..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

التربية بالحرية

خالد روشه

٢ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5577

التربية بالحرية
896.jpg

شـــــارك المادة

لاشك أن العبيد لا يصنعون حضارة، فهم مقيدون في رؤيتهم وقدرتهم وسلوكهم، مرتبطون بسيدهم، وأياً كانت تلك العبودية فهي قيد معيق لكل تقدم على مستوى الإنجاز، فعبودية الإنسان للإنسان مذلة وخسران، وعبوديته للمادة والمال ارتكاس وانتكاس.
إلا أن تكون عبودية لرب الأرباب سبحانه, فهي عندئذ عبودية التحرر الكامل إذ عبوديتك هنا هي عين الحرية الكاملة , فأنت عبد لمالك الملك الرحمن الرحيم , الخالق البارئ , الكبير المتعال, الحي القيوم, فعبوديته رقي وسمو, وكبرياء وعزة, وثقة وطمأنينة وسكينة .
هذا المفهوم مهم للغاية في بنائنا التربوي , إذ يلزم من بناء الشخصية الإسلامية أن تتبرأ من كل عبودية إلا عبودية ربها العظيم , ثم تعبده حق عبادته , فتسعى لينطبق عليها حق العبودية له سبحانه , فهي عندئذ حرة حرية حقيقية .
الشخصية الفعالة التي نريدها شخصية شجاعة , فلا تخشى ضرراً إذ تعلم أنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها, معطاءة فلا تخاف فقراً ولا تخشى ضياع رزق, إذ تعلم أن رزقها قدره رازقها .
على جانب آخر فإن العبيد للمادة والأشياء تعساء منتكسون, إذ يقول صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش .. الحديث " البخاري
إسلامنا له موقف واضح من بناء معنى الحرية في النفس المؤمنة , أحاديث كثيرة وتوجيهات نبوية متتابعة تؤكد على المعنى الذي نقصده :
فعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه أو عرفه " أخرجه ابن حبان .
فالخوف لا ينبغي أن يمنع المرء عن قول الحق , بل يجب على المرء أن يربي نفسه وأبناءه على قول الحق بلا مخافة للمخلوقين , إذ المخافة تبدأ في صناعة قيد على معصم الحرية للإنسان .
وفي حديث مسند أحمد ناحية إضافية لما نريد أن نقوله , فعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقالاً، فلا يقول فيه ، فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول : مخافة الناس ، فيقول : إياي أحق أن تخاف "
إنها حرية الكلمة التي ربى عليها الرسول صلى الله عليه أصحابه , فأدركوا ذلك فخرج أبو بكر وهو خليفة المسلمين يسأل الناس أن يُقوموه إذا اعوج , وخرج عمر يفسح المجال لشاب ليسأله على شيء من خصوصياته وهي ثوبه – الذي لم يكن يمتلك غيره – فيسأله من أين لك هذا .
لقد علمهم حرية السؤال والاستفسار والنصح والتناصح , فيبايع الناس على " النصح لكل مسلم " مسلم , وتسأله امرأة عن خصوصيات ذاتية قائلة "الله لا يستحيي من الحق " البخاري , وشاب يأتيه بشجاعة نادرة يناقشه في " أن يحل له الزنا " مسلم .. وغيرها كثير , ليتعامل الإمام الأعظم والرسول الأكرم مع كل حالة بكل حكمة وسعة صدر , فيعلم المرأة ويطهر قلب الشاب الذي جاءه بمرض الشهوة ويعيد بناء النفوس جميعا ...
لقد تعدى الأمر ذلك , فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم مواقف سلبية كثيرة من الناس , وبعضهم قد أساء في سلوكه , وبعضهم طلب منه المال بأسلوب فظ غليظ لا يليق بنبي عظيم , لكنه صلى الله عليه وسلم علمنا في كل موقف درساً جديداً في التعامل والعلاج والحكمة , وإذا به يخرج منتصراً في كل موقف , فتنتصر مبادئه وقيمه وثوابته ودينه وإيمانه , على الرغم من أنه لا ينتصر لنفسه أبداً ..!
ما يشحذ حرية المرء في الإسلام هي عقيدته , تلك التي تشعره بإيمانه الأعمق بربه القادر الذي هو يدافع عن الذين آمنوا وأن : ما أصابك لم يكن ليخطئك ...
الحرية الإسلامية هي نوع متميز عالميا من الحريات , فهي حرية تكفل الكرامة والعزة وأخذ الحقوق , لكنها أيضا حرية تحافظ على أمن البلاد والعباد وترعى الأخلاق والقيم والآداب والأعراف القويمة , ولا تضر النفس ولا الغير ولا المجتمع ولا مؤسساته ولا مصالح أفراده , إذ " لا ضرر ولا ضرار " الترمذي .

 

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع