..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

رسائل في الدعوة (2)

محمود الزويد

٢ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3364

رسائل في الدعوة (2)
1.jpg

شـــــارك المادة

رسالة رقم، *(2)*

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فهذه قواعد نسجتها من كلام السلف أذكرها في التعامل مع الناس عموماً والمخالف خصوصاً. وهذه خمس قواعد في الباب بعد أن سردنا فيها تسع قواعد سابقة. نقول وبالله التوفيق.

1- *الاختلاف في الفهوم ليس مدعاة للخصوم*
فكل له فهماً قد حباه الله، ولو شاء الله لجعل الناس في ذالك سواسية، ولكن كل شيء بقدر. واختلاف الفهموم فيه فوائد كاستخراج لمكمون العلوم، واظهار لكثير من الفنون.
وقد حكم داود وسليمان في مسألة فهمها أحدهم ولم يعب على الآخر فيها ، بل أثنى الله على كل واحد منهما بأنه آتاه حكماً وعلماً قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}
قال ابن كثير الدمشقي في تفسيره: "فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود . ثم قال - يعني الحسن - : إن الله اتخذ على الحكماء ثلاثا : لا يشترون به ثمنا قليلا ولا يتبعون فيه الهوى ، ولا يخشون فيه أحدا".
*من المعلوم ان المخالف قد يكون  جاهلاً فينبغي أن يعذر ويؤتى إليه ويبين له*
فقد كان ذلك حال السلف في شأنهم مع بعضهم البعض، كحال أبي عبيد القاسم بن سلام، ومجيئه إلى ابن المديني والعباس العنبري رحمهم الله إلى منزلهما فيحدثهما فيه! وحال ابن الأدهم مع سفيان رحمهما الله.
قلت: ذكره الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي على أنهم كانوا جميعا من أهل الفضل والعلم.
ونص كلامه في قصة أبي عبيد: "ولا وكف عليه في ذلك إذا كانا من أهل الفضل والمنزلة العالية في العلم" (٥٨٣/١).
فكيف إن كان من أهل الفضل وجهل أمرا أفلا يحتاج إلى زيارة وتواصل وتذكير ونصح؟؟. وأما تبيين مع عليه المخالف؛ فأدواته البصيرة والحكمة.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذلك مع ما جرى بين أبو يوسف الحنفي قاضي القضاة(1) في زمانه ومالك إمام دار الهجرة في مسألة الصاع والمد، والزكاة عن الخضروات، وكذلك الأحباس، وفيه تظهر حكمة مالك وبصيرته في إقناع أبي يوسف، حتى رجع وقال: "لو رأي صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت" (٢٠/١٧٣).
2- *رفض المخالف لا يعني التشنيع عليه إن كان عامياً فضلا عن كونه منسوب لأهل العلم*
وهذا دين وحق، فالمخالفة تقتضي الرد وتحتاج إلى التأصيل والبيان بالحجة الدامغة والكلام السديد السليم، الذي يبين المعاييب بأقل التكاليف، وذلك لاعتبارات أهمها:
- ألا يعامل أقل من معاملة المذنب.
ومن حق المذنب على المحتسب أن يبين له، وأن يذكره، ثم يلجأ إلى ما هو فوق ذالك وهو على درجات، ويختلف بحسب الأحوال والأوقات.
قال الماوردي رحمه الله؛ في الأحكام السلطانية، في ذكره لمبحث  التعزير، والفرق بينه بينه والحد: "أحدها: إنَّ تأديب ذي الهيبة من أهل الصيانة أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)". رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
ثم قال: ''فتدرج في الناس على منازلهم: فإن تساووا في الحدود المقدَّرة فيكون تعزير من جلَّ قدره بالإعراض عنه، وتعزير من دونه بالتعنيف له، وتعزير من دونه بزواجر الكلام وغاية الاستخفاف الذي لا قذف فيه ولا سب" انتهى (ص٤٠١)
وقال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين: "وأعلم أن الحسبة لها خمس مراتب:
الأولى: التعريف.
الثانية: الوعظ بالكلام اللطيف".
ثم ذكر أموراً فليرجع لها ص (١١٨).
فإن قلت ذلك عامي وهذا عالم، قلت هيبة للعلم وحرمة لأهله أنك  تعامله بكل أحترام وإنصاف، وهذا من باب إنزال النّاس منازلهم؛ وهو حق لازم، فكيف إذا اجتمعت به شيبة مسلمة، وكان ناصراً للدين، مدافعةً عن بيضته، ثم وقعت منه هفوة أو كبوة!!
فلما التجريح على الملأ ولماذا التدليس في النصح، وآسف لمن يطعن باخوانه من أهل الفضل والعلم بطريقة منفرة أمام العامة وليعلم أنه لن ينجوا منها في الدنيا قبل الاخرة وأول من يسنها فيها أعوانه وأنصاره والله خير شاهد إن شاء الله.
- والثاني: ألا يسعه ما وسع من زلت قدمه في معصية ثم تاب منها وندم عليها، عملاً بدفع الحدود بالشبهات، كما هو مبوب في كتب كثير من المحدثين منهم الترمذي والبيهقي والهيثمي وابن ماجة وابن أبي شيبة وغيرهم، مع أن العمل بالحد فيه ردع وزجر، وهي "زواجر وموانع" كما قيل.
وفي الحديث: (إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة) رواه النسائي وصححه الشيخ الألباني.ولكن كأن هذه النصوص قد غابت عن هؤلاء..من الذي ما ساء قط..وَمنْ له الحسنى فقط..
3- *إنصاف الأقران لازم وكلامهم يطوى ولا يروى*.
ولعل كلام كثير من أهل  الزمان اليوم من هذا القبيل، سيَّما ما قام منه على الهوى وحب التصدر، فإن لم يكن كذلك فقد ذكرنا شيء منه في القاعدة رقم/6/
وهذا أمر  مهم ينبغي النظر له بعين البصر والبصيرة، وهذا شأن  السلف وتراجمهم كثيرة، ومن وقعت منه مخالفة فهو معذور لإنه تأول أو  علم ما لم يعلمه غيره، ومع هذا فإنهم تكلموا بكلّ إنصاف.
ذكر الذهبي في نزهة الفضلاء، عن أبي العباس السفاح، أنه: "كان إذا علم بين اثنين تعادياً لم يقبل شهادة ذا على ذا، ويقول العداوة تزيل العدالة".
وروى ابن عبد البر في جامعه بأسانيده عن ابن عباس رضي الله عنهما ومالك بن دينار وأبي حازم رحمهم الله: "قوله خذوا العلم حيث وجدتم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة".
وذكر الإمام الذهبي قواعد ذهبية وهو يترجم للرجال بكل إنصاف،  وفيما قال، كما في تاريخ الإسلام: "ولو سمعنا كلام الأقران بعضهم في بعض لاتسع الخرق".قلت: وإن اتسع الخرق زاد في الأمة الضعف والتفرق!.
4- *ترك الإنصاف سبب في ترأس الجهال وتصدر أهل التعالم*.
وقد قيل: "العلم نقطة كثرها الجاهلون".
بدأت هذه النقطة عندما توسعت دائرة الخلاف القائم على الهوى والذي تسبب بعدم الإنصاف وكأن لسان حال أهله ما قيل، "خالف تعرف"، ورحم الله من قال: إذا نُهي السفيه جَرَى إليه، وخالف والسفيه إلى خلاف.
بحث هؤلاء وأذنابهم عن شيءٍ يظهروا فيه للعامة ويتكسبوا عليه ليكونوا بعداد الخاصة فراحوا يفُرُّون وينعقون بلا خشية أو حياء، وذلك لإن هم أهل الجهالة، وذوا التعالم، أن يتصدروا ولو على أعراض العلماء وأهل الفضل.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه القيم تصنيف الناس بين الظنِّ واليقين، ص (٣٧): "وإنما أهلك النَّاس الدرهمُ والدينار" واللبيب يعرف شرح ذلك. انتهى.
وقد أنكر ابن العربي المالكي حال هؤلاء حينما شرع بشرح الترمذي كما حكاه في مقدمة "عارضة الأحوذي" ونقله عنه الشيخ بكر رحمه الله في كتابه السابق، وهذا جزء من النصَّ: "وفي عِلم علَّام الغيوب إني أحرص النَّاس على أن تكون أوقاتي مستغرقةً في باب العلم، إلاَّ أني مُنيت بحسدةٍ لا يُفتنون؟ ومبتدعة لا يفهمون، قد قعدوا مني مَزجرَ الكلب يُبصبصون".
قلت: وقد عانى من هذا أعلام الرجال وشيوخ الدنيا من صغار الناس وهم لا على وجه التخصيص كالشاطبي وابن تيمية ومثله الطبري وفتنه التي حصلت حكاه ابن كثير ومثله ابن الجوزي على ما ذكره الذهبي في ترجمته، وآخر العهد وليس ذاك بإغلاق للباب، فليته أغلق وارتاح المسلمون من تلك المقالات؛ ومنها تهمة بعض الجهلة، وكلام بعض المارقة وقيعةً بعرض شيخ الدعوة في زمانه محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله، حتى وقعت الفتنة على المسمى دون المضمون عليها يعادون وبها يوالون، ومثله كثير وعليه قايس، أمثال هذه المحن وتلك الفتن، والله المستعان.
قال الخطيب رحمه الله: "فقد شاهدنا ما كنا قبل نسمعه، ووصلنا إلى الزمان الذي كنا نحذره ونتوقعه، وحل بنا ما لم نزل نهابه ونفزعه، من استعلاء الجاهلين، وظهور الخاملين، وخوضهم بجهلهم في الدين، وقذفهم بوصفهم الذي ما زالوا به معروفين، السادة من العلماء والأئمة المنزهين، وبسطهم ألسنتهم بالوقيعة في الصالحين، وإن الذنب بهم ألحق، والذم إليهم أسبق، والقبيح بهم ألصق، والعيب بهم أليق، وما سبيلهم فيما قصدوه من الطريق الذي سلكوه، وظنهم الكاذب الذي يوهموه، وقولهم الباطل إذ أذاعوه، إلا ما أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزاز قال: أنشدنا أحمد بن كامل قال: أنشدنا أبو يزيد أحمد بن روح البزاز قال: أنشدنا عبيد بن محمد العبسي في ابنه :
حسدوا الفتى إذ لم ينالواسعيه....فالناس أضداد له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها....حسداً وبغياً إنه لذميم
وترى اللبيب محسداً لم يجترم....شتم الرجال وعرضه مشتوم.
وأخبرنا ابن رزق أيضاً قال: أنشدنا أحمد بن كامل قال: أنشدنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال' أنشدنا علي بن محمد المدايني:
إن الغرانيق نلقاها محسدة....ولا نرى للئام الناس حساداً" (الاحتجاج بالشافعي) ص (٣٦٨ )
5- *قول الحق وإنصاف الرجال في الكلام سمة للرجال*
وقد قيل الإنصاف عزيز! وليس لهذه الفظة_اقصد الرجال_ في القرآن إلا لذوي الشأن، فلينتبه.
وقلّ الرجال في ثباتهم في مثل هذا المحن وقولهم الحق دوان مهادنة أو تردد، وقد كانت منقبة في سابق الأزمان، وطفحت بها الكتب في سير الأئمة والأعلام وأما في زماننا فعلى الأمة السلام.
وقد بلغ ذلك مبلغاً عظيماً في سير السلف، فانظر في شأن وكيع ومحنته وإنصاف ابن عيينة رحمهم الله، ومثله كلام ابن أبي ذئب عندما أخبر بعدم عمل مالك في حديث، "البيعان بالخيار" وإنصاف الإمام  أحمد رحمه الله، مع الشك في صحة القصة.
ومثله عدم حمل مالك الناس فيما عرضه أبو جعفر المنصور في إلزام الناس بموطأه ورفض مالك لئلا يحصر الحق في كتابه، فهذا موقف منصف ولا يقوم به إلا صنديد من الرجال(2). ومثله دفاع ابن حجر العسقلاني رحمه الله عن ابن خلدون. ودفاع الذهبي رحمه الله في النزهة، عن القيرواني وما نسب إليه، وقوله" هذا كلام بهوى" فأين هؤلاء فيمن يطعن في العلماء فيسكتونه ويقولون له هذا الذي تقول هو اتباعا للهوى ولحظوط دنياك، 'فالزم تقوى الله ومراقبته والإنابة إليه، وأستغفاره، واحذر صنعة المفاليس'.(3)
ومثل هذه الحكايات كثير مذكور في مواضعه.
روى أحمد في "الزهد" والخطيب في "المؤتلف والمختلف"، بإسناده؛ "لا يعجبنكم طنطة الرجل، ولكن من أدى الأمانة، وكف عن أعراض الناس فهو الرجل".
وفي الختام أذكر بإنصاف الذهبي رحمه الله وتواضعه وهو يترجم عن نفسه: "وجمع تواليف يُقال مفيدة والجماعة يتفضلون ويثنون عليه، وهو أخبر بنفسه وبنقصه في العلم والعمل ، والله المستعان ولا قوة إلا به ، وإذا سلم لي إيماني فيا فوزي".
اللهم سلم لنا ديننا وأحسن خاتمنا وتولى أمرنا وقنا شرور أنفسنا ومن كاد لنا، أعصمنا من الفتن وأعتق رقابنا ووالدينا وأهل الفضل علينا والمسلمين أجمع من النار وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه أبو إسحاق محمود بن أحمد الزويد عفا الله.
----------------------------------
(1) وهذه اللفظة فيها نظر، وإن قُيدت بزمان أو مكان جاز، كقولك قاضي قضاة العراق.،،،
وأنظر المناهي اللفظية.
(2)والصنديد أعلى مراتب الشجاعة، كما ذكره ابن قيم في الفروسية، ص (٥٠٣).

(3) من كلام الشيخ بكر رحمه الله في كتابه تصنيف الناس، ص (٥٥).

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع