..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اضاءات

لا تحزن إن الله معنا

رقية القضاة

١٤ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 10106

لا تحزن إن الله معنا
1.jpg

شـــــارك المادة

الوحي يتنزّل على الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بأمر الله، أن قد حان الرّحيل والهجرة لحوقا بأصحابه وأتباعه من المهاجرين والأنصار، ويعلمه أن قريشا تاتمر به لتقتله أو توثقه أو تخرجه، ويستقرّ رأي فراعنة الجاهلية، على قتله -صلى الله عليه وسلم-، وتفريق دمه الشّريف بين القبائل،{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.

 


وفي حين استحكمت خطة قريش وغدت قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، أمر الله رسوله بالهجرة إلى يثرب، والنبيّ يستعد لتلك الرّحلة منذ حين، وهو يعرف أنّها كائنة لامحالة، والصّديق يطمع في الصّحبة المشرّفة، وياملها وقد استأذن النبيّ بالهجرة يوما فلم يأذن له قائلا {لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا فيرجو أن يكون صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هجرته، ولا يستبق أمر خليله فيها، وهو بين الأمل والرجاء، يعد الرواحل والمال والزاد، وقلبه واجف خيفة ألا ينال صحبة نبيّه في تلك الرحلة المحفوفة بالخطر والمشقة، ويودّ أن يكون معه ليفتديه ويخدمه وينال شرف صحبته.
والوحي يتنزّل على محمّد الأمين ألاّ تبيت على فراشك الليلة، والأمين لديه أموال قريش وودائعهم،وهم رغم عداوتهم له يأتمنوه على نفائسهم، ويأمر النبي عليّا أن يتخلّف عنه ليؤدي الأمانات إلى أهلها.
فيلتحف ببردة النبيّ الطاهرة وينام على فراشه، ويبيع نفسه رخيصة في سبيل الله، فيا ويح العقول الصدئة الصّادفة عن الحق الجليّ والنور المبين، أو مارضوا حتى أخرجوا نبيهم من بيته ووطنه، وهجّروه في منافي الأرض أن يقول ربي الله، ولكنّه ماض إلى بيت صديقه الصّديق في هجير الظهيرة ليخبره {إن الله قد أذن لي بالهجرة} والصدّيق بلهفة الراجي يهتف الصحبة يارسول الله، فيقول -صلى الله عليه وسلم- الصحبة، وتنطلق العيون التي طالما ارتقبت هذا الرضى تهلّ دموع الرضى والفرح.
يكفيه انّه صاحب محمّد خليله في هجرته إلى يثرب، وأنه رفيقه في انطلاقة الهدى إلى ديار أذن الله أن تكون حصن الإسلام ودرع رسوله -صلى الله عليه وسلم-،.
وعلى باب بيت نبيّ الله تقف الرّجال الجلد، وبأيديهم القواطع لامعات، ينتظرون لحظة ظنّ جبابرة الشّرك أنها وشيكة، وأرادها الله لنبيّه لحظة نجاة ونصر وتمكين، وأرادها للجهلاء المتفرعنين لحظة خزي وقهر وانكسار، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم، يستغرق في لحظة مناجاة وحنين، لحظة وداعه لبيت الله وحرمه الآمن، ومهبط الوحي، ميدان دعوته الأول، ويناجي عشيرته المعرضة عن دعوته، وهو على وشك الرحيل، [أما والله لأخرج منك، وإنّي لأعلم أنّك أحبّ بلاد الله إليّ وأكرمه على الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت، يا بني عبد مناف إن كنتم ولاة هذا الأمر من بعدي، فلا تمنعوا طائفا ببيت الله ساعة ما شاء من ليل ولانهار، ولولا أن تطغى قريش لاْخبرتها ما لها عند الله، اللهم إنك أذقت أولهم وبالا فأذق آخرهم نوالا].
ويقف التاريخ عجبا من تلك النفس التي لم يمرّ على الأرض أطيب منها ولا أرق، ولا أحنى على الإنسانية، قومه يخرجونه من بيته وهو على الحق، وقلبه الحاني يدعو لهم بالهداية والنّوال، فأي قلم يمكنه أن يخط مآثر نبيّ الرحمة الرؤوف الرّحيم.
وانطلق الركب المهاجر في صحارى مكة متخذا غاية الحيطة والحذر متسلحا باليقين والثقة والعناية الرّبانية، وأبو بكر يمشي مرة خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومرة أمامه ويفطن النبي إلى ما يفعله صاحبه فيقول: {يا ابا بكر مالك تمشي ساعة بين يديّ وساعة خلفي؟ فيقول : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر لو كان سيء أحببت أن يكون بك دوني؟
قال نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمّة إلّا وتكون بي من دونك} تسلّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه جبل ثور في خطوة تعمية ذكية تقول للأمة أن الإعداد والحيطة جزء لا يتجزأ من مقوّمات النصر والنجاح، ويدخل الصديق ليستبرئ الغار من الهوام والضواري وأي شيء يمكن أن يؤذي رسول الله، ثم قال إنزل يارسول الله، فأي حبّ وودّ صادق مزج بخالص الإيمان حملته لك القلوب يارسول الله عليك أطيب الصلاة من الله.
وقريش يجنّ عاقلها ويستطيرها القهر أن ينجو منها {محمّد} يهرع أبو جهل إلى بيت الصدّيق ليسأل: {أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ فتقول:لا أدري أين أبي،} وترتفع الكف الآثمة باللطمة المدوّية، يفرغ فيها الأشر المافون غيظه وتحتسب أسماء اللطمة في سبيل الله وتمضي وعلى مدار ثلاثة أيام، تحمل الزاد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأبيها، وتجد نفسها ذات يوم وقد نسيت رباط السفرة، فتشقّ نطاقها نصفين تربط بهما سفرة الطعام لهما، فتبشّر بنطاقين في الجنّة، وتغدو {ذات النطاقين}
وتلمّست قريش أثر النبيّ وصاحبه حتى بلغت غار ثور، والرّسول وصاحبه يسمعان ويريان أقدام القوم وما بينهما وبين الخطر إلّا أن ينظر أحدهم تحت قدميه، وأبو بكر مشفق على صاحبه الأحب، يقول:{ يارسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا ويجيبه الرسول الواثق بوعد الله يا أبا بكر ما ظنّك باثنين الله ثالثهما} ويراه النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- خائفا عليه محزونا لأجله فيقول له {لا تحزن إن الله معنا} وتبقى هذه الصحبة الصفحة الأروع والأجمل في تاريخ الصّديق ويتنزل فيها قرآنا يتلى في كل بقاع الأرض {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا} وتظل منارا تهتدي به قوافل الدعاة إلى منهج الله كلّما حاصرتها قوى الطاغوت وتآمرت عليها لكي لا تحزن، تظن أنها على الله هيّنة وهي بعينه سبحانه وتحن جناح رحمته وتمضي الرحلة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يسلك طريقا غير مألوف ويعلم سراقة بن مالك بأمرهما ويتبعهما طمعا في تلك الجائزة العظيمة التي بذلتها قريش لمن ياتيها بمحمد وصاحبه أحياء أو أموات، ويدنو منهما وتسوخ قدما ناقته أو(فرسه) في الأرض فيناديهما بالأمان، ويقفا حتى يصل إليهما، وقد عرف أن محمدا رسول الله حقا، ويخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قومه قد جعلوا فيه الدية، ويعرض عليهم مامعه من زاد ومتاع فلا يأخذا منه شيئا وطلبا منه أن يخفي أمرهما، وسراقة يرى وجه المصطفى آمنا مطمئنا يحس بالسكينة من حوله ويفاجئه الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بأكثر من ذلك {كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى} وسراقة البدوي البسيط يرى في سواري كسرى ملك كسرى فأنى له بهما ولكنه يعلم أن محمدا لا يكذب في قول أو وعد، فيطلب من رسول الله أن يكتب له بالأمان والوعد، فيأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عامر بن فهيرة فيكتب له الأمان ويعود وقد أدرك أن أمر رسول الله سيظهر لا محالة.
لقد ضاق عتاة الجهل بكلمات الحق، وكرهت طوايا الظلام انبعاثة النور وإشراقته ولو نفرت النفوس المملوءة شركا من الوحدانية الجلية وآثرت أن لاتسمع نداء الحق وأن تستأصل دعاته وتنفيهم من الأرض لو استطاعت ولكنّها عميت عن حقيقة القدرة الإلهية والمشيئة الربانية ولم تدر أنّ محمدا وصحبه سيمكّن لهم في الأرض وأن الله سينصره نصرا مؤزرا
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة .

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع