..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

حقوق الانسان العربية بين الأمل المنشود والواقع الموجود

إسماعيل خلف الله

١٢ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6288

حقوق الانسان العربية بين الأمل المنشود والواقع الموجود
خلف الله 1.jpg

شـــــارك المادة

لا شك أن الثورة السورية قد حقّقت الى حد الآن هدفين أساسيين:

أولهما: أنّها كشفت القناع عن المشروع الإيراني الصفوي في المنطقة العربية الذي يهدف إلى التّوسع وبسط هيمنة النظام الإيراني أو ما يعرف في السّابق بمشروع تصدير الثورة الإيرانية وهذا من خلال أذرعه وأتباعه ومليشياته المنتشرة داخل الجسم العربي، كالتّنظيم الذي يسمي نفسه بحزب الله، وما يقوم به من تقتيل بأبشع الصور للسوريين.

ثانيهما: أنّها نزعت السّتار الذي تختبئ وراءه التّرسانة الهائلة من منظمات حقوق الانسان في الوطن العربي، والتي تدّعي أنّها تدافع على كرامة وحرية الإنسان وفي واقع الأمر ماهي إلّا ألوان سياسية تُطبّق وتُنفّذ أجندات سياسية سواء للقوى الغربية الكبرى داخل المنطقة العربية، فهي توجهها كيفما شاءت وحيثما أرادت، أو لمختلف الأنظمة العربية على مختلف المذاهب والمشارب، لتضع الصبغة التّجميلية على صُور واقع حقوق الإنسان داخل هذه الدول وعلى أنّها محفوظة ومكفولة وتتمتّع بالحماية المطلوبة، ولكل من خالفها في هذا الطرح أُتُهم بالعمالة للقوى الخارجية، وعلى أنّ هناك أيادي خارجية تحركه وتدفعه لإحداث الفوضى داخل تلك الدول.

فعلى الأقل استطاعت الثورة السورية إلى حد الآن أن تحقق هذين الهدفين الذين ظلّا إلى حد بعيد وعلى مدار سنين طويلة أكذوبة تتغنّى بها الجهات التي ذكرناها سابقا.

وإذا أردنا الحديث عن واقع منظمات حقوق الإنسان في الوطن العربي يكون لزاما علينا في بادئ الأمر أن نعطي تعريفا ولو بسيطا لهذه الحقوق الانسانية لتكون لنا أرضية ومعيار نستطيع من خلاله قياس مدى توفر هذه الحقوق داخل الدول العربية.

فماهي حقوق الانسان إذن؟

تعريف حقوق الانسان:

حقوق الإنسان هي تلك الحقوق المتأصلة في جميع البشر مهما كان نوعهم وجنسهم ودينهم وأصلهم وعرقهم ولغتهم ومكان تواجدهم وإقامتهم.

فكل البشر لهم جميع الحقوق في الحصول على هذه الحقوق الإنسانية على قدم المساواة وبدون تمييز.

فحقوق الإنسان هي تلك المعايير الأساسية التي لا يمكن لأي بشر كان أن يعيش بدونها، كالحياة الكريمة والكرامة الإنسانية وحرية الرأي والتعبير والأمن وحرية التّدين وضمان العدالة الإجتماعية والقضائية والسياسية والإقتصادية.

فهذه الحقوق لا يمكن أن تُشترى ولا أن تُكتسب ولا أن تُورّث، فهي ملك متأصّل في العنصر البشري، وهي واحدة لكل البشر لا يمكن انتزاعها، وهي عالمية ثابتة وغير قابلة للتصرّف ولا للتّجزُؤ، وهي متساوية وغير تمييزية.

فإذا قلنا أنّها عالمية، وهذا انطلاقا مما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وما ورد في جميع الإتفاقيات والمعاهدات والإعلانات والقرارات الدولية المختلفة لحقوق الإنسان ومن هنا كان لزاما على جميع الدول والحكومات أن تحمي وتُعزّز هذه الحقوق والحريات الأساسية مهما كان نوع أنظمتها السياسية والإقتصادية والثقافية.

وإذا قلنا أنّها غير قابلة للتصرّف، ذلك أنّه لا يمكن سحبها أو تقييدها إلا في حالات تحددها القوانين التي تمنح للجهات القضائية سلطة إصدار أحكام تُقيّد أو حتى تسحب هذه الحقوق والحريات لشخص ثبت أنّه اقترف جُرما مُعيّنا، وهذا طبقا لإجراءات وشروط واضحة تلتزم بها هذه الجهات عند إصدارها تلك الأحكام والأوامر والقرارات.

وإذا قلنا أنّها غير قابلة للتجزئة، مدنية كانت أو سياسية، فذلك يعني أن كل تلك الحقوق منسجمة مع بعضها البعض ومتلاصقة، فالحق في الحياة الكريمة والحق في الصحة والتعليم، والحق في العمل والضمان الاجتماعي، والمساواة أمام القانون وحرية الرأي والتعبير وفي تقرير المصير، والحق في تكوين الجمعيات ضمن الأطر التي تنص عليها القوانين، والحق في التنمية البشرية وغيرها من الحقوق، فهي في الجملة نجدها مترابطة ومتآزرة، فإذا أُنتزع  منها حق اختلت كل المنظومة الحقوقية، واعتل بناؤها.

وإذا قلنا أنّها تدعو للمساواة وتنبذ التّمييز، ذلك لأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون هناك تمييزا عنصريا مهما كان نوعه وشكله، جنسا أو عرقا أو لونا أو ما إلى ذلك.

فمبدأ المساواة مرتبط ارتباطا وثيقا بمبدأ عدم التّمييز، وهذا ما نصّ عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وبالخصوص المادتين الأولى والثانية منه.

وبما أن حديثنا يدور حول واقع منظمات حقوق الإنسان داخل الوطن العربي، لأنها من المفروض هي الحارس الأمين الذي يسهر على حماية الحمى والحدود التي ترسم كل تلك الحقوق التي تكلّمنا عنها، أو على الأقل تُطلق صفارات الإنذار وترفع الإشارات الحمراء عندما يُنتهك البناء الحقوقي في أي زاوية من زواياه، لأنّها التارمومتر الطبيعي الذي به يُقاس ويُحدّد مستوى التزام الدول والحكومات بضمان حقوق الإنسان.

ولكن قبل التّطرق لواقع هذه المنظمات فإن الضرورة المنهجية تدعونا إلى إجراء إطلالة ولو بشكل سريع لنعرف ماهي هذه المنظمات الحقوقية العربية التي تنشط داخل الوطن العربي.

المنظمات الحقوقية في الوطن العربي:

المنظمات الحقوقية في الوطن العربي هي تلك الهيئات التّطوعية والجمعيات الحقوقية المسجّلة وغير المسجلة داخل الوطن العربي، التي تنشط في كل المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان، فكل حدث حقوقي في أي دولة عربية يكون ديدنها وموضع عنايتها سواء كانت مسجلة داخل الوطن العربي أو خارجه.

واللّافت للإنتباه أن عدد هذه المنظمات الحقوقية داخل المنطقة العربية لا يمكن حصرها، إذ يفوق 16000 منظمة مسجّلة، بينما نجد المنظمات النّاشطة في الميدان ولها برامج ونشاطات واضحة وظاهرة فعليا على أرض الواقع أن عددها لا يتجاوز 2500 منظمة.

ولكي نقوم بعملية إسقاط على أرض الواقع فيما يتعلق بالنشاط الحقوقي لهذه المنظمات ومدى تفاعلها مع القضايا الراهنة التي تمسّ حقوق الإنسان بصورة مباشرة، نأخذ حالة الإنتهاكات الحاصلة إلى حد كتابة هذه الأسطر في سورية.

ولتكن عيّنتُنا هي تلك الدراسة التي قامت بها اللّجنة السورية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2013 حول مواقف المنظمات الحقوقية العربية تجاه أزمة حقوق الإنسان في سورية، وهذا ماسيتّمُ التّعرض له في العنصر الموالي.

مواقف المنظمات الحقوقية العربية من الانتهاكات الحاصلة في سورية:

الدّراسة التي قامت بها اللّجنة السورية لحقوق الإنسان تمحورت حول دراسة المواقف المختلفة  لما يُقارب ثلاثمائة منظمة  من ثلاثة عشر دولة عربية مُسجّلة في الدّاخل، وإلى عدد من المنظمات العربية المسجّلة خارج المنطقة العربية، حيث اشتملت الدّراسة على المنظمات المحلية دون المنظمات الدّولية.

غير أنه وللأسف وكما أشرنا في البداية بأن الثورة السورية قد عرّت وكشفت كل مُستتر، وأظهرت الوجه الحقيقي غير ذلك المصطنع الذي تحمله غالبية المنظمات الحقوقية في العالم العربي، وهذا من خلال المواقف المحتشمة التي أبدتها  تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.

فأزمة انتهاكات حقوق الإنسان  التي تتخبّط فيها سورية الآن وعلى مدار ساعات اللّيل والنّهار، أظهرت بشكل واضح وجلّي الأزمة التي تعيشها الكثير من المنظمات الحقوقية في الوطن العربي.

فإذا كان العدد الضّئيل والمحدود من تلك المنظمات الذي أبدى موقفا واضحا تجاه انتهاكات حقوق الإنسان بالشكل الفظيع الذي فاق تصور العقل الإنساني والجارية الآن في سورية، فإن الغالبية العظمى منها امتنعت عن إبداء أي موقف محدد وصريح تجاه هذه الأزمة.

وقد انحصرت مواقف المنظمات الحقوقية العربية تجاه الإنتهاكات الحاصلة في سورية في ثلاث نقاط:

1- تسجيل مواقف واضحة:

لقد وردت بيانات إدانة الإنتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في سورية لعدة منظمات حقوقية عربية، والتي طالبت من خلالها المجتمع الدولي للتحرك لإيقاف تلك الجرائم وتفعيل أدوات وآليات القانون الدولي الإنساني وبإحالة كل المتسببين في هذه الإنتهاكات على المحكمة الجنائية الدولية، والمثال على ذلك البيان المشترك الذي أمضته 62 منظمة حقوقية عربية طالبت من خلاله مجلس الأمن بإصدار قرار بصورة إستعجالية لإيجاد الآليات والوسائل لحماية المدنيين وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا وبضرورة إحالة ملف سوريا على المحكمة الجنائية الدولية لضخامة وجسامة الإنتهاكات الحاصلة في حق القانون الدولي الإنساني من طرف القوات الحكومية السورية، وبهذا يكون لهذه المنظمات الحقوقية العربية الموقف الواضح والمشرّف على الأقل من الجانب الأدبي والأخلاقي.

2- اتخاذ مواقف غير واضحة أو تحمل نوعا من النفاق:

هناك عدد كبير من المنظمات الحقوقية العربية ممن شملتهم الدّراسة من استعملت في بياناتها لغة المبني للمجهول لتجنُّب ذكر المتسبب والذي يقوم باقتراف الجرائم الدولية والجرائم ضد الإنسانية واستخدامها عبارة إدانة العنف في سورية بصورة عامة دون ذكر الفاعل أو الإشارة إليه والدّليل على ذلك قضية استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في الغوطة والذي راح ضحيتها الكثير من المدنيين ومنهم العدد الكبير من الأطفال، والتي جرت في أوت 2013 وكانت الحدث العالمي الرئيسي آنذاك.

فكل بيانات هذه الفئة من المنظمات كانت تحمل حيثيات فضفاضة لا تشير صراحة إلى المذنب الحقيقي وتمتنع عن اتخاذ مواقف واضحة تجاه الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة السورية، بينما نجد هذه المنظمات نفسها تُشهر وتُظهر مواقفا واضحة تجاه الانتهاكات التي يُحتمل أن المعارضة هي المتسببة فيها.

كما نجد لها مواقف واضحة من تلك الإجراءات التي يُمكن أن تستهدف النظام السوري، وعلى سبيل المثال البيان المشترك الذي أصدرته 55 منظمة حقوقية والتي أدانت من خلاله خطف المطران بولس اليازجي والمطران حنا ابراهيم واستنكرت وأدانت فيه بشدّة بالغة، وقد أطلقت على عملية الخطف هذه بالمحاولة الآثمة.

والمثال الثاني هو البيان الذي صدر عن 314 منظمة حقوقية والذي يطالب الكونغرس الأمريكي والبرلمان الفرنسي بعدم إقرار العدوان على سوريا، وكانت قد ثمّنت موقف مجلس العموم البريطاني.

ومن هنا فإن هذه المنظمات بيّنت تحيُّزها العلني للنظام السوري، وأظهرت نفاقا واضحا في التعامل مع الأحداث الحاصلة في المشهد السوري، فإذا كان الإحتمال الوارد أن الفاعل هو النظام السوري نجد هذه المنظمات تلتزم لغة المبني للمجهول وتتجنب الاشارة المباشرة للفاعل، بينما إذا كان الاحتمال الوارد أن فصائل المعارضة هي من تقف وراء ذلك الانتهاك نجدها تُصدر البيانات الحادّة مُوجهة أصابع الإتهام مباشرة إلى الفاعل من الفصائل المعارضة.

3- التزام الصمت والامتناع عن تسجيل أي موقف:

هناك نسبة كبيرة من المنظمات الحقوقية العربية التي إلتزمت الصّمت ولم تبدي بدلوها ولم تعطي رأيها فيما يحصل في سورية من انتهاكات لحقوق الإنسان المتعددة الأشكال والأنواع و الواضحة وضوح الشّمس في ربيعة النّهار، وكأنّ هذه المنظمات تعيش في كوكب آخر أو هي غير معنية بهذه الأحداث ولا يهُمها ما يحصل من انتهاكات لا من قريب ولا من بعيد، فكانت صمّاء وبكماء وعمياء.

وعليه يمكننا استنتاج النقاط التالية:

الواضح أن الأغلبية الساحقة من المنظمات الحقوقية العربية قد تخلّت عن التزاماتها المهنية والأخلاقية تُجاه الأحداث السورية وما يحصل من إنتهاكات واضحة لحقوق الإنسان وللعدد الهائل للمدنيين والضحايا من الأطفال والنساء الذين مسّتهم هذه الانتهاكات مباشرة، والتي تسبّبت فيها بصورة مباشرة القوات المسلحة النظامية السورية والأدلة كثيرة ومتعددة، وما براميل الموت التي يرمونها يوميا على الأحياء السكنية مخلّفة دمارا رهيبا مسّ الحجر والشجر والبشر، إلا دليلا قاطعا على الإبادة الممنهجة للشعب السوري من طرف القوات النّظامية السورية.

فمعظم هذه المنظمات تجاهلت هذه الانتهاكات التي يقوم بها النظام السوري، بينما أظهرت مواقف واضحة فيما يتعلق بانتهاكات يُحتمل أن الفصائل المعارضة هي التي اقترفتها.

عندما حاول المجتمع الدولي التّحرك ضد النظام السوري قام عدد كبير من المنظمات الحقوقية العربية بإصدار بيان مشترك، والذي يعتبر البيان الأكثر توقيعاً من البيانات المتعلقة بالشأن السوري، بالمقابل هذه المنظمات نفسها لم تُصدر أيُ بيان يُدين التّدخل الرُّوسي والتّدخل الإيراني في سورية، والمشاركة العلنية لفصائل حزب الله والميليشيات العراقية في تقتيل السوريين داخل التراب السوري، فرغم بشاعة الأعمال الإجرامية التي تقوم بها هذه القوات المسلحة الأجنبية على الأراضي السورية ضد المدنيين السوريين لم نجد لهذه المنظمات ولو توثيقاً واحداً تُظهر فيه الانتهاكات الحاصلة من طرف هذه الفصائل وأعمال الإبادة الممنهجة ضد الشعب السوري الأعزل.
عمليات الرّصد والتوثيق تقوم بها لحد الآن منظمات سورية باستثناء تلك التي تقوم بها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وأطباء بلا حدود.

الخلاصة:

من خلال هذه الإطلالة السريعة حول واقع منظمات حقوق الانسان في الوطن العربي، تبيّن لنا أنّ الكثير من هذه المنظمات ليست لديها مواقف تجاه ما يحصل من انتهاكات صريحة وواضحة لحقوق الإنسان وحتى إن وُجدت فهي مواقف غير واضحة ويشوبُها الكثير من الغموض، وما أزمة حقوق الانسان في سوريا على وجه الخصوص إلا خير دليل على حُكمنا هذا.

وعليه فإنه يكون من الضروري أن تضع هذه المنظمات الحقوقية لنفسها وقفة مع الضمير الإنساني  وتراجع الأهداف الحقيقية التي من المفروض أنّها تسعى لتحقيقها والتي من أجلها أوجدت نفسها.

فهذه القائمة الطويلة من المنظمات الحقوقية تحتاج إلى مراجعة وإلى عملية فرز حقيقية من خلالها تتم غربلة النُّشطاء الحقيقيين المؤمنين بفكرة الإلتزام الفعلي بما نصّت عليه أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من أولئك الذين اتخذوا من النشاط الحقوقي سجّلا تجاريا أو ستارا لنشاطاتهم السياسية ولم تكن لهم القدرة على التّجرّد والتّخلّي وترك إيديولوجياتهم وقناعاتهم السياسية خارج العمل الحقوقي.

 

 

مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع