..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

العودة إلى التربية القرآنية.. حمل الأمانة وسر التكليف

محمد العبدة

٢٠ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4183

العودة إلى التربية القرآنية.. حمل الأمانة وسر التكليف
العبدة 0909.jpg

شـــــارك المادة

قال تعالى "إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها وأشفقْن منها وَحَملها الإنسانُ إنّه كانَ ظَلوماً جَهولاً " (الأحزاب 72).

جاء في تفسير الآيه: "هي سُنّة عظيمة من سنن الله تعالى في تكوين العالم وما فيه، وبخاصة الإنسان ليرقب الناس في تصرفاتهم ومعاملاتهم مع ربهم بمقدار جريهم  على هذه السُنَة ورعيهم في تطبيقها.." 1

وقيل في معنى الأمانة: هي الطاعة، والفرائض أو التكليف وقبول الأوامر والنواهي، وقال بعضهم: هي ما أودعه الله في نفوس الناس من دلائل التوحيد، فكأنها عهد الله لهم وأمانة ائتمنهم عليها.

إذن لقد قبل الإنسان بحمل الأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها، أليس هذا تشريفاً وتكليفاً، أليس لأنه يملك القدرة على الإختيار أو أنه أعطي القدرة على الاختيار، وقد وهبه الله سبحانه العقل والإدراك ليختار الطريق الأقوم، ويعاني المصاعب والمتاعب في سبيل ذلك، وهذا ما يميزه بين المخلوقات قال تعالى: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).

قال في (حجة الله البالغة) في تفسير هذه الآية: "فإن الظلوم من لا يكون عادلاً، ومن شأنه أن يعدل، والجهول من لا يكون عالماً ومن شأنه أن يعلم ، وغير الآدمي إما عالم عادل لا يتطرق إليه الظلم والجهل كالملائكة ، وإما ليس بعالم ولا عادل ولا من شأنه أن يكسبها كالبهائم ، وإنما يليق بالتكليف ويستعد له من كان له كمال بالقوة لا بالفعل...)2.

هذه القدرة على الاختيار (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً)، هي التي تعطي الحياة الإنسانية جلالها ، ويفرض عليها عبئها الأكبر في الفوز بعد الابتلاءات الدنيوية ، لقد قبل الإنسان هذه الأمانة وإن جهل خطرها أو قصر في الوفاء التام بكل حقوقها .                                                                                               

والدليل على تحمل الانسان لهذه الأمانة وقدرته على الإختيار قوله تعالى: ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) أي جعلناه مدركاً ذا عقل لتحقيق الاختيار .
وقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) هود/118- 119

أي لأن لهم هذا الشأن وهو القدرة على فعل هذا وهذا ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل الناس أمة واحدة، كلهم مؤمنون لكان ذلك، ولكن ترك للإنسان حرية الاختيار بعد أن دله على الطريق المستقيم وأرسل له الكتب والأنبياء، وعنده القدرة على دفع الشر إذا كان صادقاً في طلب الخير. قال تعالى: "وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ، ولو شاء لهداكم أجمعين" (النحل/ 9) ولأن الإنسان يولد على الفطرة، فمعنى ذلك أن عنده قدرات داخلية على فعل الخير، "فالعقل ليس صفحة بيضاء تطبع عليها المعطيات المادية كأنه سطح من الشمع وإنما هو كيان مفطور فيه مقولات قَبْليَّة توجد قبل التجربة الحسية فالطفل يُولّدُ كلمات جديدة من خلال القياس مع أنه لم يتعلم قواعد القياس)3. 

هذه الفطرة السليمة ، وهذه القدرة على الاختيار هي التي تمنح الإنسان القوة والعلم.

فالحياة ليست سلسلة من الأمور السهلة ، بل فيها اختبارات كي يتحقق للمسلم أن يسمو بنفسه ، ويحقق سر الأمانة، ويتحرر من الأغلال والآصار، أما إذا استسلم للأهواء ووساوس النفس فإنه سيضعف شيئاً فشيئاً وقد يصل إلى مرحلة ( اللاعودة ) ويصبح وليس عنده القدرة على الرجوع، لقد ضعفت شخصيته وعزمه وتردى وذهبت حريته في الاختيار ، وهذا ما ذكره القرآن الكريم (بل ران على قلوبهم) والآية الكريمة (إنا عرضنا الأمانة ...) فيها ملمح إلى شيء آخر مهم جداً في حياة المسلمين وهو أن الجهل هو أحد الأسباب الكبرى للتفرق، وكذلك الظلم وهو البغي كما ذُكِر في آيات كثيرة، وهذا موضوع آخر وله شأن كبير.
----------------------
1ـ الطاهر بن عاشور : التحرير والتنوير 9 / 124 .
2 ــ ولي الله الدهلوي : حجة الله البالغة  1 / 19 .
3 ــ حورات مع عبد الوهاب المسيري 1 / 246 .

 

المسلم 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع