..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

موقفنا من الضربة الأميركية

مجاهد مأمون ديرانية

٣١ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3218

موقفنا من الضربة الأميركية
مامون 0.jpg

شـــــارك المادة

بعض الحيوانات تَسْبُت إذا جاء الشتاء، أي أنها تدخل في سُبات (مستمر أو متقطع) خلال أشهر البرد، فإذا حَلّ الربيع استيقظت وعادت إلى الحياة، كالدببة والسناجب والسحالي والسلاحف والثعابين.
الثورة السورية عرّفتنا بأصناف أخرى من الحيوانات ذات سُبات عشوائي غير منتظم.

 

 

وهي فصيلة غريبة من المخلوقات تسمى أحياناً "عروبيين" وأحياناً أخرى "قوميين" أو "وطنيين ممانعين ومقاومين".
هذه المخلوقات تُمضي في سُباتها شهوراً متعاقبة يُباد فيها السوريون ويُقتّلون بأنواع الأسلحة جميعاً، من الرصاصة والسكين إلى القنبلة الفراغية والكيماوية، ويبلغ من ثقل نومها أنها لا يوقظها صراخُ الأطفال ونحيب الأيامى الثاكلات، ولا أصوات الموت والقصف والدمار...
فإذا تعرض وليّها ومولاها ومعبودُها إلى الخطر استيقظت فجأة وهبّت من رُقادها أشدّ نشاطاً من بعير هائج أفلت من عقال!

هؤلاء "العروبيون" خرقوا آذاننا وهم يصرخون مستنكرين، يعارضون الضربة الأميركية ويَنُوحون على النظام العربي المقاوم الممانع! فإذا أنكرنا عليهم شفقتَهم على النظام المجرم قالوا: ألستم مثلنا؟
نحن نعارض الضربة ونستنكرها وأنتم تعارضون وتستنكرون.
نقول لهم: بئس موقف يضعنا في صعيد واحد نحن وأنتم، ولئن بدا لكم شَبَهٌ في الموقفين فإنه شبه كاذب خدّاع منقوص.

*   *   *

بماذا نختلف عن العروبيين الثوريين المزيفين، أعداء الأمة وأعداء الحرية وأعداء الدين؟
إن رؤيتنا لعلاقة الغرب بالنظام وللنزاع بين الاثنين تختلف عن رؤيتهم من ثلاثة وجوه.
الأول: يقولون إن النظام السوري وطني مقاوم، بمعنى أنه يقاوم المشروع الصهيوني الاستعماري، ونقول لهم: بل إنه جزء أصيل من ذلك المشروع، وهو شرٌّ من كل عدو وأشدُّ بلاء على المسلمين من اليهود والصليبيين، أما مقاومته المزعومة فقد شُفيت عقولُ العقلاء جميعاً من الإصابة بها ولم يبقَ ثابتاً على تصديقها إلا السفهاء والمغفلون.
الثاني: يقولون إن الضربة الأميركية ستدمر البلد.
نقول: هذا صحيح، ولكن أين كانت هذه الرحمة الكاذبة وهذا الحرص المنافق خلال عامين مَضَيا ونصف عام؟
وهل بقي في سوريا شيء لم يدمره النظام؟
إن كانت بقيَتْ بقيّة لم يدمرها بعدُ فإنه لن يتركنا حتى يفعل، فما على ما يُهدَم نأسى ولكن على مَن يموت، فالحجر إذا هُدم يُبنى ولكن الميت إذا مات لا يعود.
الوجه الثالث هو الأهم، فإنهم يرون أن المواجهةَ (المزعومة) بين النظام والغرب مواجهةٌ بين حق وباطل، لأنهم يقولون إن الولايات المتحدة عدوة للعرب فلا بد أن يكون عدوها من الوطنيين الصالحين.
وهذا الوهم مردود من جذره، لأن أميركا لم تعادِ النظام السوري قط، ولقد رَعَتْه على عينها مُذْ كان وبسطت له اليد بالدعم والحماية والرعاية، فلم يلقَ منها إلا ما يلقى مثلَه الولدُ المدلل من الأم الحنون.
لا، ليس الأمر نزاعاً بين حق وباطل أبداً، إنما هو نزاع بين باطلَين.

*   *   *

سيقولون: وكيف تنظرون إلى العدوان الأميركي على سوريا، وما موقفكم من الضربة الأميركية المحتمَلة عليها؟
الجواب سهل قريب:
نحن بَرِئنا من مرض الاعتماد على الآخرين منذ دهر، فاتكلنا على الله مولانا أولاً، ثم اعتمدنا على أنفسنا وخرجنا نطلب حقنا بأيدينا، بلا انتظار إذْنٍ ولا ترقّب دعمٍ من أحد من الخلق.
ونحن نوقن بأن النظام السوري عدو أثيم وأن أميركا عدو لئيم، وأنهما كلاهما من الظالمين المُبطلين، وأن الله لا يصلح عمل المبطلين، ولكننا نوقن أيضاً بأن الله يمكن أن ينصر دينه وأولياءه بالفَجَرة الكَفَرة وأن يضرب الظالمين بالظالمين.
أخرج البخاري عن أبي هريرة وأنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"، وفي رواية صحيحة مشهورة عن قوم من الصحابة: "بقوم لا خلاق لهم"، وفي رواية عن عبد الله بن عمرو في مجمع الزوائد: "برجال ما هم من أهله".
ورُوي عن السلف الصالح أنهم كانوا يَدْعون فيقولون: "اللهمّ أشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين". وقد ورد في الخبر أن "الظالم سيف الله في الأرض، ينتقم به ثم ينتقم منه".
هذا المعنى صالح وإن لم يَرِدْ فيه نص صحيح، ويُستأنَس فيه بأثر أورده ملاّ علي القاري والزركشي في الموضوعات: "إن الله ليضرب الظالم بالظالم"، ويُستأنَس أيضاً في تأكيد هذا المعنى بحديث جابر الذي أخرجه الطبراني في الأوسط والهيثمي في مجمع الزوائد (وضعّفه أصحاب الحديث): "إن الله عز وجل يقول: إني لأنتقم ممّن أُبغض بمَن أبغض، ثم أصيّر كلاً إلى النار".
وهذا المعنى متحقق في قوله تعالى: {وكذلك نُوَلّي بعضَ الظالمين بعضاً بما كانوا يكسِبون}.
سرد الطبري في تفسيره بعض تأويلات الآية ثم ذكر من معانيها: "نسلط بعض الظّلَمة على بعض". ونقل الإمام القرطبي عن ابن زيد في معناها: "نسلّط الظالم على الظالم فيهلكه ويذلّه".

*   *   *

الخلاصة:
إن النظام السوري عدو كبير، ولكن الولايات المتحدة الأميركية هي عدو الأمة الأكبر، وهي لا تغلق بابَ شرّ إلا لتفتح غيره، فإذا طوت اليوم سجلّ حكم الأسد في سوريا فإنما تفتح سجلاً جديداً في كتاب الاستعمار والاستعباد والحرب على الأمة والدين، وهي لا تزال معنا كما قال العباس بن الأحنف في صاحبته:

سَلَبتني من السرور ثياباً   ***   وكسَتْني من الهموم ثيابا
كلما أغلقَتْ من الوصل باباً   ***   فتحَتْ لي إلى المَنِيّة بابا

لذلك فإن موقفنا من أي ضربة يمكن أن تضرب بها النظامَ السوري يتلخص في ثلاث مسائل:
الأولى: نحن نوقن بأن الله لا يقضي لهذه الأمة إلا خيراً، ونعلم أنّ الله يمكن أن يؤيدنا بالفاجر الكافر، وأنه إذا قضى أن يضرب ظالماً بظالم فإن قضاءه لا يُرَدّ. ومع هذا اليقين فإن ميزاننا لا يضطرب ولا نضلّ، فنعلم أن أميركا عدو حقيقي لنا، فهي لم تُرد لنا قَطّ خيراً ولا تريد لنا اليومَ أي خير، بل تريد لنا الشر كما أرادته على الدوام.
الثانية: يتبع ذلك أن لا نغفل عن الخطر الكامن الذي سينشأ من تدخل عدو جديد في معركتنا التي نخوضها مع العدو القديم.
وبما أن المؤمن كيّس فَطِن فإن علينا أن نتصور الأخطار المتوقعة، فنستعد لكل طارئ ونفتح أعيننا حتى لا نُخدَع ولا نصاب، وحتى لا يصل إلينا شيء من أذى العدو الأميركي الغدّار المكّار.
الثالثة: مهما يكن أثر الضربة في عدونا فإننا نعلم أن الإنجاز الحقيقي هو الذي نصنعه بأنفسنا في الميدان، لذلك فإننا لم ننتظر أن يقاتل أحدٌ بالنيابة عنا، بل بدأنا معركتنا مع عدونا بأنفسنا، ونحن ماضون في ثورتنا سواء أضُرِب النظام أم لم يُضرَب.
لقد قطعنا الجزء الأطول من الطريق وحدنا، وسوف نكمل وحدَنا ما بقي من الطريق.

*   *   *

وقبل ذلك وبعده يبقى يقينُنا الراسخ بأن سلاحنا الذي نقاتل به عدونا والسلاح الذي يضربه به غيرُنا ليس سوى أدوات تتحرك بأمر الله وبقدَره، وأن الناصر على التحقيق هو الله رب العالمين، فلا تتعلق قلوبنا إلا به ولا نرجو النصر الحقيقي إلا منه.
فلنصبر على الحق، ولنكمل طريق الجهاد، ولنتوقف عن ترقب النصر من أرباب الأرض ولا نترقبه إلا من رب السماء.

 

 

الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع