..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

روسيا وتجارة الأسلحة مع سورية .. نظرة من الداخل

العصر

٦ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5097

روسيا وتجارة الأسلحة مع سورية .. نظرة من الداخل
1.jpg

شـــــارك المادة

بقلم: سيمون شوستر (Simon Shuster)

/ مجلة "التايم"

كان أحد تجار الأسلحة الروس يمرر بندقية هجومية مزودة بكاتم للصوت من طراز AK-104 إلى مسؤول من سورية، فوضع هذا الأخير السلاح على مستوى نظره ووجّهه نحو الجناح C3 من معرض الأسلحة في روسيا الذي ينعقد مرتين سنوياً. فقال التاجر الروسي: "إنه سلاح مثالي لعمليات قتال الشوارع المتلاحمة والملاحقات بين المنازل".

 

وكان العقيد عصام إبراهيم السعدي، الملحق العسكري في السفارة السورية في موسكو، يترجم الكلام بين التجار والسوريين في البازار، وهو من رافق المسؤولين الثلاثة من دمشق للقيام ببعض التسوق العسكري. إنها فرصة نادرة بالنسبة إليهم. بعد أن غرق بلدهم في حرب أهلية، منعت معظم بلدان العالم التي تتاجر بالأسلحة بيع المعدات إلى النظام السوري، لذا يستمتع الموفدون بوقتهم في موسكو، فقد أمضوا أكثر من ساعة وهم يتحدثون مع مسؤول بيع أسلحة الكلاشينكوف أندريه فيشنياكوف، رئيس قسم التسويق في شركة “إيزماش” (Izhmash) التي ابتكرت أسلحة من طراز AK-47.

ثم تجولوا بين أقسام أخرى منتشرة في أنحاء قاعدة جوكوفسكي الجوية العملاقة بالقرب من موسكو، وعاينوا دبابات وقاذفات صواريخ تعمل باللمس، وصواريخ “كروز”، ومدفعيات ثقيلة أخرى. تتمتع كل هذه المعدات ببريق آخاذ تحت أشعة الصيف مثلما هي الحال مع السيارات الرياضية عند رصها في صالات العرض، فجميع تلك المعدات معروضة للبيع لمن يشتري.

أهلاً بكم في أبرز معرض للأسلحة في روسيا. يحمل هذا المعرض اسما خادعا: "منتدى التكنولوجيا في صناعة الآلات"، ولكنه فعلياً معرض عسكري خاص بالحكام الدكتاتوريين حول العالم وقد افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2010.

في الأسبوع الماضي، حضرت وفود من إيران وزيمبابوي والبحرين وباكستان وأوغندا ودول أخرى إلى المعرض، لكن كان الحضور السوري لافتا ومثيرا للجدل.

منذ فترة الخمسينيات، عندما أصبحت سورية واحدة من أتباع الاتحاد السوفيتي، تشتري دمشق معظم أسلحتها من روسيا، فأصبحت أهم زبون مغري.

خلال الأشهر الستة عشر الماضية، استعملت القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد تلك الأسلحة لقمع الثورة المحلية بكل وحشية، وقد ارتفعت حصيلة القتلى حتى الآن إلى 14 ألف قتيل بمن فيهم آلاف النساء والأطفال. انضمت بقية دول العالم العربي إلى الغرب لإدانة تلك المجازر، لكن هذه المواقف لم تمنع استمرار تدفق الأسلحة الروسية، بل يبدو أن الكرملين مستعد للمخاطرة بعلاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة من أجل الدفاع عن الأسد ومتابعة بيع الأسلحة له.

على المستوى الدبلوماسي، لا يمكن أن يقوم المسؤولون الغربيون المستاءون بأي شيء لردع الروس، إذ تملك روسيا مقعداً دائماً في مجلس الأمن ولطالما استعملت حق النقض لإعاقة أي نقاش حول فرض حظر دولي على تمرير الأسلحة إلى سورية.

في شهر مايو الماضي، اعتبرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس أن بيع الأسلحة الروسية إلى سورية أمر "مشين". كذلك، لم تغير موسكو رأيها نتيجة الضغوط الدبلوماسية والأخلاقية من الغرب، حتى عندما اعتبر الغربيون أن روسيا تساعد على قتل المدنيين.

ويوم الخميس من الأسبوع الماضي، كان مسؤول من شركة الأسلحة الروسية الحكومية “روسوبورون إكسبورت” (Rosoboronexport) يعرض أمام الموفدين السوريين مجموعة من قاذفات الصواريخ المحمولة على متن شاحنة، فصرح لمجلة "تايم": "هؤلاء هم الأشخاص الذين نعوّل عليهم!".

بدا السوريون منبهرين بما يشاهدونه، حتى إنهم صعدوا إلى الشاحنة لمعاينة المعدات قبل أن يصافحوا الروس وينتقلوا إلى معارض أخرى.

باستثناء العقيد السعدي، رفض الموفدون السوريون الإفصاح عن أسمائهم أو الإجابة عن أسئلة مجلة "تايم". عرّفنا السعدي على رئيس الوفد السوري، لكن اكتفى هذا الأخير بالتأكيد أنه قدم من دمشق خصوصاً لحضور المعرض.

يقول "هيو غريفيث"، خبير في شؤون تهريب الأسلحة في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي يرصد سوق الأسلحة العالمية: "يشير هذا الأمر إلى وجود نية جدية لللشراء".

وكان يستحيل معرفة الأنواع التي سيشتريها السوريون، إذ تُعقد تلك الصفقات وراء الأبواب المغلقة. لكن في حال اشتروا البنادق الهجومية أو المركبات المدرعة التي أمضوا ساعات وهم يتفحصونها يوم الخميس، فستواجه وزارة الخارجية الروسية مشكلة جدية على المستوى الرسمي، لأنها كانت قد أعلنت بيع أسلحة دفاعية حصراً إلى سورية (مثل الصواريخ المضادة للطائرات) كي لا تُستعمل ضد المدنيين. لكن الإمكانات المغايرة التي روّج لها "فيشنياكوف" عن أسلحة قتال الشوارع خلال معرض أسلحة الكلاشينكوف تُضعف مصداقية الوزارة.

وكانت المجموعة الروسية للتكنولوجيا (Russian Technologies) المختصة بالأسلحة الروسية وأعمال الهندسة هي التي نظمت معرض الأسلحة الذي شمل استعراض "باليه الدبابات" من تصميم مسرح البولشوي. ويرأس سيرغي شيميزوف هذه الشركة، وهو صديق قديم لبوتين من أيام الاستخبارات السوفيتية. خلال الثمانينيات، عمل الرجلان في مجال التجسس لمصلحة الاستخبارات في مدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية. بعد أن أصبح بوتين رئيس روسيا في عام 2000، حوّل تدريجاً أكبر شركات تصنيع الآلات والأسلحة التي تملكها الدولة في روسيا إلى مؤسسة واحدة يرأسها شيميزوف.

تسيطر المجموعة الروسية للتكنولوجيا (Russian Technologies) اليوم على 600 شركة تقريباً وآلاف المصانع التي تنتج جميع أنواع المعدات بدءاً من السيارات والطائرات وصولاً إلى المعدات العسكرية. لكن أبرز الشركات هي "روسوبورون إكسبورت" (Rosoboronexport)، وهي الشركة الروسية الوحيدة التي تستطيع بيع الأسلحة إلى الخارج بشكل قانوني.

في السنة الماضية، باعت الشركة أسلحة بقيمة تفوق الـ11 مليار دولار إلى دول العالم، فأصبحت روسيا بذلك ثاني أهم تاجرة أسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة.

واعتباراً من عام 2011، كانت روسيا تملك عقوداً هائلة لبيع الأسلحة إلى سورية بقيمة 4 مليارات دولار تقريباً، بما في ذلك بيع صواريخ Buk-M2E أرض-جو، وصواريخ Pansir-S1 وطائرات مقاتلة من طراز Mig-29.

تحدث أناتولي إيسايكين، مدير عام شركة "روسوبورون إكسبورت" إلى مجلة "تايم" خلال معرض الأسلحة وقال: "إنها واحدة من أسواقنا التقليدية". كان إيسايكين أيضاً مسؤولاً في الاستخبارات السوفياتية قبل أن يصبح من كبار تجار الأسلحة في روسيا، وهو يعتبر أن المسألة السورية تم التعامل بشكل مبالغ فيه، وقد يكون الأمر جزءاً من مؤامرة غربية تهدف إلى تشويه سمعة شركته.

ويوضح إيسايكين قائلا: "في هذا القطاع، ثمة محاولات لإظهار منظمتنا “روسوبورون إكسبورت” وكأنها كيان عبقري شرير يحاول صبّ الزيت على النار. أظن أن الأمر هو جزء من لعبة سياسية”.

وبحسب رأيه، يبدو أن جميع الجهود الغربية التي ترمي إلى منع روسيا من بيع الأسلحة إلى سورية هي مجرد منافسة غير عادلة: "أعني بذلك المنافسة بمعناها الواسع. لطالما كانت المنافسة موجودة وستبقى موجودة دوماً. بالتالي، إذا خسرت روسيا سوقاً معينة، فسيحصل منافسوها على فرصة الربح".

ويقول ألكسندر غولتز، خبير عسكري في موسكو، إن ازدواجية المواقف حول العالم هي ما تدفع روسيا إلى تسليح الأسد: "من الواضح هنا أن الحافز الأساسي له علاقة بالإيديولوجيا لا بالأرباح المالية. إنها إيديولوجيا الواقعية السياسية التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة، حيث خاض طرفان رئيسان ما يشبه لعبة الشطرنج، وكانا يحركان الأطراف الأخرى ويتلاعبان بالوضع. ولا يزال بوتين ينظر إلى العالم بهذه الطريقة".

يملك السوريون من جهتهم أسباباً كثيرة لمتابعة شراء الأسلحة الروسية حتى لو كانوا لا يحتاجون إليها. يوضح غريفيث: "هم يحاولون بأي ثمن الحفاظ على دعم روسيا كشريكة لهم من خلال نقل أموال نقدية إضافية إلى الروس وتعزيز تلك العلاقة الثنائية".

ويبدو أن روسيا تتوق إلى مجاراة سورية في هذه اللعبة للحصول على الأموال النقدية والمكاسب الجغرافية السياسية في آن.

وتزامناً مع ثورات الربيع العربي التي اعتبرها الكثيرون في موسكو مؤامرة أميركية تهدف إلى تقسيم الشرق الأوسط، زاد استياء بوتين بسبب تدخل الغرب في المنطقة.

وفي العام 2010، عندما افتتح بوتين أول بازار لبيع الأسلحة في قاعدة جوكوفسكي الجوية، حضر الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى المعرض وقد رافقه بوتين شخصياً في تلك الجولة. حين كان الرجلان يمران أمام معرض دبابات T-90 مع المراسلين، التفت بوتين إلى صالح وقال له: "هذه هي المعدات التي يجب أن تشتريها". بحسب رأي غولتز، هو لم يفعل ذلك لكسب الأرباح بل لنشر النفوذ الروسي في اليمن.

ومن المعروف أن صفقات بيع الأسلحة ليست مجرد تبادل مالي عابر، بل إنها تتطلب الحفاظ على علاقات ثابتة بين المشتري والبائع للتمكن من تركيب الأسلحة واستخدامها وإصلاحها، ويوفر البائع في أغلب الأحيان الذخائر والتدريب طوال سنوات.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع