..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

التدخل السعودي_التركي

ماهر علوش

٢٠ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2396

التدخل السعودي_التركي
thnyn_1.jpg

شـــــارك المادة

لا يزال التدخل في شؤون الدولة السورية والنظام السوري يخضع للقانون الدولي؛ فجميع الدول العاملة في سورية دخلت بشكل قانوني، إما بطلب من النظام ـــ المعترف به دوليًّا حتى الآن ـــ كروسيا وإيران، وإما تحت ذريعة مكافحة الإرهاب كبقية الدول، وهي البوابة الأكثر فاعلية في الطَّرَف المقابل للنظام...
من هنا يمكن تفسير ما تَمَّ تداوله في الآونة الأخيرة عن التدخل السعودي_التركي لقتال داعش ـــ إذا نظرنا له إيجابيًّا ـــ بأنه يأتي ضِمْن سياق البحث عن غطاء دولي أو مظلة قانونية تستطيع السعودية_تركيا الدخول المباشر من خلالها إلى الجغرافية السورية، ومن ثَمَّ تقوم بتنفيذ أجندتها الخاصة في دعم الثورة... وبالتأكيد المظلة القذرة التي تُستباح بها الأراضي السورية، ويدخل الجميع من تحتها هي داعش...
ولا شك أن التدخل السعودي ـــ فيما لو تَمَّ ـــ هو الرِّهَان الأخير الذي يمكن أن نعقده على الدول الوظيفية التي قادت المنطقة العربية إلى دمار وموت مُحَتَّم... والحكم على هذا التدخل ـــ إيجابًا أو سلبًا ـــ سيكون من خلال النظر في الأجندة التي يتم تنفيذها على الأرض... بمعنى: هل ستكون داعش ذريعة التدخل السعودي_التركي المباشر، ومن ثَمَّ تقوم هذه الدول بتنفيذ أجندتها الخاصة في مساندة الثورة واقتلاع النظام، وإيقاف المد الإيراني في المنطقة، أم ماذا؟
لقد بات واضحًا اقتراب انحسار داعش في سورية... مما يعني تعزيز تهميش الوجود السني في المنطقة، وإخراج العرب السُّنة من المعادلات أو التوازنات الإقليمية المستقبلية؛ وذلك بسبب حالة الحقد والكراهية التي صنعتها داعش، والتقارب الأمريكي الإيراني الجديد، في خطوة مشابهة لما حدث في العراق تمامًا... وكل ذلك بفضل غباء الحركات الجهادية، وعمالة الأنظمة الوظيفية، والميليشيات العابرة للحدود، يضاف إلى ذلك سوء إدارتنا للملفات الساخنة التي تغلي بها المنطقة...
إن جميع الدول المؤثرة والمتأثرة بما يجري في الساحة السورية هي الآن في سباق مع الزمن، وذلك بالنظر إلى ما يجري على الحدود شمالي حلب ـــ إعزاز وما حولها ـــ؛ لأن وصول الميليشيات الكردية إلى إعزاز، وسيطرتها على الشريط الحدودي يعني اقتراب ولادة الدولة الكردية المزعومة، والتي تتكامل ولادتها بالوصول إلى البحر...
إن السماح بتشكيل دولة معادية أو نتوء شاذّ عن المحيط في جنوب تركيا يعني فصل وإبعاد تركيا ـــ ذات البعد السني ـــ عن عمقها الاستراتيجي وهم العرب السُّنة... مع ما يمكن أن تثيره هذه الدولة لاحقًا من قلاقل في عمق الدولة التركية، خاصة إذا ما نظرنا إلى امتدادها الديمغرافي في الداخل التركي، والذي قد يتحول بشكل ما إلى مناطق وبؤر توتر بفعل الميليشيات الكردية لاحقًا...
وعلى فرض لم تصل هذه الميليشيات الكردية إلى إعزاز، واستجابت للتعليمات الأمريكية المطالبة بالتوقف عند مطار منغ، حينها ستفتر الدولة التركية للمرة الثانية عن التدخل، وسَتُخْدَع مُجَدَّدًا بالوعود الأمريكية بعدم تجاوز الميليشيات الكردية الحدود المرسومة لها... ومن ثَمَّ ستبدأ هذه الميليشيات بحرب برية ضد داعش تحت غطاء من التحالف الدولي، وسَتُدْعَم من قِبَل أمريكا لاحقًا، ليتم بذلك السيطرة والتحكم بالدويلة السنية المختنقة أصلًا، والتي يُرَاد لها أن تقوم على أنقاض داعش...
الجميع في سباق مع الزمن، والإقليم الذي يتم إعداده للعرب السُّنة في سورية بات لقمة شهية لهم؛ لأن "من يُحَرِّر منطقة من داعش فهي له"، وهذا سِرُّ استعجال جميع الأطراف الوصولَ إلى المناطق التي تخضع لسيطرة داعش... فتسابق إليها: النظام وحلفاؤه روسيا وإيران، والميليشيات الكردية المدعومة من روسيا وأمريكا، وفصائل الثورة السورية المدعومة إقليميًّا... وفي حال وصول النظام والميليشيات الكردية إلى إعزاز فإن هذا يعني إعادة تَعْوِيم النظام دوليًّا، ومن ثَمَّ طرحه كشريك أساسي في مكافحة الإرهاب ومحاربة داعش، وذلك بالاشتراك مع قوات سورية الديمقراطية، والتي تطرح نفسها كفصيل أو مكون ثوري في جانب الثورة السورية، وبهذا السيناريو تكون قد تحققت أحلام روسيا وأمريكا في وأد الثورة السورية، وإقامة تحالف بين النظام والمعارضة بهدف مكافحة الإرهاب، وهو ما سَعَت له موسكو قبل انعقاد جنيف1...
الآن ـــ وأكثر من ذي قبل ـــ يتحتم على الثورة السورية أن تقوم بتجريد نفسها عن الحلفاء، وأن تقوم بالبحث عن مخارج ذاتية من الأزمة، والهدف الأساسي أن تحافظ الثورة على نفسها "الصراع من أجل البقاء"؛ لأن الثورة عاشت حالة استنزاف هائل على صعيد العنصر البشري، إذا ما استمر لفترة أطول قد ينعكس سلبًا على خط سير الثورة كليًّا، مما سيفقدها القدرة على البقاء والاستمرار...
على الجميع ـــ الحلفاء قبل الأعداء ـــ أن يدركوا أننا لسنا الوحيدين المعنيين بهذه المعركة، وأن الشرر سيطال الجميع بدون استثناء، تركيا والسعودية وغيرها... ولن يشفع لأحد رغبته في انتصار الثورة السورية؛ لأننا نعيش الآن حربًا فعلية، لا ينفع معها التصريحات والعنتريات الكلامية...
ينبغي أن يدرك الحلفاء ـــ فيما لو أرادوا الحل ـــ أنه ليس أمامهم سوى الاعتماد علينا فقط، وهذا بالتأكيد سيكون أقل كلفة عليهم من الناحية المادية أولًا، ومن ناحية المخاطر التي تحتفّ بالتدخل العسكري المباشر ثانيًا؛ فإن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة ليس بعيدًا فيما لو تدخلت الدول بشكل مباشر في هذا الملف...
قد تكون الدول الكبرى تسعى لاستنزاف أو توريط السعودية وتركيا في حرب كبيرة لا يعرفون كيفية الخروج منها، وقد يكون التدخل الروسي المباشر في الحرب هو جزء من اللعبة الدولية لتوريط روسيا أيضًا، وإدخالها في مستنقع الحرب... وبهذا تتفادى الدول الكبرى الحرب العالمية الثالثة، وتحقق هدفها في تدمير القوتين معًا... أعني: القوة الروسية الباحثة عن دورها التقليدي كقطب دولي، والقوة التركية الباحثة عن دورها التاريخي الأممي... وقد يكون حديث الأروقة الغربية عن الحرب العالمية الثالثة، والتحذير من اشتعالها، والبحث في مدى استعداد الدول الكبرى لها... قد يكون جزءًا من هذا السيناريو...
بالتأكيد نحن نَتَفَهَّم خطورة التدخل السعودي_التركي في سورية، ومدى تأثيره على الصراع الدولي بل على النظام العالمي؛ لذلك كان كلام ميدفيديف واضحًا عندما حَذَّر من نشوب حرب عالمية ثالثة فيما لو تدخل أحد في سورية بدون موافقة النظام أو المجتمع الدولي...
قد يكون المراد تخويف تركيا وثنيها عن المتابعة في حماية أمنها القومي، وقد يكون التحذير جديًّا بالقدر الكافي لإشعال الحرب... ولا شك أن إسقاط تركيا للطائرة الروسية كان اختبارًا حقيقيًّا لإرادة الطرفين في خوض الحرب...
نحن ندرك تمامًا خطورة الوضع، ولا نطالب الدولة التركية بهدم ما بنته خلال عقدين في أيام، لكن لا بد أن يعلم جميع الباحثين عن بقايا دولهم في التاريخ ـــ تركيا مثالًا ـــ أن الحرب لم تكن يومًا أمرًا اختياريًّا لأحد...
لقد ارتكبت تركيا خطأ كبيرًا عندما ظنت أنها قادرة على المضي بسياسة "صفر مشاكل"، مع أنها تعلم بوجود الكثير من ألسنة اللهب حولها... بل هي تعيش في منطقة الزلزال الدولي قطعًا، وللأسف لم تكن ثلاثة عشر حربًا مع روسيا وحدها كافية في تثبيت هذه القضية في ذاكرة الدولة التركية...
تركيا بلا أدنى شك بدأت تعي أصل المشكلة، وعرفت أين ترقد الأفعى، ومن أين ينبغي أن تبدأ... لكن من الواضح جدًّا أنها تخشى المواجهة الخشنة، وهذا شيء طبيعي جدًّا في بلد شَكَّل حكومة رجال أعمال تحت شعار تحسين الاقتصاد وتحقيق الرفاهية، ولم يُشَكِّل حكومة حرب لمواجهة المخاطر والتحديات التي تحيط به...
لا تزال تركيا تراهن على حلف الناتو، وتحاول التدخل من خلال غطاء دولي يمنع استنزافها في حرب طويلة ومدمرة قد ترتكب روسيا حماقة في إشعالها... هي تريد إدخال الدول الكبرى في طاحون الحرب، وهذا توجُّه صحيح بلا أدنى شك، لكن السؤال... إلى متى ستنتظر تركيا التدخل الدولي المشترك الذي يحقق لها غايتها؟
قد يطول كثيرًا انتظار تركيا لتدخل دولي يحقق لها مصالحها؛ لأن تدميرها جزء من المخطط المرسوم للمنطقة، والتأخر في دراسة التاريخ وقراءة المستقبل بشكل صحيح سوف يتسبب بمشاكل كثيرة كان يمكن تفاديها بالقليل من الجرأة... لقد شاهد الجميع كيف أن التدخل الروسي المباشر عَقَّدَ القضية السورية، وأدخلها ضِمْن الصراع الدولي بشكل سَافِر، وحَدَّ من تأثير تركيا والحلفاء في مجريات الحدث ـــ غياب الطيران التركي عن الأجواء نموذجًا ـــ...
وأخيرًا... يؤتى الحَذِر من مأمنه... ولا يغني حَذَر من قَدَر... ومن أكثر احتساب الخسائر لم يَتَّجِر... لقد وضعت تركيا نفسها في دائرة الهدف عندما قررت أن تعود إلى أندية الكبار مُجَدَّدًا... والغرب وروسيا لن يسمحوا لها أن تعود للتأثير في المشهد الدولي كقوة عظمى مهما التزمت بالشرعية الدولية... ولا خيار أمام تركيا إلا أن تستعيد دورها التاريخي وتتحرك كلاعب شرس في الإقليم مبدئيًّا...
لا شك أنها قد تخسر على المدى القصير جزءًا من ازدهارها واقتصادها... لكنها سوف تكسب على المدى البعيد أمنها واستقرارها... فإذا أرادت الحفاظ على بناء عقدين فلا بد من اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، ومن يظن أن التحولات التاريخية تقوم على التفاهمات الورقية فهو واهم...

 

 

 

الدرر الشامية 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع