..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


سوريا المعاصرة

انتفاضة الثمانينات ومجزرة حماه (3) ما خلفته المجزرة الكبرى

مهدي الحموي

٢٢ أكتوبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 12827

انتفاضة الثمانينات ومجزرة حماه (3) ما خلفته المجزرة الكبرى
1 مجزرة حماه.jpg

شـــــارك المادة

ما خلفته مجزرة حماه الكبرى
لقد تعودت الوحوش أن تأكل غيرها لكنها لا تأكل أبناءها,
فالحاكم هو أب يحمي شعبه ولا يقتل أفراده بسلاح دفعوا ثمنه له ليدافعوا به عن أنفسهم أمام الأعداء. وقد قتل حافظ الأسد بهذا السلاح الكثير من شعبه في حلب وتدمر وجسر الشغور...
لكن قتله كان هنا أشد فقد قتل 5 إلى 10 بالمئه من شعب مدينة حماة واعتقل 20 بالمئة من السكان وهدم 5 أحياء هدماً كاملاً عدا غيرها الكثير, وظل بعدها حاكماً وبكل وقاحة بل وسلم ابنه بعده
.

 


وفي إحصاء أجريته بنفسي بعد الأحداث مباشرة عبر استمارات الاستبيان التي جمعتها تبين لي أن 70 بالمئة من الشهداء كانوا متزوجين, وكان كل متزوج قد خلف ما معدله الوسطي 3 - 2  ولد, وهكذا خلف كل ألف شهيد في المجزرة 700 أرمله و2240 يتيماً وهكذا كان الأيتام بعشرات الألوف, وكان معظم الشهداء تحت الثلاثون عاماً أي أن معظم الأطفال كانوا بين جنين في بطن أمه وحتى عمر 7 سنوات تقريباً .
وأغلبهم قد دمرت بيوتهم (وهاهم اليوم في الساحات وها هي أمهاتهم تنتظر القصاص)
مما ألقى علينا في لجنة المساعدات حملاً مادياً ثقيلاً. وآلمني أن امرأة قتلوا زوجها وقد مضى على زواجهما أقل من ثلاثة أيام
وتسألني كم كان عدد الشهداء في المجزرة فأقول لقد ورد الآلاف في كتاب حماه مأساة العصر وجمع أحد أصدقائي 13000 ثلاثة عشر ألف اسم وهو مقيم خارج سوريه وممنوع من دخولها, ونهبت محلات البسطاء والأغنياء وأصبح عشرات الألوف الذين هدمت بيوتهم بلا مأوى, كما يجب أن أشير إلى أن المفقودين في الأحداث والمسجل بعضهم في كتاب (حماه مأساة العصر) يجب أن نعتبرهم شهداء في الغالب. وقد تسألني لماذا في الغالب؟ 
فأقول لأن البعض خرج من السجن بعد عشرين عاماً ولم يكن هناك أي خبر يشير إلى حياته من أي سجين خرج من السجن أو من خلال مراجعة دوائر الدولة, وكان البعض قد سجله أهله متوفياً كما تقاسموا تركته ثم ظهر أنه سجينا بعد عشرات السنين.
والبعض الآخر خرج ليرى أن زوجته تزوجت والقصص في ذالك كثيرة, هناك رجل في حي الباشورة أخلي سبيله بعد حوالي 20 عاماً فجاء بيته في وقت متأخر ليلاً وقرع الباب فخرج له رجل فقال من أنت؟ فقال له أنت من؟
قال أنا زوج فلانة فقال أنا زوجها!! ودعاه للدخول للبيت وجلسا في غرفة الضيوف وعلم السجين أن زوجته تزوجت غيره بعد أن اقتنعت بأن غيبته كانت لموته, فكل الناس الذي أخذوا أصبحوا في علم الغيب هل هم في السجن أم هم أحياء, وكان العشرون عاماً بدون خبر عنه وهو محبوس في سجن صحراوي أو في زنزانة كان كل ذالك كافياً  للاقتناع بأنه قد فارق الحياة منذ المجزرة أو أعدم فوراً في محكمة سجن هزلية. اذهبوا لحماه واسألوهم عن هذه القصص الشائعة جداً.
وقد تزوج الأستاذ أحمد غندور من زوجة شهيد وعاش معها في قطر وبعد 18 عاماً خرج زوجها من السجن وتبين أنه لم يمت.
وكان قد ترك زوجته حاملاً في أول حمل ليعلم بعد الخروج أن له بنتا بعمر 18 عام وأن زوجته تزوجت وغادرت البلاد كذالك مع ابنتها. 
لكن السلطة هي وحدها التي تعلم حجم الجريمة التي فعلتها وخاصة أنها لم ترضى تبليغ الوفاة للشهيد لتصفية الإرث المتعلق بأهله إلا أن يكتبوا شهادة بأن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوه.
فمن حمل مسؤولية أهالي هؤلاء الضحايا؟
لاشك أن الترابط الاجتماعي القوي جداً في حماه كان هو الشبك الأول الذي حمى حماه اجتماعياً بعد المجزرة ونجم عنه التساند المادي لذا لم تجد في حماة متسولاً واحداً  سواء كان طفلاً أم امرأة أم رجلاً.
وقد قمت بدراسة عبر استمارات عن الشهداء والمعتقلين والمفقودين وأولادهم وأملاكهم وكنا نرسل المساعدات المالية لكي تصل إلى ولي أمر الأرملة حسب الأدب الاجتماعي (أبو الزوجه أو أبو الزوج) وقمنا بتوزيع المساعدات على أهاليهم وكان التوزيع يتم عبر المقيمين في دول الخليج في الغالب,
وكان كل منهم يوصل لأقربائه (وأهل حيه عبر أقربائه) ومنها لداخل البلاد مباشرة, وكنا نشتري سوارات الذهب ونرسلها عبر النساء التي تزور أولادها في الأردن وغيرها وكذالك نرسل عبر سائقي الشاحنات, كما كنا نرسل عبر الحجاج في موسم الحج (وقد ذهبت اللجنة إلى الحج من أجل التوزيع) وكذالك في العمرة, لأن إرسال المبالغ الكبيرة لتوزيعها داخل  المدينة كان صعباً جداً, ولتصوير الخوف والارتباك فلقد أرسلنا من يرمي النقود لزوجة شهيد من فوق الباب فأخذتهم للمخابرات (ظنت أن الأمن يجربها وقلوبنا على جوع أولادها)
وقد جربنا إنزال امرأة جريئة تقيم مع ابنها في الأردن واسمها أميرة البيطار فتطوعت لإنزال المساعدات المالية فوزعتها في حيها حي سوق الشجرة على المصابين, وبعد رجوعها للأردن طلبها الأمن السوري وقد ظلت مطارده إلى أن توفت في الخارج بعد 28 عاماً.
وكنا نعطي الزوجة 500 ليرة سورية ولكل ولد من أولادها مئة ليرة (وتزاد في حال صغر العائلة) وندفع لهم مصروف سنة كاملة في كل مرة, وكنا نشجع العائلة على شراء ماكينة صوف.. وقد قمنا بدفع  تكاليف تشطيب شقة لعائلة ليكون لها دخل دائم منها (على سبيل المثال) وكنا نقدر فيما إذا كانت العائلة في بيت إيجار. وقد اشترى الإخوان بيوتاً أسكنوا فيها عوائل لتكون قاعدة لهم فلما غادروا ظلت الأمور معلقة.
ومن الجدير بالذكر أنه في البداية كان من الواجب مساعدة الجميع فالغني أصبح فقيراً مؤقتاً بسبب قلة السيوله.
ومن الأمانة القول إننا لم نميز في توزيع المساعدات أي سبب كان فكل الضحايا شهداءنا ومعتقلينا ومصابينا.
وأنا أعترف أننا لم نستطع الوصول للجميع ولكن يشهد الله أننا عملنا ضمن الممكن المتاح وقد غطينا أعداداً كبيرة جداً.
وكان الكل يشترط أننا لا نستطيع دفعها باسم الأخوان المسلمين ودفعوها باسمهم الشخصي لأقربائهم ومعارفهم ونالوا المحبة والثناء ونحن فرحون بأن تصل ونرجوا من الناس أن يذكروا أنها لم تكن منهم (حين يمكن ذالك)  حتى لا يكونوا ممن قال فيهم الله (الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) وقد وزع على يد لجنتنا حوالي 5 مليون ولا ادري بعدها كم الذي وزع, وكان منا أخ يملك سيارة وقد سخرها لهذا العمل بدون مقابل. 
كما كوّن الإخوان لجاناً لإيواء النازحين من حماه أو غيرها في الأردن والعراق, فما أن تصل العائلة حتى تعطى الأثاث الأساسي ويستأجر لهم بيت على حساب الإخوان ويعطوا راتباً شهريا, وسكن معظمهم الأحياء القديمة من عمّان وكان أهلي  من هذه الأسر (جزاهم الله خيراً) وكان ذالك سواء لأي أسره متضررة  ومن أي جماعة إسلامية كذالك على الإطلاق, وقد كفل هذا لهم الحياة الكريمة. وقد هرب الكثير خارج البلاد بسبب الخوف من أخذهم رهائن بدل الملاحقين من أولادهم أو إخوتهم ( والذين لاحظت أعدادا كبيرة منهم في السجن). وقد شجّع الإخوان القادمين على العمل بعد المجزرة  ولا زال الكثير منهم حتى اليوم ولهم محلات وتجارات, حتى أن بعضهم تجنسوا كذالك. علماً أن أعداداً كبيرة من أهل حماه لجأت للقرى المحيطة بالمدينة فكان منهم العون الشديد كأهل قرية صوران.  
من أين المال للمساعدات:
كان الإخوان السوريون المقيمون العاملون في الدول الغنية يدفعون مرتباً شهرياً كتبرع في كل سنة منذ بداية الأزمة, وبعد مجزرة حماه تم في الكويت جمع تبرعات كبيره على باب مسجد يخطب به الشيخ أحمد القطان والذي كان نعم النصير, وكذالك وصل للأستاذ عدنان سعد الدين تبرعاً لحماه بمقدار 30 ألف دولار من جمعية عجمان الخيرية في الإمارات, وكذالك ذهبنا نحن لجنة التوزيع  الثلاثة مع الشيخ سعيد حوى والأستاذ عدنان سعد الدين إلى بيت الكويتي أبو بدر المطوع ( وكان في قصره في عمّان وهو متزوج من حماه) وتبرع لنا بـ30 ألف دينار أردني (وكان سعر الدينار حوالي 13 ليره سوريه) وكذالك من الصندوق العام للجماعة.
ولم تسمح السلطة للتأمينات الاجتماعية بصرف التعويضات للأسر بعد فقد أزواجها (وهي مقتطعات العمال في القطاع الخاص حيث تقتطع من راتبهم ومن صاحب العمل كذالك وتصرف حين الوفاة أو الانتهاء من العمل) وقد طالب وفد حماه بصرفها عام 2006 أمام بشار الأسد حين استدعى وفدا لمقابلته, كما شكوا له حاجة حماه إلى جامعه ومصانع للدولة وكان معظم الحديث من قبل السيد عدنان حمدون لكن الرئيس لم ينفذ شيئاً (يخربّيتو ما أكذبه).   
قد تسألني عن الهدف والسبب الذي قتل بسببه هؤلاء ورملت نساؤهم ويتم أطفالهم!  
وأفيدك بأن الجيوش الطائفية والنظامية لم تقتل إنساناً بإسمه إلا الـ85 شيخاً وعالماً الذين كان منهم المفتي وقتها الشيخ بشير مراد وسيقوا إلى جهة مجهولة ولم يعلم مصيرهم حتى الآن وبعد 30 عاماً وكذالك فإن رئيس جمعية العلماء في حماه الشيخ عبد الله حلاق قتل جانب البناية التي يسكن بها, أما باقي الناس فقد قتلوا لأنهم حمويون لا يحبون النظام, (وحتى في السفارات في الخارج فقد عومل الحمويون كغيرهم بمنع الجوازات وذاقوا في ذالك المرارات التي لا تطاق وإفتروا عليهم ليحرموهم العمل قي دول الخليج بحجج مختلفه...).
لقد بذل الإسلاميون كل جهدهم للدفاع عن شغب حماه وقتل منهم 84 في المئة في إحصاء أجريته بنفسي, وقد رجع بعضهم بعد مغادرته البلد.
وأقسم بالله أن لو كان هناك أسلحه و ذخائر لقاتلت حماه شهوراً طويلة بفضل المشاركة العظيمة من أبنائها. (وقد سألني مرة قريبي العلماني هل كان كل أهل حماه مع الإخوان فقلت نعم, فقال كم النسبه؟ فقلت أكثر من 95 في المئة  وهذا كان ضرورياً لإيواء المجاهدين, ولقد كان المسيحيون مع الإخوان في وجه السلطة كذالك, وقد رأيتم كيف دمر الجيش لهم كنيستين تدميراً كاملاً. حتى أن أحد الإخوة المسيحيين (وهو حلاق في طلعة سوق الشجرة أطلق النار باتجاه الجيش), لقد كانت أدوات الثورة إسلامية بالعموم لكن الأهداف كانت هي الحرية والعدالة ومكافحة الفساد ولصالح كل الشعب السوري وهي مطالب إسلامية بامتياز.
وقد تحامل الحمويون على جراحهم ونفعهم كرمهم ونخوتهم فتساعدوا ولم يتركوا أحداً يتسول في المدينة وجمعوا من قروشهم البسيطة بعد كل صلاة جمعه  وعلى مدى ثلاثين عاماً ما بنوا به بعض مساجدهم المدمرة الـ (55 مسجداً)
وكذالك الكنائس.
وتابعت السلطة الضغط والإذلال بعد الأحداث وكذالك تفقير المدينة ومتابعة معاقبتها وتخويفها بالاستدعاء الدوري للجميع إلى فروع المخابرات مع التهديد والتخويف حتى لا يكون هناك رد عنيف  منهم على جرائم السلطة .
(ولمعرفة آلاف الجرائم راجع كتاب حماه مأساة العصر والذي كتب وطبع على عجل ليغطي جزءاً من الحدث وهو موجود بكامله على الإنترنيت, وكذالك مقالاتي في المواقع عما حدث) لقد كان وما يزال أهل حماة يتحدثون يومياً ولساعات أحيانا عن هذا الجرح العريض العميق الذي لم يندمل, ولا زالوا مع باقي ضحايا سورية ينتظرون القصاص.
هكذا فعلت 248 دبابة و156 مدفع و248 قاعدة إطلاق صواريخ وأكثر من 25 ألف عسكري من الطائفيين أو بقيادة الطائفيين في بلدي الضحية مدة 22 يوماً وكانت المجزرة الهائلة المريعة, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رحم الله الشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس حينها والذي أفتى بقتل حافظ الأسد جزاء المجزرة الكبرى والغير مبررة والتي فعلها في حماه.

 

------------------------------
إقرأ أيضاً:
انتفاضة الثمانينات ومجزرة حماه (1) الأسباب
انتفاضة حماه ومجزرة الثمانينات (2)الصراع حول لحظة الصفر

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع