..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

الشهيد محمد طارق أتاسي

٢٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3486

الشهيد محمد طارق أتاسي
Untitled picture.jpg

شـــــارك المادة

تشـــــابهتْ قصصُ الملاحم ببطولتها وتشويقها تارةً، وبألمها وقسوتها تارةً أخرى
مع قصص البطولة في سوريا ...
فالقصة التي سأسردها عليكم اليوم ليست مستوحاة من فيلم أمريكي، وبطلها ليس كأي بطلٍ أسطوري إنَّـه شخصيةٌ فريدة خارجة عن النص قولاً وفعلاً، ارتجل دوره البطولي في هذه الحياة فلم يركن للباطل ولم يستسلم للظلم ولم تقعده آلامه وإصاباته عن الاستمرار، ولم يثنه التعذيب عن عزمه.

 


مزج آلامه بآماله وتحدى الموت وأقبل عليه أكثر من مرة، وفي كل مرة يُـقبل على الموت، فيدبرُ الموتُ منهُ تاركاً جسده مثخناً بالجراح ، وكأنّه يقول لهُ ما زال في عمرك بقية ولمّا تنل الشهادة فحاول مرةً أخرى...

إنه البطل الشيخ محمد بن طارق بن رسمي بن راغب بن عمر بن الشيخ قاسم ابن مفتي طرابلس الشام السيد ياسين أفندي جد آل العطاسي ابن مفتي حمص وطرابلس العلامة الأزهري برهان الدين إبراهيم ابن مفتي حمص وقاضيها الشرعي علي الصغير ابن مفتي حمص حسن أفندي ابن مفتي حمص محمود ابن مفتي حمص الشهاب أحمد شمس الدين ابن الشيخ خليل ابن العارف بالله علاء الدين علي الكبير الأتاسي.
شاب نذر نفسه لله ثم للوطن والعلم فقام بالدعوة إلى الله في حمص وريفها ولنشر العلم، ثم وهب روحه للثورة السورية على الطاغية بشار الأسد، فنزلَ ساحات الوغى متمنياً الشهادة حتى ظفرَ بها.
ولد عام 1991 م في مدينة ابن الوليد بحيّ الخالدية،
تحدث وكتب عنه الكثير،لكن خير من يحدثنا عنه شقيقه الشيخ عبد المالك الأتاسي
علَمٌ من أعلام الثورة والدعوة إلى الله في حمص وريفها .
 دعا إلى الله تعالى بعلمه وسلوكه .
عُرِفَ الشهيد الشيخ بتواضعه وورعه ومثابرته على الدعوة، وأن يقول الحق لا تأخذه في الله لومة لائم .
كان مثالاً وقدوة لشباب عصره، حرص على وعظ الناس وتذكيرهم بخالقهم جلَّ في عُلاه، فما مِن مجلسِ فرحٍ إلا وكان خطيبه، وما مِن مجلس عزاءٍ إلا وكان واعظه .
 تربَّى من نعومة أظفاره متنقلاً بين بيوت الله طالباً للعلم ومجالساً للعلماء .
كان الأدب بحضرة العلماء سَمْته والبسمة التي لا تفارق شفتيه علامته , توسَّم العلماء فيه خيراً للأمة من فطنةٍ وذكاءٍ بصيرةٍ ، فأولاه بعضهم عناية خاصة .
وسلك طريق التصوف النقي، ولازم الأذكار والأوراد النبويّة.
انتسب إلى المعهد العلمي الشرعي التابع لجمعية العلماء بحمص،وتدرَّج ناهلاً من علوم الشرع الحنيف ، حتى تخرَّج فيه عام 2009.
وما أن تخرج حتى قصد دمشق لمتابعة مسيرته العلمية، وفي معهد الفتح الإسلامي جالس العلماء، علماء دمشق، ونهل من علومهم ومعارفهم، وحفظ من كتاب ربِّه جلَّ في عُلاه .
 خطب وأَمَّ في العديد من مساجد حمص، كما أنَّه درّس القرآن الكريم والعلوم الشرعيَّة في عددٍ آخر من مساجد حمص وريفها، نذكر منها مسجد الإمام الشافعي، ومسجد جمال الدين وغيرها الكثير.
فهو طالب العلم الداعية المجاهد بعلمه قبل سيفه، وبحاله قبل مقاله .
 تأثَّر بهديه وأخلاقه وثباته كثيرٌ من شباب حمص .
دخل سجون الظلم والمعتقلات في دمشق، وعُذِّب حيناً من الدّهر حتى مَنّ الله عليه بالفرج، وعلى جسده الطاهر آثار التعذيب.
وذكر لخواصِّه نوائب الدّهر عليه داخل المعتقلات، أُطلِق سراحه بتاريخ 25/8/2011 .
 وعلى سنَّة الأنبياء والشهداء والصِّدِّيقين ارتقى إلى بارئه شهيداً عصر يوم الاثنين، الأول من شهر الله الحرام ذي القعدة 1433 هجرية، والموافق 17/9/2012 ميلادية عن عُمْرٍ يناهز الثاني والعشرين ربيعاً وتسعة أشهر.
 رحمك الله عالماً وداعياً إلى الله، ومجاهداً، وأسيراً، وجريحاً، ومحاصراً، وشهيداً.
فحُقَّ لكلّ قلبٍ أن ينفطر حزناً وكمداً، وحُقَّ لأهل حمص الشرفاء أن تذرف عيونهم دموع الفراق لعالِمها المجاهد .
لما قامت الثورة السورية، أبت نفسه إلا أن يصدح بالحق محاولا توعية رفاق السلاح في الفرقة الرابعة، فاعتقل وعُذّب، واستدعي للتحقيق، وفي أثناء التحقيق معه شتم أمامه المحقق الله تعالى جل جلاله، فلم يتمالك نفسه غضبا لربه، أفلت من قيده ووثب على الشاتم فطعنه.
وخرج من الاعتقال في 25 آب  بعد أن ترك السجن على جسده آثارا من التعذيب، فلم يمنعه هذا عن أن يلتحق بالمظاهرات السلمية فور خروجه، وكان من الذين حضروا اعتصام الساعة الشهير بحمص، فحوصر وأطلق عليه الرصاص، ولكنه نجى بفضل من الله.
وما لبث أن انضم لكتيبة أتباع الرسول من كتائب لواء الحق، وصار قائد سرية معاوية بن أي سفيان في جورة الشياح التابعة للكتيبة. 
شارك بسريته في عدة عمليات نوعية كان النصر فيها حليفه، فدمر مركبات وحواجز للعصابات الأسدية، وقاد عملية تحرير مستوصف باب الدريب التي حولها الجيش الأسدي إلى ثكنة عسكرية، فكان أول من دخله ونصب عليه علم الاستقلال.

وفي اليوم التالي أصيب في إحدى المعارك إصابة شديدة في فخذه الأيسر وبقي دون علاج مدة أيام، ثم أجريت له عملية جراحية أقعدته عن العمل الثوري نحوا من شهر، فما إن استطاع الوقوف عليها حتى توجه راجعا إلى ساحة الجهاد قائدا ميدانيا تتوق نفسه للشهادة، فحوصر في حمص مدة أربعة أشهر مع رفاق الجهاد عرف فيها بالصبر والثبات والتفاني والشجاعة.
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة عام 1433 هجرية الموافق ليوم 17 من شهر ايلول عام 2012 كان في جولة اعتيادية على نقاط سريته، فتصدى لدبابة بجورة الشياح، وأراد أن يدمرها لولا أن بعض المدنيين كانوا قد اقتربوا منها، فأحجم عن توجيه قاذفته إليها حتى لا يصيب أرواحا بريئة، وكلفه هذا الموقف حياته لما عاجلته الدبابة بطلقة من مدفعها.

وصعدت روحه الطاهرة إلى خالقها مطمئنة راضية، فقد نالت ما كانت تروم وتطلب، ولم يكن قد أكمل 23 ربيعا من عمره، رحمه الله تعالى من شيخ وداعية ومجاهد في سبيل الله وجزاه عنا كل خير وألحقه بالأنبياء والشهداء والصالحين
 نعاه علماء حمص ودعاتها فقالوا:
هؤلاء علماؤنا وطلاب العلم في مدينة ابن الوليد يمضون الواحد تلو الآخر دفاعا دينهم
و أعراضهم و إخوانهم و ديارهم ينيرون الدرب للأجيال التي ستأتي بعدهم و يجعلون دماءهم الوقود لإنارة هذا الطريق..
حتى تبقى شعلته مضيئة من عهد سيدنا سيف الله خالد بن الوليد.... و إلى نهاية المطاف..
و حتى يعلموا الجيل أن هذا هو الطريق الموصل إلى عز الدنيا و الآخرة مزجوا العلم بالعمل..
وحملوا الدين عقيدة و عبادة و سلوكا..لم يكونوا أصحاب دعاوى فارغة يوما من الأيام ..و سيرهم تشهد لهم..و دماؤهم تشهد لهم ..
و أرض حمص تشهد لهم..و قبل ذلك كله .. ربهم يشهد لهم.. إنهم هم السادة و القادة في الدنيا و الآخرة بإذن الله..
رحمك الله يا شيخنا و يا شهيدنا الغالي البطل محمد أتاسي أبو عمر وأحد أبناء مدرسة المجاهد العالم العامل الشيخ محمود جنيد رحمه الله ..
و بإذن الله ستتحول دماؤك التي أريقت إلى وقود في أجسادنا.. و إلى نار و جحيم و سعير على رؤوس أعدائنا..
وهنيئا لك بإذن الله الخلود في الجنة .. مع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.. ومع الصديقين و الشهداء والصالحين .. و حسن أولئك رفيقا
قبل استشهاده بساعة واحدة وقف على أطلال بيت مهدمٍ يتأمل بحسرةٍ ما آلت إليه بلاده من دمار وكانت وقفته كما قال المتنبي:
وقفت وما في الموت شك لواقف *** كأنك في جفن الردى وهو نائم ..
تمر بك الأبطال كلمـى هزيمة  *** ووجهك وضاح وثغرك باسمُ

اعذرني أيها الشهيد فلحبي لك أتمنى أنا ابكيكَ طويلاً ولكن حربنا لم تنته ولا وقت لبكاء أحبائنا، ربما قد نلتقي بك بعد فترةٍ، هناك حيث تكون، فنكمل حديثنا معاً فلا نهاية لدرب الشهادة إلا نهاية واحدة مشرفة وسعيدة كنتُ قد بكيتُ كثيراً من الشهداء وحق لي، ولكنني متأكدٌ أن روحهم قد نالت في الأرض ما طهرها وزكاها وما سمح لها أن تكون الآن سابحةً في جنان الخلد تنال من التقدير والرحمة ما عجزت أبصارنا عن إدراكه وما لم يخطر لنا على بال.
ربما كان من المفروض أن أكونَ شاهداً في زفافك ولكني أجد نفسي الآن مضطراً أن أكون شاهداً على دينك وخلقك ومسيرتك فقد كنت ذو حسب ونسب وعلم ودين أوتيت ما يتمناه كل شاب في هذه الدنيا ...
أضيفت لك هذه الشهادة التي نلتها بتقديرٍ وامتياز إلى باقي الشهادات العلمية والدينية والجامعية التي حصلت عليها فهنيئاً لك قول الله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية فادخلي في عبادي واخلي جنتي)

 

 

قصص شهداء الثورة السورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع