..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

دولة العراق والشام: تعالوا إلى كلمة سواء (1 من 2)

مجاهد مأمون ديرانية

١٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3369

دولة العراق والشام: تعالوا إلى كلمة سواء (1 من 2)
مأمون000.jpg

شـــــارك المادة

سألني أحد أنصار الدولة: ماذا بينك وبين مجاهديها؟ لماذا تداوم على نقدها؟

قلت: لا والله يا أخا الإسلام ما بيني وبينهم شيء، ولا أحمل لأي مسلم أو مجاهد في الدنيا إلا كل حب، ولا أوالي ولا أعادي في غير الله. ولكن المرء يحبّ ولده ويؤدبه ويحب أخاه ويقوّمه، فإذا بلغ الخطأ مرحلةَ الخطر فإنه يقسو ويشتد ولا يبالي بالمشاعر في سبيل ما هو أغلى منها وأسمى: الدين أو الحياة.

 

 


فإننا قد نقسو على مَن عرّض حياته أو دينه للخطر فراراً به مما هو أعظم، أمّا مَن عرّض حياةَ غيره أو دين غيره للخطر فإننا لا نتردد في ردعه مهما كان الردع قاسياً.
تقولون: هذا كلام خطير، أتريد أن تقول إن تنظيم دولة العراق والشام صار مصدر خطر على الناس؟
أقول: نعم، إنه خطر حاضر وكامن على سوريا وعلى السوريين، وعلى المشروع الدعوي والمشروع الجهادي في الشام. من أجل ذلك بدأت بانتقاده علانية منذ بعض الوقت، ومن أجل ذلك كتبت هذه المقالة المفصلة.

*   *   *

ملاحظات استباقية:
(1) هذه المقالة للإصلاح لا للتشهير، وهي لا تطعن في نوايا مجاهدي تنظيم الدولة ولا في دينهم، فما علمنا إلا أنهم مجاهدون مخلصون -بجملتهم- وأنهم يريدون وجه الله والانتصار للمستضعفين، يستوي في ذلك السوريون منهم وغير السوريين، هذا ما نظنه فيهم والله حسيبهم.
ولكن الإخلاص لا يقتضي الصواب حتماً، فرُبّ مخلص مخطئ، وربما يتأول المجتهد تأوّلاً بعيداً عن الحق فيؤذي ويضر وهو يريد النفع والفائدة. من أجل ذلك كانت النصيحة واجبة لكل واحد من المسلمين على كل واحد من المسلمين.

(2) إن العاقل يحرص على أن يرى ما هو موجود لا ما يتمنى أن يكون موجوداً، ولا يبلغ إعجابه بفرد ولا بجماعة درجة التقديس، وهو يؤمن أن كل الناس يخطئون ويصيبون فلا عصمة لبشر ما خلا الأنبياء، ومن ظن أنه على الحق المطلق فإذا خالفه أحد من المسلمين عدّه على ضلال فقد وقع في الضلال.
وليس أحدٌ معصوماً عن النقد، وكيف يكون مجاهدونا منزَّهين عن النقد ومجاهدو الصحابة لم يتركهم الله لأخطائهم وعاتبهم ولمّا تجفّ دماؤهم ولا التأمت جراحهم بعد أُحُد؟
ولا يقُلْ أحدٌ إن المناصحة تكون بالسر، فإن الخطأ العام يعالَج بالنصح العام، وليس مجاهدو اليوم أكرمَ من صحابة رسول الله الذين عوتبوا في آيات تُتلى على مر الزمن.

(3) يسمي بعض الناس "الدولة الإسلامية في العراق والشام" باسم "داعش" اختصاراً، ولكن جنودها وأنصارها لا يحبون هذا الاسم ويصرّون على مخاطبتهم باسم الدولة.
وأنا لا أريد أن أستفزّ أحداً وإنما أدعو إلى كلمة سواء، لذلك اخترت حلاً توفيقياً فسميتهم "تنظيم الدولة"، أما اسم "الدولة" بإطلاق فلا أوافق عليه ولا أستطيع استعماله، ولو فعلت لما كانت لهذه المقالة حاجة.

*   *   *

لا شك أن تنظيم الدولة يرتكب أخطاء، ولكن الجماعات المقاتلة كلها ترتكب أخطاء، ومن المألوف أن تنتشر الفوضى في أوقات الحروب وأن يقع ضحايا أبرياء.
لن أقول إن تلك الأخطاء هي جوهر المشكلة التي أراها والتي أخشاها في الدولة، إن خطرها الذي أحْذَره وأحَذّر منه أكبر بكثير. فيما يتعقبُ الناس بعض الحوادث المتفرقة هنا وهناك أجد نفسي مشغولاً بالمشكلات الكبرى، مشكلات المنهج والهدف والأفكار والقيم، لأنها هي الأصل الذي يصدر عنه ما نراه من ممارسات وسلوك.

سأبدأ بالقيم، فهي الأهون:
السوريون الذين ثاروا على نظام الاحتلال الأسدي صنعوا سلّماً جديداً للقيم تتربع على عرشه قيمة الحرية، وقد وجدت بالاستقراء أن تقدير تلك القيمة ضعيف جداً عند أتباع تنظيم الدولة، فهم لا يرون بأساً في مصادرة حريات الناس وإخضاعهم لمنهجهم وسلطانهم بقوة السلاح.
ليس مهماً في هذا السياق مبلغ الصواب والخطأ في المنهج الذي يُخضعون له غيرهم، المهم أنهم لا يحفلون بحرّيات الناس ولا يبدو أن لها في أعينهم وزناً يُذكَر.
ومثلها قيمة الكرامة، ولذلك كثرت الحوادث التي يتعرض فيها المدنيون للإهانة على أيديهم كثرة هائلة.
وقيمة الرحمة، فإن كثيرين من جنود الدولة وأنصارها جُفاة قُساة غِلاظ شِداد على أهل القبلة، قلت لأحدهم مرة: لعلكم ما قرأتم قوله تعالى {أذلّة على المؤمنين} أو لعلكم لا ترون أننا منهم!
وقيمة العدل، فما أكثرَ الذين يبيحون لأنفسهم ما لا يبيحونه لغيرهم، فيستحلون نقد المخالفين بأبشع الصفات ثم يسلّون السيوف على رقاب من يمس الدولة بكلمة، ولو بلغَت الغاية في الرقة والتهذيب!
يمكنني أن أضيف أيضاً قيمة الحياة. إن أكثرنا يستصعب إزهاق الروح ولو كانت روح قطة أو عنكبوت، لكني أحس أن إزهاق النفس البشرية عند كثيرين، كثيرين جداً ممن يحملون فكر الدولة، أحس أنه أهون عندهم من دعس القطة ومعس العنكبوت!

*   *   *

أما الأفكار فإن التكفير هو أعظمها شراً، وهو من أخطر المشكلات التي يعاني منها تنظيم الدولة على مستوى الأفراد والقيادات على السواء.
إن الفكر التكفيري غريب غير مألوف في سوريا، لم يعرفه السوريون لا في الماضي البعيد ولا القريب، لذلك فإن الصدمة من المنهج التكفيري الذي حملته الدولة إلى سوريا كانت صدمة عامة وشديدة.
يألف السوريون تبادل الاتهامات، فإن بعضهم يتّهم بعضاً بالخطأ والتقصير أو بالسرقة والتزوير، وربما بالخيانة أيضاً، أما التكفير واستحلال الدم فإنهم لا يحبونه ولا يتجرؤون عليه ولا يحبون من يحبه ويتجرأ عليه.
إن كلمة "كافر" سهلٌ نُطْقُها عند عناصر الدولة وأنصارها ولكنها صعبٌ سماعُها عند عامة الناس، والأصعب القبول بنتائجها وتبعاتها الحتمية، وهي استرخاص الدم واستسهال القتل.

صار الناس يسمعون طول الوقت تهمة التكفير وهي تُوزَّع بلا حساب، وكأن أصحابها يغرفون من بحر لا ينضب: المجلس الوطني كافر والائتلاف كافر، والمجالس العسكرية وهيئة الأركان كفار، والهيئات والأحزاب المنادية بالحكم الديمقراطي كافرة أيضاً.
لم تسلم من التكفير حتى أكابر الجماعات الجهادية كأحرار الشام وصقور الشام ولواء الإسلام ولواء التوحيد وغيرها من الفصائل الإسلامية، ولعلكم شاهدتم التسجيل الذي بثته كتيبة المهاجرين القوقاز في الشام قبل خمسة أسابيع وأعلنت فيه انفصالها عن دولة العراق والشام بسبب "المنهج التكفيري الساري بين صفوف القادة في دولة العراق والشام" كما قالوا في التسجيل.

ولأن التكفير وباء أشد انتشاراً من الكوليرا فقد انتشر بسرعة ليشمل كل من يعمل ويتعاون مع الهيئات التي يرونها مرتدة وكافرة، كالمجالس العسكرية والائتلاف الوطني، بل وصل التهور إلى درجة الحكم بالردة على من يجتمع بها أو يتلقى منها الدعم. وقد كانت تلك هي التهمةَ التي تعلل بها أحد أمراء الدولة، أبو أيمن العراقي، لقتل أبي بصير في اللاذقية، قتَلَه وهو صائم أعزل وافتخر بقتله (قال: اشهدوا أني قتلت أبا بصير) لأنه يتقرب إلى الله بقتل المرتدين!
الناس انشغلوا بالحادثة نفسها، أما أنا فإنني مسربل بالرعب من المنهج الذي كانت الحادثةُ نتيجةً له، فإني أعلم أن باب الشر العظيم هذا إذا فُتح لا يُغلَق، وأن الدماء إذا وُكلت إلى من يملك هذا الفكر ويملك معه القوة والسلاح، فصار هو القاضي وهو الجلاد، إذا حصل ذلك تحول المجتمع إلى غابة لا أمانَ فيها على الحياة، ولسوف يتذكر الناس أيام السفاح وأبيه البائد فيقولون: ألا ليت أيام الأسود تعود!

لقد صار التكفير والقتل "متلازمة الدولة" التي تكاد تجر الجهاد الشامي كله إلى الهاوية، ولا غَرْوَ فإن هذا من هذا؛ أخرج البخاري عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله".

ما ابتُليَت هذه الأمة بداء أخطر من التكفير، فإنها ما زالت تواجه عدواً من خارجها مُذْ كانت، حتى إذا ضربتها فتنةُ التكفير صار عدوها من داخلها واستحلّ بعضُها دمَ بعض، فإذا كان القرآن نعى على اليهود أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم فقد جاء زمان على المسلمين صاروا يقتلون أنفسهم بأيديهم بذريعة الردة والكفر. لو كان القرآن يتنزل الساعةَ لنزلت في بعضنا آياتٌ أشد من الآيات التي نزلت في اليهود!

*   *   *

بعد القيم والأفكار أنتقل إلى الهدف الذي تسعى إليه الدولة. إن قُوى الثورة كلها -على اختلاف انتماءاتها وأنواعها- تُجمع على هدف محدد واضح هو إسقاط النظام وتحرير سوريا من الاحتلال الأسدي النصيري.
بعد ذلك تملك كل جماعة هدفاً تحرص عليه وتسعى إليه، فالإسلاميون يريدون "أسلمة" سوريا والعلمانيون يريدون "علمنتها"، ولا هؤلاء ولا أولئك يَقْدرون على تحقيق شيء من مقاصدهم إلا بعد التحرير، فهو النقطة التي لا بد من الوصول إليها أولاً والتي ينطلق منها كل ما بعدها، وهو الهدف الذي لا قيمةَ لما وراءه ما لم يتحقق أولاً.
أما الدولة فلها هدف آخر وفهم آخر، فهي فلا تبالي بسوريا أحُرِّرَت أم لم تُحرَّر وبالنظام سقط أم لم يسقط، لأنها لا تعترف ابتداء بكيان جغرافي سياسي اسمه سوريا، إنما تعرف دولة الإسلام؛ اليوم الدولة في العراق والشام وغداً الدولة في غيرها من الأقاليم والبلدان.
فأيّما أرض سيطرت الدولة عليها وأقامت فوقها إدارة إسلامية فهي دولة إسلامية، ربما من أجل ذلك انصرفت عن الجبهات واشتغلت بما صار أهلنا في سوريا يسمونه "تحرير المناطق المحررة"، وما حصل مؤخراً في حزّانو وفي إعزاز والباب ومنبج يدخل في هذا السياق.

سيقول قائل:
إذن فأنتم تعترفون بالحدود التي رسمها المستعمرون على الورق وقطعوا بها الأمة الإسلامية قطعاً عُزِل بعضُها عن بعض؟
الجواب: لا يا سادة، نحن لا نعترف بها مبدئياً (أي من حيث المبدأ) ولكننا نقبلها مرحلياً.
والمرحلة التي نتحدث عنها لا تقاس بالسنوات بل بالأجيال، فإن الكارثة التي أصابت الأمة في القرنين الأخيرين لن تعالَج في سنتين، والوحدة الحقيقية سوف تصنعها الشعوب العربية والإسلامية نفسها ولن تحققها البندقية والمدفع، لذلك فإننا سنجتهد في الدعوة والتوعية، وسوف نراعي الظروف السياسية الدولية والإقليمية التي لا يتجاهلها إلا غِرّ جاهل.
وأنا أعتبر أن خير كلمة قيلت في هذا المقام هي الكلمة التي وردت في بيان الإخوة في أحرار الشام رداً على إعلان البغدادي المشهور في نيسان الماضي، فقد رفضت الإعلانَ المذكور ورفضت نشر الصراع مع نظام الاحتلال الأسدي خارج سوريا وتحويله إلى قضية جهادية عالمية، وخاطبت الجولاني والبغدادي قائلة: "إننا نتوجه لكلٍّ من الطرفين أن يستشعروا عِظَم الحدث وخطورة أقلمة الصراع بهذه الطريقة وإشراك أطراف أخرى، وهذا ليس احتكاماً لحدود مصطنعة بين أبناء الأمة، ولكنه قراءة موضوعية لمعطيات الواقع وتقديم لما نراه مصلحة المسلمين وجهادهم ضد طاغية الشام".

*   *   *

ما سبق بيانُه من خطر أفكار الدولة والقيم التي تحملها والأهداف التي تسعى إليها ليس الأسوأ، بل إنه يهون في جنب الخطر الأعظم الذي يتضاءل معه كل خطر، وهو خطر منهجها "السياسي الشرعي"، وتتعلق به مسائل عظيمة القَدْر بالغة الخطر كالإمارة والبيعة والتغلّب والشورى. إن المنهج الذي تعتنقه الدولة في السياسة الشرعية يعطل الشورى ويقزّم دور الأمة ويفتح الباب للاستبداد السياسي، ويبلغ من خطره أنه يسوّغ قتال الإخوة وقتلهم، ويكيّفه تكييفاً شرعياً من شأنه أن يجعله طريقاً إلى الجنة، كما سنرى في المقالة الآتية.

 

 

الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع