..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

سوريا.. المسعفون يقدمون رواياتهم

الوطن القطرية

٣٠ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3534

سوريا.. المسعفون يقدمون رواياتهم
000.jpg

شـــــارك المادة

اعتاد السكان الذين يقطنون ضمن نطاق مراكز التفتيش الحكومية المحيطة بالعاصمة السورية سماع دوي قذائف الهاون، التي يتم إطلاق العشرات منها يومياً من القواعد العسكرية المتمركزة على مرتفعات جبل قاسيون المشرف على المدينة.

 


وبنظر معظم الناس، يبقى عليهم أن يتصوّروا فقط تأثير هذه القذائف. بيد أن بعض فرق الإسعاف التابعة «للهلال الأحمر العربي السوري» هي من بين القلة القليلة التي تشاهد بأم عينها ما يجري بانتظام على الطرف الآخر.
وكونهم متطوّعين في «الهلال الأحمر»، لا يحقّ لهم الإعراب علناً عن وجهاتهم السياسية.
بيد أن هؤلاء الأشخاص يعبرون نقاط التفتيش بغية تقديم المساعدة في الضواحي المتنازع عليها. ولدى عودتهم، ينقلون لبعضهم البعض ولأصدقائهم وعائلاتهم مشاهداتهم، التي لا تتماشى دوماً مع وصف الحكومة للأحداث.
«إنهم يستهدفون المدنيين بلا شك ويعرفون ذلك»، بحسب ما أفاد به أحد المتطوعين مؤخراً، بينما كان يدخن، ويتحدّث إلى زملائه داخل غرفة استراحةٍ مشمسة.
وأثناء ذلك، كان الدخان خارج النافذة يتصاعد فوق ضاحية بارزة. وقال متطوع آخر اسمه محمد، وهو طالب يتخصص في طب الأسنان ويقود طاقم الإسعاف، «نحن لا نواجه عدواً خارجياً، إنما نقتل بعضنا البعض. فالمدنيون من الجانبين هم الذين يدفعون الثمن».
والجدير ذكره أنّ الأمر الذي يجعل تصديق هذه الأقوال ممكناً هو أن المتطوعين يعيشون ويعملون في دمشق، حيث يمكن أن يؤدي أي تعليقٍ خاطئ حول الثورة ضد الرئيس بشار الأسد إلى الاعتقال من دون محاكمة، أو حتى إلى أسوأ من ذلك.
فهؤلاء الأشخاص يعملون لصالح منظمة تشرف عليها الحكومة، كسائر المؤسسات الخيرية المشروعة في سوريا. ولفت المتطوعون إلى أن مهمتهم تكمن في تقديم المساعدة للمحتاجين، أياً كان انتماؤهم السياسي.
وفي ظل الصراع السوري الذي يتّسم بوجود أقطاب، يُعتَبر هذا الموقف جذرياً، مع العلم بأن المتطوّعين في أرجاء البلاد دفعوا ثمناً باهظاً.
وفي هذا السياق، أشار خالد عرقسوسي، مدير العمليات في «الهلال الأحمر»، إلى أن ما لا يقلّ عن 17 متطوعاً من الجانبين لقوا حتفهم أثناء إسعافهم للجرحى، أو خلال توصيلهم إمدادات الإغاثة.
ولفت إلى أن معظم الضحايا قضوا نحبهم جراء سقوط القذائف، وأن آخرين سقطوا بسبب العبوات والقنص. كما أفاد بأن الحكومة تحتجز العشرات منهم.
وقال محمد، «إن قدّمت المساعدة إلى جهةٍ ما، يعتقد الطرف الآخر أنك تدعمها». في الواقع، تعكس فروع «الهلال الأحمر العربي السوري» السبعة عشر ومراكزه الفرعية الأربعة والثمانون التنوع السياسي الذي تتسم به المجتمعات التي يعمل فيها.
ويؤدي عددٌ من المتطوعين واجبهم في مناطق خاضعة بالكامل لسيطرة الثوار، ويطلق بعض المسؤولين الأمنيين على هؤلاء لقب «الهلال الأحمر السيئ».
أمّا فرع دمشق، الذي يديره رجل أعمال مقرّب من الأسد، فتعتبره المعارضة أداةً تابعة للدولة، وتتهمه بتقديم المساعدة الإنسانية إلى المناطق الموالية للأسد على نحوٍ غير متناسب.
إلا أن متطوعين وعاملي إغاثة دوليين أفادوا بأن بعض الطواقم العاملة في دمشق التزمت خلال العام الفائت الحياد بجدّية مثيرة للدهشة. ثمة حافز يدفع الهلال الأحمر إلى ادعاء الحيادية.
ويتمثّل بمئات ملايين الدولارات من المساعدات الإنسانية، التي يحاول قادة المعارضة في المنفى تحويلها من المنظمة إلى فرق المساعدة التابعة لها أو لوكالات دولية ستكون أكثر حيادية، على حد تعبيرهم.
في حين يقول عاملو الإغاثة الدولية إن تطور المنظمة يبدو موجّهاً أيضاً من وجود متطوعين جدد، يتوقون لأداء عمل مدني مجدٍ، ويتولون مهمة مساعدة الأطراف كافة بجديّة.
وينسّق المتطوعون مع قوات الأمن ومع الثوار بغية عبور خطوط القتال. وغالباً ما يكون طلبهم بالحصول على إذن بالعبور مرفوضاً، وإن حصلوا عليه، فهذا لا يعني أنهم حصلوا على الحماية.
ويُذكر أن أحد قادة الفرق في دمشق أمضى 75 يوماً في السجن، على خلفية اتهامه بتزويد المجموعات المسلحة بالإمدادات في منطقة الزبداني القريبة من دمشق.
وقال أحد المتطوعين ساخراً، بعد أن اشترط عدم الكشف عن هويته، خوفاً من التعرض للعقاب، إن القائد خسر 39.9 كيلوغراماً من وزنه واضطر للخضوع لجراحة ترميمية لساقه في سويسرا «بسبب المعاملة الحسنة التي لاقاها».
ولدى سؤاله عن حالات مماثلة، ابتسم المتطوع بمرارة. وأجاب بأنهم يشعرون بالذنب لأنهم يقدّمون العلاج والغذاء لأشخاصٍ، يقول بعض المسؤولين إنهم يريدون قتلهم. وأوضح أن «الهلال الأحمر» يوفّر الإمدادات إلى اللجان المدنية في البلدات الخاضعة لسيطرة الثوار، من دون أن يرصد المكان الذي تتجه إليه في نهاية المطاف.
وفي غرفة الاستراحة، أفاد معظم المتطوعين، وهم طلاب صيدلة وموسيقى وأدب فرنسي، عن تعرضهم للاعتقال، أقله لفترةٍ قصيرة.
وقد عبّروا عن قلقهم على إحدى الفرق التي جرى اعتقالها بينما كانت في طريقها إلى عيادةٍ في حي جوبر المتنازع عليه. وأثناء تحدثهم عن الأمر، دخل إلى الغرفة الطاقم المفقود، الذي تم إطلاق سراح أفراده قبل وقتٍ قليل، وكان أفراده لا يزالون في بزاتهم الحمراء.
فاندفع زملاؤهم نحوهم ليعانقوهم، هاتفين «الحمد لله على السلامة». وبعد لحظات، رن جرسٌ. فخرج معتقل تم إطلاق سراحه مؤخراً وكان يعمل كممثل في السابق، وانطلق في مهمة، بينما كان يمضغ سندويشاً وقد رفع قبضة يده كالأبطال.
بمجرد مشاهدتهم لمناطق المعارضة بأم أعينهم والعودة حاملين معهم انطباعاتهم، يمكن أن يُنظر إلى المتطوعين على أنهم قد يشكّلون خطراً.
وعلى سبيل المثال، تعمل الحكومة على تصوير الثوار، ومعظمهم من السنّة، على أنهم متلهّفون لقتل الأقليات. غير أنّ متطوّعة مسيحية جرى اعتقالها في ذلك اليوم، تُدعى ريم وترتدي صليباً حجمه 5.1 سنتيمتر، أكّدت أنها لم تشعر أبداً بأنها مهددة في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار. واعتبرت أنه لا داعي للخوف أبداً. فالمسألة لا تقوم على صراع طائفة ضد أخرى، وإنما على صراع المعارضة ضد الحكومة. يعاني المتطوعون، الذين طلبوا التعريف عنهم بأسمائهم الأولى فقط حفاظاً على سلامتهم، من ذكرياتٍ حول انتشالهم ناجين من تحت الأنقاض بأيديهم العارية، عندما يتخلّف عمّال الإغاثة الحكوميون عن المجيء.
كما يتذكرون جثثاً جرى تمزيقها من كلا الجانبين، بسبب السيارات المفخخة التي يزرعها الثوار من جهة، والقذائف والغارات الجوية التي يشنها النظام من جهةٍ أخرى.
وذكر محمد أنّ صوراً لم تكن تفارق خياله، لزوجين وابنهما البالغ عمره عامان، سقطت قذيفة على منزلهم في ضاحية المعضمية الخاضعة لسيطرة الثوار، وتسبّبت بإصابتهم جميعهم بجروح بليغة.
لقد سارع طاقم محمد من أجل إبقائهم على قيد الحياة. بيد أن صوت القصف على الطريق أفقده توازنه، كما أن المسلحين، من ثوار في البداية ومن ثم جنود، واصلوا توقيف سيارة الإسعاف. فلم تنجُ من الحادثة سوى الوالدة.
وأضاف محمد «كانت كل الأمور تعاكسنا أثناء سعينا لإنقاذهم. فكان أحد الشبان يقول إنه بإمكاننا الذهاب، في حين يفيد الآخر بأن ذلك ممنوع علينا، وبأننا نهدر الوقت. كانوا يلعبون معنا وحسب».
من جانبها، تذكرت رغد، البالغ عمرها 21 عاماً، الغضب والصدمة الباديَين على ما تبقى من وجه أحد الرجال بعد القصف. في حين استرجع حمزة، وعمره 23 عاماً، اندفاعه أمام دبابة بغية إحضار أحد المرضى إلى بر الأمان. ترنّ هواتف المتطوعين الخلوية على الدوام. فيُطمئنون أهاليهم بأنهم لا يزالون على قيد الحياة. ويعمل حمزة وشقيقه دائماً في سيارات إسعاف مختلفة، حتى لا يؤدي سقوط صاروخ إلى مقتلهما معاً. وعلى الرغم من ذلك، يحمل العمل في طيّاته هدفاً جديداً.
«عندما تنقذ روحاً وترى الابتسامة على وجه طفل، يمنحك الأمر قوة ترافقك لأشهرٍ عدة»، على حد تعبير محمد، الذي يعيش في المقر منذ أن هربت عائلته من إحدى الضواحي التي تعرضت للقصف.
وأفادت رغد بأنها بدأت تحب البلد وأن الكثير من المتطوعين بدؤوا يشعرون بأنهم ينتمون فعلاً إلى المكان. ولكن على الرغم من ذلك، تبقى توقعات المتطوعين قاتمة. وهم يتناقشون ويتساءلون عمّا إذا كان الثوار سينتقمون من دمشق بسبب عدم انتفاضتها في وقت أقرب.
ويعتبر حمزة أن الجواب هو نعم، في حين لا يوافقه محمد الرأي. كما أنهم يخشون من إقدام خلايا الثوار النائمة على محاربة الميليشيات الحكومية المسلحة، ومن قيام الحكومة بقصف المدينة في حال دخلها الثوار. وأضاف محمد «نحن ننتظر انفجار هذه الفقاعة. ونعلم أن هذا الوقت آتٍ». وقال حمزة إن الانتظار يقتلهم.

 

خدمة نيويورك تايمز

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع