..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

تقسيم سوريا في الرؤية التركية

محمد زاهد جول

٧ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5071

تقسيم سوريا في الرؤية التركية
زاهد جول01.jpg

شـــــارك المادة

قد يعتقد البعض أن من مصلحة تركيا تقسيم سوريا، فهذا يقضي على المخاوف التركية من وجود دولة موحدة وقوية في سوريا، طالما ناكفت الجمهورية التركية بالاستفزازات والانتهاكات والعداء، حتى كادت العلاقات بينهما تصل إلى حافة الحرب، كان آخرها في أواخر القرن الماضي، عندما كان نظام حافظ الأسد يدعم العمليات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني ويشجعه عليها، ولأسباب أخرى كان النظام السوري يحتج بها على توتير العلاقات السورية التركية، منها علاقة تركيا مع إسرائيل في المسائل الأمنية والمياه وغيرها.

ولكن تلك المرحلة انتهت بكل مساوئها، ودخلت الحكومات التركية وبالأخص في عهد حزب العدالة والتنمية في مرحلة جديدة من حسن الجوار وتوقيع الاتفاقيات السياسية والأمنية والاقتصادية وفتح الحدود للشعبين، وحتى لما قامت الاحتجاجات الشعبية في آذار 2011 في سياق ثورات الربيع العربي لم تفكر الحكومة التركية بمعاداة النظام السوري وتقدمت نحوه بالنصائح بقبول مطالب الاحتجاجات الشعبية ومناقشتها وتلبية المطالب الديمقراطية وإنهاء مرحلة المعارضة في الخارج التي بدأت في السبعينات وتفجرت في الثمانينات من القرن الماضي، وبالأخص أن المعارضة السورية الخارجية كانت على أتم الاستعداد لقبول الإصلاحات السياسية.

ولكن الأسد رفض النصائح التركية واستمع إلى النصائح أو الأوامر الإيرانية والروسية بقمع الاحتجاجات الشعبية بكل قوة وقسوة وبطش، حتى أن الرئيس الروسي بوتين أمر بشار الأسد بإدخال الجيش السوري في قمع الشعب طالما عجزت الأجهزة الأمنية والشبيحة من إنهاء الاحتجاجات الشعبية في الأشهر الستة الأولى، ولكن النتيجة كانت رفض الجنود والضباط الأوامر أولاً، ثم الانشقاق عن الجيش، وأغلب هؤلاء كانوا من العسكريين السنة، لأن القتل الوحشي من الأسد وأنصاره كان للمواطنين السنة، ولذلك اتخذت روسيا منذ ذلك الوقت عداء غير مبررا ضد فصائل الثورة السورية السنية، واعتبرت روسيا أن أسباب الثورة هي رفض حكم الأسد لأنه من الأقلية العلوية، أي لأسباب طائفية، وما ساعد على إنتشار الذريعة الطائفية أن إيران هي التي كانت تفسر بها الاحتجاجات الشعبية السورية، وقد طغت لاحقاً على رؤية بشار الأسد ونظامه للأحداث، وتبنى الأسد هذه الرؤية أو الحملة الإعلامية الإيرانية ظنا منه أنها يمكن أن تقنع الشعب السوري بالامتناع عن تأييد الثورة، التي تحولت إلى مرحلتها المسلحة بضغوط مباشرة وغير مباشرة من الأسد نفسه، ولكن هذه التوقعات لم تنجح لأن بشار وحلفه رفضوا قراءة ما يجري على أنها مطالب شعبية في الإصلاح والمطالب الديمقراطية، وركزوا على حرف المطالب الشعبية وتشويه صورتها دون توقف، وقد ساعده على ذلك إعلام محور إيران وروسيا وحزب الله اللبناني والقنوات الفضائية التابعة لهم.

لقد فشل الإعلام الطائفي الأسدي والإيراني والروسي ومعهم "حسن نصرالله" مروج الإعلام الإيراني الأكبر في لبنان والوطن العربي في منع الشعب السوري عن مواصلة ثورته، وقد أصبح القتلى بمئات الألوف والجرحى أضعافهم وكذلك المعتقلون، وأكثر من عشرة ملايين مشرد ولاجىء سوري في دول الجوار وبالأخص في تركيا، مما فرض على الحكومة التركية أن لا تتوقف عن متابعة كل المحاولات العربية والإقليمية والدولية لحل الصراع في سوريا سياسياً أو عسكريا، لأن المهم أصبح وقف النزيف المتواصل لخمس سنوات، ولوقف نزيف اللجوء إلى تركيا أيضا، وكذلك لوقف نزيف اللجوء إلى أوروبا عبر البحار والغرب فيها وما واكبها من مشاهد قاسية، دون ان تقوم الدول المساندة لبشار الأسد في حرب على الشعب السوري والتسبب بكل المآسي السابقة بعمل شيء سوى تقديم مزيد من السلاح أولاً، والكذب على المؤتمرات الدولية التي تعقد من اجل سوريا في جنيف وغيرها ثانيا، على امل أن يحسم الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الطائفية من حزب الله اللبناني والعراقي وغيرهم القضاء على الثورة السورية، فلما فشل الحرس الثوري الإيراني بهذه المهمة أحضروا الجيش الروسي لمتابعة أو مشاركة الحرس الثوري وحزب الله اللبناني في قتل الشعب السوري وإنهاء ثورته، ولكن بوتين وصل إلى نفس الطريق المسدود مثل خامنئي وجيشه الطائفي في سوريا أولاً، وغيرها من البلاد العربية، في ظل سعي الدول الكبرى إشعال البلاد العربية بالحروب الطائفية والقومية والسياسية والدينية.

هذا التخريب الإيراني والروسي في سوريا لم تكن أمريكا بعيدة عنه، لأنها ومنذ العام الأول للثورة سمحت أمريكا لروسيا بالعبث بالملف السوري، سواء بتزويده بالسلاح عسكريا، أو استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي أكثر من أربع مرات ضد أي قرار يدين النظام االسوري، او يطالب مجلس الأمن التدخل العسكري لإنهاء معاناة الشعب السوري، واخيرا بالتدخل العسكري المباشر وإقامة قواعد عسكرية في سوريا، وقصف فصائل الثورة السورية المعتدلة، لأن أمريكا ترفض سقوط بشار الأسد لصالح ثورة شعب، يمكن أن يدعي بان له فضل إسقاط النظام السابق، وبالتالي بناء دولته بحرية سياسية وبهويته الحضارية الخاصة، فهذا الانتصار الشعبي ممنوع في سوريا، وممنوع أمام كل ثورات الربيع العربي، حتى لو أدى الأمر بأمريكا إلى دعم الانقلابات العسكرية والأحكام العرفية والاستبدادية في البلاد العربية ولو بسرية، فأمريكا تريد الوطن العربي خاضعا للإرادة الأمريكية والغربية، وغير قادر على تهديد الأمن الإسرائيلي بصورة جدية، لأن إقامة دولة عربية قوية وديمقراطية من الخطوط الحمراء لدى الإدارة الأمريكية التي لا ولن تتهاون بها إلا مرغمة.

واخيراً وبعد أن أدركت القيادة الروسية أن مهمتها في سوريا صعبة جداً، وليس كما صورها الجنرال الايراني قاسم سليماني لبوتين بتموز 2015، بأن دورها فقط قصف جوي لقواعد الثورة السورية يتبعها احتلال من كتائب الجيش الإيراني والحرس الثوري وميليشيات حزب الله اللبناني التي ستكون معدة لذلك، فتنتهي بسهولة وخلال مدة قصيرة القوة العسكرية لفصائل الثورة السورية، ويتم إخضاعهم إلى شروط الحل السياسي الذي تريده روسيا وإيران وتوافق عليه أمريكا وتباركه الكنائس الشرقية والغربية والإسرائيلية، وعند ذلك ستكون النهاية للأعوام الخمسة، وإلا فإن فرض الحل العسكري التي تريده روسيا سيكون ممكنا طالما تم القضاء على فصائل الثورة السورية المسلحة.

لقد تم خداع روسيا بانها ستقوم بلعب دور عالمي بحل ازمة دولية أولاً، ثم تم خداعها بأنها تقوم بدور عسكري عالمي لم تحلم به أيام الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، والنتيجة ان روسيا أصبحت متورطة في سوريا مثل إيران ومثل جيش بشار، فلا تستطيع حسم الموقف العسكري لصالحها، ولا تستطيع فصائل الثورة السورية طردها من سوريا، بسبب منع الأسلحة النوعية عنها، أي أن روسيا في المستنقع الذي صنعته لها أمريكا في سوريا، فلا تستطيع مواصلة الحرب العبثية ولا الانسحاب منها دون تحقيق نتائج عسكرية أو سياسية، ولذلك تحاول روسيا فرض حل للصراع في سوريا حتى تجد مخرجا لها، حتى لو لم يؤدي إلى انتهاء الأزمة السورية، واخذت تتخبط بهذه الرؤية بين المشاريع العسكرية والسياسية.

ومن تخبطها العسكري والسياسي معاً تحالفها مع حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته وحدات حماية الشعب المسلحة، لا من باب المحبة بالأكراد في سوريا ولا في تركيا، وإنما، علها تجد عندهم حبل النجاة الذي لم تجده عند إيران ولا عند بشار أولاً، وكورقة ضغط على الحكومة التركية ثانياً، وكورقة ضغط على السوريين وفصائل الثورة السورية المعتدلة ثالثاً، وتهديدها بأن روسيا ذاهبة إلى التقسيم إذا رفضت المعارضة السورية الحل السياسي الذي يخرج روسيا من الأزمة رابعاً.

هذا يعني أن فكرة التقسيم هي أداة وليس نتيجة، لأن فكرة التقسيم هي الورقة الوحيد التي تجعل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب ترمي بنفسها في أحضان النار الإيرانية أولاً، والتجنيد مع الحلف الأمريكي ثانياً، والتحالف السياسي مع الخطط الروسية ثالثاً، حتى لو أدى بها إلى قتل عناصرها وشعبها في سوريا في مشاريع غيرها، وهذه خطوة وخطورة انتحارية لأكراد سوريا، لأن التقسيم ليس في مصلحة أي دولة أو شعب، لأن ثمن ما بعد التقسيم أكبر مما قبله، أي أن الحرب المستعرة ستبقى ضد الدولة العلوية وضد الدولة الكردية وضد الدولة العربية أو الدرزية أو غيرها، لأن أمريكا غير معنية بوقف الحرب في سوريا إلا بخروج أمريكا من الشرق الأوسط، ولا أحد يعلم متى يكون ذلك، وعلى روسيا أن تعلم أن ثقل حرب خمسة أشهر قد يمتد إلى خمس سنوات وأكثر، فأمريكا لم تسمح لها المجيء إلى سوريا من أجل النزهة وإنما للانتقام، وقد تكون الخديعة التي قدمتها إيران لأمريكا بإحضار روسيا إلى سوريا عسكريا هي أكبر مكافئة مقابل رفع العقوبات الدولية عن إيران، ولذلك فإن روسيا ترفض التقسيم لإدراكها أنها تفتح على نفسها أبواب جهنم أو الهروب من سوريا والشرق الأوسط بالكامل.

في هذا السياق تشاركت الرؤية التركية والإيرانية برفض التقسيم في سوريا كما صرح بذلك رئيس الوزراء التركي داود أوغلو بعد زيارته إلى طهران بتاريخ 6/3/2016، لأن التقسيم ليس إلا أداة لإطماع حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته حماية الشعب لخدمة روسيا وامريكا فقط، وذلك بمحاربة ومقاتلة فصائل الثورة السورية، ولكنها لن تنال شيئا، وعندما تنتهي الأهداف الروسية والأمريكية فإنها سوف تتخلى عن الأحزاب الكردية، بل ستكون سلعة في المفاوضات الدولية الأكبر، ولن تتمكن من إقامة دولة كردية مستقرة، لأن الأرض التي تقام عليها الدولة الكردية في سوريا هي أرض عربية، وسيكون الكيان الكردي في نظر العرب مثل الكيان الصهيوني الإسرائيلي، دولة احتلال، بلا شرعية مهما حصلت من الاعتراف الدولي، فليس من مصلحة تركيا ولا إيران تأييد التقسيم في سوريا، حيث يريده المتكبرون في الأرض أن يكون أداة في إضعاف القوميات الإسلامية في المنطقة، وإذا نجح التقسيم في سوريا فإن مشروع التقسيم التالي سيكون في إيران، وقد تكون المحاولة بعدها في تركيا أو السعودية أو مصر أو غيرها، فالتقسيم أداة استعمارية وليس غاية وطنية بغض النظر عن الذرائع القومية.

 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع