..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اضاءات

بناء الشخصية الإنسانية في القرآن

محمد العبدة

٥ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6708

بناء الشخصية الإنسانية في القرآن
العبدة00.jpg

شـــــارك المادة

إن توجيهات القرآن الكريم تدعو إلى بناء الإنسان من الداخل، قلبه ومشاعره وإرادته، حتى إذا استقام حاله على توازن واعتدال واستقر على هدى من الله ، استطاع أن يواجه المصاعب والأزمات وما يتعرض له من امور الدنيا من غنىً أو فقر أوصحة ومرض وغير ذلك.

هذه الشخصية التي يريدها القرآن هي التي لا تفرح بطراً إذا حصلت على ما تريد من متاع الدنيا كما فرح قارون بأمواله المكدسة جهلاً منه بسنن الله في أمثاله ، ولا تحزن حزناً محبطاً وتقعد ملومة محسورة إذا فقدت ما تملكه أو ما تسعى إليه، ولا يصيبها الغرور إذا أمسكت بمقاليد الأمور، ولا تقبل الدنية والهوان إذا واجهت صعاب الحياة. قال تعالى: (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور . ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور . إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) هود/ 9- 11. قال المفسرون: الرحمة هنا هي جميع ما ينتفع به الإنسان أويحتاجه من أموره الدنيوية، وكفور تعني أنه كافر بالنعمة، والنعماء هي الصحة والمال ونحو ذلك، وقول الإنسان (ذهب السيئات عني) تعني أن ذهاب السيئات جاء هكذا عرضاً أو لأسباب هو فعلها أو لاعتقادات فاسدة يعتقدها، أي أن ذهابها – حسب كفرانه – ليس بإنعام وفضل من الله.

إن فحوى الآيات يشير إلى أن هذا الخُلُق هو من طبيعة الإنسان ولايستثنى من ذلك إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات، هؤلاء الذين تربوا من خلال الدين على تحمل المكاره وشكر النعماء، وما حملهم على ذلك إلا حب الله والايمان باليوم الآخر.

يدعو القرآن الكريم المسلم أن يكون شخصية قوية صلبة لا تزعزعه الخطوب ولا ينكسر أمام الحوادث فيجلس محطماً لا يهتدي سبيلاً، قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت / 30 أي لاتخافوا مما تقدمون عليه في أمور حياتكم ولا تحزنوا على ما فاتكم، لأن مشاعر الحزن والضيق والأسى مشاعر سلبية لا تحل المشكلة.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا ، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام  وأن العاقبة للتقوى " وحول هذه الصفات المطلوبة من المسلم يقول شاعرنا إقبال:
المؤمنون على عناية ربهم يتوكلون
لا خوف يفزعهم ولاهم في الحوادث يحزنون
ثقة الكريم بنفسه تعلو به فوق الزمن
والحزن سم قاتل لا تشربوا سم الحزن

نعم، المسلم لا يحزن الحزن السلبي الذي يقعده عن العمل، ويصبح دأبه الشكوى أو الحنين إلى الماضي ولا يقدم شيئاً للحاضر، ولكن المسلم يحزن الحزن الايجابي الذي هو طول الفكرة الذي يؤدي إلى الشعور بالمسؤولية، ويبعده هذا الحزن عن سفاسف الأمور وعن الترف واللهو، ويدعوه للغيرة على محارم الله، وعندئذ يُبشر بـ (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور رحيم)

وحول بناء الشخصية الإنسانية السليمة قال تعالى: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور) لقمان / 18.

يقول الشيخ الغزالي رحمه الله : " الخيلاء شعور طفولي بالعظمة والفخر ، وحديث المرء عن نفسه أو قومه باعتزاز ينشأ عن الجهل أو الذهول عن حقوق الآخرين ، وفي الإسلام حرب موصولة ضد الاختيال والاستكبار ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أوحى إليً أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد" وغزارة المعرفة ونفاسة الموهبة ينبغي أن تستر برداء العبودية لله والإحساس بفضله " (المحاور الخمسة في القرآن الكريم / 206)

هذه التوجيهات القرآنية أوجدت بين المسلمين درجة من الاعتدال والتوازن لا يوجد لها نظير في أي بقعة من بقاع العالم، لقد علمت المسلمين أن يواجهوا صعاب الحياة ويتحملوا قيودها بلا شكوى ولا ملل، ودعتهم لأن يكونوا أقوياء على الدوام.

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع