..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. صمام أمان هذه الأمة.. وسفينة نجاته

الأمين الحاج محمد أحمد

١٥ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4844

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. صمام أمان هذه الأمة.. وسفينة نجاته
الحاج محمد أحمد0.jpg

شـــــارك المادة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لهذه الأمة، وسفينة نجاتها، ودليل نجاحها، وشعار فلاحها، ما تركه قوم إلا ضربهم الله بالذل، وفشت فيهم الفاحشة، وانتشرت فيهم الرذيلة، وردت دعواتهم، ونزعت بركاتهم، وتسلط عليهم أعداؤهم.

هذه الفريضة الضائعة، والشعيرة الغائبة ينبغي التسويق لها والحث عليها، وإفشاؤها بين الناس، حتى تكون عادة وسلوكاً للجميع، فحاجة الخلق إليها في دينهم ودنياهم أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأنها هي والعلم وسيلتان إلى الهدى.

قال الحسن: (مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر وإلا كنتُم انتم الموعِظات) أي يوعظ بكم غيركم لما يحل بكم من سخط الله ولعنته بسبب إهمال هذا الأصل.

قال ابن تيمية: (وكل بشر على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي، حتى لو أنه وحده، لكان أن يأمر نفسه وينهاها، إما بمعروف وإما بمنكر) [مجموع الفتاوى جـ28/168].

خيرية هذه الأمة مشروطة بالتزامها بالأمر والنهي: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ" [سورة آل عمران: 110].

وترك الأمر والنهي سبب للعنة والطرد من رحمة الله:  "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [سورة المائدة: 78 - 79].

هذه الشعيرة لها شروط، فلا يحل لأحد أن يأمر أو ينهى إلا إذا توفرت فيه هذه الشروط، ولهذا قال سفيان الثوري: (لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، إلا مَن كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى).

فالرفق ما دخل شيئاً إلا زانه، ولا فارق شيئاً إلا شانه.

فحاجة الآمر الناهي إلى الرفق والتلطف والمداراة لا تدانيها حاجة، سيما المسلم المستور الحال، أما المبتدع المجاهر ببدعته الداعي لها وكذلك الفاسق فهؤلاء لا حرمة لهم ولا كرامة.

قال الإمام أحمد: (الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق فإنه لا حرمة له).

لقد أمر الله عز وجل بإلانة القول للطغاة حيث وصى الله موسى وهارون عندما أرسلهما إلى فرعون قائلاً: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" [سورة طه: 44]. وقال تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" [سورة العنكبوت: 46].

فمن باب أولى وبالأحرى الرفق بإخوة العقيدة، ورفقاء الدرب. ينبغي للآمر الناهي أن يتوقع أن يقابل في أحيان كثيرة بالصد والرفض والعناد، وربما بالسب والضرب، فعليه أن يتسلح بالصبر وأن يحتسب ذلك عند الله. فهو مأجور مثاب إن شاء الله، إذا حسنت نيته، وصدقت سريرته، قبل أمره أم رد عليه. وأن يستصحب دائماً قوله عز من قائل: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [سورة فصلت: 34]. وقوله تعالى: "وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ" [سورة الرعد: 22]. قال بعض السلف في تأويلها: (هو الرجل يسبه الرجل، فيقول له: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك).

وعلى الآمر الناهي أن يقتدي ويتأسى في هذا الأمر وغيره برسوله الكريم، وصحبه الغر الميامين، وبالسلف الصالحين، والخلف الفالحين، ويتشبه بهم فإن التشبه بهم فلاح ونجاح ومعين على الصبر والاحتساب: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"[سورة الأحزاب: 21].

وإليك هذه النماذج لمقابلة الإساءة بالإحسان، والصد والاستنكاف بالصفح والغفران، وفي إلانة الكلام، وفي الرفق والتلطف بأخوة الإيمان. [انظر مجموع رسائل ابن رجب جـ4/45 والصفحات التي تليها].

كان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا قوماً على ما يكره يقولون لهم: مهلاً، مهلاً، بارك الله فيكم.

ورأى بعض السلف رجلاً واقفاً مع امرأة فقال لهما: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما.

وقال احد السلف: ما أغضبتَ أحداً فقبل منك.

وقال سفيان بن عيينة: ينبغي لمن نَصح ألا يعنف، ولمن نُصِح ألا يستنكف.

ورأى الفضيل بن عياض رجلاً يعبث في صلاته فزبره - زجره – فقال له الرجل: يا هذا! ينبغي لمن يقوم لله أن يكون ذليلاً. فبكى الفضيل وقال له: صدقت.

ودُعِيَ الحسن إلى دعوة، فجيء بآنية فضة فيها حلواء، فأخذ الحسن الحلواء فقلبها على رغيف، وأكل منها، فقال بعض الحاضرين: هذا نهي في سكون.

وقال شعيب بن حرب: ربما مر سفيان الثوري بقوم يلعبون بالشطرنج، فيقول: ما يصنع هؤلاء؟ فيقال له: يا أبا عبدالله ينظرون في كتاب فيطأطئ رأسه ويمضي، وإنما يريد بذلك ليُعلم أنه قد أنكر.

وكان كثير من السلف لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا سراً فيما بينه وبين من يأمره أو ينهاه.

قالت أم الدرداء رضي الله عنها: من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.

وقال رجل لسالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وقد زحمت راحلتُه راحلتَه في سفر: ما أراك إلا رجل سوء. فقال له سالم: ما أراك أبعدتَ.

وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مرائي! قال: متى عرفتِ اسمي؟ ما عرفه أحد من أهل البصرة غيرك.

ومر بعضهم على صبيان يلعبون بجوز، فوطئ على بعض الجوز بغير اختياره فكسره، فقال له الصبي: يا شيخ النار! فجلس الشيخ يبكي ويقول: ما عرفني غيره.

ومر بعضهم مع أصحابه في طريق فرموا عليهم رماداً، فقال الشيخ لأصحابه: من يستحق النار فصالحوه على الرماد. يعني فهو رابح.

ورأى جندي إبراهيم بن أدهم خارج البلد فسأله عن العمران فأشار إلى القبور، فضرب رأسه ومضى، فقيل له: إنه إبراهيم ابن أدهم! فرجع يعتذر إليه. فقال له إبراهيم: الرأس الذي يحتاج إلى اعتذارك تركته يبلخ.

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينشد:  بُني إن البر شيء هيّن ***  وجه طليق وكلام ليّن

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والعمال لا يهدي إلى أحسنها إلا أنت، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على صاحب الخلق العظيم، والهدى المستقيم، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

 

 

رابطة علماء المسلمين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع