..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

داعش تضرب من جديد

مجاهد مأمون ديرانية

٢٦ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3209

داعش تضرب من جديد
00.jpg

شـــــارك المادة

-1-

اقتحمت داعش مدينةَ البوكمال فجر الخميس العاشر من نيسان في هجوم غادر مباغت، ونجح الغزاة في السيطرة على المدينة لعدة ساعات قبل أن يُضطروا إلى الانسحاب تحت ضغط الهجوم العكسي الكاسح الذي شنّته عليهم قواتٌ كبيرة تدفقت على المدينة من ريف دير الزور، من جبهة النصرة ولواء القادسية ولواء الشهيد عمر المختار وعدد كبير من الكتائب المحلية.

 


ترك الغزاة وراءهم "توقيع" داعش المعروف وبَصْمتها الدموية التي تُعلن: "داعش مَرّت من هنا"؛ عشرات الشهداء، منهم بضعة عشر من المجاهدين أعدمهم القَتَلة إعداماً جباناً وهم مقيَّدون.
أثارت الحملة الغادرة على البوكمال اهتماماً إعلامياً صاخباً لم يلبث أن خبا خلال الأيام التالية، فقد اطمأن الجميع بعد فشل الهجوم الداعشي وطُويت تلك الحادثة المهمة في زحمة الصخب العالي لمعارك حمص وحماة والساحل، وفي غمرة ذلك كله لم يسأل أحدٌ السؤالَ المهم: لماذا أطلقت داعش ذلك الهجوم؟ وهل عاد الخطر الداعشي من جديد؟

-2-

السؤال الثاني جوابه سهل: وهل غاب خطر داعش أصلاً؟
لقد كان موجوداً قبل الهجوم على البوكمال، وما يزال، وكان خطراً كبيراً على الثورة وعلى الجهاد السوري برمّته، وما يزال، وكان أَولى الأخطار التي تهدد الثورة بالرصد والعلاج، وما يزال.
لنحاول العثور على جواب للسؤال الأول:
هل كانت الخطة هي احتلال البوكمال؟ إنه أمر مستبعَد، لأن احتلال مدينة بهذا الحجم يحتاج إلى قوة كبيرة لا تقل عن بضعة آلاف مقاتل، والمعروف الآن أن القوة الغازية تألفت من مائتي عنصر يحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة فحسب.
صحيح أن الغزاة كانوا يعرفون الطريق جيداً وقد اتجهوا فوراً إلى المراكز المهمة في المدينة: مبنى الأمن السياسي ومنطقة الصوامع وجسر الباغوز والمشفى الوطني ومشفى عائشة، وصحيح أنهم استغلوا عنصر المفاجأة ونجحوا في السيطرة السريعة على تلك الأهداف، ولكن هذا كله لا يكفي لاحتلال المدينة وإن يكن كافياً لإحراز تقدم خاطف في المعركة، وداعش لا تخوض معارك ارتجالية في العادة، وإذن فإننا نعود إلى السؤال: لماذا هاجمت داعش البوكمال؟
الذين بحثوا عن جواب السؤال في البوكمال ذاتها أغلقوا ملف القضية بعد تحريرها من الغزاة مساء ذلك اليوم، ولكن الملف ما كان له أن يُغلَق لأن الجواب ليس فيها؛ إنه في كباجب والشولا وفي القورية والطيانة والموحسن وذيبان وفي مركدة والحصين والصور والبصيرة، أو بتعبير أشمل: إنه في الجزيرة السورية كلها.
إنها بداية العلوّ الثاني لداعش في سوريا، ولئن علت الثانيةَ لَتُفسدَنّ فساداً عظيماً كما صنعت أول مرة.

-3-

بعد الموقف الشجاع الذي وقفه جيش المجاهدين في وجه تمدد داعش في الشمال المحرر أواخر كانون الأول الماضي، ذلك الموقف الرجولي الذي لن تنساه سوريا لأولئك الأبطال الصادقين، ثم بعدما انضمّ إليهم إخوانهم في التوحيد والأحرار والنصرة وبقية الكتائب المجاهدة في إدلب وحلب ودير الزور، بعد ذلك كله لم تجد داعش بُدّاً من الانسحاب من أكثر المناطق التي احتلتها سابقاً، فانسحبت من محافظة دير الزور وأخلت مواقعها في ريف حلب الغربي وفي جميع مناطق إدلب (ولم تنسَ أن تفجّر الطائرات المروحية التي كانت رابضة في مطار منّغ قبل انسحابها منه لئلا يستفيد منها الثوار في أي يوم من الأيام).
مع أواخر شباط 2014 نجحت كتائب ريف حلب الشمالي في دفع قوات الاحتلال الداعشية باتجاه الشرق، وبعد ذلك بأسبوعين أتمت داعش انسحابها من آخر معاقلها في ريف اللاذقية، فسلّمت أسلحتها الثقيلة ومقرّاتها في جبلَي الأكراد والتركمان لجبهة النصرة مقابل فتح الطريق أمام عناصرها للتوجه بأسلحتهم الفردية إلى الرقة.
لكن داعش لا تستسلم بسهولة، فإن الذين "صنعوها" لن يتراجعوا عن هدفهم الذي صنعوها من أجله، لذلك لم يكن انسحاب داعش من تلك المناطق كلها هزيمة لها، بل كان يمثل التطبيق الحقيقي لمصطلح مشهور كثيراً ما أُسيء استخدامه في حربنا الثورية: "الانسحاب التكتيكي".

-4-

عودة إلى الوراء: بعدما أعلن البغدادي تأسيس عصابة داعش في نيسان من العام الماضي بدأ على الفور بجهود حثيثة لبناء جيش محارب، فأنفق أربعة أشهر في تجميع الكوادر وتدريبها وفي شراء الأسلحة والذخائر وتكديسها في معسكرات "الدولة" في الرقة ودير الزور، ثم بدأ الغزو: هاجمت داعش مدن الرقة وقراها فاحتلتها عَنوةً، وسرعان ما أحكمت سيطرتها على محافظة الرقة كلها فصارت قاعدتَها الرئيسية في الشرق.
ثم بدأت بالانتشار في الحسكة ودير الزور فاحتلت مساحات واسعة من أراضي المحافظتين، وبعد ذلك بدأت باجتياح المناطق المحررة في حلب وإدلب والساحل.
ذلك كان هو الطريق الذي سلكته داعش لاحتلال "سوريا المحرَّرة" خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من العام الماضي (2013)، وكما رأينا فقد نجح المجاهدون في "عكس" ذلك الانتشار فعادت داعش إلى التقلّص والتراجع حتى دخلت في الجُحر الذي خرجت منه أول مرة، الرقة المحتلة!
وهنا ارتكب المجاهدون أكبر أخطائهم الإستراتيجية في المعركة، فقد توقفوا عن مطاردة العصابة بعد انكفائها إلى الرقة وتركوها لتعيد تنظيم قواها وتعويض خسائرها، فما لبثت أن صارت جاهزة للهجوم من جديد.
وتشير البدايات المقلقة للمعركة الجديدة إلى أن داعش ستحاول إعادة خطة الغزو الأولى التي طبّقتها في العام الماضي، فتبدأ بمحافظتَي الدير والحسكة، ثم تنطلق إلى غزو حلب من الشمال الشرقي، مع إضافة خطيرة: تحريك الخلايا النائمة في المناطق المحررة.

-5-

أثار هجوم داعش على البوكمال في العاشر من نيسان ضجة إعلامية واسعة، لكنه لم يكن عملية مفردة، فقد كان جزءاً من حملة واسعة نفذتها داعش على ثلاثة محاور: مدينة البوكمال، ومحور كباجب-الشولا على أتستراد دمشق غرب مدينة دير الزور، ومحور مركدة-الصُّوَر على الخابور الأوسط.
وحيث إن الهجوم على البوكمال كان أقرب إلى الغارة الخاطفة منه إلى الحرب الحقيقية ولم تحشد له داعش سوى مئتَي مقاتل فإنني أميل إلى الظن بأنه كان مجرد فقّاعة لصرف الانتباه عن موقع الهجوم الرئيسي ولتشتيت قوات المجاهدين بين الجبهات.
وقد انتهى الهجوم إلى فشل كامل خلال ست ساعات، وكذلك فشلت الغارة الأخرى على كباجب والشولا فانسحبت منهما بقايا القوة الغازية في اليوم التالي، يوم الجمعة الحادي عشر من نيسان.
كان دخول قوة الغزو إلى البوكمال استعراضياً تماماً وقد أثار الضجة الإعلامية المطلوبة، وازدادت الضجة مع الإعدامات الميدانية الواسعة التي نفذتها العصابة في المدينة، مما استدعى نفيراً عاماً تدفقت بعده على البوكمال أعدادٌ كبيرة من المقاتلين من المناطق القريبة، كما انتقلت أعداد أخرى إلى الشولا وكباجب لوقف الغزو الداعشي الآتي من البادية.
في الوقت نفسه تحركت "الخلايا الداعشية النائمة" في القورية والطيانة والموحسن وذيبان والبصيرة، وانتشرت عناصر داعش فيها انتشاراً مفاجئاً أثار قلقاً عاماً في الريف الجنوبي من الدير إلى البوكمال.
تلك الأحداث المتسارعة والمتزامنة ساعدت على تشتيت كتائب دير الزور وبعثرتها، فأضعفت أهم محاور القتال وسهّلت تقدم قوة الغزو الرئيسية على امتداد الخابور، حيث تحركت قوة تقدَّر بنحو ألف من مقاتلي عصابة داعش من الشدادي باتجاه الجنوب.

-6-

عندما يُكتَب تاريخ الثورة السورية سوف يخصَّص فصل للحرب الأولى مع داعش التي بدأت في الأتارب في الثلاثين من كانون الأول 2013، وسيخصص فصل آخر للحرب الثانية التي بدأت في مركدة في الثلاثين من آذار 2014، والتي ما تزال تجري أحداثها بعيداً عن الضوء الإعلامي الساطع حتى الآن، غير أنها لن تلبث أن تصبح في عمق اهتمام الثورة عما قريب إذا لم توضَع نهايةٌ حاسمة لها قبل فوات الأوان.
في ذلك اليوم شنت داعش هجوماً مباغتاً على مركدة فقتلت أكثر من خمسين من مجاهدي النصرة والأحرار الذين كانوا يسيطرون على البلدة، وقتلت فيها ذبحاً عدداً من الناشطين من غير المسلحين.
جاءت القوة الداعشية التي نفذت الهجوم المفاجئ من الشدادي التي تحولت مؤخراً إلى قاعدة داعش في ريف الحسكة الجنوبي، على الخابور الأوسط، حيث يرابط فيها نحو ألفين من مقاتلي تلك العصابة.
لكي نتخيل مجريات الأحداث ومخطط الغزو الداعشي فإن علينا الاطلاع على خريطة المنطقة ومعرفة قيمتها الإستراتيجية في حرب التحرير:
يمتد نهر الخابور من رأس العين على الحدود التركية إلى مدينة الحسكة (ويدعى هذا الجزء الخابور الأعلى) ثم يكمل جنوباً مروراً بالشدادي ومركدة وصولاً إلى الصُّوَر (وهذا الجزء يسمى الخابور الأوسط) وبعده يمتد الخابور الأدنى الذي يكمل التدفق جنوباً حتى يصبّ في الفرات عند بلدة البصيرة، على بعد عشرين كيلومتراً من الميادين تقريباً.
تبلغ مساحة الأراضي الزراعية الخصبة في حوض الخابور أربعة ملايين فدان يُزرع أكثرُها بالقمح، وتعتبر هذه المنطقة "سلة قمح سوريا"، فمَن سيطر عليها صار بإمكانه أن يُشبع السوريين أو يجوّعهم، كما تنتشر حواليها وبالقرب منها أهمُّ آبار النفط في سوريا، وهذا ما يمنح النزاع على تلك المنطقة بعداً إستراتيجياً مهماً في حرب التحرير.

-7-

انسحبت داعش مساء الخميس (10/4) من البوكمال كما انسحبت من الشولا وكباجب في اليوم التالي، ونجح السكان في محاصرة وطرد الخلايا الداعشية التي كانت نائمة في القورية والطيانة والموحسن واستفاقت مع غارات داعش الأخيرة، ولكن الهجوم الرئيسي في الخابور استمر بقوته الكاملة، فسيطرت داعش يوم الجمعة على بلدة الحصين (وهي على بعد نحو عشرين كيلومتراً جنوب مركدة) وقصفت بالمدفعية الثقيلة قريةَ غريبة الشرقية القريبة منها.
خلال الأيام التالية استولت داعش على عدد من القرى المحيطة بالحصين وغريبة بعد معارك شرسة مع جبهة النصرة وبعض الكتائب المحلية تسببت في نزوح آلاف المدنيين من قرى المنطقة، وبدأت بالتقدم باتجاه بلدة الصور الإستراتيجية، فاحتلت المويلح أولاً (13/4) ثم دخلت إلى الصور بعدها بيومين (15/4) حيث ارتكبت -كالعادة- مجزرة راح ضحيتها نحو ستين شهيداً من المجاهدين والمدنيين في البلدة.
الأيام التالية كانت عصيبة على كل القرى التي تقع بين الصور وهدف داعش التالي:
البصيرة، فقد دخلت داعش قرية النملية جنوب الصور وقامت باعتقالات واسعة فيها، وترافق تقدم داعش باتجاه البصيرة مع حركة نزوح وتشرد هائلة من قرى الخابور الأدنى كلها.
فيما أكتب هذه الكلمات تدور اشتباكات منذ يومين في قرية الحريجي على بعد ثلاثين كيلومتراً من البصيرة التي تستميت داعش للسيطرة عليها، ولو أن داعش استمرت بالتقدم ونجحت بالسيطرة على البصيرة فسوف تنتقل المعركة إلى الشحيل والميادين، معاقل جبهة النصرة في الدير، وقد يشتعل حوض الفرات كله من البوكمال إلى دير الزور.
يوشك الخطر الداعشي أن يعود أكبرَ مما كان، فماذا يصنع المجاهدون؟
الجواب واحد لا جوابَ غيره، هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي نقرؤه في حديث البخاري ومسلم: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ قتلَهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة".

(التكملة في المقالة القادمة إن شاء الله)


الزلزال السوري    

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع