..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سورية.. الدولة المحتلة

نذير حنافي العلي

٦ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 1129

سورية.. الدولة المحتلة

شـــــارك المادة

لم يوضح الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدته إرادة الحياة كيفية استجابة القدر لإرادة الشعب، لكنه صوّر القدر إنسانا يستجيب لطموحات الشعب بحياة حرة، فقدم لنا صورة أدبية، وعزّز مقولة إنّ هزيمة الإرادة الشعبية ضرب من المستحيل.
أما في السؤال عن كيفية تحقيق تلك الإرادة، فهذه وظيفة السياسة في البحث عن توظيف الإمكانات المتاحة، وتطويعها لصالح قضية التحرر، والتي تمثل رغبة الشعوب العربية، ومنها الشعب السوري، حتى ينجلي الليل وتنكسر قيود الطغاة بلا رجعة.

وعن الواقع السياسي، منيت الثورة السورية، ومنذ انطلاقها، بمحنة التمثيل السياسي. إن لملمة جماح ثورة شعبية سياسياً يبدو غاية حالمة ومهمة صعبة التحقيق في الوقت نفسه، خصوصا بعد أزمان من الجهالة السياسية وحالة الركود والقهر التي فرضت على المجتمع السوري، بتطبيق العنف الجسدي والحسي على الفرد السوري من أجهزة الدولة، وبعد أن قضى الأسد في الثمانينيات على كل خصومه السياسيين من محافظين ويسار ويمين، إذ دمر عنف الدولة وإرهاب الأسد الحياة الحزبية والسياسية، وأحل محلها سياسية الحزب الواحد الذي تديره شعب المخابرات السورية المختلفة، بواجهة حزب البعث العربي الاشتراكي وشعاراته، فاغتالوا بذلك كل الأنماط السياسية
لم تنجح الثورة في إنشاء جسم سياسي متين، يمثل إرادتها، واقتصر الأمر في مرحلة الحراك السلمي على كيانات ثورية شبابية، سبقت تأسيس المجلس الوطني السوري الذي أعلن عن قيامه في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وضم شخصيات من المعارضة السورية التقليدية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، ونسبة أقل من ممثلي الحراك المدني ونتيجة الأزمات الداخلية والمراهقة السياسية مع محاولات دولية لتعطيله ونشوء الفصائلية، بعد أن تسلحت الثورة، وأصبحت القوى العسكرية مخولة للعب أدوار سياسية.
أعقب هذه التطورات على الساحة السورية تشكيل الائتلاف السوري لقوى الثورة، ليقع أخيرا ضمن تجاذبات داخلية وخارجية، عطلت من نشاطه، ليتم تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات ذات المهام التفاوضية بعد اجتماع الرياض.
وضمن هذه الظروف الدولية المعقدة، لم يستطع السوريون حلّ أحجية التمثيل السياسي للثورة السورية، وبقيت هذه الإشكالية مقتلا يضعف من شرعيتها ويجعلها مقيدة الحركة في الوقت الراهن، مع خسارة جغرافيا محرّرة لصالح قوى الاحتلال.
لا معنى لحصر مطالب السوريين فقط في توفير الحاجات الإنسانية للشعب المقهور، فالثورة انبعثت من أجل حقوق سياسية ونيل الحريات وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، لا من أجل تخفيف نتائج الحرب التي فرضت على المناطق الثائرة، وبالتالي إنّ أي مكون سياسي سوري أو حل لا ينطلق من إزالة الاحتلال الأجنبي ومحاكمة عملائه، كعائلة الأسد وفروع مخابراته ومجرمي الحرب، فهو حلٌ لن يحقق الاستقرار، ولن يجلب للسوريين سوى دولة أسدية مشابهة للتي عاشوا تحت قمعها خلال الخمسين السنة الماضية.
ولعرقلة هذه السيناريوهات التي ترسمها القوى المحتلة، وتضعها خيارا وحيدا للشعب السوري على حساب مستقبله ووحدة أراضيه، كما في المؤتمرات والدعوات التفاوضية التي تدعو إليها روسيا، وتهدف منها إلى شرعنة وجودها كقوى احتلال وقبولها فرضية أمر واقع، فلا نملك، نحن السوريون، إلا: رفض تلك المؤتمرات وعدم المشاركة فيها، بل والتأكيد على تسمية كل القوى العسكرية الأجنبية في سورية كقوى احتلال. تحويل خطاب الثورة السورية من ثورة شعبية هدفها إسقاط النظام إلى حركة تحرر وطنية هدفها مقاومة المحتلين وإعادة الأرض إلى أصحابها ومن ثم بناء الدولة الوطنية المستقلة. وهذا التحول يحتاج بطبيعة الحال إلى العودة لمخاطبة القواعد الجماهيرية وتغيير رسالة المرحلة وإعادة صياغة كتل سياسية ذات هوية وطنية جامعة تتلافى أخطاء الماضي وصراعاتها الفكرية والشخصية وتتحمل هموم السوريين بإخلاص بدلا من تشكيل أجسام سياسية تقع رهينة الدول الأخرى أو تقبل بحضور مؤتمرات وعمليات تفاوض تشرعن الاحتلال الذي يسعى لإعادة تأهيل الأسد برعاية دولية أو إنتاج دولة أسدية بمقاسات جديدة.
ويبقى السؤال الأهم والمفتوح أمام القوى الوطنية السورية الحالية، وبمختلف التكتلات العسكرية والسياسية في كيفية إيجاد هذا التمثيل الذي من أهم مهامه الارتباط بالقواعد الشعبية ورفض الاستعمار الجديد وأذنابه، وتبعا لهذه الرغبة، يتم تشكيل كتلة سياسية صلبة تمثل من جديد قيم الثورة النبيلة وتعمل حركة تحرّر وطنية تجابه المستعمر بكل الأدوات المتاحة، حتى يتحقق الجلاء الثاني في تاريخ سورية الحديث.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع