..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الحركات الإسلامية والحاضنة الشعبية

محمد نور حمدان

١ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3003

الحركات الإسلامية والحاضنة الشعبية
بين الناس 0.jpg

شـــــارك المادة

إن ما نلاحظه على العديد من الجماعات والحركات الإسلامية عدم اهتمامها بكسب الحاضنة الشعبية وذلك بسبب انطلاقها من قاعدة واجب إقامة شرع الله في الأرض دفعة واحدة وأن التمكين يكون بقوة السلاح والنظر إلى الشعب بأنهم ضالون فاسقون وقد جاءت هذه الجماعات لإخراجهم من الظلمات إلى النور وهذه النظرة كانت سبباً في الابتعاد عن الحاضنة الشعبية وقلة الاهتمام بهم وإجبارهم على تطبيق أفكارهم ومعتقداتهم مما أدى إلى فقدان الثقة المتبادلة بين الحاضنة الشعبية وهذه الجماعات الإسلامية.
وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اهتمامه في بداية أمره بكسب الحاضنة الشعبية وكان يرى التمكين من خلال تلك الحاضنة فهو لم يعلن عن دولته إلا بعد كسب الحاضنة الشعبية.

ذهب إلى الطائف ليقنعهم قابلوه بالاستهزاء والشتم والسب فأرسل الله عز وجل له جبريل ومعه ملك الجبال عارضاً عليه أن يطبق عليهم الجبلين وكان من الممكن أن يحصل له التمكين بالقوة لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرغب أن يحصل له التمكين بالقوة بل بالإقناع وبعد ذلك عندما وجد في المدينة المنورة الحاضنة الشعبية التي ستستقبله وتستقبل دعوته هاجر إلى المدينة المنورة وأعلن عن ولادة الدولة الإسلامية وسرعان ما ظهر أثر الحاضنة الشعبية في أول وأهم غزوة في التاريخ الإسلامي غزوة بدر، عندما أراد الرسول إعلان بدء الغزوة استشار الصحابة، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. (صحيح مسلم: باب غزوة بدر الكبرى ومتى كانت- 1779).
هذا هو أثر الحاضنة الشعبية يظهر عند الملمات والشدائد فلم يكتف الرسول برأي المهاجرين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إنما لم يعلن عن الحرب حتى أخذ رأي الأنصار وعرف أنهم يريدون الحرب.
ولم يكن كسب الحاضنة الشعبية في الحروب فحسب وإنما حتى في التشريعات الإلهية فهذه عائشة رضي الله عنها تقول (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً) (صحيح البخاري، باب: تأليف القرآن، 4993).
ونحن نرى أن الحركات الإسلامية اليوم أول ما تطالب بتطبيقه إقامة الحدود فأين هم من التشريعات الإلهية والتدرج في التشريع…!
ولم يكن هذا فحسب وإنما تركت الشريعة  كثيراً من الأمور الدنيوية لأهل البلد يفعلون ما يناسب مصلحتهم الدنيوية ومعاشهم وكسبهم عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَخْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أُنَاسٌ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟» فَقِيلَ: يَأْخُذُونَ مِنَ الذَّكَرِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي الْأُنْثَى، فَقَالَ: «مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا» فَبَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ وَنَزَعُوا عَنْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ ظَنَنْتُهُ، إِنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئًا فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ ظَنَنْتُهُ، وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلَكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ قَالَ اللهُ، فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ) (مسند الإمام أحمد، 1400).
فالنبي صلى الله عليه وسلم تراجع عن اجتهاده عندما رأى فيه مشقة دنيوية على أهل المدينة المنورة فأين قيادة الجماعات الإسلامية من هذه التشريعات و سن القوانين التي تتناسب مع مصالح الناس ومعاشهم وتتناسب مع أهل البلد فقد تراجع رسول الله عن رأيه إلى رأي أهل البلد.
يا قادة الحركات الإسلامية وأخص تلك الحركات في سوريا الحرة إن أردتم تطبيق شرع الله فعليكم بكسب الحاضنة الشعبية وكسب محبتكم في قلوبهم أولاً ولا تتغافلوا عنها بموضوع التمكين في السلاح والقوة فهذا التمكين الذي منحكم الله تعالى إياه بالقوة قد يسلبه منكم في لحظات وإن لم تكسبوا الحاضنة الشعبية فستميل عليكم عند زوال قوتكم ميلة واحدة.
وإياكم أن تقعوا في أخطاء الماضي في الدول الأخرى واستفيدوا من التجارب السابقة فالحركات التي تفقد الحاضنة الشعبية هي الحركات الأسرع زوالاً دون أن تبقي أي أثر.
وإن أردتم إقامة شرع الله في بلد وهذا مطلبنا جميعاً فاكسبوا محبة أهل البلد وودهم وبعد ذلك هم الذين يطالبون بإقامة شرائع الله ولا تكرروا أخطاءكم في البلاد السابقة.
واعلموا أن التمكين في كسب الحاضنة الشعبية وليس بقوة السلاح.

 

 

مركز عزام للدراسات والأبحاث

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع