..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

المرتكزات الديموغرافية والاجتماعية والثقافية في المشروع الإيراني

غازي التوبة

٢٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7308

 المرتكزات الديموغرافية والاجتماعية والثقافية في المشروع الإيراني
غازي التوبة000.jpg

شـــــارك المادة

أولا: المرتكزات الديموغرافية في المشروع الإيراني:
يقدر عدد سكان إيران عام 2012 بـ 78 مليون نسمة، وهناك عدة إيجابيات في التركيبة السكانية لإيران وهي نسبة الشباب العالية في المجتمع، فقد ذكرت الإحصائيات أن 45% من سكانها هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما.

 

 


تتكون الجمهورية الإيرانية من عدة أعراق، وتختلف الإحصاءات التي تقدر كل عرق حسب قربها من الحكومة وبعدها عنها، وآخر الإحصائيات الرسمية تقدر السكان حسب النسب التالية:
الفرس 50% ، الآذريون الترك 23% ، الأكراد 11% ، العرب 5% ، البلوش 3% ، التركمان 3%

وكان المفترض أن تستفيد إيران من هذه الأعراق وتدمجها في كيان أمة واحدة وتستفيد منها، ولكنها أعطت الجمهورية طابعاً قومياً فارسياً، ويؤكد ذلك احتفالاتها بالأعياد الفارسية، ومنها: عيد النيروز، مما جعل الأجناس والأعراق الأخرى تتطلع إلى قومياتها أيضاً، فتشكلت عدة جبهات من الأعراق غير الفارسية، تطالب بحقوقها القومية، ورفعت السلاح في وجه الحكومة المركزية، وتشكلت جبهات تحرير في كل من الأهواز، وكردستان وبلوشستان، ومنها: حركة تحرير بلوشستان، حركة المقاومة الشعبية لبلوشستان (جند الله)، حزب كوملة الكردي، الحزب الديمقراطي الكردي، حركة تحرير عربستان، أنصار السنة (الأهواز) الخ....

ليس من شك بأن هذا التصارع والاقتتال بين حكومة إيران وهذه الجبهات المتعددة تستنزف جانباً من جهود وإمكانات الحكومة الإيرانية من جهة، ويعمق العداوة والتباعد بين الأعراق المختلفة ذات الدين الواحد من جهة ثانية، ويعطي نموذجاً سيئاً للأمم الأخرى من جهة ثالثة، وسبب ذلك كله بروز الناحية العنصرية الفارسية في التعامل الإيراني.

أهل السنة:
يدين معظم الإيرانيين بالإسلام، ويتبع أغلبية كبيرة من السكان المذهب الشيعي الجعفري والمعروف أيضا بالمذهب الإمامي أو الإثنى عشري. ويأتي في المرتبة الثانية المذهب السني. ثم ديانات أخرى مثل البهائية واليهودية والزردشتية والمسيحية [1].
تاريخياً كان أهل السنة (الشافعية والحنفية) الأكثرية في إيران[2]. وكان الشيعة أقلية، محصورة في بعض المدن الإيرانية، مثل قم، وقاشان، ونيسابور، ولما وصل الشاه إسماعيل الصفوي إلى الحكم سنة 907 هـ أجبر أهل السنة على التشيع حين خَيَّرهم بينه، وبين الموت.
يقول الباحث العراقي د. علي الوردي متحدثاً عن حكم الصفويين لإيران والعراق: “يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل (الشاه إسماعيل الصفوي) عمد إلى فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة، وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثة. وكان شديد الحماس في ذلك سفاكاً لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالف أمره أو لا يجاريه.
قيل إن عدد قتلاه ناف على ألف ألف نفس”[3] أي مليون سني. وانتشر المذهب الشيعي بالتدريج في وسط إيران بينما بقي أهل السنة في الأطراف.

تتضارب المعلومات بشأن الحجم الحقيقي للسنة في إيران: فالإحصاءات الشبه الرسمية لحكومة إيران تقول إنهم يشكلون 10 % من السكان. إلا أن بعض مصادر السنة تؤكد أنهم يشكلون 30%، وهو يوافق -كما يقولون- الإحصائية القديمة التي أجريت أثناء حكم الشاه.
ومصادر مستقلة تقول أن السنة يشكلون من 15 إلى 20 % من سكان إيران، وإذا اعتمدنا النسبة الأخيرة يكون عدد أهل السنة يقارب 16 مليون.
حين اندلعت الثورة المليونية في إيران عام 1979م شارك أبناء أهل السنة بكل أطيافهم في تلك الثورة، و كان علماء و شباب أهل السنة في مقدمة المتظاهرين و قدّموا مئات الأرواح في سبيل نيل الحرية والخلاص من الظلم والاستبداد وإقامة الجمهورية الإسلامية.
لكن بعد انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه بأشهر قليلة سيطر الخميني وأتباعه على الحكم، وحوّلوا آمال الشعب في إقامة جمهورية إسلامية إلى إقامة جمهورية طائفية شيعية ضيّقة، واستعملوا السلطة لقمع الأقليات المذهبية والقومية وخاصة الشعب الكردي المسلم.
واستفادوا من جميع الوسائل المتاحة لهم لضرب أهل السنة وتضعيفهم وتهميشهم من المشاركة في الحياة السياسية والمساهمة في إدارة البلاد وهذه بعض الحقائق التي تدل على ذلك:
1. لم ينـّصب سني واحد في ما يسمى بمجلس صيانة الدستور الذي يتكون من ستة حقوقيين وستة مجتهدين مهمتهم المصادقة على القوانين التي يقرها البرلمان.
كما يخلو مجلس الخبراء الذي يتولى مهام تنصيب وعزل مرشد الثورة من سني واحد.
ولا يوجد من بين ممثلي مرشد الثورة في المحافظات والأقاليم سني واحد حتى في المناطق ذات الأغلبية السنية فإن ممثلي المرشد من رجال الدين الشيعة.
2. منع أئمة وعلماء أهل السنة من إلقاء الدروس والخطب في المدارس و المساجد والجامعات ولا سيما إلقاء الدروس العقائدية، وإذا حدث فيجب أن يكون بأمر من “وزارة الإرشاد الإسلامي” وتحت مراقبة وزارة الأمن والاستخبارات ويجب أن لا يخرج الإمام عن الحدود المقررة له وإذا خرج فيتهمونه بالوهابيّة! أو ما شابه ذلك، بينما لأئمتهم ودعاتهم الحرية المطلقة في بيان مذهبهم بل التعدي على عقيدة أهل السنة وسب الصحابة الكرام.
3. إن أهل السنة في إيران محرومون من بناء المساجد والمراكز و المدارس في المناطق ذات الأكثرية الشيعية.
فمثلاّ: يعيش في طهران حوالي مليون شخص من أهل السنة و لكن ليس لديهم أي مسجد أو مركز يصلون أو يجتمعون فيه، بينما توجد كنائس للنصارى واليهود ومعابد للمجوس.
كل ذلك تحت ذريعة الحفاظ على وحدة المسلمين “السنة والشيعة” و تجنب التفرقة بينهم في حين للشيعة مساجد وحسينيات ومراكز في المناطق ذات الأكثرية السنية.
ويجب أن نشير إلى أن هناك مدناً أخرى كبيرة ليس فيها أي مسجد لأهل السنة مثل مدن: أصفهان، يزد، شيراز، ساوة، كرمان الخ....
4. قتل واغتيال واعتقال وسجن عدد كبير جداَ من الشيوخ الأفاضل والعلماء البارزين وطلبة العلم والشباب المخلصين الملتزمين دون أي ذنب أو ارتكاب أية جريمة فقط، لأنهم من أهل السنة متمسكون بعقيدتهم الإسلامية ويدافعون عن الحق ويطالبون بحقوقهم الشرعية من مختلف المناطق الكردية والأهوازية والبلوشية.
منهم: المشايخ عبد الله قهستاني، عبدالعزيز سليمي، أحمد رحيمي، إبراهيم دامني الخ...

الخلاصة:
إن قيادة إيران بعد ثورة الخميني، لم تستفد من التنوع العرقي والديني الذي تملكه إيران لأنها واجهت الأعراق والأجناس بالعصبية الفارسية، وواجهت أهل السنة الذين يجب أن يكونوا رديفاً لها في مشروعها الإسلامي بالإصرار على إبراز مذهبها الشيعي من جهة، وترسيخ لونها الطائفي من جهة ثانية، وقمع أهل السنة دون هوادة من جهة ثالثة.

ثانيا: المرتكزات الاجتماعية في المشروع الإيراني:
ومن المعلوم أن شاه إيران السابق كان يقود بلده في اتجاه التغريب، وكان هناك فساد منتشر، وجاءت الثورة الإسلامية بقيادة الخميني من أجل تحقيق أهداف إسلامية سامية، مثل زيادة التطهر والعفاف في المجتمع، وزيادة الأمن والأمان، وإنهاء الظلم وإقامة المساواة، وإزالة الفقر وإقامة العدالة في توزيع الثروة، والقضاء على الإدمان والمخدرات، وإنهاء الموبقات والدعارة الخ...... فهل تحققت كل هذه الأهداف؟

ماذا نجد في واقع إيران بعد ثلاثين سنة من الثورة؟
نجد أن المشاكل ازدادت بدلاً من أن تقل، فأول مشكلة تواجه إيران هي الإدمان على المخدرات، فيقدر الباحثون أن عدد المدمنين في إيران 2.5 مليون مدمن، ولو اعتبرنا أن عدد أفراد الأسرة بمعدل وسطي هو خمسة أشخاص فمعنى ذلك أن هناك 12.5 مليون شخص مشغولين ومعطلين مرتبطين بهذا المدمن ومشاكله.
وطبقا لتقرير المخدرات العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة لعام 2005 عن مدمني الأفيون في العالم، توجد في إيران أعلى نسبة من المدمنين في العالم، إذ أن 2.5% من السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة مدمنون على نوع من المخدرات، وإلى جانب إيران توجد دولتان في العالم تتعدى نسبة المدمنين فيها 2% وهي موريشيوس وقرغيزستان [4].

وقد أفادت برقيات دبلوماسية عبر موقع ويكيلكس أن إيران تعتبر من أكبر مهربي المخدرات في العالم. وقد أكد وزير خارجية أذربيجان أن عمليات التهريب بين أيدي أجهزة الأمن الإيرانية وأنه عندما تعتقل السلطات الآذرية مهربين إيرانيين وترحلهم إلى بلادهم كي يقضوا فيها أحكاماً بالسجن، يطلق سراحهم بسرعة [5].
أما بالنسبة لقضية الدعارة، فقد ذكر راديو أوروبا الحرة [6] استناداً إلى الرقم الرسمي هناك 300 ألف امرأة من اللواتي يعملن كمومسات في إيران وطبقاً للصحف، العدد يرتفع بثبات، وقال رسول نفيسي، عالم الاجتماع وعميد كلية الدراسات في جامعة “سترايير” واشنطن DC، RFE/RL لخدمة الفارسية أن سبب زيادة الدعارة الآن: ضعف الاقتصاد، وارتفاع معدل الطلاق، واستغلال الفتيات اللاتي فررن من الأسر الفقيرة ولكن ليس لديهم وسيلة للعيش بشكل مستقل.

وتشير الدراسات إلى أن الدعارة بعد أن كانت منتشرة بين الفئة العزباء أصبحت منتشرة بين المتزوجات، كما أن سن البدء بالدعارة انخفض ليصل إلى 15 عاماً، في حين كان السن في العشرين سنة الأولى من الثورة 30 سنة فما فوق، وكشفت الدراسات أن الدعارة كانت في السابق لسد احتياجات أساسية للمرأة في حين أصبحت اليوم لسد احتياجات ثانوية، وتذهب دراسات إلى أبعد من ذلك وتقول أن السن انخفض إلى (8-10) سنوات، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة في مجلس الشورى.

وقد أقر تقرير إيراني نشر لأول مرة عام 2000 بوجود ظواهر الدعارة وتعاطي المخدرات وأنها في ازدياد بين شباب إيران، وقد كتب التقرير محمد علي زام رئيس الشئون الثقافية والفنية في طهران، وهو يعد شخصية ذات نفوذ، وقد وجد التقرير زيادة حادة في المشكلات بين عامي 1998-1999، أما بالنسبة للصلاة فقد ذكر التقرير أن 75% من عدد السكان، ونحو 86% من الطلاب الشباب لا يؤدون الصلوات[7].

هنالك أرقام تتحدث عن عشرة ملايين إلى 15 مليون فقير في إيران[8]، وقد تحدث عن اتساع رقعة الفقر في إيران عالم الاجتماع والاقتصاد الدكتور محمد جواد زاهدي الذي نشر بحثاً موسعاً حذر فيه من “تسونامي فقر”[9] يهدد الجمهورية الإسلامية، وعلل ذلك بغياب المساواة والفساد الإداري وارتفاع التضخم إضافة إلى ضعف القطاع الخاص وشيوع الفساد الأخلاقي والاقتصادي وساهم غياب مظلة الرعاية الاجتماعية في جر الطبقتين الدنيا والمتوسطة إلى حافة الفقر ولا شك أن الفقر سبب في عدد من المشكلات الاجتماعية الأخرى كالإدمان والإجرام والدعارة، وبناء على مؤشرات معتمدة للكسب والعمل من قبل البنك الدولي لعام 2010 احتلت إيران المرتبة 137 من بين 187 دولة.

وتأتي مشكلة سكان العشوائيات في إيران كإحدى المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، ويقدر سكان العشوائيات بخمسة ملايين نسمة، وتقدرها دراسات أخرى بعشرين مليوناً، ولا شك بأن وجود مثل هذه العشوائيات سيكون مرتعاً لتفريخ الجريمة، وتشير دراسة أجريت على هذه الفئة في المناطق القريبة من طهران إلى أن 59% منهم من مرتكبي الجرائم.

شعرت إيران في منتصف عام 2010 أن التعليم في خطر وجاء هذا الشعور بعد أن أحست القيادات بفشل حكومات الثورة المتعاقبة في ترسيخ المبادئ الثقافية للثورة الإسلامية، لذلك أعلنت الحكومة الإيرانية عن “الوثيقة الوطنية للتربية والتعليم” من أجل أسلمة التعليم، واستغرق تدوين الوثيقة خمس سنوات، وقد أعلن عنها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
ليس من شك بأن الطهر والعفاف والاستقامة والفضيلة وزوال الفقر، وقيام العدالة والمساواة الخ...، هي صفات يتوقع أن يتصف بها أي مجتمع يطبق الإسلام، ويجعل الشريعة الإسلامية مرجعية له، بعد أن كان يرسف في منهجية مخالفة للإسلام، أو على الأقل نتوقع أن تتقدم وتزداد مساحة الطهر والعفاف والاستقامة والفضيلة فيه، وأن يزداد عدد الأغنياء والمكتفين ويقل الفقراء، وأن تقوم المساواة في المجتمع، وأن يصل كل مظلوم إلى حقه.
هذا ما نتوقعه من المجتمع والدولة التي تطبق شريعة الله، لكننا كما لاحظنا لم يحدث هذا في إيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية! فما السبب؟
إذا أردنا أن نعرف، فعلينا أن نبحث عن ذلك السبب في داخل المذهب الشيعي ذي التكوين الخاص.
وأنا أرجح أن السبب يعود في رأيي إلى عاملين:
الأول: هو طبقة الملالي.
والثاني: هو مفهوم الولاية عند الشيعة وسنلقي الضوء على هذين العاملين، ونبين دورهما في إنتاج الفساد والرذيلة.

الأول: طبقة الملالي:
من الواضح أن إحدى مخالفات الإسلام للديانات التي سبقته وبشكل أخص المسيحية، هو إلغاء طبقة رجال الدين، وعدم وجودها في الإسلام.
فالمسيحية أقرت بوجود كنيسة ترعى أمور الدين، وأوجدت طبقة رجال الدين ترعى الكنيسة وتقوم بدور الواسطة بين المسيحي والله، ولا شك أن هذه الطبقة الكهنوتية التي كانت تعطي المغفرة للمسيحي وتحتكر فهم الدين، وتوزع النار على العاصين، وتعطي مساحات من الجنة لمن يدفع لها أموالاً أكثر الخ...، ليس من شك بأن هذه الطبقة من رجال الدين كانت إحدى عوامل الفساد في المجتمع الأوروبي، والتي قامت عليها ثورة مارتن لوثر في ألمانيا، والتي أنشأت المسيحية البروتستانتية في مطلع القرن السادس عشر، ثم ثارت عليها مرة ثانية في نهاية القرن الثامن عشر في الثورة الفرنسية عام 1789م، وأنهت تحالف الإقطاع مع رجال الكنيسة، وبدأت العصور الحديثة.

لقد ألغى الإسلام طبقة رجال الدين، واعتبر أن العلاقة بين العبد وربه يجب أن تتم بغير واسطة لذلك أدان القرآن الكريم المشركين الذين اتخذوا بعض الأصنام واسطة إلى الله فقال تعالى: [أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)](الزمر، 3)
وطلب القرآن الكريم من المسلم أن يدعو الله فقال تعالى:  [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)] (غافر ، 60)
وقال تعالى[وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)](البقرة ، 186).
 

إن اعتبار المسلم مسئولاً عن نفسه، وأنه مسئول عن أعماله، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى: [وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)] (الزمر ، 7)
وأن عليه أن يطهر نفسه، ويوجه قلبه إلى الله، ثم أنه لا واسطة بينه وبين الله، وأن الله قريب منه يسمع نداءه، ويرى ضعفه ويلبي حاجته، إن هذه المعطيات تولد حيوية وفاعلية نفسية عند الإنسان لا تتولد عندما يركن إلى أن هناك من ينوب عنه، ويؤدي دورا عنه.
من الجدير بالذكر أن المذهب الشيعي يشترط على كل شيعي أن يرتبط بمرجعية شيعية معاصرة له، وأن يلتزم اتباعه، وأن يدفع له “خُمسَ أمواله”، وأن يتبعه في عباداته، وأن يستفتيه في حال طلب الفتوى، وأن يمنحه ولاءه، وبهذا أصبحت طبقة الملالي في المذهب الشيعي إلى حد ما، تقابل طبقة رجال الدين في الكنيسة المسيحية، وهي سبب رئيسي في انتشار الفساد والرذيلة في المجتمع الإيراني، وبخاصة أنها طبقة غنية بسبب “الخمس” الذي تأخذه من أتباعها كما ذكرنا، وقد لجأت الحكومة إلى التستر على فضائح رجال الدين، فهي تمنع نشر ما يتعلق بهم، وقد فعلت ذلك منذ بداية الثورة عندما بدأت تنتشر فضائح صادق خلخالي أحد قيادات الثورة عام 1979م.

إن وجود رجل دين على رأس السلسلة الدينية التي ارتبط بها الشيعي ولدت أثرين سلبيين:
الأول: على الشيعي نفسه إذ قللت فاعليته النفسية لأنه يركن إلى هذا الملالي الشيخ في بعض الأمور.
الثاني: على المجتمع، إذ تنتج هذه الطبقة فساداً، وهذا ما ثبت في الوقت الحاضر وعلى مدار التاريخ في المجتمعات السابقة، فقد نقلت التقارير والدراسات والصحف والمجلات كثيراً من فساد طبقة رجال الدين في إيران لا يتسع المقام لذكرها وإحصائها.

الثاني: مفهوم الولاية:
لقد أقام الإسلام كيانه على جناحين هما: العقل والنقل، وعندما يستوي الجناحان تطير الأمة وتحلِّق، وتبدع، وعندما يحدث خلل في أحد الجناحين تهبط وتتعثر.
ونحن نعتقد أن الوحي قد انتهى بوفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنه بقي علينا إعمال العقل في تطبيق الشريعة، والاجتهاد في إنزال الأوامر والنواهي التي أمرنا بها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على أرض الواقع بواسطة عقولنا، ولكن الشيعة يعتقدون بأن الوحي لم ينقطع، بل هناك اثنا عشر إماماً بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يتلقون وحياً عن طريق الإلهام، وأن أقوالهم بمنزلة الوحي الذي هو استكمال للشريعة التي جاء بها محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليس هذا فحسب بل هناك مهدي منتظر، وهو الآن موجود حي يرزق، وهو يظهر لبعض الناس، يعلمهم ويُصوِّب لهم آراءهم، ويصحح لهم فتاويهم.......،
ليس من شك بأن مثل هذا الاعتقاد يرفع أقوالاً بشرية إلى درجة التقديس، ويفتح مجالاً للأوهام والخزعبلات والتبديل والخرافات الخ....

إن مفهوم «الولاية» جزء من «العرفان الشيعي»، وقد ذكر الدكتور محمد عابد الجابري[10] في دراسته عن «العقل العربي» أن العرفان الشيعي متأثر «بالموروث الهرمسي»، وهو قد التقى في ذلك مع هنري كوربان في كتابه عن «تاريخ الفلسفة الإسلامية» الذي قال فيه عن الشيعة « أنهم أول من تهرمس في الإسلام» ومن المعلوم أن «العرفان» بشكل عام يعتبر أن المعرفة تأتي عن طريق «الكشف» وليس عن طريق «العقل» وهذا ما يفتح المجال لعالم الخرافات والخزعبلات والأوهام ويزيد من حجم اللامعقول ويضعف التعامل العقلي مع الأمور والمشكلات.

لقد جلب «مفهوم الولاية» للطائفة الشيعية انحرافين في مجال النقل والعقل:
فهو في مجال النقل أضاف أقوالاً بشرية للأئمة الإثني عشر تحتمل الخطأ والصواب وهم اعتبروها وحياً غير قابل للخطأ، وهذا الانحراف الأول.
وفي مجال العقل فإنه جرى تضخيم اللامعقول في المذهب الشيعي نتيجة ارتباط «مفهوم الولاية» بالعرفان الهرمسي وهذا الانحراف الثاني.
من الواضح –الآن- أن صورة إيران الاجتماعية ليست صورة وردية، فالثورة الإسلامية لم تقض على الدعارة والمخدرات والإدمان والفساد والتحلل الأسري وجرائم القتل التي ورثتها عن حكومة الشاه السابقة بل ازدادت الأرقام، وازدادت المشاكل الاجتماعية استفحالاً وهذا دعانا للبحث عن الأسباب في داخل المذهب الشيعي فوجدنا أنها تعود إلى عاملين: طبقة الملالي من جهة، ومفهوم الولاية من جهة ثانية.

ثالثا: المرتكزات الثقافية في المشروع الإيراني:
ليس من شك بأن الأمة الإسلامية أمة واحدة، ولعب العامل الثقافي دوراً رئيسياً في إظهار وحدتها بعد أن ضعفت العوامل الأخرى وبخاصة العامل السياسي إثر سقوط الخلافة، وإلغاء رمزية الخلافة العثمانية عام 1926م في إقامة وحدة المسلمين.
وقد وصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بأنها واحدة مرتين فقال تعالى: [إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)](الأنبياء، 92)
وقال تعالى أيضا: [وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)]
(المؤمنون، 52)
وقد وعى الصحابة أهمية عامل الوحدة في تحقيق استمرارية وجود الأمة الإسلامية لذلك كانت إشارة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بجمع القرآن الكريم بين دفتي مصحف واحد بعد أن فقدت الأمة عدداً من القراء في المعارك مع المرتدين، فاستجاب أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لاقتراح عمر -رضي الله عنه-، وشكل لجنة جمعت المصحف، ثم نسخ عثمان رضي الله عنه عدة نسخ من المصحف، فأرسل نسخة إلى كل من الشام والكوفة ومصر، ثم كان الاهتمام بتنقيط كلمات المصحف وتشكيله من أجل ضبط قراءته، وقد استهدفت هذه الجهود المحافظة على النص القرآني كما أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ثم قامت جهود أخرى من أجل ضبط المعنى، فتولدت علوم متعددة من أجل المساعدة في ضبط المعنى منها:
علوم المكي والمدني، وعلوم القرآن، والتفسير، النحو والصرف، ومعاجم اللغة....... ثم قامت جهود من أجل ضبط أحاديث وأقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتولدت علوم الحديث ومصطلحه، وتم تدوين كتب الصحاح والمسانيد والمعاجم الخ....
هذا استعراض سريع لبعض الجهود التي قامت بها الأمة من أجل خدمة القرآن والسنة اللذين هما عماد الوحدة الثقافية.

وقد قامت عشرات الدول على مدار التاريخ الإسلامي وسقطت من أمثال: دولة الأمويين والسلجوقيين والزنكيين والأيوبيين والطولونيين والإخشيديين والمرابطين والموحدين الخ... 
وقامت صراعات متعددة بين هذه الدول، لكن الأمة بقيت موحدة، لأنها ذات ثقافة واحدة، وذات لغة واحدة، وذات تاريخ واحد الخ.... وكان العلماء هم الذين يرعون هذه الوحدة ويقودونها.

ولقد تعرضت هذه الوحدة الثقافية لمحاولة التفتيت في العصر الحاضر، بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1926:
فقد اتهمت اللغة العربية – وهي من أهم عوامل الوحدة الثقافية – بأنها لغة لا تناسب العصر، وأنها صعبة الإملاء والنحو، لذلك دعا بعض الكتاب إلى الكتابة باللغة العامية وعلى رأسهم سلامة موسى في مصر، كما دعا بعضهم إلى استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي كما فعل سعيد عقل وأصدر ديواناً شعرياً ًبالحرف اللاتيني سماه ديوان (يارا).... وغير ذلك كثير.

كما اتهمت الحضارة الإسلامية بأنها حضارة نقل لا إبداع فيها وبأن دور المسلمين الحضاري كان نقل علوم اليونان إلى الغرب، ولا شك أن هذا القول فيه ظلم كبير لحضارتنا التي أضافت وطورت وأبدعت في كل مجالات الطب والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء الخ....
كما شكك بعض الباحثين بمصداقية القرآن الكريم ومنهم طه حسين الذي ذكر في كتاب «في الشعر الجاهلي» فقال: «للتوراة أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن، لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة[11]».

وشكك باحثون آخرون بالسنة النبوية وبأن الأحاديث النبوية وضعت من أجل مصلحة الفِرق واتهم آخرون تاريخنا بأنه تاريخ استبداد الخ....
هذا ما حدث بين الحربين العالميتين، لكن موجة جديدة جاءت بعد الحرب العالمية الثانية تحمل صبغة «اشتراكية شيوعية» كانت أشد عداء لعامل الوحدة الثقافية، فقامت دول وأحزاب ذات نظام اشتراكي شيوعي في سورية ومصر والعراق والجزائر وليبيا والسودان والصومال الخ...، تعتبر الدين عامل تأخر وانحطاط، لذلك يجب استئصاله من حياة الأمة، وأن كل الغيوب التي يتحدث عنها الدين من جنة ونار هي أفيون للشعوب يستعملها الأغنياء من أجل استغلال الفقراء، وأن المتدينين رجعيون مرتبطون بالرأسمالية لذلك يجب استئصالهم.

وبالفعل نشرت الأنظمة العربية هذه الثقافة المعادية للدين في مختلف أجهزتها الإعلامية، وبرامجها الدراسية، ومارست العنف والاضطهاد نحو المتدينين، وسجنت الكثير منهم، وطاردت بعضهم الآخر....، لكنها خسرت هذه المعركة في النهاية، لأن الدين الذي حاربته وهو الدين الإسلامي ليس كالدين المسيحي، فهو ليس دين خرافة وخزعبلات وأوهام الخ...، بل هو دين عقل وعلم، لذلك كانت الصحوة الإسلامية التي بدأت بعد نكسة عام 1967، وعاد الدين ليأخذ وضعه في حياة الناس، فعادت النساء المسلمات للحجاب، وامتلأت المساجد، ونشأت البنوك الإسلامية، وراج الكتاب الإسلامي، ونشطت الجمعيات الخيرية الإسلامية في كل أصقاع الدنيا الخ...

لكننا فوجئنا بموجة جديدة من محاولة تفتيت الوحدة الثقافية بدأت من دولة إيران التي حكمها الخميني بعد ثورة 1979 التي أسقط فيها حكم الشاه، ليعتلي الحكم في 11-2-1979 ومن المؤسف أن قيادة الثورة أصرت أن تضع في الدستور الذي وضعته بعد قيام الثورة مادة تعتبر أن المذهب الجعفري هو المذهب الرسمي لإيران إلى الأبد، وقد جاءت المادة لثانية عشرة كما يلي: «الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثنا عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغيير» [12] 
وقد حاولت بعض القيادات الإسلامية مع الخميني وغيره من أجل ألا تكون هذه المادة بتلك الصيغة لأجل إبعاد الصبغة الطائفية عن إيران، لكنها أصرت على ذلك، مما يدل على تصميم الخميني ومن حوله على البعد الطائفي.

من الواضح أن المذهب الجعفري يقوم على قواعد وأصول وفقه يختلف عن مذهب أهل السنة والجماعة، إن لم يتناقض في بعض الجوانب، ونحن سنوضح الجوانب الثقافية التي يقوم عليها والتي تتناقض مع الجوانب الثقافية لأهل السنة.

الأصول التي قامت عليها فرقة الشيعة:
1- في مجال السياسة:
اعتبر أهل السنّة أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك اختيار الإمام للمسلمين، لذلك اجتمع المسلمون بعد وفاته في سقيفة بني ساعدة واختاروا أبا بكر -رضي الله عنه-، لكنّ الشيعة ترى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم نصّ على إمامة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ويَرْوُون في ذلك عدّة أحاديث أبرزها حديث غدير خم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «مًنْ كنتُ مولاه فعليٌ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق حيث دار، ألا هل بلّغت؟» [13] قالها ثلاثاً حسب الرواية.

وتُنَظّر فرقة الشيعة لقضية الإمامة فتقول: «ليست الإمامة قضية مصلحة تُناط باختيار العامة وينتصب الإمام بتنصيبهم، بل هي قضية أصولية وهي ركن من أركان الدين لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم إغفاله وإهماله وتفويضه إلى العامة وإرساله.
ويجمع الشيعة القول بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، وما كان في الدين الإسلامي أمر أهم من الإمام حتى تكون مفارقة الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمّة، وإنما بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق.
فلا يجوز أن يفارق الأمّة ويتركهم هملاً يرى كل واحد منهم رأياً ويسلك كل واحد منهم طريقاً ولا يواقع في ذلك غيره، بل يجب أن يعيّن شخصاً هو المرجوع إليه وينصّ على واحد هو الموثوق به والمعوّل عليه. وقد عيّن عليّاً في مواضع تعريضاً وفي مواضع تصريحاً» [14].

2- في مجال أركان الدين:
اعتبرت الشيعة أنّ قضية الإمامة من أركان الدين بل أهمّها، ويروون حديثاً يقول: “بُني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية” وتضيف نفس الرواية: “وما نُوديً بشيء مثل ما نودي بالولاية” [15].
ويروون حديثاً آخر عن الإمام الباقر يقول فيه: «بُني الإسلام على سبع دعائم: الولاية، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد» [16].
والولاية في التصوّر الشيعي سلطة «إلهية» خصّ الله بها الأنبياء والأولياء سواء بسواء. ذلك أنّ كل الفرق بين النبي والولي، حسب ما يَرْوُونه عن جعفر الصادق هو أنّ النبي يحلّ له من النساء أكثر من أربع بينما لا يحلّ ذلك للوليّ.

3- في مجال التشريع والفقه:
تلتقي فرقة الشيعة مع أهل السنّة في القرآن الكريم[17]، ولكنها تختلف معها بعد ذلك في بقية الأصول كالسنّة والإجماع والقياس، والمصادر الأخرى كالاستحسان والمصالح المرسلة الخ...
فقد ألّف هشام بن الحكم رسالة تحت عنوان «نقض رسالة الشافعي» فهم لا يأخذون بالقياس، ويستنكرون القياس ويشنّعون عليه فيقولون: أول من قاس إبليس إِذ أمره الله بالسجود لآدم؛ فقال:[أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ] (الأعراف:12)
أمّا بالنسبة لمصادر السنّة الأخرى فإنّ الشيعة لا تعترف بمراجع الحديث السنّية كالبخاري ومسلم...، ولها مصادرها الحديثية كالكافي للكليني.
وهم يشترطون أن يكون الحديث مروياً عن واحد من أهل البيت، وهم يعتبرون روايات الأئمة الإثني عشر في مرتبة الحديث الشريف، لأنها تأتي إلهاماً من الله، وتأتي من معصومين، وهي تكمل ما بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ويعتقد بعض الشيعة أن الإمام الثاني عشر الغائب يظهر في بعض الأحيان لأتباعه، ويفتي لهم في بعض القضايا والمعضلات، ويوجّههم إلى الصواب في هذه الفتوى، فمن الطبيعي أن تختلف الأحكام الفقهية في مجالات الطهارة والصلاة والصيام والزكاة بين الشيعة والسُّنة الخ... نتيجة الاختلاف التي تستند إليها الأحكام الفقهية.
وأن المشكلة تبدأ مع إيران عندما تصر على نشر مذهبها الشيعي في البلاد العربية والإسلامية ذات المذهب السني، وهنا تبدأ عملية التصادم والتفتيت للعامل الثقافي الذي هو العامل الأهم في المحافظة على وجود الأمة في الوقت الحاضر.

ومن الجدير بالذكر أن بعض الحركات الإسلامية السنية، وكثيراً من علماء أهل السنة، وبعض المؤسسات العلمية السنية رحبت بانقلاب الخميني ومدت يدها إلى قيادات إيران من أجل التعاون في مواجهة الأخطار التي تحيط بالمسلمين وبالذات الخطر الصهيوني والغربي.
لكن القيادات السنية تفاجأت بإصرار قيادات إيران على نشر المذهب الشيعي في البلدان العربية والإسلامية ذات الأغلبية السنية من مثل: مصر والمغرب والجزائر وتونس وسورية الخ....
وكان الشيخ يوسف القرضاوي أبرز المشايخ الذين مدوا يد التعاون لهم، وأعطى آراء معتدلة في مذهبهم، ووضع ممثلين منهم في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولم يسمع في البداية لبعض الآراء التي تتهمهم باستغلال الموقف الطيب، والعلاقة الطيبة من أهل السنة باتجاه ترويج مذهبهم، وظن أن هؤلاء الناس الذين يحدثونه عن ذلك يبالغون، ثم تحقق من صحة دعواهم في مصر التي هي بلده، ومن هنا وجد أن هذا العمل ضار بالأمة، ويؤدي إلى الاختلاف والتفتيت الثقافي، في حين أن اجتماعنا ولقاءنا في الأصل من أجل عكس ذلك، ومن هنا دعاهم إلى إيقاف الدعوة إلى التشيع في البلدان ذات الغالبية السنية، على أن لا يدعو أهل السنة إلى التسنن في المناطق ذات الأغلبية الشيعية فرفضوا ذلك، ومن هنا غير الشيخ القرضاوي موقفه منهم.
كذلك انقلب عليهم شيخ الأزهر أحمد الطيب عندما طلب من ملاليهم وقياداتهم الدينية أن يكتبوا كلمة وفتوى تحرم على أتباعهم سب الصحابة فرفضوا ذلك.
من الواقعتين السابقتين يتضح أن إيران مصرة على نشر مذهبها الشيعي في بلاد أهل السنة بمختلف الوسائل، وهي عندما تفعل ذلك فإنما تقوم بأضخم عملية تفتيت للعامل الثقافي في الأمة، وبذلك تتعرّى دعاوى إيران وحزب الله في لبنان إلى إقامة الوحدة الإسلامية، فهم يعملون على تدمير الوحدة الإسلامية وتفتيت كيان الأمة عندما يصرون على نشر مذهبهم الشيعي في بلدان متمسكة بالمذهب السني.

وقد اتبعت القيادات الإيرانية منذ عهد الخميني أسلوباً تدليسياً، فأظهرت حرصاً على القضية الفلسطينية من أجل أن تكسب قلوب المسلمين، وتستدر عواطفهم نحوها، لكي يساعدها ذلك على نشر مذهبها وقد قال الخميني لبعض المحيطين به بعد وصوله إلى طهران عام 1979: «لا قيمة لكل سياساتنا، إذا لم يكن لنا يد في القضية الفلسطينية»، وهم عملوا على ذلك منذ اللحظة الأولى لذلك أقامت إيران علاقات مع كل المنظمات الفلسطينية، وفتحت لها أبوابها وأغدقت الأموال من أجل تحقيق الهدف الذي وضعه الخميني.

لكن الله فضحها وأوضح زيف دعواها في الحرص على القضية الفلسطينية، وأوضح انحراف سياستها في موقفين:
الأول: تعاونها مع المحتل الأمريكي، في احتلال العراق، فمن يحرص على قضية فلسطين، لا يقبل بتفكيك الجيش العراقي الذي هو أساس الجبهة الشرقية في مواجهة إسرائيل، ولأن المستفيد الأول من احتلال أمريكا للعراق هو إسرائيل، وقد اتضح ذلك في خطط المحافظين الجدد الذين هم صهاينة أكثر من صهاينة إسرائيل.

الثاني: تعاونها مع النظام السوري المجرم، ودعمها له بكل الوسائل المالية والعسكرية واللوجستية والسياسية الخ...، وهو النظام العلماني الطائفي الذي يذبح المسلمين ويدمر وجودهم، فأين حملة الرسالة الإسلامية كما يدعون!!! فكيف تستقيم هذه الدعوى؟!!!

في النهاية نقول: إن عامل الوحدة الثقافية عامل أساسي في بناء الأمة الإسلامية، وقد وعى الصحابة أهميته في تحقيق وحدة الأمة، فحرصوا على جمع آيات القرآن الكريم وعلى تشكيله وتنقيطه، وضبط نصه ثم ضبط معناه الخ.... وبعد أن سقطت الخلافة الإسلامية عام 1924 بقي عامل الوحدة الثقافية هو الأهم في الدلالة على وجود الأمة.

وقد تعرض هذا العامل لثلاث محاولات تفتيت في القرن الماضي:
الأولى: بين الحربين العالميتين وكانت ذات توجهات ليبرالية رأسمالية.
الثانية: بعد الحرب العالمية الثانية وكانت ذات توجهات اشتراكية شيوعية، فحاولت اقتلاع الدين من كيان الأمة.
الثالثة: تقودها الآن إيران من خلال إصرارها على نشر المذهب الشيعي في مناطق أهل السنة، وتبارك –بكل أسف- هذا التفتيت كل من أمريكا وإسرائيل.

الخلاصة:
إن إيران بلد ذو تركيبة ديمغرافية متنوعة الأعراق، لكنها لم تستفد من هذا التنوع، بل اصطدمت مع الأعراق الأخرى بسبب ظهور النزعة الفارسية في تطبيقاتها.
وكان يفترض أن تكون إيران بلداً مستقراً ينعم بالطهر والعفاف والفضيلة والمساواة والأمن والأمان الخ....

لكننا وجدناه يعاني من مشاكل كثيرة، فهناك:
الإدمان والمخدرات والدعارة والفقر والعشوائيات والقتل والجرائم والتفكك الأسري الخ...، وبحثنا عن سبب ذلك من داخل المذهب الشيعي فوجدناه في أمرين:
الأول: طبقة الملالي.
الثاني: مفهوم الولاية.

ثم بينا أهمية عامل الوحدة الثقافية في بناء الأمة الإسلامية، وجدنا أن إيران تصر على نشر مذهبها الشيعي في مناطق أهل السنة، وهي عندما تصر على ذلك تقوم بتفتيت عامل الوحدة الثقافية الذي هو أهم عامل في إظهار فاعلية الأمة الإسلامية في هذه المرحلة وهي عندما تفعل ذلك تلتقي مع إسرائيل وأمريكا.
               
------------------------------------
[1] سني نيوز : د. يحيى داود عباس - أستاذ اللغة الفارسية بجامعة الأزهر
[2] العراق.. سياقات الوحدة والانقسام، تأليف: بشير موسى نافع، دار الشروق، القاهرة، 2006.
[3] لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، د. علي الوردي، ج1، ص43.
[4] جريدة الشرق الأوسط، 24-9-2005 العدد 9797.
[5] موقع بي بي سي أونلاين، 7-7-2000.
[6] راديو أوروبا الحرة، بواسطة آزام جورجن وشارلس ركنجل في 7-8-2002.
[7] سوريا الوعد، وثائق ويكيليكس، 22-1-2011.
[8] يرى علي عسكري المعاون الاقتصادي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن غياب العدالة هو واحد من أهم أسباب هذه المشكلة، وذكر عسكري خلال جلسة مستديرة عقدتها التشكيلات الطلابية في شهر مايو 2008 أن 20% من الإيرانيين تحت خط الفقر أي ما يصل إلى 15 مليون شخص.
[9] محمد جواد زاهدي، «تسونامي الفقر وإضعاف التنمية»، الجزيرة نت بتاريخ 20-4-2008.
[10] انظر الجزء الثاني من كتاب «العقل العربي»، وهو يحمل عنوان «بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية»، د. محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة السادسة (ص 317-331)
[11] في الشعر الجاهلي، طه حسين، ص26
[12] دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع دليل وفهارس وضعها علي أنصاريان ص (43-44) دمشق 1985
[13] صحّح الشيخ ناصر الدين الألباني الجزء الأول فقط من الحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» في السلسلة الصحيحة (4/330) حديث رقم (1750).
[14] الشهرستاني، المِلَل والنِّحَل، ج1، ص146.
[15] ذكر هذا النص موسى الصدر في مقدّمته لكتاب هنري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية.
[16] النعمان، تأويل الدعائم، ص51.
[17] لكن هذا اللقاء في القرآن الكريم تعرض لطعون كثيرة من قبل الشيعة، فهناك كتب وروايات وشخصيات تتحدث عن أن هذا القرآن الكريم محرف، وأن عمر وأبا بكر رضي الله عنهما حرفاه، وحذفا منه كثيراً من الآيات، وأن القرآن الكريم الصحيح سيأتي مع المهدي عند ظهوره.
 

 
رابطة أدباء الشام

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع