..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

روسيا تقود المحاولة الرابعة للحسم العسكري في سوريا

عبد الوهاب بدرخان

٦ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2866

 روسيا تقود المحاولة الرابعة للحسم العسكري في سوريا
الوهاب بدر خان+0.jpg

شـــــارك المادة

اتخذ التدخل الروسي في سوريا مساراً واضحاً كان الرئيس فلاديمير بوتن أشار إليه مراراً في تصريحات ومقابلات صحافية وأخيراً في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. جاء الروس لإنقاذ نظام بشار الأسد وإعادة تعويمه وتأهيله عسكرياً وسياسياً ليشكّل الواجهة لحرب على الإرهاب تشارك فيها قواته رمزياً، وتُخاض فعلياً بالضربات الجوية الروسية والقوات البرّية التي استقدمتها إيران من صفوف «لواء الفاطميين» الذي يضم «لاجئين» أفغاناً وباكستانيين، بالإضافة إلى مقاتلي ميليشيا سورية خاصة أنشأتها إيران حديثاً، وكذلك مقاتلون عراقيون ولبنانيون.

لكن، من الواضح أن الروس يحاربون في خطة ليست خطّتهم بل هي التي وضعها قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني الذي زار موسكو مرّتين في الشهرين السابقين، بالإضافة إلى زيارات سابقة تكررت منذ مارس الماضي. أي بدؤوا يعدّون للتدخل منذ ذلك الوقت.
ومن الواضح أن الروس لا يعطون الأولوية في المرحلة الأولى لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، بل لاستعادة مناطق كانت قوات المعارضة طردت قوات النظام منها. وإذا كانوا يزمعون محاربة هذا التنظيم في مرحلة تالية فإن الخطة تقوم على ضرب فصائل المعارضة وأبعادها عن مسرح العمليات في محافظة الرقّة. هذا ما دلّت عليه الضربات الجوية الأولى، وهذا ما يأمل به النظام الذي يعتبر المعارضة عدوّه الرئيسي وهو لا يشير إليها إلا بمصطلح الإرهابيين، الذي تبناه وروّجه إعلام إيران وما يسمّى «محور المقاومة والممانعة»، وبدأ الإعلام الروسي يستخدمه. ولا يعني ذلك سوى أن روسيا، التي جعلت من «الحل السياسي» عنواناً لدبلوماسيتها فيما هي ممعنة في تسليح النظام، باتت الآن رأس الحربة لما دعا إليه النظامان السوري والإيراني دائماً، أي لـ «الحسم العسكري».
ستكون هذه المحاولة الرابعة لحسم الصراع السوري عسكرياً، ولا شك أن التدخل الروسي غيّر المعادلة من حيث عدم تكافؤ السلاح والتهديد بنزاع ومواجهة دوليين، وبالأخص لأن الولايات المتحدة لا تبدي أي استعداد لتغيير استراتيجيتها وإتاحة تعزيز تسلّح المعارضة، بالإضافة إلى أن مشروعها لتدريب مقاتلين من «المعارضة المعتدلة» انتهى إلى فضيحة هي أقرب إلى المهزلة.
كانت المحاولة الأولى للحسم بدأها النظام منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس 2011، وراح يصعّد في العنف والقتل، ثم انتقل إلى استهداف المدن وارتكاب المجازر لدفع السكان إلى النزوح. ورغم محاولته في يوليو من ذلك العام البدء بـ «حوار وطني» وطرح إصلاحات، إلا أنه كان اتفق مع الإيرانيين على أن ما يجري هو «مؤامرة» على سوريا يجب جبهها بالعنف، لذلك تبيّن سريعاً أن ذلك «الحوار» لم يكن جدّياً بل تغطية للتصعيد. وظلّ النظام متيقناً بإمكان احتواء الأزمة وإنهائها لأن المدن الكبرى، خصوصاً دمشق وحلب، بقيت تحت سيطرته، بل اعتقد أن كل ما عليه أن يدير الأزمة ويقودها إلى النهاية التي يريدها.
في منتصف 2012 كانت ضغوط عنف النظام دفعت مئات ثم آلافاً من الضباط والجنود إلى الانشقاق، بعدما تكاثرت داخل الجيش التصفيات الجسدية على أساس مذهبي وراح العسكريون يتملصون من أوامر بالقتل لأبناء الشعب. أدى الانشقاق إلى نشوء «الجيش السوري الحرّ» الذي بدأ ينشط وينتزع المواقع من قوات النظام، وفي منتصف العام سقط معظم مدينة حلب وبدأ زحف حثيث نحو العاصمة، وبدا «الجيش الحرّ» مزمعاً على حسم المعركة. ويؤكد عدد كبير من الخبراء العسكريين أن الولايات المتحدة هي التي تدخلت لفرملة عملية إسقاط النظام عسكرياً، وفي ذلك الوقت كان صدر «بيان جنيف 1» (30 يونيو 2012) مشدّداً على الحل السياسي.
كانت تلك المحاولة الثانية للحسم. بعدها تسلّم الإيرانيون زمام المبادرة ليعيدوا النظر في خطط قوات النظام والإعداد للحسم العسكري، وقد أعطوا الأفضلية لتأمين العاصمة، ثم بدؤوا حملات محدودة لإبعاد قوات المعارضة عنها. تزامن ذلك مع قيود مشدّدة فرضها الأميركيون على توفير السلاح لـ «الجيش الحرّ» ما أدّى إلى تراجعه ودفع في 2013 إلى انشقاقات عنه لمصلحة تأسيس فصائل «إسلامية» وكانت «جبهة النصرة» قد ظهرت واستقطبت أعداداً من المقاتلين. وفيما استغلّ الضغط الأميركي على المعارضة لجلبها إلى مفاوضات جنيف مع وفد يمثل النظام (فبراير 2014)، لم تستغلّ روسيا نفوذها لدى النظام لحمله على التفاوض بجدّية. وظهر لاحقاً أن موسكو كانت تخادع واشنطن، أما الأسباب فنجدها في تفجّر الأزمة السياسية في أوكرانيا. وهكذا تعطّل التشاور الأميركي-الروسي بشأن سوريا في اللحظة التي بدأ الإيرانيون حملة عسكرية كبيرة استقدموا لها مقاتلين من ميليشيات العراق و «حزب الله» اللبناني، وتوصلت هذه المحاولة الثالثة إلى تحسين الوضع لمصلحة النظام إلا أنها لم تحسم.
إلى المحاولة الرابعة إذن بمشاركة حاسمة من روسيا هذه المرة، قوامها غطاء جوي بطائرات حديثة ودبابات وأسلحة متطورة، من دون إرسال قوات برّية للقتال على الأرض. والمفارقة أن موسكو استبقت تدخلها بمسلسل طويل من اتصالات دولية وعربية ركّزتها على «حل سياسي»، ليتبيّن أنها كانت تجري مناورات سياسية للتمويه على تدخلها العسكري وقلب الطاولة. وأبدى الروس تجاهلاً للجميع ولم يأتوا إلى «تنسيق» مع الأميركيين إلا بعد تلكؤ، وإذا استمرّوا كذلك ولم يوضحوا قريباً ما خططهم بالنسبة إلى «حل سياسي» متزامن مع التحرك العسكري فإن الدول والجهات الداعمة للمعارضة ستضطر إلى تغيير تكتيكاتها، أي أن روسيا ستجازف بدفع الوضع في سوريا نحو «الأفغنة».

 

 

العرب القطرية

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع