..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

دم عثمان والواقعية السياسية

أنور قاسم الخضري

٣٠ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3941

دم عثمان والواقعية السياسية
الخضري12345.jpg

شـــــارك المادة

كثير منا يعرف قصة مقتل عثمان -رضي الله عنه- وكيف أن فريقا من المؤمنين أرادوا القصاص لعثمان فخرجوا عن الجماعة، واتهموا الإمام علي -رضي الله عنه- في مواقفه، حتى وقع بينهم خصومة ونزاع فقتال سفكت له دماء لأجل القصاص من مقتل عثمان.


ثم ماذا؟!
توفي الإمام علي -رضي الله عنه- شهيدا، وبقي الانقسام قائما حتى اجتمع المسلمون على معاوية أميرا للمؤمنين.

فماذا جرى لقتلة عثمان وقضية القصاص؟!
يقول ابن تيمية -رحمه الله: "فعلي -رضي الله عنه- لم يشارك في دم عثمان، ولا أمر ولا رضي. وقد روي عنه -وهو الصادق البار- أنه قال: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله. وروي عنه أنه قال: ما قتلت ولا رضيت. وروي عنه أنه سمع أصحاب معاوية يلعنون قتلة عثمان، فقال: اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر، والسهل والجبل".
ويضيف رحمه الله: "وروي أن أقواما شهدوا عليه بالزور عند أهل الشام، أنه شارك في دم عثمان، وكان هذا مما دعاهم إلى ترك مبايعته لما اعتقدوا أنه ظالم، وأنه من قتلة عثمان، وأنه آوى قتلة عثمان لموافقته لهم على قتله.

وهذا وأمثاله مما يبين شبهة الذين قاتلوه، ووجه اجتهادهم في قتاله؛ لكن لا يدل على أنهم كانوا مصيبين في ترك مبايعته وقتاله; وكون قتلة عثمان من رعيته لا يوجب أنه كان موافقا لهم".
ثم قال في كلام مهم:

"وقد اعتذر بعض الناس عن علي بأنه لم يكن يعرف القتلة بأعيانهم، أو بأنه كان لا يرى قتل الجماعة بالواحد، أو بأنه لم يدع عنده ولي الدم دعوى توجب الحكم له"؛ وعلق قائلا: "ولا حاجة إلى هذه الأعذار.

بل لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرا وبلاء، ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس؛ لأنهم كانوا عسكرا، وكان لهم قبائل تغضب لهم، والمباشر منهم للقتل -وإن كان قليلا- فكان ردؤهم أهل الشوكة، ولولا ذلك لم يتمكنوا.

ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق".
ثم يوضح ابن تيمية كيف أن معاوية بذاته عندما اجتمع الناس عليه وملك زمام السلطة لم يعمل على القصاص من قتلة عثمان، رغم كونه كان المطالب بالدم: "ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميرا على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا.

بل روي عنه أنه لما قدم المدينة حاجا فسمع صوتا في دار عثمان: يا أمير المؤمنيناه، يا أمير المؤمنيناه!!

فقال: ما هذا؟

قالوا: بنت عثمان تندب عثمان.

فصرف الناس، ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عم إن الناس قد بذلوا لنا الطاعة على كره، وبذلنا لهم حلما على غيظ، فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم؛ ولأن تكوني بنت أمير المؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس، فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان".!
يقول ابن تيمية: "فمعاوية -رضي الله عنه-الذي يقول المنتصر له: إنه كان مصيبا في قتال علي، لأنه كان طالبا لقتل قتلة عثمان- لما تمكن وأجمع الناس عليه لم يقتل قتلة عثمان.

فإن كان قتلهم واجبا، وهو مقدور له، كان فعله بدون قتال المسلمين أولى من أن يقاتل عليا وأصحابه لأجل ذلك، ولو قتل معاوية قتلة عثمان لم يقع من الفتنة أكثر مما وقع ليالي صفين.

وإن كان معاوية معذورا في كونه لم يقتل قتلة عثمان إما لعجزه عن ذلك، أو لما يفضي إليه ذلك من الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه، فعلي أولى أن يكون معذورا أكثر من معاوية، إذ كانت الفتنة وتفريق الكلمة وضعف سلطانه بقتل القتلة لو سعى في ذلك أشد.

ومن قال: إن قتل الخلق الكثير الذين قتلوا بينه وبين علي كان صوابا منه لأجل قتل قتلة عثمان! فقتل ما هو دون ذلك لأجل قتل قتلة عثمان أولى أن يكون صوابا، وهو لم يفعل ذلك لما تولى ولم يقتل قتلة عثمان".
ويختم ابن تيمية القول: "وذلك أن الفتن إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت. فأما إذا أقبلت فإنها تزين، ويظن أن فيها خيرا، فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة والبلاء، صار ذلك مبينا لهم مضرتها، وواعظا لهم أن يعودوا في مثلها. كما أنشد بعضهم:

الحرب أول ما تكون فتية *** تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها*** ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت *** مكروهة للشم والتقبيل".

فكم يفتعل بعض الغيورين من مواقف ضدية واتهامات دافعها الغيرة والحمية، ضد إخوان لهم اجتهدوا فأخطأوا (أو أصابوا).

ولو أنهم كانوا في محلهم لما عرفوا كيف كانت الفتنة ستكون عليهم. إلا أنه البغي الذي ابتلى الله به هذه الأمة بعضها ببعض.

 

 

من صفحة الكاتب على فيسبوك

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع