..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

قُتل زهران، وفي مقتله مقتلة لقاتليه

حمزة المصطفى

٢٧ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2718

قُتل زهران، وفي مقتله مقتلة لقاتليه
000 يتحدث.jpg

شـــــارك المادة

لا أعظم ولا أجل من موت في سبيل ما تؤمن. بهذا خط جميع العظماء بصمتهم. ومن خلاله خُلدوا في سجل الخالدين. لا مكان لزهران في وجدان المتطرفين، فهؤلاء فقدوا وجدانهم، ولا مكان له في قواميس الثورات المؤسطرة، تلك التي تكتب دون أن تصنع.

عاش زهران سنواته الأخيرة، وقد حملناه جميع أخطائنا. انتقدناه، وكان يجب أن ننتقده، لكنه لم يكفرنا كما هو حال الدواعش والغلاة، ولم يقصينا كما فعل المتشبهون بالليبراليّة واللائكية المتطرفة، واليسار الرث.

لم يكن زهران أنموذجًا ثوريًا يحتذى بمفاهيمنا، فهو لم يفكر أو يهتم بذلك إلا في السنة الأخيرة. تفهمنا أكثر مما تفهمناه، قرأ خربشاتنا المعيارية القاسة، وكان من البراغماتية أن تخلى عن أيديولوجية شاملة أقل فائدة لها أنها تهون موته ورفاقه في سبيل الثورة.

كان ديكتاتوريًا بنظرنا وقائدًا استثنائيًا بنظر رفاقه. ثورته لا تشبه ثورتنا المتخيلة، لكنه هذب ثورة الريف والأطراف والتي لا تعبر عن نفسها عندما تتسلح إلا بالانتقام، وأطرها في مقاومة مسلحة منظمة صمدت في وجه الاحتلالين والدواعش.

على زهران مآخذ عدة، ولكنها لا تقارن بمأخذنا على أنفسنا، وعلى القاعدين، والمنظرين والمفكرين، على الأقل ما استطعنا العيش ساعات في حصار عاشه سنوات ثلاثة. قصف دمشق، وفي هذا خطأ.

نظروا إليه كأمير حرب "إسلامي" مع أن صرخته كانت أقل عنفًا من صرخة جيغفارا المؤسطر ضد التفاوت الطبقي، وانتهازية البرجوازية الطفيلية.

ولم يشفع له أنه وحده، ودون غيره، أنقذ دمشق من غزو داعشي كان وشيكًا في لحظة من اللحظات. ضيق على الناشطين واتهم باختطاف بعضهم، وفي هذا خطأ وإثم إن ثبت، لكنه مأسس العمل العسكريّ، وحدّ، بالقوة، من ظاهرة تكاثر الكتائب والمسميات.

لم يكن القضاء الموحد أنموذجنا المعياري لدولة العدل والحق، لكنه أفضل الموجود. أضف إلى ذلك، أن علوش وجيشه كان الأقل تلقيًا للدعم مقارنة بفصائل الشمال الكبرى، أو الجبهة الجنوبية بل مقارنة بجبهة النصرة، ومنظريها الذين طالما زاودوا عليه، واتهموه بالعمالة.

تعرض الجيش وعلوش لحملة إعلاميّة ضده، شاركت فيها وسائل وقنوات تلفزيونية عدة من ضمنها تلك المؤيدة للثورة. ضمن معرفتي المحدودة، لم يحصل جيش الإسلام في الأشهر الست الأخيرة على أكثر من 5 مليون دولار، وهو مبلغ زهيد لا يغطي لأسابيع معدودة حاجيات الغوطة عسكريًا، وتنمويًا.

من منظور ثورة الأطراف والريف، وسطوة الجهاديين كان جيش الإسلام النموذج الأقرب لثورتنا وأهدافها، تصالح مع علم الثورة ورايتها، ولم يمانع يومًا في تغيير اسم الجيش إذا انتفت الحاجة للتعبئة الأيديولوجية اللازمة للقتال والسلاح.

الديمقراطيّة التي كانت تحت قدميه قبل فترة، أقر بها، ووقع على بيان يدعو لاعتمادها، وهذا ما طالبنا به، ولست معنيًا هنا بالكشف على قلوب الأشخاص، ومدى إيمانهم بها، فالله وحده يعلم ما في القلوب.

لم نتردد في نقد زهران وقت حياته، وهذا واجبنا، ولن نتردد في رثائه وتخليده بطلاً وطنيًا لا تقل رمزيته عن الخراط، وسائر المقاومين في سبيل الاستقلال والتحرير.

لم أسمع يومًا فلسطينيا تشفى بمقتل الشيخ أحمد ياسين ولا الرنتيسي ولا أحد من قادة حماس والمقاومة، لكن تشفي البعض باستشهاد علوش فيه من السقوط الأخلاقي ما لا يمكن تداركه.

وأخيرًا، بنى زهران علوش تنظيمًا مسلحًا يعتمد المؤسساتية، والتراتبية العسكريّة والسياسيّة، وربطه بمرجعية سياسية وقضائية.

لذلك، وإن تخبط جيش الإسلام في المدى المنظور نتيجة فقدان كاريزما علوش، فإن ما بناه الشيخ سيبقى راسخًا، وسيستمر الجيش في مقاومته وجهاده بشكل أقوى مستندًا إلى تضحيات مقاتليه، وقائده، وسيكون مقتله مقتلة لقاتليه مهما اشتدت النوائب، وتحزب المتحزبون ضد الثورة والشعب السوري.

رحم الله الشهيد زهران علوش وأسكنه في عليين..

 

 

العصر

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع