..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

الغوطة بين اللئام والأيدي الأمينة!!!

أكرم حجازي

٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 9076

 الغوطة بين اللئام والأيدي الأمينة!!!
حجازي000.jpeg

شـــــارك المادة

في خضم سجالات دولية تجري منذ عدة أشهر حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في جبهات القتال أو ضد المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار؛ استيقظ العالم فجر الأربعاء الموافق 21/8/2013 على صور مؤلمة لمئات القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب إثر هجمات بالأسلحة الكيماوية استهدفت قرى في الغوطة الشرقية من دمشق.

 

 

وتبعا لذلك قطعت المذبحة باليقين كل شك سابق لتؤكد أن سلاحا كيماويا استعمل في قتل الناس.
وقبل أية تحقيقات للكشف عن الحقيقة بلا أية مواربات؛ تسارعت التحضيرات لتدخل عسكري دولي ردا على مذبحة ذهب ضحيتها نحو 1600 إنسان، في حين أن القوى الدولية لم تتحرك ضد نظام قتل أزيد من 125 ألف إنسان!!
مع أن أحدا حتى الآن لا يمتلك دليلا قاطعا عن هوية الجهة التي نفذت الجريمة على بعد بضعة كيلومترات من تواجد فريق دولي للتحقق من استعمال الأسلحة الكيماوية! ولا عن نوع السلاح! أو مصدره! ولا عن التوقيت الدقيق الذي وقع فيه الهجوم؟
ولا الوقت الذي علمت فيه القوى الثورية بالهجوم، أو الذي بدأت فيه عمليات الإغاثة! ولا الكيفية التي تمت فيها الإغاثة في منطقة من المفترض أنها موضع هجوم قاتل.
بطبيعة الحال يهمنا التأكيد بداية أن انسياق الكثير أو القليل وراء « بديهية» اتهام النظام بالمسؤولية عن الهجوم والمذبحة، فضلا عن ترحيب الكثير من المخدوعين أو الراغبين في الانتقام أو ممن يحسنون الظن بالتدخل العسكري، هو غاية ما يتمناه « المركز»، خاصة في شقه الغربي.
لكن إذا تجردنا من فخ العاطفة ولحظات الغضب والعصبية فإن المسؤولية الشرعية والأخلاقية والإنسانية تحتم علينا أن نتثبت يقينا، أو على الأقل نسأل ونبحث عن، هوية الجهة التي نفذت الهجوم، وليس اللجوء إلى الخيار الأسهل باتهام النظام.
وهذا ليس تبرئة للنظام ولا إدانة مسبقة لأحد بل بحثا عن حقيقة ربما يكون متورطا فيها أكثر من طرف سواء كان النظام الطائفي أو غيره من القوى الدولية والاستخبارية التي تسرح وتمرح في سوريا وعالمنا العربي اليوم أكثر من أي وقت مضى، ودرءً لمخاطر باتت تتهدد الثورة وسوريا والأمة برمتها.

في هذا الجزء سنعرض أو نناقش خمسة محاور على الأقل، على أن نستكمل في الجزء الثاني المحتوى السياسي والعسكري لما يغلب أنه ضربة عسكرية ضد سوريا سواء كانت وشيكة الوقوع أو محتملة.

فلنتوقف إذن عند المحاور التالية:
أولا: وقائع المذبحة
ثانيا: ملكية النظام للأسلحة الكيماوية
ثالثا: إعاقة التحقيق
رابعا: اتهامات سياسية
خامسا: هوية الفاعل

أولا: وقائع المذبحة:
قبل المذبحة؛ وبعد انشقاقه ببضعة أشهر، أدلى رئيس فرع الكيمياء في الفرقة الخامسة في الجيش السوري، العميد الركن زاهر الساكت، بشهادة وردت في مقابلة مع قناة «الجزيرة» وموقع «الجزيرة نت - 18/5/2013»، وقال فيها أنه: « إن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية في مناطق خان العسل والشيخ مقصود بمدينة حلب»، وأنه: « قام بدفن مادة تسلمها من مستودعات الجيش السوري بغرض استخدامها في مناطق بدرعا جنوب سوريا»، وأنه: « استخدم مادة غير خطرة بدلا من ذلك قبل أن يقرر الانشقاق عن الجيش السوري».
وأبدى الساكت استعداده: « لتحديد مكان المادة الكيمياوية التي دفنها للجان التحقيق الدولية إن رغبت بالتحقيق في الأسلحة الكيمياوية التي استخدمها نظام بشار الأسد ضد المدنيين والمقاتلين».

كما تحدث الساكت عن استخدام النظام السوري لمواد أخرى في دير بعبلة بريف حمص، واتهمه: «بحرق بعض الجثث التي ظهرت عليها آثار تؤكد استخدام هذه المادة».
وفي التفاصيل يقول الساكت إنه: «جرى تكليفه باستخدام الأسلحة الكيمياوية في ثلاث مواقع، هي الشيخ مسكين والحراك وبصر الحرير في درعا أثناء عملية عامود حوران»..
وأن: « الأمر صدر له من اللواء علي حسن عمار الذي اتصل بقائد الفيلق وطلب استخدام مواد سامة مخرجة من القتال.. وهي مواد عادة ما يكون لها تراكيز سمية كثيرة العضوية تؤدي إلى الوفاة»..
وأن: «قائد الفرقة طلب منه استلام هذه المواد من خلال الاتصال مع اللواء طالب سلامة مدير إدارة الحرب الكيميائية للاستفسار عن كيفية الاستخدام وأين ومتى، لافتا إلى أنه تسلم خمسة لترات من المادة السامة نوع الفوز جين».
أما في 23/7/2013 فقد أعلن المبعوث الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط، روبرت سيري، في اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط إن: «الأمم المتحدة تلقت 13 بلاغا بهذا الشأن حتى الآن»، مشيرا إلى أن جميع الحالات «قيد الدراسة» حاليا.
ورغم ذلك فالتوصيف سيتركز هنا على مذبحة الغوطة. ففي صبيحة يوم الأربعاء الموافق 21/8/2013 بدأت تتوالى أنباء مفجعة عن سقوط 600 مدني جراء استنشاقهم للغازات السامة وهم يغطون في النوم.
ثم ارتفع العدد في بضعة ساعات ليصل إلى 1188 قتيلا ثم 1228، 1400، 1466 وصولا إلى 1600 قتيل بالإضافة إلى 5500 جريح.
وفي 24/8/2013 أكدت منظمة أطباء بلا حدود السبت وفاة 355 شخصا من أصل 3600 مصاب نقلوا إلى مستشفيات في ريف دمشق فجر المذبحة.
ومع بعض التفاصيل فإن من بين القتلى 670 طفلا و700 عائلة مجهولة المصير. وبحسب عدة شهادات ميدانية فقد وقعت هذه المذبحة إثر قصف صاروخي نفذه الجيش النظامي من مطار المزة العسكري في منطقة جبل قاسيون الذي يسيطر عليه جيش النظام السوري ضد قرى زملكا وعين ترما وحي جوبر وعربين ودوما وسقبا وحمورية وكفر بطنا والجسرين بالغوطة الشرقية، وكذلك معضمية الشام بالغوطة الغربية.
وبلغ عدد الصورايخ 29 صاروخا، أُطلقت بحسب شبكة شام الإخبارية «في تمام الساعة الثالثة إلا ربعا (2.45) » فجرا، أو «الساعة الثانية» بحسب شهادات ميدانية أخرى.
لكن بعض الأنباء قالت بأن بعض الصواريخ كانت تحمل رؤوسا كيماوية وليس كلها، وبعض الشهادات أضافت أن طائرات حربية شاركت في الهجوم الكيماوي.
وطبقا للصور التي نشرتها تنسيقيات الثورة السورية ومصادر محلية فقد أمكن أيضا معاينة العشرات من جثث الأطفال السليمة من أي خدش، وحالات لأطفال وشبان تعاني من زبد في الفم ورجفة في الجسد وأعراض احتضار لأطفال مصابين وحالات هلوسة ورعب وصعوبات في التنفس، ومظاهر تغير في لون الجلد، بعضها كان في مستوى الصدر وأخرى في الأطراف.
ومن جهتها تحدثت شهادات محلية قال فيها أحد المصابين بعد الهجوم: « بعد ساعات بدأت أشعر بتأثير المواد الكيمياوية.. حرقة في العينين وصعوبة في التنفس وصداع رهيب» .. وأن: «الناس الذين كانوا في الشوارع شعروا بالغثيان وبدؤوا في الانهيار».

وبحسب التقرير الإستخباري الأمريكي الذي نشر في 30/8/2013، بعد عرضه على الكونغرس، ورفض النظام السوري له بدعوى أنه: «فبركات وتلفيقات اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي» وغيرها، فإن: «عدد قتلى الهجوم بلغ 1429 شخصا بينهم 426 طفلا»، وأن: « ثلاثة مستشفيات في منطقة دمشق استقبلت 3600 حالة عليها أعراض التعرض لغاز الأعصاب منذ فترة تقل عن ثلاث ساعات في صباح يوم 21 أغسطس/آب الجاري»، وأن: «واشنطن جمعت أدلة مادية وأخرى عبر الأقمار الصناعية، تشير إلى تحرك عدد من المسؤولين عن البرنامج الكيميائي السوري منذ الثامن عشر من أغسطس/آب الجاري خاصة في منطقة عدرا، بينما لم تشر الأدلة إلى أي تحرك من هذا القبيل في أوساط المعارضة»، وأن: « النظام السوري استخدم منصات صواريخ انطلاقا من كفر بطنة وجوبر وعين ترما وداريا والمعضمية بدلا من الطائرات».
لا شك أن هول الفاجعة كان له أثر كبير في نوعية الشهادات والبيانات التي قدمتها مصادر محلية.
فقد بدا عليها الارتباك الشديد إلى حد الهلع.
ولا ريب أن هذه الوضعية النفسية تسببت، مبدئيا، بخسارة الكثير من البيانات التي كان ينبغي توثيقها بدقة فائقة.
وتكمن أهمية التوثيق في تسهيل الحصول على الكثير من الإجابات في اللحظة المناسبة.
فمن المهم، على سبيل الأمثلة، معرفة اتجاه الرياح حين وقوع الهجوم، أو التوقيت الدقيق لبدئه أو العلم به أو لحظة بدء عمليات الإنقاذ.
فللمعلومات قيمة هائلة في توفير الإجابة على الكثير من الأسئلة لقطع الطريق على تمييع المسألة أو التلاعب في التحقيقات والأدلة من هذه الجهة أو تلك.

ثانيا: ملكية النظام للأسلحة الكيماوية:
تميزت سياسة النظام السوري فيما يتعلق بامتلاكه للأسلحة الكيماوية بالمواربة الدائمة التي تثبت امتلاك النظام للأسلحة أكثر ما تنفي ملكيته لها.

وفي هذا السياق جاءت أول التصريحات ردا على اجتماع الدوحة، واتهام النظام باستعمال أسلحة كيماوية، وآنذاك وزع الناطق باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، بيانا على وسائل الإعلام في 23/7/2012، قال فيه: «‫تود الوزارة إعادة التأكيد على موقف الجمهورية العربية السورية المتمثل بأن أي سلاح كيماوي أو جرثومي لم و لن يتم استخدامه أبداً خلال الأزمة في سورية مهما كانت التطورات في الداخل السوري، وأن هذه الأسلحة على مختلف أنواعها- إن وجدت- فمن الطبيعي أن تكون مخزنة ومؤمنة من قبل القوات المسلحة السورية وبإشرافها المباشر، ولن تستخدم أبداً إلا في حال تعرضت البلاد لعدوان خارجي».
وأكد أنه: «سبق لوزارة الخارجية والمغتربين وأن أبلغت ذات مضمون وتفاصيل هذا الموقف إلى دول عبرت عن قلقها من موضوع وصول أسلحة غير تقليدية لأيدي طرف ثالث».
ثم عاد وتلا نفس مضمون البيان خلال مؤتمر صحفي. وفي رده على اتهام الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، باستعمال النظام أسلحة كيماوية قال وزير الخارجية، وليد المعلم، خلال مؤتمر صحفي 24/6/2013  عقده في دمشق،: «إن سوريا لم تعلن يوماً امتلاكها أسلحة كيمياوية، وإن اعتماد أوباما على تقارير كاذبة حول استخدام أسلحة كيمياوية يثير الريبة».
وفي أعقاب مذبحة الغوطة، فجر الأربعاء (21/8/2013)، واتهام النظام بالمسؤولية عنها رد وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، في 25/8 بما ينفي وجود هذه الأسلحة قائلا: «إن استخدام السلاح الكيمياوي خط أحمر ليس للولايات المتحدة فقط وإنما أيضا لسوريا التي قال إنها: لن تستخدم سلاحا كيمياويا إذا كان موجودا لديها».
لكنه أضاف: «إن بلاده مستعدة للتعاون مع خبراء الأمم المتحدة المتواجدين بدمشق منذ ما قبل الأربعاء الماضي، لكنه أكد أنها لن تسمح مطلقا بوجود لجان تفتيش على أراضيها».
وكان الأولى به القول: «إن سوريا لا تمتلك هذه الأسلحة حتى تستعملها»!!!
ومن الواضح أن تصريحي المقدسي والمعلم لا ينفيان امتلاك سوريا لأسلحة كيماوية بقدر ما يخفيان وجودها دون إغفال الإشارة إلى أنها في وضع آمن، وأن كل ما في الأمر أنه لم يعلن امتلاك سوريا لها رسميا.

بل إن فقرة المقدسي حول تبديد قلق بعض الدول أكدته سلسلة من التصريحات الدولية بما فيها « إسرائيل».
وفيما يلي نماذج منها:
• ففي 22/7/2012 نقلت وكالة الأنباء البريطانية « رويترز» عن المتحدث باسم البيت الأبيض، تومي فيتور، قوله: « نعتقد أن مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية ما زال تحت سيطرة الحكومة السورية ... ما زلنا نشعر بقلق بالغ بشأن هذه الأسلحة...
وإضافة إلى مراقبة مخزوناتهم فإننا نجري مشاورات مكثفة مع جيران سوريا وأصدقائنا في المجتمع الدولي للتعبير عن قلقنا بشأن أمن هذه الأسلحة والتزام الحكومة السورية بتأمينها».
• وفي 24/12/2012 صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قائلا: « أنه في كل مرة ترد تقارير عن استخدام أو تحريك النظام لأسلحة كيماوية تتصل موسكو بدمشق للتحقق من هذا الأمر.. وإن موسكو تلقت في كل هذه الحالات تأكيدات قوية من الحكومة السورية بأنها لن تلجأ لاستخدام هذه الأسلحة أيا كانت الظروف».
وفي 30/5/2013، بعد تناقل وسائل الإعلام لخبر إلقاء السلطات التركية القبض على خلية من «جبهة النصرة» بحوزتها 2 كغم من غاز السارين، طلبت روسيا إيضاحات من تركيا.
وفي السياق أشار الناطق باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، بما يؤكد بالقطع ملكية سوريا للأسلحة الكيماوية حين قال: «إن موسكو تسلمت من سورية كافة التأكيدات اللازمة على أن هذا السلاح سيكون بأيد أمينة وتحت حراسة مشددة... ونحن على يقين بأنه كذلك».
• وفي نفس الوقت (24/12/2012) نقلت صحيفة « ديلي تلغراف» البريطانية عن أحد كبار المسؤولين العسكريين « الإسرائيليين، عاموس جلعاد، قوله: « إن أسلحة سوريا الكيمياوية لا تزال في يد الحكومة، رغم أنها فقدت السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد .. في الوقت الراهن فإن الأسلحة الكيمياوية تحت السيطرة».
وفي 8/1/2013 كشفت صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية عن معلومات استخبارية تلقتها وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) من مصادر « إسرائيلية» اعتمادا على صور أقمار صناعية أظهرت: « جنودا سوريين يقومون على ما يبدو بمزج مواد كيمياوية في مستودعين يُرجح أن تكون غاز السارين المهيِّج للأعصاب». الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للتحرك على عجل.

وتضيف الصحيفة قائلة: «بفضل التحذيرات العلنية من أوباما والرسائل السرية الشديدة اللهجة التي بُعثت إلى الرئيس السوري وقادته العسكريين، عبر روسيا وآخرين من بينهم العراق وتركيا وربما الأردن، توقف مزج المواد الكيمياوية وحشو القنابل بغاز الأعصاب».
وفي السياق نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين قولهم: «إن أزمة كهذه جرى تفاديها ما بين أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني وأوائل ديسمبر/ كانون الأول»، وهو ما أكده المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي، أحمد أوزومجو، في مقابلة خاصة بثتها قناة العربية - 9/5/2013 حيث ردت الحكومة السورية بالقول: « إنه إذا وجدت لديها أسلحة كيماوية فإنها ستحترم التزاماتها بعدم استخدام هذه الأسلحة».
ولا ريب أنه ثمة عشرات التصريحات من هذا النوع أو أكثر وفي سياقات متعددة لا يتسع لها المقام هنا.
أما فيما يتعلق بمخزون النظام من الأسلحة الكيماوية فقد تباينت التقارير ذات الصلة إلى حد المبالغة حتى من المنظمات المتخصصة!!!
فقد نقلت وكالة «أ. ف. ب» عن وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، إثر لقاء له مع برنامج لـ «آر تي إل، لوفيغاور، ال سي آي – 9/12/2012»، قوله أنه: «من الصحيح أن سورية تملك أسلحة كيماوية» وأن الحديث: «يجري عن ‬31 موقعاً و‬1000طن، وعن غاز السارين وعناصر أخرى خطيرة للغاية».
وبحسب تقديرات نسبت في 21/3/2013 إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية «BND» فإن: «حجم مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا بلغ نحو سبعمائة طن من غاز السارين، ومائة طن من غاز الخردل وغازات آخري مميتة».
ومن جهتها وصفت صحيفة « لوس أنجلوس - 26/4/2013» الأمريكية مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا بأنه من: «أكبر المخزونات في العالم ويُقدر حجمه بنحو ألف طن مخزونة في 50 مكانا أغلبها بشمال سوريا، وأنه يشمل عناصر مسببة للقرح مثل غاز الخردل والعناصر الأكثر خطورة مثل غازات الأعصاب بما في ذلك السارين و VX، كما يمكن إطلاقها بالمدفعية ومنصات الصواريخ وصواريخ سكود والطائرات».
ويبدو أن المخابرات «الإسرائيلية» هي مصدر معلومات «لوس أنجلوس» إذ أن هذه التقديرات أوردتها صحيفة «جويش كرونيكل» الصادرة في لندن نقلا عن أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» التي: «تقدّر أن سوريا تملك نحو 1000 طن من الأسلحة الكيمياوية».
أما المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي، أحمد أوزومجو، فقد شذت تقديراته عن الجميع خلال المقابلة الخاصة التي أجرتها معه قناة «العربية - 9/5/2013».
ففي معرض حديثه عن الأسلحة الكيماوية في ليبيا تطرق إلى مثيلتها في سوريا قائلا: «عندما تفجر الوضع في سوريا تحدثت العديد من التقارير عن إمكانية استخدام الأسلحة الكيماوية في البلاد، خاصة وهي تمتلك كميات هائلة تقدر بأكثر من 100 ألف طن من مختلف الأنواع».
وفي مقابلة مع « CNN 13/5/2013» وصف جاري سيمور، المستشار السابق لشئون الأسلحة الكيماوية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، مخزون سوريا بأنه: « أكبر برنامج ناشط للأسلحة الكيماوية في العالم».
وفي أعقاب المذبحة، وبحسب صحيفة «التايمز – 22/8/2013» البريطانية، فإن: «تقديرات أجهزة المخابرات الغربية تشير إلى وجود ما لا يقل عن خمسين مستودعا للأسلحة الكيمياوية داخل سوريا».

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال – آب 2011» الأمريكية عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين قولهم: « إن لسوريا خمسة مواقع تنتج فيها أسلحة كيمياوية»، لكنهم اعترفوا بـ: « صعوبة تحديد هذه المواقع». إذن بقطع النظر عن الجدل فيما يتعلق بحجم المخزون السوري للأسلحة الكيماوية، والتي بدا واضحا أن المخابرات « الإسرائيلية» هي مصدر أغلب التقديرات، أو بنوعية الأسلحة، أو بمناطق انتشارها، فالثابت، حتى بلسان المسؤولين السوريين والروس، أن النظام يمتلك هذه الأسلحة بما لا يقبل أي جدل.

ثالثا: إعاقة التحقيق ما أن استفاق الناس على أخبار المذبحة حتى توجهت الأنظار، من كل حدب وصوب، إلى هيأة الأمم المتحدة مطالبة إياها بالإيعاز لفريق التحقيق الدولي المرابط في فندق سيزن بدمشق التوجه فورا إلى ساحات المذبحة ومعاينة الوقائع وجمع البيانات وكل ما يلزم للتحقيق، وتقدير المخاطر والاحتياجات ورفع الأدلة قبل تلفها أو إتلافها من قبل النظام.

إلا أن فريق التحقيق الذي وصل سوريا بعد مفاوضات ماراثونية استغرقت خمسة شهور للتحقيق في حوادث سابقة، أميزها واقعة خان العسل، لم يدخل المنطقة إلا في اليوم الخامس من وقوع المذبحة!!!
الثابت في مهمة الفريق الدولي أنه مكلف بتأكيد أو نفي استخدام الأسلحة الكيماوية، أما الإدانة فتقع على مسؤولية جهات أخرى متخصصة.
لكن إذا استطاع الفريق أن يثبت استخدام الأسلحة الكيماوية فسيعني هذا:
(1) أنه حصل على معطيات مادية من المصابين وبقايا الأسلحة والتربة والمياه أو أية مكونات حيوية أو غير حيوية في منطقة الاشتباه، كما يعني (2) أنه استطاع تحديد نوع السلاح الذي استخدم في الهجوم، وبالتالي: (3) معرفة مكونات السلاح و (4) نوع المادة السمية، و (5) ونسبتها، و(6) مصدرها.

وهذا ما أشارت إليه وكالة « رويترز – 26/8/2013»، مبدئيا، من أن الأدلة التي سيجمعها فريق التفتيش: «عن الصاروخ المستخدم قد تشير بقوة إلى هوية الطرف المنفذ للهجوم».
1) خمسة أيام تأخير لكن خمسة أيام تأخير للتحقق من هجوم كيماوي بهذا الحجم والخطورة مسألة تحتاج إلى نظر.
إذ مهما بلغ التناقض في الخطاب السياسي والإعلامي للقوى الدولية، على خلفية الصراع على المصالح والنفوذ، فإن ما جرى من تأخير لا يمكن تبريره، خاصة وأن فريق التحقيق متواجد على مقربة من المكان.
وتبعا لذلك أمكن ملاحظة وجهات نظر سياسية متعارضة وأخرى في المستوى المهني.
في المستوى السياسي فإن أول رد فعل للولايات المتحدة على المذبحة جاء على لسان مساعد المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، في تصريح صحفي يوم المذبحة، قال فيه: « نطلب رسميا من الأمم المتحدة القيام بتحقيق عاجل».
ورغم ذلك، بدت الولايات المتحدة، في اليوم التالي، وكأنها لا تعلم من بعد علم شيئا، رغم ضجيج « الخط الأحمر» الذي أشغل به الرئيس الأمريكي العالم وخرقه بنفسه، مفضلا، لحسابات خاصة، عدم التخلي عنه حتى هذه اللحظة!!
فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الرئيس باراك أوباما: «أمر المخابرات الأمريكية بأن تجمع في أسرع وقت ممكن معلومات وافية» عن المزاعم بشأن قصف الغوطة الشرقية بريف دمشق بأسلحة كيمياوية، لأن: «واشنطن لا تملك ما يؤكد مزاعم استخدام هذه الأسلحة».
ومن جهتها أبلغت المتحدثة باسم الخارجية، جنيفر بساكي، الصحفيين: «إن الولايات المتحدة غير قادرة في الوقت الراهن على أن تجزم بشكل قطعي ما إذا كان قد تم استخدام أسلحة كيمياوية في سوريا الأربعاء.. لكننا نركز جهدنا في كل لحظة منذ وقوع الأحداث بالأمس، ونسخر كل طاقاتنا من أجل كشف الحقائق».
وفي اليوم التالي (23/8/2013) ظل أوباما على أمْسِه حين اعتبر أن: «المجتمع الدولي بحاجة لمعرفة المزيد بشأن ما إذا كان قد تم استخدام أسلحة كيماوية بسوريا»، داعيا الحكومة السورية السماح بإجراء تحقيق شامل.
أما الدول الغربية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، وأحد مسؤولي الأمم المتحدة، فقد اتهموا الحكومة السورية بالتلكؤ وعدم السماح لفريق التفتيش بالوصول إلى مناطق الهجوم.
وردت الخارجية الروسية في 23/8/2013 باتهام المعارضة السورية بمنع إجراء تحقيق موضوعي حول الهجوم بالأسلحة الكيمياوية.
وقالت في بيانها: «للأسف الكثير من الإشارات الضرورية من المعارضة بما في ذلك استعدادها لضمان سلامة خبراء الأمم المتحدة بالأراضي التي يسيطر عليها المسلحون غير متوفرة».
وفي ذات الوقت أعلنت، بعد اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري،: «عن وجود اهتمام مشترك بتحقيق موضوعي لبعثة خبراء الأمم المتحدة». إلا أن السجالات لم تتوقف.

ومن جهته أشار وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، في 23/8/2013 إلى: «أن كل يوم يمر دون أن تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إلى المناطق المتضررة للتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيمياوية سيؤدي إلى تآكل الأدلة أو إخفائها من قبل المسؤولين عن هذه الهجمات».

وتبعا لذلك فقد اتهم النظام بأن: لديه شيئا يريد إخفاءه، وإلا لماذا لا يسمح لفريق الأمم المتحدة الذهاب إلى هناك؟»، ووجه تهديدا للنظام السوري بأن: «المملكة المتحدة ستكون على استعداد للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لتأمين تفويض أقوى لتمكين العالم من التحدث معا بقوة أكبر حيال ما يجري في سوريا، في حال لم يكن هناك أي حراك على مدى الأيام القليلة المقبلة».
أما وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، فبدا أنه أعلم من الأمريكيين والبريطانيين حين أكد في رام الله (24/8/2013)، وبعيدا عن صداع فريق التحقيق، أن: «كل المعلومات التي لدينا تتقاطع لتؤكد حصول مجزرة كيميائية قرب دمشق، وتدل على أن نظام بشار الأسد يقف وراء هذا الأمر».
في حين حملت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، «روسيا والصين المسؤولية عن إعاقة التحقيق الأممي». ففي مقابلة مع مجلة « فوكوس – عدد 25/8/2013 الألمانية، قالت ميركل: «للأسف فإن اعتراض روسيا والصين حال دون أن يوجه مجلس الأمن الدولي مطالبة واضحة للنظام السوري بضمان الوصول الحر بالنسبة للمفتشين الدوليين إلى المناطق المعنية بهذه الواقعة».
في غضون ذلك أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون، أنه يعتزم إجراء تحقيق « شامل ومحايد وفوري» في الهجوم. وطلب من ممثلة الأمم المتحدة السامية لشؤون نزع السلاح، أنجيلا كين، التوجه إلى دمشق، لتأمين السماح لفريق المنظمة بدخول مواقع الهجوم.
وبعد التوصل إلى اتفاق بين دمشق والأمم المتحدة أصدرت الأخيرة في 25/8/2013 بيانا قالت فيه: « إن البعثة تستعد للقيام بأنشطة تحقيق في الموقع، اعتبارا من الاثنين 26 أغسطس/آب».. وأن بان كي مون: «أعطى تعليمات للبعثة - التي يقودها الدكتور (أكي) سيلستروم، والموجودة حاليا في دمشق- بتركيز اهتمامها على تحديد الوقائع بشأن الحادث الذي وقع في 21 أغسطس/آب، وإعطائه الأولوية المطلقة»، مشيرا إلى أن: «الحكومة السورية تؤكد أنها ستقدم التعاون الضروري، بما في ذلك احترام وقف الأعمال الحربية في المواقع المرتبطة بالحادث». إلى هنا، ومع اليوم الأول لمباشرة اللجنة الدولية تحقيقاتها، انقلبت المواقف، وتبين أن الولايات المتحدة الأمريكية استعادت بعض الذاكرة من وحي تغريدة المستشارة الأمنية للأمن القومي، سوزان رايس، حين كتبت في 23/8/2013 تقول: «ما حدث في ضواحي دمشق كان هجوما واضحا بالأسلحة الكيمياوية »!!
ففي 27/8/2013، وفي خطاب له بواشنطن أكد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري،:
أن (1) « أسلحة كيمياوية استخدمت بالفعل» في قصف الغوطة بريف دمشق يوم الأربعاء الماضي، وأن هذا (2) العمل «وقاحة أخلاقية»، ودعا إلى (3) محاسبة المسؤولين عنه، واتهم النظام السوري بـ (4) « طمس الأدلة»، بسبب تأخره بالسماح للمفتشين الدوليين بالتحقيق، واستمراره بقصف المنطقة ذاتها. وفي وقت لاحق أكد البيت الأبيض من جهته أن: « استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السوري أمر لا يمكن إنكاره».

ولأنها تتجه نحو تشكيل تحالف دولي بعيدا عن مجلس الأمن؛ فقد خلصت الولايات المتحدة إلى نتيجة تقول بأن الاتفاق: «جاء متأخرا للغاية ومفتقدا للصدقية».
ونقلت « فرانس برس» عن مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن اسمه قوله (مع بعض التصرف اللغوي): «لو لم يكن للحكومة السورية ما تخفيه؛ ولو أرادت أن تثبت للعالم أنها لم تستخدم أسلحة كيمياوية في هذا الحادث، لكانت أوقفت هجماتها على المنطقة، وسمحت للأمم المتحدة بأن تصل فورا إليها قبل خمسة أيام.. انطلاقا من هنا، فإن قرار النظام لجهة السماح بوصول بعثة الأمم المتحدة جاء متأخرا جدا لدرجة لا يمكن معها تصديقه، وكذلك لأن الأدلة المتوافرة لا يمكن الركون إليها بشكل كبير، نتيجة القصف المستمر من جانب النظام، وأعمال متعمدة أخرى خلال الأيام الخمسة الأخيرة»!!!!
كل هذا التقييم جاء: «استنادا إلى التقارير الواردة بشأن أعداد الضحايا، والأعراض التي ظهرت لديهم، وإلى المعلومات الاستخبارية الأميركية والأجنبية»، وليس بطبيعة الحال استنادا إلى لجنة التحقيق!!! وكأن العالم لم ير ما رآه الأمريكيون من أعداد وأعراض، ولم يطلعوا على أية معلومات.

لكن ما كان بالأمس «مزاعم» لدى المسؤولين الأمريكيين، من أوباما فما دون، صار بين عشية وضحاها حقائق «مؤكدة» و «لا يمكن إنكارها».
كيف يكون هذا والنظام «طمس الأدلة» أو«أتلفها» بفعل القصف والتخريب في المنطقة واستمرار الهجمات!؟ هل هذا ما يقوله الخبراء؟ لنرى.
رأي الخبراء في تلاشي الأدلة من جهتها نسبت وكالة «رويترز – 26/8/2013» إلى مفتشي أسلحة سابقين قولهم: «إن كل ساعة تمضي تحدث فرقا فيما يمكن التوصل إليه».
لكن عدد من الخبراء أدلوا بآراء مخالفة:
• باسكال كلينتز، خبير السموم والطبيب الشرعي الفرنسي: « يفترض ألا يشكل ذلك مشكلة، لاسيما إن كانت جزيئات على غرار السارين أو مواد معروفة.
وفي حال قام مفتشو الأمم المتحدة بأخذ عينات صحيحة من الدم والبول والأنسجة الدهنية حيث تتركز المواد وكذلك من الملابس فلن تكون هناك أي صعوبة لإجراء تحليلات في هذا النوع من التحقيقات، حتى ولو طال الزمن».
• رأي د. أليستير هاي، خبير السموم في جامعة ليدز البريطانية: «حتى بعد خمسة أيام على الهجوم المفترض هناك فرص جيدة للعثور على السارين ومشتقاته في التربة أو بقايا الذخائر المنفجرة والسوائل الجسدية على غرار الدم والبول.. لدى بعض الأفراد الذين تعرضوا لتسمم حاد يمكن العثور على آثار السارين حتى بعد ستة أسابيع من التعرض له.. في الطبيعة يصبح الهامش أكبر.
ففي تحقيق أجريته في كردستان العراق عثرنا بعد أربع سنوات على غاز الخردل وغاز سام للأعصاب ومشتقاتهما في التربة المأخوذة من موقع انفجار القذائف».
• رأي باتريس باندير، الطبيب العام، المفتش سابقا لدى الجهاز الصحي في الجيش الفرنسي، والخبير في الأسلحة الكيمياوية: «على المحققين التمكن من زيارة الأماكن التي يحددونها بأنفسهم ولقاء واستجواب جميع الأطراف (حكومة ومعارضة، أطباء وضحايا) وإجراء فحوص بأنفسهم أو أخذ عينات من القتلى».
• رأي رالف تراب، خبير مستقل سابق في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في لاهاي: «في حال تمكن المحققون من الوصول بسهولة إلى المنطقة وفعلوا ما يرغبون به، فأعتقد أن فرصهم مرتفعة في الحصول على إثباتات تجيز لنا أن نفهم بشكل أفضل ما حصل..
الخيار الأمثل أن يعثر محققو الأمم المتحدة في الحفر التي خلفتها الانفجارات شظايا من القذائف مما سيجيز لهم تحديد ما إذا كانت تحتوي عناصر كيمياوية وكذلك من أي ترسانة وردت».
• أوليفييه لوبيك، خبير الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، والباحث في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية: «إن كانت صواريخ أو قنابل من الطيران فإن مسؤولية الحكومة السورية ستكون الخيار الأوضح.. إن كانت قذائف هاون فينبغي تحديد مسارها ومعرفة من يسيطر على الموقع الذي انطلقت منه».
• تشارلز دولفر، كبير مفتشي الأسلحة السابق بالولايات المتحدة،: «اعتمادا على مراجعة أشرطة الهجمات وشهادات أطباء ميدانيين فإن كل هذه الأدلة تشير إلى نوع من العامل الكيميائي..
هذه ليست تأثيرات ذخائر تقليدية، لا يوجد جروح خارجية، وهناك بالمقابل كل أعراض التعرض لغاز الأعصاب».

التأخير: مسؤولية مَنْ؟
في 19/3/2013 سقط صاروخ في بلدة خان العسل في ريف حلب الغربي على موقع للجيش السوري النظامي. وأوقع 25 قتيلا من بينهم 16 جنديا. وأجمعت المعلومات والصور الواردة على أن سلاحا كيماويا تم استخدامه، وأن مصادر المقاتلين قالوا أن النظام أطلق صاروخا أخطأ هدفه.
فهل أخطأ الهدف حقا لاسيما وأن خان العسل كانت محاصرة من قبل الثوار؟
أم أن النظام أو جهة ما استهدفت بالصاروخ جنود النظام؟ ولماذا؟
الحقيقة أن الحادثة كانت ولمّا تزل مثيرة للغاية. لكن منذ ذلك الحين بدأت القوى الدولية والأمم المتحدة تنشط لجهة إرسال بعثة تحقيق دولية استغرق وصولها نحو خمسة أشهر.
وجرت مفاوضات قادتها روسيا، كالعادة، نيابة عن النظام. وكان هناك انقسام في الآراء وتشتت وإرباك ودفق إعلامي غزير!!!
ففي حين حاولت الدول الغربية إرسال بعثة تفتيش دولية للتحقيق في الأسلحة الكيماوية إلا أن سوريا رفضت هذا المسعى ومعها روسيا والصين.
واختزلت المفاوضات بين القوى الكبرى على التحقيق في منطقة خان العسل دون غيرها من مناطق عديدة تعرضت لهجمات كيماوية بمستوى مخفف كما يقول البعض من الخبراء أو المحللين أو حتى بعض الشهادات.
بل أن مهمة فريق التفتيش الحالي تقلصت إلى حد الإعلان عما إذا كانت هناك أسلحة كيماوية قد استعملت أم لا دون اتهام أي طرف.
ولأن الروس ركزوا فقط على خان العسل، وركزوا تحقيقاتهم فيها، فما كان منهم ولا من النظام السوري أن يقبل بأية لجنة تفتيش دولية أو توسيع لمهمة البعثة الدولية. وبدا الروس مطمئنين بما زعموا أنها أدلة تؤكد بأن المسلحين هم الذين أطلقوا الصاروخ.
وفي حين استبق الروس البعثة فيما أجروه من تحقيقات ظلت البعثة الدولية في بطالة تامة من أي عمل طوال خمسة أشهر وحتى بعد خمسة أيام من مذبحة الغوطة.
فإذا كان الروس واثقين مما لديهم من أدلة فلماذا أعاقوا التحقيق طوال خمسة أشهر؟
وهل الروس هم من أعاق التحقيق في مذبحة الغوطة طوال خمسة أيام كما تقول المستشارة الألمانية؟
منذ اللحظة الأولى لدعوة الأمم المتحدة الطلب من فريقها التوجه إلى الغوطة ظل الحديث الأكثر حضورا في وسائل الإعلام عن ضمان أمن البعثة.
ومنذ اللحظة الأولى قدمت المعارضة ضمانات لتأمين عمل البعثة في المناطق التي تسيطر عليها. ومع ذلك ظلت مسألة أمن البعثة تمثل هاجسا غير مبرر حتى مع توجه ممثلة الأمم المتحدة السامية، أنجيلا كين، إلى سوريا.

وفي السياق، قال مساعد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إدواردو دي بوي، في 24/8/2013، أن بان كيمون حث كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة « التي لها مصالح ونفوذ» في هذه القضية على « بذل أقصى الجهود من أجل إقامة جو آمن يتيح للبعثة بدء عملها».
في تقرير ترجمته صحيفة « زمان الوصل – 24/8/2013 » السورية المعارضة عن مجلة «فورن بوليسي» اتهمت فيه المجلة الأمم المتحدة بالمسؤولية عن إعاقة التحقيق في مذبحة الغوطة.
وقالت المجلة: «بينما يقول قادة العالم إن على المفتشين مباشرة التحقيق، وإن على نظام بشار التعاون معهم، فإن الأمم المتحدة نفسها لم تعطهم إذناً بذلك بعد».
أما كيفين كينيدي، الذي يرأس إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن، فقال: «إنه لم يعط فريق التفتيش الضوء الأخضر لزيارة موقع الهجوم، وأن مكتبه لا يزال يجري تقييما أمنيا لمعرفة ما إذا كان هناك مناخ آمن بما يكفي لتنفيذ تلك الزيارة»!!
وأوضح أن: « تحرك المفتشين داخل سوريا ليس بتلك البساطة، فهناك مناطق لا يمكن زيارتها حتى مع مرور أشهر لأنها ليست آمنة»..
وأكد على: «أهمية التقييم الأمني في إعطاء الضوء الأخضر للمفتشين حتى يباشروا تحقيقاتهم»!
رابعا: اتهامات سياسية من المفترض أن السؤال عن الفاعل في الهجمات الكيماوية يتجه نحو النظام الذي يمتلك هذه الأسلحة.
لكن بما أن الثورة السورية شأن دولي بالغ الخطورة على استمرار تماسك النظام الدولي بصيغته الحالية فمن العبث حصر ما يجري في سوريا بقوى الثورة أو قوات النظام.
فإذا كانت الثورة فوق الشبهات فإن كل ما عداها هو موضع شبهة قطعا بما في ذلك القوى الداعمة للنظام أو الثورة.
1) «الجيش الحر» ابتداء من 9/3/2013 أخذت الأنباء تتواتر عن قصف النظام بالأسلحة الكيماوية لبلدة خان العسل في مدينة حلب ومناطق أخرى في حمص ودمشق وإدلب، وبرز اهتمام دولي وإعلامي وحقوقي بضرورة إرسال فريق تحقيق دولي.
إلا أن النظام وحلفاءه من الروس والإيرانيين ظلوا متمسكين بتحميل القوى الثورية مسؤولية استخدام الأسلحة الكيماوية.
لكنه اتهام أقران فضلا عن سفاهته الممجوجة. وليس له حظ من الصمود لاسيما وأن الأسلحة الكيماوية ليست بمتناول أية قوة شعبية أو حتى نظامية. ولم يسبق للنظام أو لأية قوة دولية أو هيأة أممية أو مؤسسة متخصصة أن أخبرت أو تلقت معلومات عن فقدان أي نوع أو قدر من الأسلحة الكيماوية بحيث يمكن اتهام أطراف أخرى بنوع من الاطمئنان!!!
هذا فضلا عن أن هذه الأسلحة كما أقرت القوى الدولية، بما فيها روسيا و «إسرائيل»، تقع «تحت السيطرة» التامة للنظام وفي «الأيدي الأمينة».
مع ذلك، وفي غمرة التفاوض بين الأمم المتحدة والنظام على مهمة الفريق الدولي المزمع إرساله إلى سوريا للتحقق مما إذا كانت الأسلحة الكيماوية قد استعملت أم لا، إلا أن الكثيرين فوجؤوا بتصريحات أدلت بها عضو اللجنة الدولية للتحقيق، كارلا ديل بونتي، في 6/5/2013، تتهم فيها المعارضة باستخدام غاز السارين.
وجاء في التصريح: « إن المحققين زاروا الدول المجاورة وأجروا مقابلات مع الضحايا والأطباء والمستشفيات الميدانية، ثم قدموا تقريرا الأسبوع الماضي، وهو يتضمن شكوكا قوية وملموسة ولكنها لم تصبح بعد دليلا مؤكدا على استخدام غاز السارين»، مضيفة أن: « هذا استخدمه مقاتلو المعارضة وليس السلطات الحكومية»!!! هذا الاتهام، الأول من نوعه للمعارضة، صدر في الوقت الذي كان فيه فريق التحقيق الدولي ينتظر الإذن من النظام السوري بالدخول، وفي الوقت الذي لم يجر فيه أي تحقيق يذكر، وفي الوقت الذي لم يتعد فيه مضمون التصريح شهادات من خارج مناطق الهجمات، وفي الوقت الذي لم تقدم فيه المسؤولة الدولية أي مؤشر أو دليل إدانة، ولم تكشف فيه عن هوية المسلحين الذين استعملوا غاز السارين.
فإذا كانت لجنة التحقيق قد تشكلت لمهمة محددة:

«التحقق من استعمال السلاح الكيماوي فقط دون إلقاء اللوم على أحد»، فبأي منطق مهني اتهمت المسؤولة الدولية المعارضة ولم تتهم النظام الذي يمتلك الأسلحة والمستهدف أصلا بلجنة التحقيق؟
في حين تجاهلت القوى الدولية بصورة ملحوظة تصريحات ديل بونتي جاء الرد من المعارضة سريعا وغاضبا.
فقد علق رئيس الهيئة العسكرية المشتركة لـ « الجيش السوري الحر»، اللواء سليم إدريس، على التصريحات بقوله: «إنه ظلم للثوار واستفزاز لمشاعر الشعب السوري». وفي اتصال هاتفي له مع قناة « الجزيرة» قال نائب القائد العام لـ «الجيش السوري الحر»، العقيد مالك الكردي: «إن امتلاك الأسلحة الكيمياوية في سوريا محصور بالنظام»
وأن قواته: «لا تمتلك الوسائط الصالحة لاستخدام السلاح الكيمياوي، حتى لو وصلنا إلى السلاح الكيمياوي ذاته».
وأشار للمرة الأولى إلى تحقيق أجراه الجيش فيما يتعلق بقصف خان العسل: «لكننا لم نتوصل إلى معرفة أي جهة تستخدمه، لأن الاستخدام تم في أراضي يسيطر عليها النظام».
« جبهة النصرة» في 30/5/2013 نقلت وكالة «رويترز» عن وسائل إعلام محلية قولها: «إن السلطات التركية ألقت القبض على مجموعة من مقاتلي جبهة النصرة وبحوزتهم كمية من غاز السارين.
وإنهم كانوا يخططون لشن هجوم في تركيا».
ونقلا عن عدة صحف أوضحت الوكالة الدولية: «إن أعضاء المجموعة وعددهم 12 فردا اعتقلوا في مدينة أضنة الجنوبية على بعد نحو مئة كيلومتر من سوريا خلال غارات على منازلهم حيث عثرت الشرطة على كيلوجرامين من غاز السارين وأسلحة ثقيلة، وأن المحكمة العليا في أضنة أمرت بالقبض على الرجال الذين يشتبه في تخطيطهم للقيام بهجوم كبير في المدينة لكن لم يتضح بعد التهم الموجهة إليهم».
وفي حين أشارت «رويترز» إلى أن: «الصحف التركية لم تكشف عن مصادرها»، قالت شرطة أضنة من جهتها: «أنها لم تسمع بالتقارير الصحفية كما لم يتسن الوصول لمكتب حاكم الإقليم للتعليق».
وفي 31/5/2013 أشارت صحيفة « وطن» التركية أن الاعتقالات تأتي في إطار « تحقيقات الشرطة المتعلقة بتفجيرات الريحانية (11/5/2013) », وأن 5 من الموقوفين قد أطلق سراحهم بينما يبقى 7 آخرين قيد الاعتقال، ومن المنتظر أن توجه لهم اتهامات.
وأوضحت الصحيفة: « أن الشرطة عثرت على قنبلة قوية جدا تحتوي على السارين بحوزة المشتبه بهم، يبدو أنها جاءت من ليبيا. وأن السلطات تجري تحقيقا في الطرق المحتملة لنقل الغاز السام إلى تركيا». وما أن سمعت روسيا بالخبر حتى جندت له خارجيتها ووسائل إعلامها.

ففي أول رد فعل رسمي، في 30/5/2013 نشر على موقع « روسيا اليوم»، شدد الناطق باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش: «على أهمية إجراء تحقيق ضروري والكشف عن جميع تفاصيل الحادث من أجل عدم السماح للإرهابيين باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين وبالتحريض على التدخل الأجنبي في سورية».
وفي اليوم التالي علق وزير الخارجية، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية البوسنة والهرسك، زلاتكو لاغومجيا، في موسكو بالقول: «ننتظر أن يقدم زملاؤنا الأتراك المعلومات حول النتائج التي خرجوا بها كاملة وبسرعة..
العملية خطيرة جدا، ويجب ألا يتلاعب بها من يتحدث عن مشكلة السلاح الكيميائي باستمرار». وفيما بدا تحفظا مبدئيا منه عن الظهور أمام وسائل الإعلام بانتظار توفر المعلومات إلا أن والي محافظة أضنة، حسين عوني جوش، أكد صحة أنباء الاعتقال من دون الإشارة إلى جنسياتهم. وفي نفس الوقت نفى ما ورد في بعض وسائل الإعلام التركية عن العثور على 2 كيلوغرام من غاز السارين مع مجموعة أشخاص يشتبه في انتمائهم لتنظيم « القاعدة» و«جبهة النصرة».
أما السفير التركي في روسيا، إيدين سيزغين، فقد أكد في 5/7/2013، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الروسية – موسكو أن: «المادة التي عثر عليها بحوزة مقاتلين سوريين في الأراضي التركية ليست سلاحا كيميائيا».
وأوضح في المؤتمر: « أن المادة المصادرة كانت مانع تجمد، وأبلغنا الجانب الروسي بذلك». بعد هذه التصريحات التركية ابتلعت روسيا لعابها.
أما القوى الدولية الغربية فالتزمت الصمت لاسيما وأنها تعلم أن ما بدا صيدا ثمينا يمكن الانتفاع به إلى أقصى الحدود لم يكن إلا أوهام صحافة مضادة وربما تسريبات مغرضة من خصوم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان.
خامسا: هوية الفاعل كانت سوريا ولمّا تزل واحدة من بين ست أو سبع دول لم توقع على معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية (1993)، بالإضافة إلى روسيا وأميركا وكوريا الشمالية وإيران و« إسرائيل».
ولو كانت سوريا لا تملك الأسلحة الكيماوية لما اضطرت إلى خوض مناورات قاسية للإفلات من التوقيع على المعاهدة الدولية.
ومن حيث المبدأ، فإن أي استعمال محتمل للأسلحة لا بد وأن يكون من النظام الحاكم أو من أية دولة تمتلكها سواء وقعت على المعاهدة أو لم توقع عليها. وتبعا لذلك فإنْ كانت القوى الثورية هي التي استعملتها فلا بد وأن:
دولة ما زودتها بالمواد الأساسية، بخبرات وتقنيات التصنيع اللازمة، في وقت ما، وبطريقة مباشرة أو عبر قناة معينة، وأن النظام وحلفاءه تحققوا يقينا من أن الثوار استعملوا الأسلحة الكيماوية.
وبما أن النظام وحلفاءه فشلوا في الإجابة على مثل هذه الأسئلة فلن يبقى إلا القطع بأن القوى الثورية صارت حُكْما خارج المساءلة.
وعليه لا بد وأن يتجه التحليل نحو خيارين آخرين:
• إما أن يكون النظام هو الذي استعمل السلاح الكيماوي في مذبحة الغوطة.
• وإما أن يكون ثمة طرف آخر هو من استعملها.
في التحقيقات الجنائية، حيث الغاية هي الوصول إلى الحقيقة، فإن القاعدة الذهبية تقول أن: «المتهم برئ حتى تثبت إدانته»، وأن «لكل جريمة سبب» و «جاني» أو«مجرم».
وهذا يفرض علينا التعامل مع المعطيات المتوفرة بأقصى درجات الموضوعية بغض النظر عن أية مواقف أيديولوجية أو سياسية أو خصومات على أي مستوى.
من الثابت أن النظام الطائفي الحاكم في سوريا قتل أكثر من 125 ألفا من السكان، ودمر البنية التحتية للبلاد، واختطف أو اعتقل مئات الآلاف، واغتصب الحرائر من النساء، وهدم أكثر من 1700 مسجد، ودمر التراث الإسلامي، وأباد آلاف العائلات، وفكك المجتمع السوري، وأعلنها حربا طائفية وحشية استعمل فيها كل أسلحة الدمار الشامل... وغدت أية مصالحة مع النظام من دروب المستحيل حتى لو قبلت فيها كل القوى السياسية.
وبناء على ما سبق من معطيات تؤكد امتلاك النظام للأسلحة الكيماوية فمن المفترض أن تتجه أصابع الاتهام في المسؤولية ضد النظام.
لكن هل النظام فعلا هو من نفذ هذه الهجمة على وجه التحديد!!!؟
الانطباعات الأولى، في الإجابة على السؤال، تذهب إلى الاتجاه المعاكس. إذ ليس من العقل أن يقوم نظام بمثل حالة النظام السوري بعمل من هذا النوع وهو أشبه بالغريق!!!
وهنا لا بد من الانتباه إلى أن النظام الحاكم في سوريا ليس هو بشار الأسد ولا عائلته بل الطائفة التي لا تزال تتمتع بالامتياز الدولي لـ « المركز» بشقيه الشرقي والغربي.
وبالتالي فإن أية حماقة ستضع الطائفة برمتها في مأزق دولي يصعب الدفاع عنه أوإعادة إدماجه في حل سياسي قادم.
كما أن توريط الطائفة بمثل هذه الحماقة عمل لا يمكن أن يغفره المجتمع السوري على مر السنين.
بل هي حماقة من العيار الثقيل أن يرتكب النظام جريمة مروعة بهذا الحجم في حين أن فريق التحقيق الدولي على مرمى البصر من ساحة الجريمة.
وفي السياق يصعب القول أن النظام ارتكب الجريمة لكنه من المستحيل أن يعترف بها أو يجرؤ على المجاهرة أو التلميح بها.
والأهم من هذا وذاك: ما الذي يمكن أن يجنيه النظام عسكريا أو سياسيا أو أمنيا من مذبحة مدنية بهذا الحجم والتداعيات!!!؟
مع ذلك فإن كل الاحتمالات واردة. إذن لا بد من الحقيقة يقينا بلا أية ملابسات أو شكوك أو هواجس، وإلا ستبقى أرواح الناس أهدافا رخيصة يجري إزهاقها في كل حين إنْ لم يتم التوصل إلى معرفة هوية الفاعل الذي يمكن أن يكرر فعلته في كل حي.

 

الإسلاميون

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع