..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

واقع وتحديات الثورة السورية

إياد أبا زيد

٢١ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6786

واقع وتحديات الثورة السورية
d8a7d مطلبنا معارضة تمثل الثوار.jpg

شـــــارك المادة

لقد أثبت التاريخ دائما أن نضوج الظروف الموضوعية للمقاومة الثورية شرط جوهري وضروري لكنه غير كاف لإنجاح الثورة..
ولنا في ذلك أمثلة عديدة في التاريخ.
إذ أن نجاح أي ثورة يتطلب بالضرورة تفاعل الشروط الموضوعية المتمثلة بالتناقضات المتفاقمة في المجتمع مع العوامل الذاتية المتمثلة بقوى الثورة وبقيادة واعية منظمة ومدركة إدراكا فعليا للمبادئ التي يثور من أجلها الشعب ولدورها القيادي الذي يبلوره برنامج محيط بأساليب ومراحل النضال الثوري وبالتخطيط المدروس لمرحلة انتزاع السلطة من النظام الحاكم..

 


وهذا الدور لايتحقق إلا بالعمل الحقيقي والممارسة الفعلية وبرسم رؤية شاملة وممرحلة ينبثق عنها خطاب سياسي واضح يعكس حاجة الواقع الثوري له.. لا بد من قيادة سياسية أو تنظيم سياسي يحمل على عاتقه مسؤولية صياغة برنامج مضبوط ومدروس يعبر عن الحاجة إلى تنظيم وتعقيل الحركة الثورية ويطرح فيه تكتيك واستراتيجية العمل الثوري كشرط مسبق وضروري لانتصار الثورة.. فلا مناص إذا من التنظيم الموظف كضرورة حيوية لاستجماع القوى الثورية وإمكانياتها وتوجيه طاقاتها نحو أولويات المرحلة وتحقيق أهدافها .. وأمام هذه الضرورة الحيوية تتعثر خطى الثورة في سوريا .. فإن لم يتم تنظيم المقاومة الثورية وتحديد مساراتها نحو الاتجاه الصحيح ستُستهلك الكثير من طاقاتها وإمكاناتها البشرية والسياسية وقد تضيع الكثير من الجهود والتضحيات التي يقدمها الثوار مما يشرّع الباب أمام ازدياد تدخل الخارج و أمام مبادرات فردية غير مضبوطة من معارضة الداخل المسلحة و غير المسلحة التي تدفع بدورها إلى دخول الحابل بالنابل وتترك آثارها المعقدة والخطيرة على قضية الشعب السوري العادلة في نضاله ضد نظام القتل والاستبداد.
إن طبيعة الثورات في التاريخ تبدأ عفوية ويكون الشعب أو جزء كبير من الشعب حاملها الرئيسي وليس تنظيما بعينه .

لكنها لاتحقق مبتغاها إلا حينما تعتمد على قدرتها على تنظيم مساراتها ومراحلها من خلال قيادة سياسية منظمة واعية ومسؤولة مسؤولية حقيقية لمهامها التاريخية.. وهذا هو بالضبط ماعجزت عن تحقيقه أو تحقيق جزء كبير منه كل تكتلات المعارضة السورية بلا استثناء مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين التوجهات السياسية والمواقف المبدئية لكل تكتل معارضة على حدة..
فرغم أننا نعي تماما أهمية التمييز بين معارضة تعمل باستقلالية مواقفها السياسية وبرؤية سياسية معتمدة على المعرفة والخبرة في الاستفادة من الممكنات الواقعية وبين معارضة تابعة بشكل أو بآخر إلى جهات غير سورية لا تتفكر سياسيا وإنما تستعرض تعبويا إلا أننا لايمكن إلا أن نعترف بأن الجميع أثبت عجزه حتى الآن عن تحمل مسؤوليته في عملية تنظيم وتوجيه المقاومة الثورية في سوريا والتخطيط لها حتى يتكامل النضال بين الفعل الميداني والعمل السياسي ..
إن المعارضات السورية لم تعي على الصعيد العملي حتى هذه اللحظة أن للشعب السوري الثائر حق عليها في تحمل مسؤولياتها .

لم تعي عمليا أنها تستخدم حق الشارع الثائر عليها بمسؤولية عملية ضعيفة جدا .. فهي تملأ مكان المعارضة السياسية المفترضة رغم أنها في حقيقة الأمر لم تتجاوز حدود أن تكون معارضة إعلام أو تصريحات أو بيانات أو مزاودات أو لقاءات فقط ..
فكما أن الشعب أو جزء كبير منه يقاوم قسوة وقهر النظام السوري بصلابة الجبال وبإرادة الشعوب القوية من أجل انتزاع حقوقه فله الحق الكامل أن ينتزع حقه من المعارضات المختلفة في تمثيله كقيادة سياسية منظمة حينما تعجز هذه الأخيرة عن أن تضع جدولا للتغيير الثوري للمرحلة الراهنة وبرنامجا مشتركا لمرحلة مابعد سقوط النظام .
فالمعارضة السياسية تطرح مشروع التغيير لأن التغيير فرض ضرورته في الواقع السوري.. ولكنها لم تطرح حتى اليوم خطة لمشروع التغيير هذا.
فعلى سبيل المثال لم تعمل المعارضة معرفيا على فهم هواجس الفئات الصامتة في سوريا ولم تحاول أن تقدم مشروعا لتفعيل وإدماج هذه الفئات في الحراك الثوري بل تسارع بعضها للدعوة إلى التدخل العسكري الخارجي بدون فهمٍ أو قدرةٍ على قراءة الممكن السياسي وهو أن العالم ليس جاهزا لهذا الخيار وبأن هذا الخيار سيعني بتفاصيله أكبر كارثة لسوريا..
من المؤسف أن القيادة السورية بنظام الأسد الحاكم والحراك الشعبي الثوري استطاعا أن يوظفا قدراتهما وأدواتهما التي يملكانها في صراعهما الوجودي ضد بعضهما البعض..  في حين أن التكتلات السياسية للمعارضة السورية لم تستطع الارتقاء إلى طرفي الصراع الظالم والمظلوم بتشكيل جبهة سياسية قوية يقوم بنيايها على تنظيم العمل السياسي وعقلنة دور القيادة السياسية التي تكتسب شرعيتها بارتباطها العضوي بأهداف المقاومة الشعبية الثورية.
التنظيم إذ هو أحد أهم مفاتيح أبواب المعارضة المغلقة أمام التيار الثوري الذي مازال يسير وحيدا مخلفا وراءه خيبات أمل من متاهات المعارضة التي تزيد من تعقيد وإطالة الأزمة السورية.
تعيش سوريا اليوم أحد أهم التحولات المجتمعية والسياسية في تاريخها .

إن سقوط النظام أمر محتوم أولا لأن الصراع بين النظام والشعب السوري هو ليس صراع قوى فقط وإنما صراع إرادات أيضا وثانيا لأن النظام السوري لم يعد يملك دفاعا عن وجوده إلا العنف والقتل والانتهاك بكل أشكاله ودرجاته وهذه الأدوات تستطيع أن تطيل بعمره وتبطئ في عملية تفككه وتؤخر من حتمية انهياره لكنها لن تنتشله من هاوية السقوط لأن استمرار المقاومة الشعبية من شأنه أن يخلق قوة نوعية وذاتية لها قدرة هائلة على هز كيان النظام و إنهاكه وتفتيته شيئا فشيئا من داخله.
إن هذا الخيار يعني أن طريق التحرر من هذا النظام سيكون أطول مما تتمناه قوى الثورة وهذا بدوره يعني أنه لابد من استنباط أساليب جديدة من المقاومة بدون التوقف عن المظاهرات السلمية في مدن وقرى متعددة ومتباعدة وكذلك أن يكون الوعي الجماعي لقوى الثورة ذو نفس طويل وقدرة على تكهن الأمور للمدى الأبعد .
مازال أمام تكتلات المعارضة السورية في الداخل والخارج فرصة لتعيد تأهيل نفسها و لتجدد ذاتها حتى تتجاوز ضعفها و غيبوبتها وعجزها وهذا يتطلب إرادات قوية وفاعلة واستيعاب لأهمية البدء الفوري في تنظيم وإدارة عملها فيما بينها ومع الحراك الشعبي الثوري بشكل تصاعدي حتى تصل إلى مرحلة القدرة على القيادة السياسية الفعلية للثورة
إن عجزت عن الإلمام في آلية تحقيق هذه المهمات الثقيلة فعليها أن تعترف بعجزها وتتخلى عن الاستخفاف بعقول المواطنين السوريين بالادعاء بأنها حاملة وسام التمثيل الشعبي للثورة

فلم تعد التجارة بالكلام والتصريحات بضاعة مشتراة لدى الشعب السوري اليوم .
الفعل والفعل الحقيقي وحده هو المحك لقدرة المعارضة .. وسواء تمكنت المعارضات من الوقوف على أقدامها أم بقيت جالسة تبيع وتشتري على حافة طريق الثورة فلا خيار آخر للشعب السوري سوى توسيع مدِّه الثوري وتصعيد زخم حراكه المدني السلمي لتتعاظم قوته مثل كرة الثلج يوما بعد يوم وتدمر شيئا فشيئا أركان السلطة
هذا خيار لا محيد عنه إذا وضعنا نصب أعيننا الوصول إلى الحرية و الديمقراطية و ليس فقط التخلص من نظام القتل الحاكم .. و لهذا شروطه ومتطلباته .. فأول المهام الصعبة التي يجب أن تُوظف الجهود الثورية لتفعيلها هي إدماج الفئات التي تسمى بالصامتة من أبناء الشعب السوري بروح التغيير وضرورته والعمل على إزالة التخوف من تبعاته حتى تكبر كرة الشعب وتزداد قدرتها على التغيير والتأثير
وكذلك أن توضع استراتيجيات التنظيم الذاتي التي تتجاوز حدود تنظيم المظاهرات وتبعاتها إلى تشكيل قيادات داخلية تكون العقل السياسي المنظم لاستراتيجية الحراك الشعبي الثوري .. وأن تستفيد الثورة من أخطائها التكتيكية والتنظيمية والميدانية وحتى الأخلاقية لتبني عليها رؤى جديدة لتطوير واستكمال آليات العمل الثوري .. وأن تكون من الحكمة السياسية بأن تعترف بأن للثورة أخطاؤها فالنقد الموضوعي البناء لايعترف بالمحرمات
إن الوضع السوري للمسار الثوري الراهن يشبه حالة الانسداد .

ولكنه إن كان كذلك فهو حالة شبه طبيعية لأن المسار الثوري يحتاج إلى تجميع قواه وتجديد أساليبه مرة بعد أخرى خاصة وأنه يعتمد في صيرورته بشكل أساسي حتى الآن على قدراته الذاتية وهذا أهم عناصر قوته رغم عظم الآلام وفداحة الثمن الذي يدفعه خيرة شبابنا من أجل سوريا حرة للجميع
الحقيقة هي أمر موضوعي وليست بالضرورة أمر معقول .. إنها منتوج المعرفة .. وثقافة المقاومة الثورية تعتمد على معرفة جدلية العفوية والتنظيم .
إن المرحلة المقبلة تتطلب من الشعب السوري ـ ومعارضته الحالية إن استطاعت إليه سبيلا ـ الانتقال إلى مرحلة نوعية عنوانها التنظيم .. تنظيم وتجميع وتوجيه القوى الثورية وأساليب نضالها وتفعيل الفئات التي مازالت تنتظر الخطاب الصحيح والممارسة المنظمة التي تمتلك رؤية استباقية لمسار الثورة والذي ينقلها من مرحلة الكمون إلى مرحلة الفعل .. لم يبق من النظام السوري إلا عنفه الذي سيزداد شراسة بشكل اضطرادي كلما استمر زخم الثورة السورية بقواها الذاتية تصاعدا
لقد تخطت بعض المعارضات السورية وبعض فئات الشعب السوري الثائر حدود الممكن الواقعي حينما دعت وتدعو إلى التدخل العسكري الأجنبي أو ماشابهه.
وقد يكون تخطي الممكن في بعض الأحيان هو الطريقة الوحيدة لاكتشاف الممكن
فلنعجل ـ نحن السوريون ـ في إعادة النظر بخياراتنا وممكناتنا وقوانا الذاتية ولنستجمع قوانا الميدانية الثورية والسياسية والفكرية في تنظيم حراكنا على درب لن نرجع عنه أبدا لأن إرادة الشعب في حياة حرة كريمة لجميع السوريين هي بالضرورة أقوى من إرادة نظام مازال يحاول عبثا أن يقهر التاريخ

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع