..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حلب بين تحرير 2012 و2016

محمد نور حمدان

١٠ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3865

حلب بين تحرير 2012 و2016

شـــــارك المادة

عند أسوار مدينة حلب يستبشر الثوار والمجاهدون والشرفاء بتحرير المدينة من رجس النظام الخائن العميل، حيث تعود بنا الذاكرة إلى أواخر عام 2012 عندما استطاع الجيش الحر في ذلك الوقت تحرير أكثر من نصف المدينة، وكانت الناس متفائلة بتحرير حلب بالكامل.
وفي هذه الأيام نستبشر في "ملحمة حلب الكبرى" بتحرير مدينة حلب -إن شاء الله- ولكن يجب علينا أن نستفيد من تجربة عام 2012 للمرحلة المقبلة.

فإن أردنا أن نتحدث عن الجانب العسكري من الأخطاء عام 2012 بداية هو الركون إلى المناطق التي تم تحريرها وعدم تحرير المدينة بالكامل والانشغال في إدارة هذه المناطق وتنظيمها عن إسقاط النظام وتحرير البلد، لذلك لا بد أن ندرك أن معركتنا مع النظام باقية حتى إسقاطه في دمشق وعدم الانشغال بحلب عن إسقاطه .
ومن الأخطاء التي وقعنا بها في المرحلة السابقة:
عدم وجود جسم عسكري مركزي؛ مما سمح بتشكيل مجموعات مسلحة اختلط فيها الحابل بالنابل وأساءت كثيراً لسمعة الجيش الحر وكانت سبباً لابتعاد الناس المخلصين وعزوفهم عن الانضمام إلى الجيش الحر، وهذه النقطة المهمة والحساسة يجب أن تضعها القيادات العسكرية الفاتحة وهو عدم السماح بتشكيل ألوية وكتائب موازية للأجسام الكبرى التي ستفتح المدينة والتي عُرفت بأفضليتها وقوتها ومكانتها العسكرية وسَبْقها حتى ولو كانت تلك التشكيلات بأسماء وشعارات إسلامية، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ عَلَى جَمَاعَةٍ فَجَاءَ مَنْ يُفَرِّقُ جَمَاعَتَكُمْ وَيَشُقُّ عَصَاكُم فَاقْتُلُوه كَائِنًا مَنْ كَانَ» ولنتذكر أن نصرنا ليس بالعدد والعتاد وإنما بصدق الالتجاء إلى الله والتوكل عليه .
أما من الجانب المدني: فمن الأخطاء التي وقعنا بها عام 2012 تشكيل عدة أجسام خدمية وقضائية وعدم الاتفاق على جسم خدمي وقضائي واحد، أما اليوم فلا بد من الاتفاق على جسم خدمي واحد، ويمكن أن نغتنم فرصة تشكيل الحكومة في الداخل فرئيس الحكومة وجميع الوزراء في الداخل، وهم من الكفاءات المشهود لها في البلد، المعهود عنهم الأمانة والثورية، وخاصة بأننا مقبلون على مدينة فيها المؤسسات الخدمية العريقة كجامعة حلب ومجلس محافظة حلب وبلدية حلب، وهذه لا بد من تسليمها لأصحابها فهم أعلم بها. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم في رؤوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ قالوا : يؤبرون النخل ، قال : لو تركوه لصلح ، فتركوه، فشيص (أي أصبح ضعيفاً أو لا نوى له) ، فقال: "ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمر دنياكم، وما كان من أمر دينكم فإلي". لذلك يجب أن نسلم إدارة البلد لأهلها ممن توافرت فيهم صفتان: الكفاءة والأمانة.
أما في الجانب القضائي: فمن الأخطاء في عام 2012 تشكيل جسمين قضائيين؛ أحد هذين الجسمين لم يكن يعتمد على مرجعية للأحكام التي يصدرها، فلا بد من الاستفادة من هذه التجربة باعتماد مجلس قضائي واحد يضم القضاة من الشرعيين والحقوقيين والاعتماد على مرجعية واحدة للقضاة كالقانون العربي الموحد الذي تم اعتماده في معظم المحاكم في المناطق المحررة، والاعتماد على القضاة المشهود لهم بالنزاهة والأمانة فعندهم خبرة كبيرة في مجال أصول الحراكمات والجلسات القضائية، وهذا أقرب لتحقيق العدل بين الناس، خاصة وأنه ستفتح ملفات قضائية كبيرة وفساد كبير كان النظام المجرم يؤجلها ويرحلها، والله عز وجل يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة. يقول ابن تيمية رحمه الله: "فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى: "اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً".

أما في الجانب السياسي: وهو الأهم فيجب أن تتداعى جميع المؤسسات العاملة العسكرية والمدنية والشرعية المرجعية لاختيار مجلس انتقالي مؤقت واحد يمثل الشمال ويخاطب الدول، ويختار هذا المجلس رئيساً مؤقتاً لفترة محددة يمثله ويمثل الثوار والمجاهدين والشرفاء، وهذا هو رأس الأمر وأساسه فالصحابة لم يدفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اختاروا أبا بكر خليفة للمسلمين لعظم الأمر وأهميته وخطر أن يبقى الناس بدون رأس يقودهم، ولا بد أن يكون هذا المجلس عن رضى المؤسسات المرجعية وتوافقها ولا يمكن لفصيل أو جهة الاستئثار بهذا الأمر، فالناس لا تنصاع إلا إن كان ذلك عن رضى منهم واختيارهم. قال ابن تيمية (في السياسة الشرعية): "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ... ولأنّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتمّ ذلك إلا بقوة وإمارة ."ولأهمية الإمامة ألحقها العلماء في أصول الاعتقاد.
ومدار جميع الأمور السابقة يقوم على الكفاءة والنزاهة لا على السبق الثوري أو الجهادي أو الانتماء الفصائلي، فهي ولاية، والولاية أمانة. فهذا أبو ذر بالرغم من أنه رابع شخص دخل في الإسلام ومن أوائل من جهر في إسلامه في مكة قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا»
ولا بد من العودة إلى الحاضنة الشعبية والاعتماد عليهم في إدارة البلد، ويوجد الكثير من الكفاءات في مناطق النظام ولم تؤيد النظام بكلمة واحدة بل كانت من الفئة المستضعفة التي تنتظر المجاهدين لتحريرها من الظلم فلا تخذلوهم، ويجب الاستفادة من خبراتهم والابتعاد عن لغة المزاودات والتخوين والشعارات التي كانت سبباً في ابتعاد الكثير من الخبرات والكفاءات. وتذكروا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قاد غزوة مؤتة بالرغم من أن إسلامه كان متأخراً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن بالرغم من أنه لم يمضِ على إسلامه سوى أيام معدودات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى في غزوة حنين من الغنائم من أسلم عام الفتح ليتألف قلوبهم في الإسلام في حين حرم الأنصار منها.
وأخيراً فلنذكّر أنفسنا أن النصر من عند الله عز وجل، كما يقول تعالى {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخلها وهو متواضع، فالعمل لله والجهاد في سبيل الله والفتح والنصر قد يتأخر بذنوب أصبناها أو بظلمات وقعنا بها وليس بقوة عدونا وكثرة عتاده.
نسأل الله أن يفتح على المجاهدين ويتقبل الشهداء ويشفي الجرحى ويرفع الظلم عن المظلومين ويحرر سورية عن قريب إن شاء الله.

 

 

نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع