..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لا للعنف.. وللوحشية أيضا!

ميشيل كيلو

٢٢ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6569

لا للعنف.. وللوحشية أيضا!
1.jpg

شـــــارك المادة

أحسن الجيش الحر صنعا عندما أصدر بيانا أدان فيه القضاء الميداني وقتل المواطنين بلا محاكمة، وذكر بهدف الثورة السورية الرئيسي: الحرية كمبدأ لجميع المواطنين، مهما كانت مواقفهم وعقائدهم وانتماءاتهم وأصولهم، والحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل سوري، وعلى رأسها حق الحياة، والحق في الدفاع عن الحياة بأساليب تتسم بالعدالة والشرعية.

 

أليست مقاومة الشعب السوري أعظم دليل على شرعية الدفاع عن الحق في الحياة، الذي تنتهكه السلطة بعنفها العبثي والقاتل؟! ذكّر بيان الجيش الحر بحق أنه لا يجوز للضحية تقمص شخصية الجلاد، ولا يحق له وضع نفسه في مكان الجلادين إن قدر له أن يكون جهة تملك القدرة على تقرير مصير الآخرين، وإن عليه أن يتذكر دوما أنه لم يثر على وضعه الشخصي كضحية وحسب، بل ثار على كل ما ومن يمكن أن يحول البشر إلى ضحايا، وكل من وما يعاملهم كجلاد، فالثوري الحق هو من يحصن نفسه ضد التحول إلى جلاد، حين يخرج من وضعه كضحية.

ويزيد من الأهمية السياسية للبيان الصادر عن الجيش الحر واقعة لا سبيل إلى تجاهلها، هي أن النظام ربما يكون أرسل من يخترق هذا الجيش، ويغري بعض المنتسبين إليه باتباع أنماط من السلوك تشبه الأنماط الوحشية الرسمية، ليكون المواطن ضحية حقيقية أو محتملة للموالاة والمعارضة، ويتم عندئذ إقناع الشعب بأن أحواله لن تتحسن بذهاب النظام، وأنه سيحل محل المستبدين الحاليين جلادون مستقبليون يسيرون على نهجهم ويقلدون سلوكهم، فلا فائدة من الثورة ولا عائد إيجابيا لها، وهي لن تكون في جميع الأحوال ثورة حرية وحقوق إنسان، بل ستستبدل طغمة قاتلة بطغمة أخرى قاتلة، وبمجموعة تنتهك حقوق البشر مجموعة جديدة لن تقل عنها انتهاكا لحقوق شعبها، فلا بد من دفع الممسكين بزمام الثورة إلى ارتكاب الجرائم، وإجبارهم على تقليد النظام والتعامل مع الشعب كما يتعامل هو معه، وليس كما يعامله أو يجب أن يعامله أبناؤه المخلصون الذين يضحون بحياتهم في سبيل حريته وكرامته، وإقامة نظام يعيد إليه حقوقه كاملة غير منقوصة، سيكون هو وحده مصدر الشرعية والسيادة فيه، وصاحب القول الفصل في كل ما يتعلق بشؤونه العامة والخاصة.

كي لا تنجح خطط النظام ولا يقع أي نفور بين قطاعات الشعب والثورة، من الضروري أن يلتزم كل منتسب إلى الجيش الحر والمقاومة الشعبية بمدونة أخلاقية وقانونية وطنية، تمنع قتل أي إنسان أو سجنه دون أدلة ومحاكمة عادلة تتشكل من خبراء قانونيين أو حقوقيين معروفين بنزاهتهم وروحهم الوطنية، كي لا يأخذ أحد القانون بيده ويمارس وظائف ليست من اختصاصه، ويعامل أسيره أو معتقله من جيش النظام والسلطة بإنسانية ويسلمه دون تعذيب أو إهانة إلى جهة قضائية محلية مسؤولة، لها وحدها الحق في محاسبته قانونيا، فإن كان بريئا أفرجت عنه وأرسلته إلى أهله وذويه، وإن كان مذنبا وقع احتجازه في سجن يحترم حقوقه كإنسان؛ من حقه في الطعام والشراب والعلاج إلى حقه في الاتصال بأهله، وفي معاملة لائقة تقنعه بأن الحرية التي يطالب الشعب بها ليست ضده أو كلمة تقال أو شعارا فارغا يرفع، بل هي ممارسة فعلية يعيشها المؤمنون بها ويطبقونها على أنفسهم وغيرهم، بمن في ذلك المختلف عنهم، الذي قد لا يكون في المكان الصحيح من معركة سوريا الراهنة، لكن ذلك لا يلغي حقه في العدالة. بهذا السلوك النبيل والنزيه، سيتشجع كثيرون على ترك النظام، وسيجدون مكانا لهم في الجيش الحر والمقاومة الشعبية، وسيصير الفارق بين تعامل السلطة مع الشعب وتعامل المعارضة مع الموالين للنظام مضرب المثل في طول بلادنا وعرضها، وسيكون ناتجه السياسي هائل الأهمية بالنسبة إلى الصراع، وسيتم تقويض ما بقي في النظام من تماسك وتفويت الفرصة على استغلال إعلام النظام الكاذب لوقائع شاذة تتم هنا وهناك، ولن يبقى لمن قد يكونون من خدم السلطة أي تأثير أو دور داخل المعارضة، مع ما سيؤدي إليه هذا من تسريع انتصار الثورة ونشر الطمأنينة في نفوس مواطني سوريا، الذين يحاول النظام تحريضهم بعضهم ضد بعض، وزجهم في صراعات طائفية لن يبقى لها أي فاعلية في ظل ما تقدم ذكره من سلوك نبيل ومواقف عادلة.

يلجأ النظام الظالم إلى وسائل ظالمة لقمع الشعب. ويلجأ المعارضون الذين يقاومون الظلم إلى أساليب ووسائل عادلة لمواجهة ظلم وقهر الظالمين. وقديما قيل: الغاية تبرر الوسيلة، فالنظام غاياته استبدادية ولا إنسانية، فلا عجب أن تكون وسائله عنيفة ومعادية للإنسان، بينما غايات الشعب نبيلة ولصالح البشر، فلا بد أن تكون وسائله نبيلة وشريفة، ليس بين مقاصدها سحق الإنسان بل مساعدته على نيل حريته وحفظ كرامته، بينما لا مقصد لوسائل الاستبداد غير إدامة نظام بلا أخلاق أو وطنية، يكره السوريين ويسوغ قتلهم وسلب حقوقهم، فشتان بين غايات النقيضين ووسائلهما. ومن الخطأ الذي يعادل الجريمة ضد الثورة أن تستخدم قوى الحرية أساليب قوى الظلم والاستبداد، وتأخذ بما يفعله المستبدون، في حين ينحصر رهانها على تمكينهم من إحراز حريتهم: وسيلتهم الأفعل في الدفاع عن حقوقهم ضد أي جهة أو قوة تنتهكها، أو تنتقص منها، أو تفكر ولو مجرد تفكير بالاعتداء عليها.

لا يجوز أن تمر مشاهد تعذيب أو قتل الأسرى على يد أشخاص من الثورة مرور الكرام على ضميرنا الإنساني وموقفنا الوطني والديمقراطي والقانوني. وإذا كنا نريد أن نعرف كيف نعامل أسرانا، فلنتعلم من جدنا وسيدنا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، ولنقتد به في معاملته لأسرى المشركين، ولنتأمل كيف كان يحسن إليهم ويسامرهم ويناقشهم ويكرمهم، وكيف جعل منهم جسورا تصل بينه وبين قومهم، وبين هؤلاء والدين الحنيف.

لنلتزم بما نؤمن به، وهو أن الحرية لنا ولغيرنا، وأنه تترتب على النضال في سبيلها حقوق لا يجوز لنا أو لغيرنا انتهاكها أو العمل خارجها، ولنجعل من علاقاتنا الإنسانية والوطنية مع الذين ليسوا مثلنا سبيلا إلى انتصار الحرية؛ هدفنا الذي سنبلغه بالتأكيد، إذا لم نقترف أخطاء جسيمة تحول بيننا وبين تحقيقه، أشدها فظاعة ازدراء حقوق غيرنا وانتهاك كرامته والتعدي عليه، وإجباره من خلال أخطائنا وعنفنا على دعم حكامنا الظالمين!

 

المصدر : الشرق الأوسط

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع