..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بوتين مصرّ على «حصة الأسد» ومواجهة «داعش» إلى تصعيد

عادل مالك

٤ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2640

بوتين مصرّ على «حصة الأسد» ومواجهة «داعش» إلى تصعيد
الروسي 000 روسيا.jpg

شـــــارك المادة

طُرح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السؤال التالي:

ما تبريرك للتدخل العسكري في سورية؟ فأجاب: «الحرب على الإرهاب المتمثّل بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وهي حرب استباقية حرصاً على أمننا القومي، وإذا لم نتمكن من القضاء على هذه المجموعات الإرهابية، أخشى أن نجد «داعش» في عقر الدار في روسيا».

هذا هو تفسير أو تبرير القرار بالتدخل العسكري في سورية، وهو يقتصر على التدخل الجوي، أي مشاركة المقاتلات الروسية مع استبعاد التدخل البري.

كيف حدث هذا الموقف المستجد؟ وما تداعياته الفعلية والافتراضية؟ ما أعلن «أن السلطات الشرعية في سورية والممثلة بالرئيس بشار الأسد، تقدمت بطلب التدخل من موسكو لمواجهة الأخطار المتزايدة من تنظيم «داعش» وسائر القوات الإرهابية الموجودة في سورية».

في هذه الأثناء، عقد البرلمان الروسي واللجان المتفرعة عنه كافة اجتماعاً، وتمت الموافقة بإجماع الأعضاء على تفويض السلطات القيام بالمهام المطلوبة خارج أراضي الاتحاد الروسي. وصحا العالم صباح الثلثاء الفائت، على قيام الطائرات الروسية بأولى مهامها بقصف مراكز محددة لتجمعات «داعش» في مدن سورية.

وفور شيوع هذه الأخبار، بدأت المواقف المتناقضة حول هذا التحرك بالظهور، وتفاوتت ردود الأفعال بين مصدر وآخر.

ففيما رحبت بعض الأوساط بالخطوة من منطلق التركيز على توجيه الضربات الجوية على تنظيم «داعش» وشركائه، اعتبرت الأوساط السورية المعارضة أن ما جرى «عملية احتلال» روسي لسورية، وأن الدور الحقيقي لهذا التدخل تأمين مزيد من الحماية لنظام الرئيس الأسد تحت ستار مكافحة الإرهاب».

وطرحت الخطوة الروسية تساؤلات كثيرة حول أبعاد القرار الروسي والتداعيات التي قد تترتّب عليه.

فأولاً: لماذا أقدمت روسيا على التدخل العسكري (الجوي فقط)، وفي هذا التوقيت بالذات؟

يجيب بعض المصادر الروسية بالقول: هذه الخطوة تحدث بعد ما يقرب من خمس سنوات من اندلاع شرارة الأحداث في سورية، وبروز تنظيم «داعش» أدخل عاملاً رئيسياً على مسار الأحداث. ويضيف: من خلال متابعة روسيا لما يجري في المنطقة، بخاصة تنامي نشاطات الإرهاب التكفيري، فإن ما يعرف بقوات التحالف الغربي التي تضمّ أكثر من أربعين دولة، لم يتمكّن من تحقيق إنجازات واضحة أو محددة ضد مقاتلي «داعش».

ثم إن الرئيس بوتين اتخذ هذا القرار بعدما استشعر أخطار الإرهاب التكفيري على الداخل الروسي. ومن هذا المنطلق، يعتبر أن ما أقدمت عليه الطائرات العسكرية الروسية يأتي في سياق الدفاع عن النفس.

وفي سعي الى التخفيف من وطأه ردات الفعل على هذا الإجراء، صرّح مصدر روسي بالقول: «هذا الإجراء تدبير موقت فرضته بعض الظروف المعينة». وللمناسبة، فهذا التعبير «موقت» مألوف جداً لدى اللبنانيين، بخاصة خلال وجود القوات السورية على الأراضي اللبنانية وعبر الشعار المثلث: «هذا التدخل شرعي وضروري وموقت»، وكان يقال مثل هذا الكلام للأطراف التي كانت تعارض الوجود العسكري والسياسي والمخابراتي في لبنان، وذلك من قبيل التفسير التالي:

شرعي: الإشارة الى أن هذه القوات ليست احتلالاً بل هي نتاج تسوية إقليمية دولية في حينه فوّضت بموجبها الولايات المتحدة سورية للاهتمام بالشأن اللبناني. أما تعبير «ضروري» فللقول أن هذا الوجود حتّمته الضرورات الأمنية وغير الأمنية. أما تعبير «موقت» فلتطمين فريق من اللبنانيين إلى أن الوجود السوري لن تطول إقامته في لبنان أكثر من فترة محدودة... وبقية التفاصيل معروفة للجميع.

وبالعودة الى القرار الروسي الذي خطف كل الأضواء، قد يكون مفيداً استحضار بعض ما كتب وقيل عن أحداث سورية، وأخطار «داعش»، ومن ذلك وتحت عنوان «تسونامي الداعشي»: «المواجهة ليست بحجم التحدي». ونضيف: «إن تنظيم «داعش» يتمدد في كل الاتجاهات أفقياً وعمودياً، ويفتح له فروعاً في الأوطان والمهاجر، وقد أصبح «عامل جذب» لكثير من الشبان والشابات من مختلف دول الغرب، وهذا ما اكتشفته سلطات هذه الدول متأخرة بعد سفر العديد من أبنائها الى المنطقة والالتحاق بداعش» («الحياة» 4/7/2015).

والقصد لفت الانتباه الى عجز أكثر من نظام في المنطقة عن مواجهة «داعش» وتمدّد الأخطار التي ينطوي عليها هذا النوع من الإرهاب التكفيري، وبالتالي فالمطلوب مزيد من الجهود لتعزيز الدفاعات العربية المعنية بالأزمات القائمة والحدّ من انتشار هذا النوع من الإرهاب.

ثانياً: كان الأسبوع المنصرم أسبوع «الإرهاب وسورية» بامتياز خلال الاجتماعات والمداولات التي حفلت بها المنظمة الدولية في نيويورك.

وإذا ما التقى بعض الأفكار مع بعض الوقائع السائدة في المنطقة وبخاصة في سورية والعراق، فإن خلافاً قد استعر من حول دور الرئيس بشار الأسد بين مؤيد لبقائه من منطلق المشارك في حل الأزمة (وتأتي روسيا في طليعة هذا المعسكر)، ومعارض بعنف لاستمراره في السلطة، كالمملكة العربية السعودية ودول أخرى، مع مواقف زئبقية للولايات المتحدة الأميركية، ومراوحة بين التأييد المشروط لاستمراره والمناداة بعدم الرحيل الآن.

وفي هذا السياق يتضح التالي:

الرئيس بوتين متمسك «بحصة الرئيس الأسد» حتى الثمالة، بخاصة أن العالم كله يدرك أن الدور الروسي كان ولا يزال الرافعة الأساسية للنظام في سورية. وفي هذا المجال، يستطيع الأسد الزعم بأن العالم بأسره منقسم حول مصيره ودوره المستقبلي. على أن القناعة ترسخت في الآونة الأخيرة بأن استهداف الأسد لا يجب أن يعني تدمير النظام بكامل هيئاته، وأن التجارب المريرة التي شهدتها المنطقة منذ الغزو الغربي للعراق تبقى راسخة في الأذهان، ومن الواجب عدم تكرار حدوث المغامرة مرة أخرى. ومن هنا، كانت عملية الفصل بالنسبة الى بعض الدول بين النظام ورأس النظام.

وفي سياق متصل، تعتبر أوساط إقليمية ودولية أن التدخل العسكري الروسي سيطيل عمر النظام، وهو بهذا التصرف يوفر له الغطاء لأمد غير محدود، خصوصاً أن بوتين أبلغ كل من فاتحه في موضوع مستقبل الأسد، أن مصيره يقرره الشعب السوري في أي انتخابات يمكن أن تجري.

كذلك، فالمعارضات السورية المنتشرة بين ضفاف البوسفور والدردنيل وسائر العواصم الغربية، لم تتمكّن حتى الآن من إيجاد صيغة مقنعة بأن هذه المعارضات يمكن أن تشكل بديلاً للنظام.

وبعد...

وحتى لا نضيع عن بوصلة الأحداث في المنطقة، يجب أن نتذكر التفاهم الغربي - الإيراني حول «الملف النووي».

فخلال الفترة التي سبقت إعلان التوصّل إليه، كان يقال لدى بروز أي أزمة في الإقليم أو في العالم: الجميع في انتظار «الاتفاق النووي». وحصل الاتفاق فعلاً بعد المفاوضات الشاقة والماراثونية المعروفة، واليوم ولدى حدوث أي تطور أو أزمة من أي نوع، يقال أن هذا من نتاج التفاهم النووي الإيراني.

ولدى وقوع أي حدث من حضرموت والربع الخالي الى واشنطن ونيويورك، هناك خيط مترابط تسير ضمنه التطورات الحالية والآتية، ومنذ الإعلان عن عدم تمكّن الكونغرس الأميركي من استخدام «الفيتو» ضد الاتفاق، يجري أكثر من طرف إقليمي أو دولي حسابات الخسائر والأرباح، وها هي الوفود الدولية تسرع في الهرولة الى طهران طمعاً بالحصول على اتفاق في مرحلة ما بعد حصول إيران على أموالها المجمّدة لدى المصادر الأميركية والغربية.

على أن أحداث الأيام الماضية، بخاصة كارثة الحجيج على صعيد منى في مكة المكرمة، ألقت بظلالها على العلاقات السعودية - الإيرانية، والمؤمل ألا تتخذ تداعيات هذا الحدث الجلل المزيد من التوتر وتأجيج الأجواء الإقليمية والعامة، فالمنطقة لا تحتاج الى «توترات إضافية»، خصوصاً في هذا التوقيت بالذات. على صعيد آخر، ستشكل الزيارة المرتقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الى روسيا «في القريب العاجل»، زخماً جديداً في العلاقات السعودية - الروسية، وسبق لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أن قام بزيارة وُصفت بالناجحة الى موسكو حيث جرى الإعداد لزيارة الملك سلمان الى الاتحاد الروسي.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة الى ما ورد في حديث وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير، الى «الحياة»: «إن العلاقات السعودية - الروسية - يجب أن تكون أوسع مما هي عليه»، ويضيف: «إن حجم المملكة العربية السعودية وحجم روسيا اقتصادياً وسياسياً، لا يتماشيان وحجم العلاقات القائمة بين البلدين... ويجب أن يكون هناك سعي الى تعزيز هذه العلاقات وتقويتها في كل المجالات»، وأضاف: «بالطبع هناك اختلاف في مواقف وعلى أمور معينة، لكن هذا لا يعني أننا لا نسعى الى تحسين العلاقات مع روسيا».

ومن هذا المنطلق، يجب النظر الى زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو، بخاصة أن السياسة السعودية تتحدث عن «علاقات استراتيجية مع روسيا إضافة الى الجوانب الأخرى من التعاون». إن قرار روسيا بانخراط طيرانها العسكري ضد تنظيم «داعش» وشركائه، سيدخل أكثر من عامل على التطورات السورية والإقليمية. والمطلوب وفي أقصى سرعة، تأليف لجنة ناظمة لحركة الطيران في الأجواء السورية نظراً الى الازدحام الشديد في فضاء المنطقة.

أما الكلام عن خلافات بين روسيا والولايات المتحدة، بخاصة بين الوزيرين سيرغي لافروف وجون كيري حول قرار موسكو، فليس دقيقاً لأن غرفة العمليات الروسية تبلغ غرفة العمليات الأميركية قبل ساعة من تنفيذ أي طلعات استهداف لمواقع «داعش»، وعسى ألا تخطئ الطائرات الروسية الهدف المطلوب.

وقبل ساعات قليلة، سئل الوزير لافرورف:

هل قواتكم الجوية تقصف مواقع غير «داعش» من المعارضة السورية مثلاً؟ فأجاب بالنفي، وأضاف أن قوات التحالف الغربي تقول إنها تقصف مراكز «داعش»، ولا نعرف ما إذا كانت هذه المعلومات دقيقة. ونحن نفعل الشيء نفسه!

سؤال: هل ستتدخلون في العراق؟

جواب: إذا تلقينا طلباً للمساعدة سندرس الأمر، لكن نحن لا نأتي بلا دعوة!

فهل تتّسع «الصفقة الروسية» لتعقّب «أنصار داعش» في العراق كما في سورية؟

نحن نعيش زمن اللامعقول عندما يصبح معقولاً في منطقة الشرق الأوسط.!

 

 

الحياة اللندنية

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع