..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بعد الفيتو المزدوج.. سوريا إلى أين؟

غازي دحمان

١٢ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2733

بعد الفيتو المزدوج.. سوريا إلى أين؟
111.jpg

شـــــارك المادة

ينذر الفيتو الروسي الصيني المزدوج، ضد مشروع القرار الذي تبنته جامعة الدول العربية وأيدته الأسرة الدولية لحل الأزمة في سوريا، بدخول الأوضاع فيها مرحلة جديدة ومختلفة على كل المستويات، وذلك انطلاقاً من كون هذا الحدث قد أسس لواقع جديد سوف يتم إدراج معطياته في الواقع السوري في الفترة المقبلة، وقد بدأت ملامح هذا الواقع بالتجسد على أكثر من مستوى، لعل أبرزها حالة الهستريا التي تنتاب النظام تجاه الثورة وقواها ومناطقها الفاعلة.


بداية لا بدّ من توضيح طبيعة المساومات التي خاضتها الأطراف الدولية والإقليمية على مدار أيام في نيويورك أثناء التحضير للقرار وقبل طرحه للتصويت، فقد كان واضحاً أن مفاوضات الأطراف المختلفة كانت تجري على الواقع الميداني بواسطة تقنيات الخطوط الساخنة مع الأطراف الداخلية، وكان يتم تقدير المواقف بناءً على سير الوقائع الميدانية، ففي حين كان النظام السوري يطمئن حليفه الروسي على قدرته على الحسم الميداني وحصر الصراع في بؤر معينة تمهيداً للقضاء عليها، ونتيجة ذلك كان الكرملين يصدر تعليماته للخارجية الروسية بالتشدد في رفض القرار وكذلك رفع سقف التساوم إلى سقوف لا تستطيع الأطراف الأخرى الالتزام بمقتضياتها أو حتى القبول بها.
مقابل ذلك كانت الأطراف الأخرى، ونتيجة لإطلاعها على سير الأوضاع الميدانية وهي ترى مؤشرات انهيار النظام بادية في أكثر من مستوى بما فيها المستوى العسكري، لا ترى ضرورة في تقديم تنازلات ذات قيمة للطرف الروسي باعتبار أن رجلهم في دمشق لم يعد يتمتع بوضعية مريحة، وهو في أحسن الأحوال بات طرفاً في إطار حالة الصراع الدائرة وليس الطرف الوحيد الفاعل والمؤثر.
ومما لا شك فيه أن الفيتو الروسي الصيني المزدوج، بعيداً عن الحسابات الإستراتيجية الدولية على أهميتها، قد تم بناؤه على تقديرات معينة مصدرها الحقيقي أجهزة النظام السوري نفسه، وهي ذات التقديرات التي تقوم على أساس قدرة النظام على الحسم وذلك وفق عملية منهجة المعطيات التي اعتمدها النظام في قراءته وتقديره للحدث والتي تقوم في أساسها على اختيار معطيات معينة -حجم قوة الثورة الظاهرية، تماسك النظام الظاهري أيضاً، وواقع وظروف البيتين الإقليمية والدولية-، وإهمال معطيات أخرى حاكمة وفاعلة من نوع حجم انتشار الثورة وتمددها، وكذا حقيقة الانشقاقات في الجسم العسكري وتوسعها كظاهرة باتت تهدد مؤسسة الجيش.
غير أن خطورة هذه القضية تنبع من حقيقة أن النظام السوري سيسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل تثبيت ما هو وهمي ومضلل وتحويله إلى واقع راسخ، وهذا الأمر يتطلب استخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة بما فيها استخدام مختلف صنوف الأسلحة لإخماد نيران الثورة الملتهبة لإنقاذ نفسه من جهة وإنقاذ ماء الوجه لكل من روسيا والصين، وحتى مصالحهما الإستراتيجية بعد أن غامرت الدولتان بموقف لن يكون بلا ثمن، لذلك فمن المتوقع ألا يقف دعم كل من روسيا والصين عند حدود الدعم الدبلوماسي للنظام، بل سيتعداه إلى الدعم العسكري والتجاري.
فالقضية أصبحت بالنسبة للدولتين قضية أشبه بأزمة داخلية تتطلب الاستنفار الكامل تجاهها، ولا شك أن ذلك سيجعل من الدولتين طرفاً متدخلاً بقوة في مخرجات السياسة وقراراتها، وما زيارة رئيس الاستخبارات الروسية إلى دمشق إلا أحد تعبيرات هذا التحول في الواقع السوري.
على مستوى الحراك الثوري، لا يتوقع أن تؤثر كل هذه الوقائع على سير الحركة الثورية المستمرة منذ حوالي العام، رغم أن البلاد تتهيأ لمزيد من الضحايا التي ستخلفها حملة النظام الجنونية، ذلك أن الثورة السورية تجاوزت كل إمكانية للنظام من أجل القضاء عليها، وكل ما ستفعله الثورة، بناءً على قراءة عيانية لصيرورتها ومسارها، هو اتباع نمط تكيف جديد يساعدها على مواجهة النظام عبر تكتيكات وأساليب جديدة من نوع تصعيد النضال إلى شكل من أشكال العصيان المدني، وكانت تجربة الإضرابات قد لاقت نجاحاً مؤثراً في كثير من مناطق الحراك.
إضافة لذلك فثمة تطور واضح في ظاهرة التضامن الجمعي لدى السوريين، وهو ما تثبته حالة التحاق مناطق كانت خارج الحراك الثوري حتى وقت قريب -حلب والرقة-، وفوق ذلك ثمة مؤشرات عدة تؤكد ارتسام مناطق كثيرة في سوريا كريف دمشق وغربي درعا وشمال إدلب كمناطق محررة، وإن بدرجات متفاوتة، من قبضة السلطات الأمنية.
على المستويين الإقليمي والدولي، فقد وضع الفيتو المزدوج الأطراف العربية والدولية في موقف محرج ووضع صدامي، وخاصة بعد أن رفعت الكثير من الدول سقف مطالبتها والمتمثلة بتنحي النظام، والمعروف في هذا المجال أن ثمة عرفاً في العلاقات الدولية يقضي بأن الدول العظمى إذا هددت ولم تنفذ فإن هذا الأمر يكون له تأثير كبير على مصداقيتها وسمعتها الدولية، ناهيك عن كون هذه الدول تشهد انتخابات رئاسية -الولايات المتحدة وفرنسا-، الأمر الذي سيدفع بهذه الدول إلى تنفيذ تهديداتها.
وفي هذا المجال تتجه الجامعة العربية وحلفاؤها الدوليون إلى البحث عن مخارج وحلول أخرى تتجاوز حالة الاستعصاء الحاصلة في مجلس الأمن، ومن ضمن التكتيكات المتوقعة في هذا المجال إعادة طرح القضية أمام المجلس لزيادة الضغط على روسيا والصين، وفي حال عدم نجاح هذا المسعى، يتوقع أن يتم اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام) على غرار الحالة الكورية "3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1950م، بعد أن عجز مجلس الأمن في النهوض بمسؤوليته في حفظ السلم والأمن الدوليين وعدم تحقق إجماع الدول الخمس دائمة العضوية تجاه الأزمة السورية.
كما أن هناك اتجاهاً آخر أعلنت عنه فرنسا، في إطار البحث عن بدائل أخرى للقرار الدولي، وهو تشكيل "مجموعة أصدقاء الشعب السوري"، والتي سيكون هدفها توفير دعم الأسرة الدولية لتنفيذ مبادرة الجامعة العربية، وكانت باريس قد اقترحت هذه الفكرة في الأشهر الأولى للثورة السورية من خلال مجموعة اتصال كان الغرض منها التمهيد لإنشاء "مجموعة اتصال" شبيهة بما اقترحته فرنسا في الموضوع الليبي.
وما يؤكد جدية هذه الإجراءات الدولية والإقليمية حقيقة أن أميركا ومعها الأوروبيون والعرب لن يقبلوا هذا الوضع الذي وضعتهم فيه كل من روسيا والصين، وكانت ردود فعل هذه الأطراف قد كشفت مدى الغضب، وحتى الإحساس بالهزيمة، من قبل هذه الدول، وبالتالي فإن الكثير من المراقبين يتوقعون أن تسعى هذه الدول إلى دعم المعارضة الداخلية، والجيش السوري الحر، وتهريب كميات كبيرة من الأسلحة والمتطوعين، لاستنزاف النظام، وتقويض قاعدتيه الأمنية والعسكرية.
لقد وضع الفيتو المزدوج الوضع في سوريا على سكة الفوضى والصراع الصفري، كما أنه أدخل عناصر خارجية في الأزمة السورية، وإن كانت موجودة بشكل مستتر ومموه، وستتحول البلاد نتيجته إلى بركة دماء بسبب استعجال النظام عملية الحسم الواهمة واستمرار صمود الثورة، وفي مرحلة قادمة ستتحول سوريا إلى ساحة كباش بين الدول والأطراف المختلفة، هي إذاً مرحلة الصراع على سوريا ومرحلة صرع شعبها على أيدي نظام استمسك بتلابيب السلطة حتى آخر سوري.

المصدر: الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع