..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

جناية "الذين لا يعلمون" في محنة الغلاة

أسامة اليتيم

٨ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4896

جناية
اليتيم 00.jpg

شـــــارك المادة

بدأت ثورةُ أهل الشام -حين بدأت- بيضاءَ نقيةً لا إفراط فيها ولا تفريط، ترفع شعاراتٍ يتفق القاصي والداني على شرعيتها والانتصار لأهلها..
ثم ما فتأت أن لوثها الغلاةُ بشعاراتٍ لا قِبل لأهل الشام بها، فسرى التنازع بين المجاهدين سريان النار في الهشيم، وأكلت الثورةُ بعض أبنائها، وارتدت الحراب في الصدور..

فكان أن وقف بعض الناصحين من هذه المحنة موقف العدل والإنصاف فنصحوا للأمة وردوا زيغ الغلاة وبينوا باطلهم وردوا شبهاتهم وقاموا بواجب البيان والبلاغ..
وكان ممن أسهم في استفحال أمر الغلاة وتطاير شررهم فئامٌ من الذين لا يعلمون، لبسوا لبوس أهل العلم -وما هم منهم-، فكان منهم المتعالم، ومنهم الجاهل بالحكم الشرعي أو بتطبيقه على الواقع، وكان منهم من كتم علمه خوفًا على نفسه أو خوفًا من انفضاض الأتباع والطلاب من حوله، أو لهوىً في نفسه.
*فأما المتعالمون: فإن قضية الغلاة قضيةٌ علميةٌ عقديةٌ منهجية، والمشاهد أن كثيرًا ممن يخوض فيها لم تعرف لهم سابقةُ علمٍ ولا رسوخٌ في العقيدة ولا فقهٌ في دين الله.
*{ومنهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، ومع كل ذلك فقد لبسوا لباس الشرع يفتون لقادتهم بحل دم فلان وردة الفصيل الفلاني واستحلال ماله وسلاحه دون أثارةٍ من علم أو حجةٍ أو دليل.
* ومنهم المتقلبون المتذبذبون في شأن الغلاة، كمن عمل بادي الرأي على التمكين للغلاة في القرى والمدن، فلما رأى جرائمهم بدأ ينكر عليهم ويحذر منهم، ولو أنهم بحثوا في جذور هذه الجماعات وسبروا تاريخها أو سألوا أهل العلم عن حقيقتها قبل تطاير شررها لما استفحل أمرها ولا غدا تطهير بؤرها عسيرًا على الصادقين.
* وطائفة من أهل العلم {قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} فلا يمنعهم من مواجهة الغلاة وتحذير الناس منهم إلا خوفهم على حياتهم وخشيتُهم من غدر الغلاة بهم.
وقد استفحل داء الخوف على كثيرٍ من أهل العلم حتى غدا المنكِرُ على الغلاة غريبًا كصالحٍ في ثمود، ونسوا أن الله -المحيي المميت- قد أخذ عليهم العهد والميثاق {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159].
* إخفاء الحق لكسب الأصوات:
وعلى الأعراف رجالٌ يقفون في المنطقة الرمادية بين أهل السنة والغلاة، فيحاولون إمساك العصا من المنتصف، فتراهم يعلمون الحق ويكتمونه مجاراةً للناس وسعيًا في إرضائهم، أو لهوىً في نفوسهم وسعيًا في جمع أصوات الناس على بعض المشاريع الخاصة، فيحاولون الظهور بمظهر الحياد، ويختبئون خلف عموميات الإصلاح وحقن الدماء وتوحيد الصفوف، ويقولون: لسنا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!! ويحاولون إنهاء الأزمة على قاعدة: "أحبوا بعضكم" و"كل واحد يصلح سيارته"!!.
وهو حيادٌ سلبيٌ قاتلٌ لو كان يعلمون، حيادٌ بين الضحية والجلّاد، بين الظالم والمظلوم، بين من يسعى لينقذ ما تبقى من هذه الثورة ومن يواصل الليل بالنهار ليهدمها ويظهرها بأبشع صورة.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع، وقال تعالى: [وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ][البقرة 42] .
فهو ثمنٌ قليلٌ زهيدٌ رخيصٌ مَهما زَينَّ الشيطان منافعه ومصالحه ومكاسبه.
وقد صنف أبو بكر الآجري مصنفاً في أخلاق العلماء وآدابهم، فوصف فيه عالم السوء بأوصاف كثيرة منها قوله: "وقد فتنه حبُّ الدُّنيا: الثناء والشرف والمنزلة عند أهل الدُّنيا، يتجمل بالعلم كما تتجمل بالحلية الحسناءُ للدنيا ...".
* وممن أسهم في انتشار سموم الغلاة: شرعيو بعض الفصائل الذين ليس لهم من الأمر شيئ، ممن يسيرون خلف ركاب قادتهم، فتراهم - إن كان قرار قائد الفصيل عدم قتال الغلاة - يبحثون في النصوص التي تتحدث عن حرمة دماء المسلمين وأن قتالهم فتنة، وكأن النصوص التي وصفت الخوارج وحذرت منهم وأمرت بقتالهم إنما جاءت في أهل الكتاب!!
* وأخيرًا فإن من كبار الذين لا يعلمون قومٌ ما فتئوا يكيلون المدح للغلاة، ويصفونهم بصفات التعظيم والتبجيل، فيُلبِّسون على الناس باطلهم ويسوقون للذين لا يعلمون أمثالهم.
فأعرضْ عن كل هؤلاء وتمثل قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الجاثية:18].
وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].

 

 

نور سورية

تعليقات الزوار

..

معن - سوريا

١٥ ٢٠١٥ م

صدقت
رحمك الله، وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك وقد أضفيت إلى رب كريم، واغتالك الأوباش غيلة

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع