..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مجازر النظام السوري.. الوحشية كمنهجية وسياسة

عبيدة عامر

٢٠ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3533

مجازر النظام السوري.. الوحشية كمنهجية وسياسة
29.jpg

شـــــارك المادة

حتى الساعة السادسة من مساء الأحد، 17 آب/ أغسطس 2015، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 104 شهداء في قصف النظام السوري على سوق شعبي مدينة دوما، في ريف دمشق، قبل أيام من الذكرى الثانية لمجزرة الكيماوي في الغوطة – التي كانت في 21 آب/ أغسطس 2013 والتي راح ضحيتها 1127 شهيدًا في قصف بالسلاح الكيماوي على مناطق مختلفة من الغوطة.

الشهر الماضي (تموز/ يوليو 2015) وحده، قتل النظام ما لا يقل عن 476 شخصًا في مجازر مختلفة في سوريا، بحسب توثيق الشبكة، التي تعتمد التعريف القانوني للمجزرة بأنها: الحدث الذي يُقتل فيه أكثر من خمسة أشخاص مسالمين دفعة واحدة؛ فيما توثق الشبكة شهريًا وسنويًا عددًا لا يقل عن مئات الأشخاص الذين يقتلون في مجازر مختلفة على يد النظام السوري، منذ أن بدأت الثورة في سوريا قبل أربع سنوات ونصف.

تذكر مجزرة دوما بالمجازر التي يرتكبها النظام في سوريا، والتي أخذت كل أشكال القتل؛ فمن القصف الصاروخي على المناطق المأهولة، كما جرى في دوما، إلى القصف بالقنابل البرميلية، إلى القتل بالذبح بدوافع طائفية، كما حصل في مجزرة الحولة -مثالًا لا حصرًا-، والقتل بالكيماوي، كما حصل في مجزرة الغوطة، وحصل بعدها باستخدام الكلور في عدة مناطق في سوريا، منتهكين القانون الدولي، وقرار مجلس الأمن 2118 بمنع استخدام الأسلحة الكيميائية ما لا يقل عن 71 مرة، بحسب توثيق الشبكة، في سخرية فجة -ومستحقة- من خطوط أوباما الحمراء.

هذا التكرار والتنوع الوحشي في سياسة المجازر يدل على أنها ليست مجرد أحداث منفصلة ضمن “صراع بين أطراف النزاع”، أو “حرب أهلية”، كما يحب الإعلام الغربي تصويرها، لكنها عبارة عن منهجية وسياسة يتبعها النظام، لا لأنه عبارة عن عصابة وحشية تجمع القتلة من كل أنحاء العالم وحسب؛ بل لأنه يسعى من خلالها لتحقيق أهداف ومكاسب مادية سياسية وعسكرية، داخليًا وخارجيًا.

المجازر كمنهجية:

وليس ذلك غريبًا عن النظام الذي حل أكبر أزماته عبر مجزرة من أكبر المجازر في العصر الحديث: مجزرة حماة، التي قتل خلالها 40 ألف شهيد على الأقل، خلال شهر تقريبًا، باعتراف رفعت الأسد، عم رئيس النظام الحالي بشار الأسد، مسؤول سرايا الدفاع، حينها، التي كانت المسؤولة الأكبر عن المجزرة.

توصيف المجازر على أنها منهجية للنظام يعني أن هذا النظام لا يمكن أن يستمر من دونها؛ لأن جزءً من بقائه وتركيبته قائم على هذه الوحشية، فقد مهد النظام لذلك عبر تأسيس جيشه ومؤسساته الأمنية -المسؤولة عن هذه المجازر- بطريقة مسبقة؛ فمن ناحية: فإن “الجيش العربي السوري” -كما يُدعى؛ إلا أنه ميليشيا طائفية مرهونة لإيران-، مكون في مراتبه العليا على مبدأين اثنين: الطائفية التي وضعت كبار الضباط من طائفة النظام، أو الانتهازية التي منحت المنتفعين من الطوائف الأخرى مكاسب تجعلهم يتجاوزون انتهاكاته، أما جنوده ومجندوه فهم يتعاملون من داخله بالفساد والاستبداد والتجهيل، والضخ العقدي الطائفي المباشر الذي يجعل من السهل على أفراده ارتكاب المجازر عند الاقتحام؛ إما بالضخ العقدي الطائفي بالدرجة الأولى، أو الجهل والخوف على الحياة حال رفض تنفيذ الأوامر.

وبجانب الجيش النظامي، فهناك فصائل وأجهزة النخبة المافيوية، بالرابطة الداخلية والوحشية والقتل والاستعداد للقتل، مثل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس، والتي تمثل الامتداد الوظيفي لفرقة سرايا الدفاع التي كان مسؤولًا عنها رفعت الأسد، شقيق الرئيس حينها كذلك، وهي عبارة عن فرق موت طائفية، يتم أفرادها بعناية، ويخضعون لتدريبات عسكرية، وغسيل دماغ، وضخ معنوي عال، يجعل أفرادها مستعدين وجاهزين للقتل من دون تفكير ولا وازع، وهو ما جرى في حماة على يد سرايا الدفاع، ويجري على يد الفرقة الرابعة.

بجانب إعداد القتلة، سواء في الجيش أو فرقه، فقد ارتبطت الوحشية والمجازر لدى النظام بالنفس الطائفي الذي ضخه النظام في المجتمع، عبر التمايزات الكبيرة التي قدمها لطائفته العلوية على حساب الطوائف الأخرى، والتجهيل والتهييج الذي زرعه الأسد بها في مناطق تواجدها، والاستفزاز المباشر للأكثرية السنية، قبل الثورة عبر انتهاك الكرامة ضمن أجهزتها المؤسساتية والأمنية، وبعد الثورة بالعمليات الطائفية المباشرة مثل القتل الطائفي والاغتصاب والذبح بالسكاكين، ورافق ذلك الضخ الطائفي للميليشيات الشيعية القائمة على المتطوعين الشيعة من بلدان أخرى، أو لحزب الله، فكانت المجازر مجرد امتداد طبيعي لهذا النفس الطائفي الوحشي، الذي لا يمكن للنظام أن يستمر من دونه؛ إذ يصبح انهيار النظام مجرد مسألة وقت حال تخلي الطائفة العلوية عنه، أو انسحاب الميليشيات المؤيدة له.

هذا الحديث يمكن اعتباره “ما قبل المجزرة”، أما المنهجية في المجزرة، فهي واضحة عبر اختيار الأوقات والأماكن التي يجتمع بها المدنيون، فغالب المجازر تتم عبر قصف المناطق المأهولة الحيوية، كالمخابز والأسواق والمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس بأسلحة ذات قدرة تدميرية عالية -أبرزها القنابل البرميلية العشوائية التي لا تحدد المكان، والقنابل الفراغية-، أو باختيار الوقت مثلما اختار الساعة الثالثة فجرًا لاستخدام غاز السارين، ليكون الجو أبرد ما يمكن، ويحقق الغاز أكبر فعالية كيميائية، مثلًا، على أهداف مدنية بحتة، غير مرتبطة بأي أهداف عسكرية مباشرة؛ مما يجعل نسبة المدنين تتجاوز عادة الـ 80٪، -يمكن الرجوع لقسم المجازر،والأسلحة لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان- مما يحيل المجزرة من حدث منفصل إلى أداة حرب متكررة، ومن مرات استثنائية إلى منهجية متعمدة، لتحقيق أهداف أخرى أكبر وأهم بالنسبة إليه.

المجازر كسياسة:

إذا كان نيرون قد أحرق روما مرة واحدة ليشبع نزعة وشهوة مريضة لديه عبر مشاهدة رمادها من شرفته، فإن الأسد ونظامه وميليشياته وجيشه ليسوا ذوي شهوة وحشية لا تشبع بسهولة من الدم والقتل بسرعة، فتستمر بالقتل لغاية القتل، وحسب؛ لكنهم يحولون المجازر والوحشية إلى أدوات ذات أهداف مرتبطة بطبيعة الصراع الاجتماعية السياسية والعسكرية والإقليمية والدولية، بشكل متداخل متفاعل.

عسكريًا، تصعب المجازر من مهمة المقاتلين المحاربين للنظام السوري؛ إذ إنها تحيل أهلهم وشعبهم الذي خرجوا لأجله إلى أسرى حرب ودروع بشرية في مناطق سكنية مأهولة، مما يجعل أي تقدم عسكري بطيئًا وحذرًا؛ لأن النظام الوحشي اللعين لن يهاجم المقاتلين ويقاتلهم وحسب، لكنه سيعود بالقصف على المناطق التي خرجوا من أجلها، أو المناطق التي حرروها؛ مما يجعل الدفاع عن المناطق المأهولة ترافقه عمليات تفريغ من المدنيين، أو العمل على كسر الحصار المفروض عليهم، بالإضافة لحمايتهم، أو يجعل التقدم في المناطق السكنية وتحريرها مهمة ومسؤولية تتطلب تفريغًا عاجلًا كذلك إلى مناطق أخرى.

أما اجتماعيًا، فإن سياسة المجازر مرتبطة بالدرجة الأولى بالتهجير، ويتضح ذلك عبر استخدام أسلحة ذات بنية غير عسكرية -ليست دقيقة الأهداف، واسعة التدمير، واسعة الرعب-، وسياسة الأرض المحروقة؛ مما يجعل الخيار الأول للمدنيين هو مغادرة المناطق التي تتعرض لهذا القصف والهجوم، وتحويلها لمناطق خالية من الكتلة السكانية، مما يسهل مهمة النظام كمحتل ليعيد استخدامها بما يرتبط بالأهداف العسكرية المذكورة أعلاه.

تعمل المجازر كذلك على تعزيز الطائفية وتفكيك المجتمع، وتحويله لجماعات خائفة متضاربة، مما يعزز مكان النظام كحامٍ للأقليات بحسب ما يدعي، وملجأ أخير تلجأ إليه أمام المد الطائفي المضاد من جهات أخرى، على مبدأ أن “الشيطان الذي تعرفه، خير من الذي لا تعرفه”، كما أنه يهيج الأكثرية المعرضة للمجزرة، ويحيل الصراع إلى صراع فوضوي يستطيع إدارته بحسب ما أعده ويجيده، في بيئة درسها تمامًا، ومجتمع فككه كما يريد، ويتوقع كل ردود فعله.

ومن هذه النقطة، فلعل أبرز ما أدى لظهور داعش في الصراع السوري من العدم، وامتدادها من العراق وإليها هو سياسة المجازر والطائفية التي أدت لظهور وحش مضاد لوحش النظام، ويوازيه في تطرفه وقسوته، ويعمل مثله كذلك على الفوضى وعبرها، مؤملًا أن يستطيع السيطرة عليه من داخله أو عبر توجيه بيئته، بحسب ما كان يتوقع، قبل أن ينقلب الوحش على صانعه، ويلتهمه ضمن ما يلتهم من مدنيين وعسكريين وأوطان على السواء.

سياسيًا، يستخدم النظام المجازر كورقة ضغط وأداة يواجه بها معارضيه، ويظهر ذلك في ارتكاب مجزرة كلما تقدمت الثورة عسكريًا، وأصبحت قادرة على الحديث والضغط السياسي، فيعيد النظام -مع الهدفين السابقين- إعادة توجيهها وتحويلها بارتكاب مجزرة تجعل ممثلي الثورة، سياسيًا وعسكريًا، يعيدون التفكير بالمعركة والساحة حماية لأهلهم ومدنييهم.

ومع كل هذه العوامل، يستطيع النظام أن يظهر نفسه إقليميًا ودوليًا، ومن خلالها، على أنه “حام الأقليات” في مجتمع فككه بيديه، و”مدافع عن الإرهاب” أمام العالم من وحش صنعه على عينه، والأهم من ذلك، على أنه “نظام شرعي علماني ودولة ذات شرعية”، في مجتمع دولي منافق يعلم النظام كذبه وخداعه، ويعلم أنه يبيع سوريا كلها، بكل سكانها ومدنييها وطوائفها، لتحقيق مصالحه السياسية والعسكرية وحمايتها، ولعل الأسد كان أول من ضحك من أوباما حين أعلن الخطوط الحمراء، ويطمئن حين يبدي بان كي مون قلقه، ثم ينسق نظام الممانعة مع طيران التحالف الذي يقوده الشيطان الأكبر في قصف الرقة، ويرتكب المجزرة تلو المجزرة، ويقتل المئة تلو المئة، عالمًا أن هذا العالم لن يبيعه سوى الهراء الذي يجيده ويتقنه، ثم لم يعد يستخدمه حتى -كما حصل في مجزرة دوما التي لم تحصل على أي إدانة سياسية أو دولية على أي مستوى-، لعلمه أن هذا العالم وحش كبير ببدلة، يعتاد الدم والموت ويسكت عنه مقابل اتفاقات ومصالح سياسية.

 

 

 

التقرير

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع