين طويلة، كل هذا رغم ما قدمه أردوغان وحكومته للدولة التركية التي أصبحت الآن في مصافّ الدول الكبرى، إلا أن شبح الإسلام الذي يخيفهم ويعادونه يمنعهم من أن يكونوا منصفين؛ ولذلك فهم يعملون ليل نهار على إسقاط هذه الحكومة، ولولا إكرام الله لأردوغان لكان سقط فعلاً.

إن أردوغان وحكومته التي أكرمت السوريين أيّما إكرام، وأنفقت عليهم من خزينة الدولة التي ازدهرت في عهده، وامتلأت بعد أن كانت تركيا في المؤخرة مع دول العالم الثالث.

إن وجود هذه الفئة في المجتمع التركي لا بد أن تذكّرنا بموقف ابن سلول والمنافقين في المدينة بعد أن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، واستطاع التأليف بين قلوب المهاجرين والأنصار، بل بين قلوب الأنصار أنفسهم من أوس وخزرج؛ فمنع ذلك ابن سلول من الملك الذي وعد به نفسه؛ فكان حقده الكبير على الرسول والمهاجرين دافعاً إلى التآمر عليهم مستعيناً بيهود المدينة، وكان خذلانهم في حروبهم مع المشركين مع العزم على إخراج المهاجرين من المدينة في حال انتصر مشركوا مكة على المسلمين.

"يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" سورة المنافقون آية 8.

إننا وواقع السوريين في تركيا هكذا، وهو أفضل بعشرات المرات عما نراه في أماكن اللجوء الأخرى، وإننا والحال هكذا لا بد أن نبحث عما يمكن أن يخفف من الآثار السلبية الناتجة عن احتكاك بعض السوريين ببعض الأتراك، وما عملته الحكومة التركية من إعادة بعض الأسر السوريّة في غازي عنتاب إلى مخيّم اللّجوء قد يجدي مؤقتاً، ولكن لا بدّ من علاجٍ أثرُهُ يمتدُّ إلى فترةٍ طويلة حتى لا تتكرّر حادثةُ قتل سوريّ لتركي لا نعرف دوافعها إلى الآن، أو قتل تركيّ لسوريّ، ومما نرى أنّ العلاج الحقيقي هو باستعادة القيم والأخلاق التي أبعدتها الحكومات الظّالمة الجائرة على مدى عقودٍ عن مجتمعاتها، ولا بد من تحكيم الشرع الحميد، وتطبيق المنهج الوسطي في حياة الناس، لا منهج داعش أو ما يسمى بالدولة الإسلامية التي شوّهت الإسلام وأساءت إلى المسلمين.

لا بدّ من عقد النّدوات واللقاءات مع اللاجئين السوريّين، ولا بد من تعريفهم بواجبتهم وحقوقهم التي تتّفق مع موروثنا الثقافي والدّيني، ومع عاداتنا التي تدفعنا إلى العمل بالمثل القائل "يا غريب كن أديب".

وقبل كلّ ذلك لا بد من عملية استبعاد للعناصر المندسة من النظام السوري والتي مهمتها الإيقاع بين السوريين والأتراك.

وهناك أمورٌ وأمورٌ كثيرة ربما تخفف، أو ربما تقضي على الآثار السّلبية النّاتجة عن احتكاك السوريين ببعض الأتراك الذين يريدون الإساءة إلى أردوغان وحكومته وهو الذي ما فتئ يردد ويقول للسوريين (أنتم المهاجرون ونحن الأنصار) فهل يكون رد الجميل بالإساءة إليه وإلى دولته وشعبه؟!

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع