..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سورية… العالم ذو العين الواحدة

ميسرة بكور

١٦ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5935

سورية… العالم ذو العين الواحدة
0000 ودمار.jpg

شـــــارك المادة

يوماً بعد يوم تكبر مساحة شلال الدم المتدفق من سوريا الوطن والإنسان، حتى بات معه بحر الدماء مصطلحاً غير مناسب للتعبير عن الحالة السورية، بل يمكننا القول دون حرج أو تردد أن الشلال أصبح محيطاً متلاطم الأمواج، مابين التأكيد على حتمية الحل السياسي وتجزئة القضية السورية إلى ملفات منفصلة تبدأ، بمعالجة أوضاع اللاجئين الذين بحسب منظمات دولية أصبحوا يشكلون "أكبر كارثة إنسانية في الأزمنة الحديثة"، حسب صحيفة الغارديان في افتتاحيتها. 14 يناير2014، إلى موضوع التطرف وتشكيل تحالف زاد على ستين دولة لمكافحته، مروراً بعدم الرغبة في انهيار الدولة السورية، إلى ما هنالك من حجج واهية لم يقتنع بها حتى الذين يروجون لها، فراراً من استحقاقاتها ووضع نقطة لنهاية هذه المأساة المستمرة عبر أربع سنوات.

من بيروت قالها أمين عام حزب الله اللبناني “حسن نصر الله” الذي أصبح طرفاً رئيساً في المعادلة السورية ويداه مخضبة بدماء آلاف السوريين، الطريق إلى القدس يمر عبر “الزبداني – حمص – حلب ” في ظل صمت مطبق من المجتمع الدولي وكأن على رؤوسهم الطير، أمام هذا الاستفزاز والتحدي للمجتمع الدولي الذي أقر مجلس أمنه بالإجماع قراراً يمنع تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية والعراق.

وطالب نفس القرار الحكومات بـ”تجنب ومنع عمليات التجنيد والتنقل لأفراد يحاولون التوجه إلى الخارج بهدف التخطيط أو المشاركة في أعمال إرهابية ”،إلا إذا كان حسن نصرالله سوري ومرتزقته سوريون.؟ ننتظر تفسير مجلس الأمن، ونضع علامة استفهام عريضة على عدم الرغبة في تطبيق مبدأ “حماية المدنيين” الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005،على الحالة السورية .

لم تمضِ ساعات على تصريح “نصرالله ” هذا حتى كان الرد واقعاً معاشاً، قوات نظام بشار الأسد تفجر نفقاً يؤدي إلى انهيار جزء من السور الرئيسي للقلعة الأثرية في مدينة حلب القديمة شمال سوريا، المدرجة على لائحة التراث العالمي؛ جراء التفجير ، الذي كانت تستعمله في مهاجمة قوات المعارضة، وذلك بسب اكتشاف أمر هذا النفق من قبل فصائل المعارضة السورية . صحيح أن هذا الانتهاك في حق التراث الإنساني ليس الأول الذي تقوم به ميليشيا نظام الأسد والقوى المتحالفة معه، فسبق لهم وأن استهدفوا جامع ومقام “خالد بن الوليد ” في حمص وهدموا وحرقوا أجزاء من الجامع “الأموي الكبير” في حلب إضافة إلى العديد من المواقع الأثرية في سورية، لكن المفارقة هي أن منظمات المجتمع الدولي الإنسانية منها والحقوقية، لم تلقِ بالاً لهذا الاعتداء على الإرث الإنساني عامة كما صنفته منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم، ربما صدرت بعض البيانات الإنشائية تدين وتشجب وتطلب وتتأمل ، لكن هذه المنظمات وهذا المجتمع الدولي الذي يبصر بنصف عين لمايحدث في سوريا الإنسان والوطن والحضارة والتاريخ، لم ترَ سوى بعض انتهاكاتٍ يقوم بها بعض المحسوبين كذباً على الثورة السورية .

عندما قام تنظيم الدولة بتفجير بعض التماثيل في سورية أو تماثيل “متحف الموصل”أقامت هذه المنظمات، الدنيا ولم تقعدها وتداعى كتاب وفلاسفة التراث الإنساني يتباكون على هذه التماثيل المزيفة، وأفردت محطات التلفزة مساحات واسعة من بثها لتغطية تداعيات هذا الحدث الجلل بحق الإنسانية، وحين قام تنظيم الدولة بتفجير مقر سجن تدمر، الذي يعتبر رمزاً للفاشية والقمع والاستبداد، كانت ساحاته شاهدة على عشرات حفلات القتل الجماعي وعمليات التعذيب الممنهج للمعتقلين السياسيين، وغير ذلك من المعاملة القاسية اللاإنسانية، ينبغي في هذا المقام التنويه إلى أن “المادة 8 “من نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية تنص على أن التعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة تشكل جرائم حرب عند ارتكابها كجزء من خطة أو سياسة عامة أو حملة واسعة النطاق لارتكاب هذا النوع من الجرائم، وهذا ما كان يتم فعلاً في سجن تدمر سيئ السمعة.

طبعاً نحن لانبرر هذا الفعل وذكرنا في ما أتيح لنا من مساحة في الإعلام “التلفزيون “أن هذا العمل مدان جملة وتفصيلاً، وكان من الأفضل المحافظة على بناء سجن تدمر كشاهد على عصر جمهورية الموت البعثية، ويصبح مزاراً للحقوقيين والباحثين المعنيين بحقوق الإنسان، وأيقونة يزورها أطفال سوريا كي يتعرفوا على تلك الحقبة المريرة، ولكي يدركوا الثمن الذي دفعه أهلهم من أجل الوصول إلى الحرية المنشودة.

السؤال يظل دوماً حائراً، لماذا لايرى المجتمع الدولي إلا "بنصف عين" عندما يكون الانتهاك مرتكباً من قبل نظام الأسد وميليشياته الحليفة؟ ولا ترى في سوريا إلا “تنظيم الدولة”، بينما تفتح مساحة الضوء واسعة على ممارسات جماعة يصفها هو على أنها معادية للحضارة ولا تعترف بغير قوانينها الخاصة، ويلتزم الصمت إزاء حفلة الموت اليومية التي يكيلها نظام الأسد ومليشياته للشعب السوري، ويصبح هذا المجتمع الدولي أصماً أبكماً و شاهداً على كل الأحداث التي هي إهانة لكل إنسان في إنسانيته .

ندين ونشجب أي انتهاك مهما كان مصدره لحقوق الإنسان وأي اعتداء على التراث الإنساني أياً يكن مرتكبه، لكن عبارات الشجب والإدانة التراجيدية على مسرح كوميديا الدم السوري المسفوك تحت سمع وبصر العالم لم تعد مقبولةً. متى يبصر العالم ومنظومته الدولية بعين صحيحة سليمة لهذه الإبادة المستمرة .

لا نريد هنا أن نتهم الضمير الإنساني أنه مات لكن نقول "إن الضمير قد ينام لكنه لايموت، ربما يستيقظ فجأة من سباته العميق الممتد على طول مأساة السوريين، ويقول أوقفوا هذه المهزلة  التطرف، الحل سياسي، أوضاع اللاجئين، تجنب الفشل الليبي وعدم الرغبة في انهيار الدولة" وإلى آخر هذه السلسلة من التبريرات التي جعلها المجتمع الدولي مشجباً يعلق عليه تبريره، وخذلانه للشعب السوري .

نرجو أن يصحو الضمير الإنساني لكن قبل فوات الأوان، ونقول كان هناك دولة اسمها سوريا، ثار فيها الشعب من أجل الكرامة والحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنها لم تعد قائمة بسبب رغبة مجنونة من حاكم مجنون متعطش للسلطة، نرجسيته جعلته يظن أنه الحاكم بأمره والتمرد عليه نتيجته واحدة قالها أنصاره من البداية "الأسد أو نحرق البلد"، التي لم يتمكن من الحفاظ عليها، فضاع وضيع وطناً جميلاً كان اسمه سوريا، والسبب الآخر هو أكبر خذلان تعرض له شعب في تاريخ البشرية أدى إلى هذه المأساة الممتدة سطورها بلون الدم لتحاكي ليالي وأيام السوريين القاسية، بانتظار صحوة الضمير العالمي .

 

 

 كلنا شركاء

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع