..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

خلاصات ونتائج ملف "تنظيم "الدولة الإسلامية": النشأة، التأثير، المستقبل"

مركز الجزيرة للدراسات

٢٦ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3744

 خلاصات ونتائج ملف
ونتائج ملف تنظيم الدولة الإسلامية النشأة، التأثير، المستقبل 00.jpg

شـــــارك المادة

خلاصات ونتائج:

لم ينل تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي بات يسيطر على المشهد السياسي والعسكري في سوريا والعراق، ويحمل تهديدًا واضحًا لدول أخرى، إلى اليوم مقاربة بحثية شاملة ومركبة، يمكنها أن تقرأ بشكل جيد أسباب الظهور، ومستقبل هذه الظاهرة. ومن المؤكد أن تناولاً سريعًا لهذه الظاهرة، في ورقة أو ورقتين، لن يكون كافيًا لتفحُّص، ومراجعة المعلومات المتوفرة بشأنه، فضلاً عن تقديم تفسير عميق للظاهرة.

هدف هذا الملف الذي جاء بمشاركة باحثين، من ذوي السمعة والاختصاص، إلى:

  •     معرفة خلفيات وأسباب صعود هذه الظاهرة.
  •     معرفة التأثيرات التي تركتها الظاهرة على صعيد المجتمعات، والدول والعلاقات الدولية.
  •     تقديم قراءة معمقة تمحِّص الصحيح والسقيم بشأن التنظيم.
  •     محاولة بناء رؤية استراتيجية لمواجهة الفكر الذي يغذِّي هذه الظاهرة.
  •     تقديم نظرة استشرافية لمستقبل هذا التنظيم.
  •     توفير معلومات ذات مصداقية عالية، وتحليلات معمقة عن تنظيم "الدولة الإسلامية".

ومن خلال مجمل الدراسات التي يتضمنها الملف يمكننا تسجيل الخلاصات والنتائج التالية:

    خضع تنظيم "الدولة الإسلامية" لمقاربات مختلفة سعت إلى تفسيره، ويمكن حَصْرها في أربع:

  • السياق: والسياق هنا يشتمل على أبعاد متعددة، فمن الناحية الاجتماعية ثمة الانفجار الديمغرافي والبطالة ومستوى التعليم وغيرها، ومن الناحية السياسية هناك الاستبداد السياسي، وفشل الدولة الوطنية في التنمية والمواطنة وإدارة العلاقة بين الهويات المختلفة، ومن الناحية التاريخية هناك المجازر والحروب الأهلية.
  • لكن المقاربة السياقية تقصِّر في شرح العملية المعقدة التي تتولد فيها الظاهرة.
  • المقاربة الثانية تحيل إلى النصوص الدينية أو الفقهية حتى لَيغدو النص -بذاته- مولِّدًا للظاهرة، ولكنها لا تفسر لنا لماذا هي ظاهرة حديثة رغم أن النصوص قديمة، ولماذا لم تُنتِج النصوص مثل هذه الظواهر من قبلُ.
  • أما المقاربة الثالثة فهي المقاربة الاجتماعية والنفسية، والتي تركز على الفاعلين وتكوينهم الاجتماعي وبيئاتهم وتجاربهم وبنائهم النفسي، ولكن هذه المقاربة تكاد تُخفق في شرح تعقيدات الفعل والانفعال، بمعنى: هل هؤلاء الأشخاص هم نتاج البيئة أم مؤثرون فيها ومسهمون في صياغتها وصناعة ظروفها، أو هما معًا؟
  • أما المقاربة الرابعة فتحاول أن تخرج خارج المألوف عبر القول: إن "داعش" طَفْرة في تاريخ جماعات الجهاد العالمي، ومن ثم فالقوالب التفسيرية وأدواتها المألوفة تعجز عن استيعابها.
  • مشكلةُ هذه النظرة -رغم أنها لا تقدم مقاربة حقيقية- هي إيمانها بتفرد الظاهرة تَفَردًا لا يجد تفسيره إلا في مبلغ وحشيتها وفي تركيبتها التي تبدو مُلغَّزة ومُفاجئة.

يقترح هذا الملف مقاربة تفسيرية تقوم على أمرين، هما:

تجاوز فكرة "تَفَرُّد" التنظيم التي تعزله عن حركة الجهاد العالمي، والتحرر من قَيد كونه "تهمةً" يتم إلصاقها بفكر أو جهة، وهذا يتجسد في تحليل البِنية الفكرية للتنظيم (جذورها وتطوراتها وأصولها وفروعها) من جهة، وفي تحليل الواقع المعقد الذي ظهرت فيه تلك الأفكار من جهة أخرى. ويُجري الباحث هذه المقاربة بالعودة إلى النصوص الأصلية لفقهاء الجهاد العالمي، ورصد سير وتطور الأحداث على وقع العلاقات التنظيمية، مع الأخذ بعين الاعتبار السياق الدولي من جهة وسياق المشاريع الإسلامية الحركية الأخرى من جهة أخرى.
    إن فكرة "الغلو والانحراف" في نهج (داعش) تدفع إلى القول: إننا أمام تطور داخل العالم المفاهيمي للجهاد العالمي وانفلات من القيود المفروضة من القيادة المركزية؛ تجاوبًا مع ما تفرضه التطورات على الأرض، والاختلاف حول الوسائل الأجدى لتحقيق المشروع، بالإضافة إلى الصراع على الإمارة نفسها التي هي مركزية في المشاريع الحركية التنظيمية عامة.
    لا يمكن لمسلسل الخروج عن "نظام الفقه الإسلامي" الذي بدأه فقهاء الجهاد العالمي أن يقف عند الحدِّ الذي رسموه هم لأنفسهم وأتباعهم.
    إن سيطرة تنظيم الدولة على الأرض، لا يمكن فهمها إلا في إطار التغيرات في المنطقة منذ الحرب على أفغانستان والعراق وصولاً إلى الثورات الشعبية، فتنظيم الدولة تمدَّد في الفراغ الذي خلَّفه ضعف الدولة وفي أجواء الاستبداد بعد احتلال العراق، وكذلك الحال مع الثورة السورية التي قوبلت بعنف وحشي فتحولت إلى ثورة مسلحة.
    إن الاختلاف بين تنظيم الدولة والقاعدة يظهر في التقديرات والحسابات السياسية خصوصًا مع حنكة وخبرة القاعدة وصِدَامية تنظيم "الدولة الإسلامية".
    إن تنظيم "الدولة الإسلامية" نتاج سياقات مركَّبة تداخل فيها النص بالواقع أو العكس، وهو تطور من داخل حركة الجهاد العالمي وليس خارجًا عنها.
إن الخلاف الأيديولوجي الذي نشأ بين القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" يمكن بيانه في التالي:
    بالنسبة للقاعدة:

  1. تتهم تنظيم الدولة بالمبالغة في التكفير وعدم أهليته لتنزيل الأحكام الشرعية موضعها، وأن "الشرعيين" الذي يقودونه "حدثاء الأسنان" لا يفقهون تنزيل "كفر النوع" على "العين"، سواء في حق المسلمين من أهل السنة أو من أصحاب المذاهب الأخرى.
  2. تتهمه بأنه يكفِّر عمليًّا مخالفيه من التنظيمات الجهادية الأخرى بسبب الاختلاف معهم ويستهين بالدماء ويبالغ في قتل كل من خالفه من المسلمين.
  3. ترى أن البغدادي أعلن الخلافة من دون تمكين، وكل بيعة أُعطيت للبغدادي لاسيما من بعض التيارات الجهادية هي باطلة ولا صحة لها.

    أما بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية":

  1.  قبول الظواهري عمليًّا بالديمقراطية التي هي كفر بواح، وإقراره للثورات العربية ونهجها "السلمي في التغيير"، وهو نهج الإخوان.
  2. وقوف الظواهري إلى جانب "الطاغوت" الرئيس محمد مرسي -بعد دخوله السجن- الذي قبل بالديمقراطية، وعدم تكفيره له، لا بل شكره، أي: الظواهري، مرسي لما أعلن الأخير عن عزمه العمل لاستعادة الشيخ عمر عبد الرحمن من سجون أميركا، كما أن القاعدة بقيادة الظواهري لا تكفِّر كُبَراء الإخوان وهم "شَرٌّ من العلمانيين".
  3. تلبُّس القاعدة بمذهب الإرجاء والجهمية، أي: إنها لا تكفِّر من وجب تكفيره من "المسلمين" الذي اقترفوا أعمالا تخرجهم من الدين.
  4. يعتمد تنظيم "الدولة الإسلامية" نفس مقولات تنظيم القاعدة وإن كان يختلف معها ببعض الترجيحات التي قد تكون شائعة في القاعدة وبنسب متفاوتة، لكنها لم تحظ بالصدارة أو لم تعتمدها القيادة باعتبار أنها تحتمل الاختلاف.
  5. لكن الخلاف الأعظم بين الطرفين، هو في فهم الأحكام وتنزيلها وهو ما سيترتب عليه اختلاف عظيم في المستقبل.

    يرتبط مستقبل الأيديولوجيا التي يدشنها تنظيم "الدولة الإسلامية" تتوقف في تجذرها وتمكنها على الحرب الدولية التي تخاض ضده، وهناك احتمالان، الأقرب منهما أن يُحجَّم التنظيم أو يُهزَم فسيكون مستقبله أشبه بما آلت إليه دولة طالبان تنظيميًّا، وسيكون أيديولوجيًّا حركة جهادية منشقة تُصنَّف على يمين تنظيم القاعدة.
    ستدخل أيديولوجيا التيارات الجهادية عمومًا، ومنها تنظيم الدولة في نفق المراجعات كما سبق وحصل مع التيارات الجهادية في مصر وليبيا وسواهما، لأن تنظيم الدولة وصل بالأفكار التي زرعتها التيارات الجهادية وخاصة القاعدة إلى أعلى مستويات الإشباع، وفي لحظة كانت الشعوب العربية تتجه بخلاف قبلة هذا التيار.
    هناك مسار بياني تصاعدي في البنية الهيكلية الداخلية لتنظيم الدولة الإسلامية، فقد بدأ بصورة بسيطة عنقودية شبيهة بالجماعات الإسلامية الجهادية المحلية، خلال الأشهر الأولى، ثم بدأ يتطوَّر مع تأسيس جماعة التوحيد والجهاد، بإضافة مؤسسات وهيئات متخصصة، ووصل إلى مرحلة أكثر تطورًا مع انضمامه إلى القاعدة المركزية بعد أن أصبح اسمه "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين".
    انتقل التنظيم نحو الصيغة المؤسسية التي تحاكي ما جاء في كتب التراث الإسلامي، مع الإعلان عن إقامة الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين، بعد مقتل الزرقاوي، عبر الإعلان عن تشكيل وزارات وتعيين ولاة على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، في محاولة للانتقال من صيغة التنظيم إلى بنية الدولة.
    حدثت الطفرة الحقيقية، لاحقًا، مع تولِّي أبي بكر البغدادي؛ إذ تمَّ تطوير عمل الأجهزة المختلفة وتأطيرها مؤسسيًّا ومنحها مهمات محددة ودقيقة تجمع ما بين طبيعة المؤسسات في الدولة المعاصرة وأدوارها الوظيفية من جهة، وطبيعة التنظيم وظروف عمله، التي تمتاز بدرجة أكبر من التعقيد والغموض من جهة أخرى، وهو ما جعلنا أمام حالة هجينة وخاصة تُزاوِج بين صورة الدولة والتنظيمات السرية في الوقت نفسه.
    تزاوج التطور على الصعيد المؤسسي والوظيفي مع إعادة هيكلة القيادة، وتصعيد القيادات المحترفة المحلية، على أكثر من صعيد، بخاصة عسكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا.
    تميُّز التنظيم بقدرة لافتة على توزيع المهمات وتقسيم الأدوار بين العنصر المحلي والقادمين من الخارج "المهاجرين العرب والمسلمين".
    ارتفعت أعداد الذين ينتمون إلى التنظيم بصورة مضاعفة، بعد السيطرة على الموصل وإعلان الخلافة، وهو أمر طبيعي، ويرتبط بعامل القوة والهيمنة والنفوذ.
    بالرغم مما أظهره التنظيم من عمل مؤسسي وتنظيمي معقد ومتطور، وكفاءة كبيرة في التجنيد والدعاية، وحماية التماسك الداخلي؛ إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يواجه تحديات حقيقية، فلا يزال التوسع الكبير في عمله والمناطق التي يسيطر عليها يحمل في ثناياه مخاطر حقيقية على قدرة التنظيم على التماسك والتوسع في حال تعرَّض لضربات عسكرية وأمنية كبيرة.
    إن البعد المشهدي، بُعد جوهري في أداء التنظيم وفي نشاطه وفي طبيعته، هو عامل لا يمكن استبعاده في السعي إلى تفسير تنظيم الدولة "داعش" ولفهم أشكال اشتغاله، وهو بُعد متصل إلى حد كبير بمروحة الانهيارات الاجتماعية التي رفدت "التنظيم" وشكَّلت بنيته.
    إن السعي لتفسير الالتحاق بـ"داعش" يجب عدم قصره على الوقائع الصلبة والمنسجمة، وهو أيضًا شيء من اللعب خارج السياسة وخارج السوسيولوجيا.
    إذا كانت "القاعدة" تنظيمًا عنقوديًّا، فإن "داعش" تنظيم أفقي، يقتطع مناطق ويُخضع قبائل وعشائر ويضم في تشكيلاته فروعًا لأحزاب وكتائب انشقت بأكملها. هذه السعة تتيح أيضًا مرونة وتدفع اللعب إلى أقصاه. فإلى جانب "سلفيته الجهادية" هناك أثر قوي لبعثية "داعش" ولعشائريته، وتتجاور فيها محلية مغرقة في رجعيتها وعالمية لا حدود لحداثتها.
    في الأردن تغذت "داعش" من الشقاق الاجتماعي الناجم عن فصام الهوية الوطنية وعن ضعفها، وفي لبنان كان للصدع الشيعي-السني وظيفة حاسمة في تفشي المزاج الـ"داعشي" في البيئة السنية، وفي العراق، تقاطعت عوامل المذهبية مع مزاج عشائري محبَط وغاضب، عند الرغبة البعثية الانتقامية. أما في المغرب العربي ووصولاً إلى أوروبا، تختلف الأسباب، فتونس مثلاً، وهي أكثر الدول رفدًا لـ"داعش" بالجند وبدعاة صغار العمر، خلَّف انهيار نظام زين العابدين بن علي ركامًا اجتماعيًّا ونفسيًّا لم يتسع الوقت لدولة "الثورة" أن تستوعبه؛ فكانت "دولة الخلافة" بديلاً ووجهة لهجرة "جهادية" مريرة. وفي أوروبا كان "المجاهدون" خليطًا من شبان وشابات لا تقتصر مصادرهم على مجتمعات الدياسبورا المسلمة في المدن الأوروبية؛ إذ إن من بينهم عشرات من أصول مسيحية، وهم بمعظمهم من غير فقراء القارة العجوز.
    يُشكِّل (داعش) مجموعة مفارقات تتعلق بسياق ظهوره في زمن الربيع العربي، وبطبيعة كنهه السياسي، وبإرباكه لسياسات الدول الإقليمية والولايات المتحدة.
    مثَّل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) كفاعل من غير الدول تحديًا حقيقيًّا للدولتين اللتين ينشط في إطارهما الجغرافي، العراق وسوريا؛ ففي العراق تسبَّب في الإطاحة بحكومة المالكي ومجيء حكومة جديدة، وسوَّغ التدخل الخارجي في العراق مرة ثانية.
    في سوريا أثَّر سلْبًا على مسار الثورة السورية؛ إذ دعم موقف الأسد الذي لم يكِلَّ عن ترويج روايته الخاصة عن الثورة السورية بوصفها تخريبًا يتزعمه متطرفون ظلاميون ومأجورون.
    أربك هذا التنظيم طبيعة السياسات الخارجية لباقي الدول الفاعلة في الإقليم؛ فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في نهاية المطاف ترسِّخ بعملياتها العسكرية ضد (داعش) أقدام الأسد مزيدًا في سوريا؛ ومن ثَمَّ تزيد من نفوذ إيران في المنطقة بطريقة أو بأخرى.
    قد تجد واشنطن نفسها مضطرة لعقد صفقات سياسية مع طهران، وكأن واقع الحال أن واشنطن تقف مع طهران والأسد في نفس الخندق.
    تبدو علاقة واشنطن بأنقرة معرضة للتوتر بسبب تباطؤ الأخيرة في الانضمام للتحالف ضد (داعش) بصورة جذرية؛ حيث إن أنقرة لا ترى في عملياته ضد (داعش) وحده، دونما استراتيجية شاملة تتضمن الإطاحة بالأسد، جدوى حقيقية.
    إن خيبة الأمل الأشد وطأة والتي عبَّر عنها بزوغ (داعش)، هي خيبة الأمل في الربيع العربي، كحركة تحررية كان يُرجى منها أن تغير وجه المنطقة العربية إلى الأبد.
    يرتبط صعود تنظيم الدولة الإسلامية بوصفه فاعلاً إقليميًّا، عابرًا للدول والمجتمعات، بعاملين رئيسين، الأول: يتمثل بالنزعة الطائفية في المنطقة الناجمة عن النفوذ الإقليمي الإيراني، والفراغ السياسي السني، وانفجار الصراعات الداخلية على أسس طائفية ودينية وعِرقية في كل من العراق وسوريا، والثاني: ينبثق من سياسات الأنظمة السلطوية وقمع الاحتجاجات السلمية وحالة الانسداد السياسي، والانقلاب على مخرجات الربيع العربي، أي: إنه مركَّبٌ على أزمة سياسية عربية.
    يمكن النظر إلى تنظيم الدولة بمنزلة نموذج من نماذج متعددة عابرة للمجتمعات، تتمثل بالجماعات الدينية والطائفية التي أصبحت فاعلاً رئيسًا في ظل حالة الفوضى السياسية والأمنية؛ فالجماعات الشيعية العراقية وحزب الله والقوى الكردية والحركات السلفية الجهادية وفروع القاعدة والحوثيون تتوافر على الشروط السياسية والمجتمعية نفسها التي أدت إلى صعود ذلك التنظيم.
    يتأسس هذا الدور السياسي والأمني والعسكري لهذه التنظيمات والجماعات على فشل الدولة الوطنية العربية في الإدماج السياسي وحماية قيم المواطنة والقانون وسيادة حالة من الفوضى الأمنية والفراغ السياسي.
    لا تقتصر مسألة امتداد الخطر الراديكالي لـ(داعش) إلى القوقاز وآسيا الوسطى على الأخطار الأمنية ولكنها تمتد إلى ما يمكن أن تسهم فيه من توسع أو انكماش لدول إقليمية في جوارها الجغرافي.
    إن تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، سيكون له تأثيرات عابرة للإقليم تتجاوز حواف الشرق الأوسط لتمتد إلى إقليمي القوقاز وآسيا الوسطى.
    هناك سيناريو محتمل قد تجد فيه المجموعات التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" المناخ الملائم لتنفيذ عمليات في آسيا الوسطى, والقوقاز, والعمق الروسي, ألا وهو التدخل الروسي المباشر أو الضمني عبر دعم انقلابات أو حركات انفصالية في بعض دول المنطقة؛ حيث سيتمكن تنظيم "الدولة الإسلامية" من استغلال الفراغ الأمني لتنفيذ هجمات على نطاق واسع ضد أهداف حيوية (منشآت حكومية, دبلوماسية, مجمعات أمنية-عسكرية, والأهم أنابيب الطاقة).
    مع صعود خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" في المجال الأوراسي واتساع خلافات أنقرة مع حلفائها من الناتو, ساعدت هذه التطورات طهران في تقديم نفسها كشريك إقليمي بدلاً من تركيا، التي تتمتع بعلاقات ممتدة مع دول آسيا الوسطى والقوقاز بفضل الرابطة القومية.
    مع صعود خطر تنظيم الدولة تحاول روسيا استغلال مخاوف الدول ما بعد السوفيتية الضعيفة تجاه الصعود الراديكالي لدفعها تجاه تفعيل تعاونها في إطار المبادرات الأمنية المشتركة لتوسع موسكو من خلالها انتشار قوتها على الأرض لحماية الحدود والمنشآت الحيوية (خاصة خطوط النفط و الغاز).
    إن صعود هذا التنظيم، محليًّا وإقليميًّا، ليس طارئًا وهزيمته تتجاوز الجانب العسكري والأمني، إلى مواجهة الشروط الموضوعية السياسية التي تقف وراءه ووراء التنظيمات والنماذج الشبيهة.
    من الضروري أن تتم قراءة هذا الفاعل السياسي الجديد في إطار العنف السلطوي، سواء كان ذا طابع طائفي، مثل: العراق وسوريا، أو استبدادي، كما هي الحال في مصر والجزائر والدول العربية الأخرى، وفي إطار الأزمات البنيوية التي تعاني منها الدول العربية، وتخلق مشاعر شعبية جامحة للتهميش والإقصاء وغياب الأفق السلمي والظروف الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة.
    من الضروري، النظر إلى صعود تنظيم الدولة في سياق الفوضى الطاحنة في ليبيا، والفراغ السياسي ونمو الجماعات المرتبطة بالسلفية الجهادية هناك، وفي صحراء سيناء، وفي اليمن مع سيطرة الحوثيين على صنعاء، ومع الأزمة البحرينية والأزمات الداخلية العربية، فهنالك اليوم حالة جديدة متنامية من تفكيك المجتمعات وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة، والعودة إلى الأشكال الأولية من التعبير عن الهوية.
    مثل هذه المناخات تخلق جاذبية لنموذج الدولة الإسلامية وقابلية لاستنساخه وتطبيقه في العديد من المجتمعات، طالما أن المسارات البديلة مغلقة إلى الآن، فليست خطورة هذا التنظيم أنه اجتاز الحدود وأقام كيانًا عابرًا لها، ومتوحشًا في سلوكه مع الخصوم، بل إنه أصبح نموذجًا للوعي الشقي السلبي ولحالة المجتمعات العربية والمسلمة.
    أصبح هذا التنظيم "نموذجًا"، وقد وجدنا كيف سعت جماعات أخرى في ليبيا واليمن ومصر إلى استنساخه، فطالما أن الأزمة السياسية السُّنِّية لم تُحل، والأزمة السلطوية العربية قائمة، فإن هذا التيار والتيارات الأخرى، سواء كانت شيعية أو عِرقية أو غيرها ستجد فرصةً للنمو والصعود والتكيف مع الضغوط والظروف المختلفة، وإذا تراجعت في مكان ستتنشر في مكان آخر.
    إن النجاح الفعلي، طويل المدى، للحرب الراهنة، لن يتحقَّق إلا بشرط رئيس وهو فكُّ الاشتباك بين تنظيم الدولة الإسلامية والمجتمع السنِّي، ومدى قناعة المجتمع السني بالانقلاب مرة أخرى على التنظيم، كما حدث في العام 2007 مع تجربة الصحوات.
    تمر المنطقة بأسرها بمرحلة انتقالية تشهد انهيارًا للدولة القُطرية ومنظومتها السياسية، وهي حالة تتجاوز العراق وسوريا إلى أغلب دول المنطقة؛ إذ نجد حالة الفوضى وعدم الاستقرار تسود في اليمن وليبيا ولبنان وصحراء سيناء في مصر، في مقابل حالة صعود للميليشيات العسكرية ذات الطابع الطائفي أو الديني أو العِرقي. 
    إن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية عسكريًّا لن يخلق حالة من الاستقرار الإقليمي ولن ينقذ الدولة القُطرية العربية؛ إذ تؤشِّر المعطيات الواقعية إلى أننا أمام مرحلة انهيار للتوازنات القديمة من دون خلق آفاق سلمية بديلة، وهي التي كان يمكن أن توفرها الثورات الديمقراطية العربية.
    يبدو سيناريو الفوضى والعنف والتفتيت السياسي والجغرافي على أسس بدائية هو السيناريو المتوقع في المدى المنظور، طالما أن البديل الديمقراطي الوطني التوافقي ليس ناجزًا بعدُ في كثير من الدول والمجتمعات العربية؛ وذلك يعني الدوران في حلقة من الصراعات والأزمات الداخلية والإقليمية الطاحنة.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع