..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ثورة الغرباء

مجاهد مأمون ديرانية

٧ ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2809

ثورة الغرباء
340X297.jpg

شـــــارك المادة

لم أرَ في الثورات ثورةً تخلى عنها القريب والبعيد والعدو والصديق كثورة الحرية والكرامة في سوريا، ثورة الغرباء!
ثورتنا تخلت عنها دول العرب، فصمت بعضها (وخيراً فعل)، وبعضها أمدّ عدوَّنا، النظامَ المجرم القاتل، بأسباب الحياة من مال ودعم في المحافل الدولية، ثم ألقى أمينُ جامعتها على بعيرها المثقل بالآثام قشّةَ الختام، حينما منح رئيسَ عصابة البغي الشرعيةَ وقدم له المبررات للاستمرار في التقتيل والإجرام.
ثورتنا تخلت عنها دول المسلمين، فصمت بعضها (وخيراً فعل)، وبعضها أمدّ عدوَّنا، النظامَ المجرم القاتل، بأسباب الحياة من مال ودعم في المحافل الدولية، ثم ألقت منظمتها -منظمة المؤتمر الإسلامي- على بعيرها المثقل بالآثام قشة الختام، حينما تحفّظت على إدانة النظام وأجهضت المساعي الدولية لتحميله مسؤولية التقتيل والإجرام.
ثورتنا تخلت عنها دول الجوار التي آثرت أن تتحالف مع عدونا، النظام المجرم القاتل، أو سكتت عن جرائمه وسوّغت له المضي في التقتيل والإجرام. ثورتنا تخلت عنها القوى والهيئات والمنظمات الوطنية والثورية في طول العالم العربي وعرضه، وهي التي زعمت -زوراً- على الدوام أنها تدعم خيارات الشعوب وتدافع عن استقلالها وحريتها، وروّجت تلك الأكاذيب يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.
ثورتنا اجتمع على خذلانها ودَعْم عدوّها، النظامِ المجرم القاتل، إيران وأصدقاء إيران وأعداء إيران، وإسرائيل وأصدقاء إسرائيل وأعداء إسرائيل، ولم يحصل ذلك مع ثورة قبلها قط.
ثورتنا تخلى عنها الإعلام العربي والعالمي وتركها تصارع وحدها الفناء وتبدع الوسائل المناسبة في سبيل البقاء، ولم يحصل ذلك مع ثورة قبلها قط.
كل ذلك حصل، ولقيت ثورة الحرية في سوريا من الخذلان ما لم تلقَه ثورةٌ قبلها لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في الماضي ولا في الحاضر، ولكن الأحرار حسموا الخيار ومضوا في الطريق غيرَ معتمدين إلا على الله الحسيب المُجيب القادر القهّار، ومنذ اليوم الأول هتفوا: "الله معنا". حتى قبل أن يهتدي منسّقو ثورتهم إلى تسمية جمعة من الجمع بهذا الاسم كانوا هم قد اعتمدوه عنواناً لثورتهم وجعلوه هو الهتاف وهو الشعار، فحق لها أن نسمّيها "ثورة الله معنا"، ونِعْمَت التسمية ونعمت الثورة، ثورة الأبرار الأخيار الأحرار.
لقد اعتمدوا على الله وحده لمّا فقدوا المُعين واستنصروه حين فقدوا النصير، وصبروا صبر الجبال الراسيات، وثبتوا ثباتاً عجيباً أذهل الدنيا، فانقادت لهم الدنيا وطوّع الله لهم جندَ الأرض، فانحاز الإعلام أخيراً إلى ثورتهم على رأس شهرين من انفجارها، بعدما قدموا قرباناً ألفَ شهيد، وبعدما نشروا عشرة آلاف مقطع من المقاطع المصوّرة، صوروها بأنفسهم ووزعوها على العالم بأنفسهم، فكانوا هم وسيلةَ الإعلام حين تخلت عنهم وسائل الإعلام.
ثم انتزعوا -على رأس أربعة أشهر- اهتمام العالم فراح يرقبهم ويدرس ثورتهم، يتساءل مذهولاً غيرَ مصدق: أيمكن لهؤلاء الضَّعَفَة العزّل أن يغلبوا واحداً من أشد الأنظمة القمعية بأساً وقوة في الدنيا؟ هل من الحكمة أن نراهن عليهم ونتخلى عن النظام؟ إن ساسة الدول وقادتها يعلمون -كما نعلم- أن عالم السياسة لا يقوم إلاّ على المصالح، لا محلَّ فيه للأخلاق والمشاعر وهاتيك الأوهام، فهل تملي عليهم مصالحهم أن يصطفّوا مع النظام أم مع الأحرار الذين ثاروا على النظام؟
لعلهم ترددوا طويلاً، ولكن ثوار سوريا حسموا المسألة، فإنهم قد مضوا في ثورتهم لا يضرهم آلافٌ يتساقطون بين أيدهم من الشهداء، ولا عشراتُ آلاف يُتخَطّفون من بينهم من الأسرى والمعتقلين، وما زال أولئك الأبطال ثابتين ثبات الجبال، لا يَهِنون ولا يضعفون، حتى حَنى العالمُ رأسَه أخيراً وأقر لهم بالغلبة… علم أنهم هم المنصورون -بإذن الله- وأن خصمهم آيل إلى الانقراض، فألقى الورقة الخاسرة وانحاز إلى المعسكر الرابح.
لقد حققت ثورة الغرباء المستحيل، أبحرت سفينتُها وحيدةً في البحر الهائج المضطرب فقطعت فيه الشوط الطويل. ظن الأكثرون أنها لا بدّ غارقةٌ وأنها لا أمل لها بالوصول إلى شاطئ الأمان، لكن أصحابها الضعفاء الغرباء آمنوا بأنفسهم وبقضيتهم وبثورتهم، وآمنوا قبل ذلك كله بربهم ووثقوا بأنه لن يخذلهم: {أمَّنْ يُجيبُ المضطرَّ إذا دعاه}؟ فدعوه فاستجاب وسَلَك بسفينتهم العُباب، فالحمد لله رب الأرباب، هازم الأحزاب، شديد العقاب.
يا أيها الناس: جهزوا أنفسكم للمشهد الكبير، لقد اقترب يوم الحساب.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع