..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

معركة جرابلس: ما هو مسموح لتركيا؟

العصر

٢٥ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3106

معركة جرابلس: ما هو مسموح لتركيا؟
20160824_2_18759351_13569403.jpg

شـــــارك المادة

يرى مراقبون في سيطرة الجيش التركي بمعيَة قوات من الثوار السوريين على مدينة "جرابلس" الحدودية لتطهير المنطقة من الأكراد الانفصاليين ومقاتلي "داعش"، أول توغل كبير للقوات الخاصة التركية منذ عملية فبراير 2015 التي نقل خلالها ضريح سليمان شاه جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، وتعكس الأهمية الإستراتيجية لهذه المدينة الصغيرة بالنسبة لأنقرة.

وكانت عملية "درع الفرات" قد انطلقت فجر أمس بعد أن شهدت المنطقة الحدودية قبالة جرابلس جشدا للقوات على امتداد أسبوع سابق. وأقيمت معسكرات مشتركة على الحدود منذ ثمانية أيام تجمعت فيها وحدات من القوات التركية الخاصة إضافة إلى قرابة 1500 مسلح ينتمون إلى "حركة أحرار الشام الإسلامية" و"حركة نور الدين زنكي" و"الفرقة الشمالية" و"فيلق الشام" وغيرها من المجموعات المحسوبة على "المعارضة السورية المفحوصة" (vso)، بعض الثوار سيقوا إلى المعركة، خرجوا من حلب إلى اطمه فجرابلس، والبعض الآخر "السلطان مراد" كان متمركزا في تركيا، وشاركت في العملية عشرات الدبابات والمدرعات التركية بغطاء ناري كثيف وفره طيران "التحالف الدولي" والمدفعية التركية.
تمهيد سياسي:
ويبدو من حجم الحشود التركية المستمرة على الحدود أن ما هو مخطط له مما تستدعيه عملية خاطفة، وكتب متابعون أن التمهيد السياسي والمدفعي للتدخل التركي كان قد بدأ منذ أيام، وربما ليست صدفة أن دبابات رجب طيب أردوغان عبرت الحدود السورية نحو مدينة جرابلس بهذه الطريقة الاستعراضية، قبل أن يستقبل ضيفه الأميركي نائب الرئيس جو بايدن.

وما يهم أنقرة أكثر الآن أن "الكانتون الكردي" الافتراضي، الذي تأججت نيرانه من الحسكة قبل أيام، تعرض الآن، في جرابلس، إلى عملية بتر، ووفقا لتقديرات محللين، فقد ارتكبت القوى الكردية مجددا الخطأ التاريخي ذاته. المراهنة على صراعات القوى الدولية والإقليمية للمبادرة إلى مشروع المستحيلات، بقضم أرض وافتراض إقامة دولة منفصلة، في لحظة يظنونها مناسبة.
أهمية المدينة لتركيا:
وقد ربطت تركيا دخولها الأراضي السورية بتوقيت محدد، الأربعاء 24 أغسطس، ليأتي في الذكرى السنوية 500 لمعركة مرج دابق، المنطقة القريبة من جرابلس، والتي انتصر فيها العثمانيون على المماليك شمال حلب ومهدوا من خلالها لحكم المنطقة، وأهمية هذه المدينة بالنسبة إلى تركيا تكمن في أنها تقع على آخر منفذ حدودي داخل الأراضي السورية، كما إن سيطرة "تنظيم الدولة" عليها واستخدامها كمنطلق لهجماتهم على الأراضي التركية جعلها مصدر قلق لأنقرة. كما تقع شمال شرق حلب وتتمركز على الضفة الغربية لنهر الفرات الذي تعتبره انقرة خطا أحمر لتقدم الأكراد غرباً.
ودفعت هذه الأهمية فصائل من المعارضة وقوات كردية إلى التسابق للسيطرة على جرابلس، وكلا الطرفين تمكنا في الآونة الأخيرة من السيطرة على مناطق إستراتيجية قريبة منها بعدما طردا مقاتلي تنظيم "داعش"، فسيطرت المعارضة على بلدة الراعي، بينما سيطرت القوات الكردية على مدينة منبج التي تقع على مسافة 30 كيلومتراً إلى الجنوب من جرابلس.
وأرقت جرابلس الحكومة التركية، حيث تخشى من أن تسيطر عليها قوات "سوريا الديمقراطية" التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، وتعتبر الحكومة التركية أن سيطرة القوات الكردية على الحدود السورية تهديدا للأمن القومي، وسيطرت قوات المعارضة الموالية لها على مدينة جرابلس سيؤدي ذلك إلى إعاقة محاولة القوات الكردية وصل مناطقها في الشمال والشمال الشرقي لسوريا مع منطقة عفرين في الشمال الغربي بهدف تشكيل إقليم "روج آفا" أو ما يعرف بغرب كردستان. وتنظر أنقرة بقلق إلى أي محاولة من أكراد سوريا لتشكيل وحدة جغرافية ذات حكم ذاتي على طول حدودها.
ولذلك تحرص الحكومة التركية على منع تقدم قوات "سوريا الديمقراطية" من منبج إلى جرابلس وتسعى لمنع القوات الكردية من التمركز بشكل أكبر على الحدود، وتعمل تركيا على منع أكراد سوريا من التمدد غرب الفرات باتجاه جرابلس وصولاً إلى عفرين حتى لا تتغير التركيبة السكانية للمنطقة ومحو التركمان من الخريطة. لكنها في الواقع تهدف أساساً إلى منع الأكراد من تحقيق انتصار سياسي يتمثل في الحصول على مطلب الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية تماماً كما كانت تحاول سابقاً منع أكراد العراق من تحقيق الحكم الذاتي أو الفيدرالي.
ومع أن غالبية سكان بعض هذه المناطق من العرب، إلا أن "حزب الاتحاد الديموقراطي" لا يزال يعتبرهم "أكراداً من الناحية التاريخية"، مستنداً في حجته هذه بالظاهر على مفاهيم من عهد صلاح الدين، ومن هذا المنطلق، يسعى "حزب الاتحاد الديمقراطي" إلى ضمان تواصل إقليمي بين مقاطعة عفرين التابعة له وما تبقى من منطقته الكردية التي أعلن سيادته عليها من تلقاء نفسه. وقد سبق لهذا الحزب أن ضم إلى الإدارة الكردية منطقة تل أبيض ذات الغالبية العربية التي تقع أكثر بعداً إلى الشرق.
لكن يرفض باحثون كثر هذا الادعاء الكردي الذي لا يستند إلى أي حقيقة تاريخية أو جغرافية، لأن جرابلس مدينة سورية، ولأن سكانها كانوا ولا يزالون بغالبيتهم عربا، وقدم إليها التركمان والأرمن والشركس والأكراد. وبينما قاوم الأكراد والتركمان موجة العروبة اندمج الشركس في المجتمع العربي بعدما تلاشت هويتهم تدريجياً منذ أن أحضرهم العثمانيون إلى المنطقة منذ أكثر من 150 عاماً. أما المسيحيون الذين كانت أعدادهم كبيرة في جرابلس وكوباني وأعزاز الحدودية حتى خمسينيات القرن الماضي فقد رحلوا عنها تدريجياً نحو مدينة حلب ودمشق، وفقا لما كتبه أحد المطلعين.
وأيَا ما كان، فإن التدخل المباشر للجيش التركي في جرابلس يأتي في ظل الحراك الدبلوماسي التركي المكثف لرأب الصدع مع موسكو إثر حادثة إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية وكذلك مع إيران، وبعيد إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" عن سيطرتها على منبج بدعم أميركي، وازدياد الأعمال الإرهابية في الداخل التركي، كما جاء غداة زيارة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، لأنقرة في ظل المطالبة بدخول قوات البيشمركة السورية إلى مناطق بـ"الإدارة الذاتية الكردية المؤقتة" في سوريا. كما يتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي حو بايدن، حيث تصدر أجندة المحادثات مع المسؤولين الأتراك، ملفا ترحيل فتح الله غولن إلى تركيا وعلاقة واشنطن بـ"الاتحاد الديمقراطي الكردي" السوري.
أسئلة ملحة:
لكن تدخل اليوم يثير أسئلة مُلحَة، أهمها: هل حصلت على موافقة أميركية لشنَ عمليتها، لاسيَما وأن فصائل من المعارضة السورية المدعومة من واشنطن تشارك فيها؟ وهل توصلت إلى اتفاق مع روسيا حول حماية مصالحها الإستراتيجية، خصوصا وأن سلاحها الجوي شارك في العملية في فضاء تسيطر عليه منظمة الدفاع الجوي الروسية؟ وماذا بعد جرابلس؟
ويبدو، وفقا لتقديرات مراقبين، أن أنقرة تسير نحو تطهير الشريط الحدودي من أعزاز إلى جرابلس من وجود داعش وبعمق 15 كيلومتراً على الأقل، وسبق لبعض المتابعين أن تحدث عن خطة تركية أمريكية لإبعاد "تنظيم الدولة" عن الحدود التركية، وذلك بتسهيل دخول فصائل مختلفة تحت غطاء الطيران الأمريكي والجيش التركي.
الخطوة الأولى كانت السيطرة على الراعي وقد انتهت، والثانية السيطرة على جرابلس والتمركز فيها بدءا بالسيطرة على الراعي، ثم معركة جرابلس، ومن المتوقع أن تتلوها خطوات أخرى. 

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع