..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اضاءات

أمران يرفعان من شأن الإنسان

محمد فؤاد البرازي

٧ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6926

أمران يرفعان من شأن الإنسان
Humility_and_Dignity_780365807.jpg

شـــــارك المادة

أمران يرفعان من شأن الإنسان : التواضع ، وقضاء حوائج الناس ..
ــ أما التواضع : فهو قبولُ الحق ، وخفضُ الجناح للخلق ، ولينُ الجانب لهم ، وعدمُ الترفع عليهم.
وقد أمرَ الله به عبادَه فقال تعالى : (واخفضْ جناحَكَ لِمنِ اتَّبعكَ من المؤمنين) ، وأوحى به إلى نبيهِ الأمين : (أَنْ تواضعوا حتى لا يَفخرَ أحدٌ على أحد ، ولا يبغِ أحدٌ على أحد).
وما مِن أحدٍ تواضعَ لله إلا رفعَ اللهُ تعالى في الدنيا قدْرَه ، وفي الآخرة درَجتَه.
ــ فإعلاء قَدْرِهِ في الدنيا جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما نَقَصتْ صَدقةٌ من مال ، وما زاد اللهُ عبداً بعفوٍ إلا عِزا ، وما تواضعَ أحدٌ لله إلا رفَعَهُ الله). رواه مسلم.
ــ وعلوُ منزلته في الآخرة ذكَرَهُ الله تعالى في قوله الكريم : ( وعبادُ الرحمنِ الذين يَمشونَ على الأرضِ هَوْناً وإذا خاطبهُمُ الجاهلون قالوا سَلاما) ــ إلى قوله تعالى ــ (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا). والغرفة : الجنة.
وقال تعالى أيضاً : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). أولئك هم المتواضعون الذين لا يريدون تعظُّماً وتجبرا ، وَلا عملاً بالمعاصي وتكبُرا.
وكلما ازداد المرءُ تواضعاً ، أَحبَّهُ الناس وأجَلُّوه ، ورفعوا منزلتَه وقدَّروه ..
قال العماد الأصفهاني : (ألِنْ جانبك لقومك يحبوك ، و تواضع لهم يرفعوك ، وابسُط لهم يدَك يطيعوك).
وثِقْ أنَّ أفضلَ الناس من تواضعَ عن رِفْعَة ، وعَفا عن قُدرة ، وأنصفَ عن قُوة.
واعلم أنه لا حَسَبَ كالتواضع ، ولا شَرَفَ كالعِلْم ، ولا زاداً خيرٌ من التقوى .
وما أجملَ ما أنشدَ ابنُ خاتمةَ الأندلسي :
دِنْ بالتواضُعِ و الإِخْباتِ مُحتسـباً … تَفُقْ عَلاءً على أهلِ السِّياداتِ
فالتُّرْبُ لمَّا غدا للرِّجْـــــلِ مُتَّطَـئاً … تَمَسَّحَ الناسُ مِنهُ في العباداتِ

جعلني الله وإياكم من المتواضعين.
ــ وأما قضاء حوائج الناس : فهو من أفضل الطاعات ، وأجَلِّ القُرُبات ، لما فيه مِن كشف الكربات ، وتحقيق الرَّغَبات ، ومَنْ أقام نَفسَه على قضاءِ حوائج العِباد ، كان الله معه في تحقيق المُراد ، وقضى له حوائجَه في الدنيا ويومَ التناد . فقد روى الإمام مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته). رواه مسلم
وقضاء حوائج العباد تشمل كل عَونٍ تقدمه لأخيك المسلم ، تُسددُ عنه دَيناً ، أو تَطردُ عنه فاقةً ، أو تَكشفُ عنه كرباً ، أو تَقضي له حاجةً ، أو تَمشي معه لحل معضلة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائلُ أو طُلبتْ منه حاجةٌ قال : (اشفعوا تُؤجَروا ، ويَقضي اللهُ على لسانِ نبيه ما شاء). رواه البخاري.
ومما يدل على زوال النعمة عمن يمسك ولا ينفق قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ لله تعالى أقْواماً يَخْتَصهُمْ بالنِّعَمِ لمنافعِ العباد ، ويُقرُّها فيهم ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ، فحولَّها إلى غيرِهم ). رواه الطبراني وحسنه الألباني.
ومن يمسك يعرض نفسه للطعنِ والذم، قال زهير بن أبي سُلمى في مُعَلَّقته المشهورة :
ومن يَكُ ذا فضلٍ فيبخلْ بفضله ***** على قومِهِ يُستَغنَ عنه ويُذممِ
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبَّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس .. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (يا رسول الله ، أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله ، فقال : أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس ، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سرورٌ تُدخِلُه على مسلم ، تكشفُ عنه كُربة ، أو تقضي له ديناً ، أو تطرُد عنه جوعاً ، ولَأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أعتكفَ في هذا المسجد ــ يعني مسجد المدينة ــ شهراً ، ومَنْ كظمَ غيظهُ ــ ولو شاء أن يُمضيَهُ أمضاه ــ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضىً ، ومَن مَشى مع أخيهِ في حاجةٍ حتى يقضيَها له ثـبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تَزِلُّ الأقدام). رواه الأصبهاني في الترغيب ، وابنُ أبي الدنيا، وحسَّنهُ الألباني في صحيح الترغيب.
أخي المسلم :
إذا مَلكْتَ فلا تَستكبر ، وإذا أَعطيتَ فلا تَستكثر ، وبما أفاءَ الله عليك فلا تَستأثر.
وإن قصَدَكَ محتاجٌ فلا تَقهرْ ، وإن جاءك سائلٌ فلا تَنهرْ. ولْيكنْ سُرورُكَ بما تُعطي أكثرَ من سرورِ المحتاجِ بما يأخذ، وتلطَّفْ بالمساكين، وارحمْ أطفالاً يُتمتْ ، ونساءً تأيَّمتْ ، وأُسَراً افتقرتْ ، وعزيزَ قومٍ ذلّ ، وغنيَّ قومٍ افتقر، الذين وصفهم الله بقوله: (الذين أُحصِروا في سبيلِ الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض، يَحسَبهمُ الجاهلُ أغنياءَ من التعفف، تَعرفُهم بسيماهُمْ لا يَسألونَ الناسَ إلحافا، وما تنفقوا من خيرٍ فإن اللهَ بهِ عليم).
جعلني الله وإياكم من الباذلين ، وختم لي ولكم بخاتمة السعادة أجمعين ..

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع