..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كيف سيقيم الأسد دولة للعلويين؟

أحمد عمارة

٢٦ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2856

كيف سيقيم الأسد دولة للعلويين؟
- حرس خاص.jpg

شـــــارك المادة

منذ أن تولى «حافظ الأسد» مقاليد الحكم في سوريا في عام 1970، وهو يحاول أن يثبت أركان دولته بالاعتماد على الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بالرغم من كونها تمثل أقلية في الشعب السوري، حيث تغلغلت الطائفة في مؤسسات الدولة وخصوصاً تلك السياسية والعسكرية والاقتصادية منها، لدرجة صار معها من الصعب التمييز بين مفردات مثلث السلطة القائمة في البلاد (النظام- الطائفة- الدولة).

في هذا التقرير نتناول البدايات الأولى للعلاقة بين الطائفة والدولة من خلال الجواب على عدد من الأسئلة والنقاط، من أبرزها كيف وصل «حافظ الأسد» للحكم في سوريا؟ وما هي الطائفة العلوية وحقيقة تواجدها في المجتمع السوري؟ ومرتكزات حكم النظام السوري، وكيف صارت الطائفة من مرتكزات النظام في سوريا؟
البداية: من هم العلويون؟

من أكبر الأقليات داخل المجتمع السوري، تزيد نسبتهم عن 10% من المكون السوري وتتمذهب الطائفة العلوية ضمن طوائف الإسلام الشيعي، وتعني كلمة «علوي» أتباع الإمام علي بن أبي طالب، وهم يرون أن خلافة الرسول «محمد» يجب أن تكون بناءاً على أساس الذرية والقرابة، واتجه بعض العلويين إلى قدر من الغلو في تمجيد الإمام على بن أبي طالب، ما جعل البعض يذهب إلى تصنيفهم خارج دائرة الطوائف المسلمة خصوصاً الفرق الإسلامية الكبرى.يحيط الغموض بالمعتقدات العلوية وجذورها في جوانب عدة، خلال الفترة العثمانية كان العلويون من الطبقات الأدنى اجتماعيًّا ومعيشيًّا في البلاد، لكن الأمور بدأت بالتغير بشكل رئيسي أثناء الانتداب الفرنسي على سوريا إبان الحرب العالمية الأولى والذي استعان بهم ممهدًا طريق العلويّين للخدمة العسكرية والانخراط الأكبر في التمثيل السياسي والاقتصادي.

يتواجد أكثر من 70% من أبناء الطائفة العلوية في مناطق جبلية تقابل الساحل السوري، وبعد تولّي الأسد الأب «حافظ الأسد» رئاسة البلاد عام 1970 انتقل عدد أكبر منهم إلى العاصمة دمشق ومدن حمص ومدينتيّ اللاذقية وطرطوس، ويسيطر العلويون على قطاعي الجيش والأمن بنسبة عالية وبصورة شبه مطلقة على مفاصل الدولة الاقتصادية، ودائما ما تكون تلك الطائفة على خلاف دائم سياسياً ودينياً مع الأغلبية السنية.
«حافظ الأسد» والتمكين للعلويين:

تأثر حافظ الأسد بأفكار حزب البعث الذي يعتبر نفسه من دعاة القومية العربية، وفي سبيل ذلك بنى مواقفه بالقطيعة السياسية تجاه مصر عقب زيارة السادات للقدس عام 1977 وتوقيعه معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وكذلك مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993.

بدأ اهتمام «حافظ الأسد» بالأمور العامة مبكراً، فقد كان رئيس فرع الاتحاد الوطني للطلبة في محافظة اللاذقية، ثم رئيساً لاتحاد الطلبة في سوريا، وانضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1946 عندما شكل رسمياً أول فرع له في اللاذقية، وأصبح عضواً قيادياً في التشكيلات العسكرية للحزب منذ عام 1960.

أبعد «الأسد» عن الجيش مع بدء ما عرف بـ«عهد الانفصال» الذي ألغى دولة الوحدة مع مصر، وأعيد مرة أخرى إلى الخدمة عام 1963 بعد الانقلاب الذي قاده مجموعة من ضباط حزب البعث وحركة القوميين العرب والناصريين بقيادة «لؤي الأتاسي» و«زياد الحريري»، ورقي آنذاك إلى رتبة لواء وكان يبلغ من العمر 34 عاماً، ثم عُيِّن في العام التالي مباشرة (1965) قائداً للسلاح الجوي.

وفي 23 فبراير 1966 كان «الأسد» أحد قادة الانقلاب الذي أطاح بالقيادة القومية المدنية للحزب وحكم الفريق «أمين الحافظ»، وبعد بضعة أيام من الانقلاب أصبح «الأسد» وزيراً للدفاع.
صداقة لم تستمر:

كانت هناك صداقة وطيدة جعلت المقدم «صلاح جديد» في عام 1963ـ، يعيد «حافظ الأسد» إلى الخدمة العسكرية بعدما تم إبعاده عام 1961، ليس هذا فحسب، بل تمت ترقيته عام 1964 من رتبة رائد إلى رتبة لواء مرة واحدة، ودون المرور بالترقيات السابقة المعهودة. وقد أصبح «صلاح جديد» منذ العام 1966 الرئيس الفعلي لسوريا، وأصبح «حافظ الأسد» وزيرًا للدفاع. بدأت الخلافات بينهما بعد الهزيمة في حرب 1967؛ حيث انتقد «جديد» أداء وزارة الدفاع خلال الحرب.

تم عقد اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث عام 1970، تقرر فيه إقالة حافظ الأسد من منصبه، لكنَّ الأسد قام بالانقلاب ـ الذي سمي بـ«الحركة التصحيحية»ـ على صلاح جديد، ليرسي حكمًا دام لأكثر من أربعين عامًا.

ولم تحظ المسألة الديمقراطية باهتمام «الأسد» إذ سيطر على البلاد حزب واحد هو حزب البعث. ولم تتح الفرصة للمعارضة للوجود والتعبير عن رأيها وكثرت تقارير منظمات حقوق الإنسان التي تتحدث عن انتهاكات عديدة تعرض لها السياسيون المعارضون. انتخب «الأسد» أكثر من مرة عبر استفتاءات شعبية كان يحصل فيها دومًا على نسبة تقارب 100%. توفي «حافظ الأسد» عام 2000 ليورث الحكم لابنه «بشار الأسد» بعد أن أجريت تعديلات دستورية تضمن ملاءمةَ الأسد الابن للمنصب الشاغر.
«الأسد» والعلويون: الرئيس والطائفة:

عمد «حافظ»، داخليا، إلى تمكين بعض من أبناء طائفته العلوية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، من خلال التغلغل في مؤسسات الدولة الرسمية بالإضافة إلى تكوين جماعات مسلحة غير رسمية مؤيدة له «فوق الدولة» وخارج نطاق المحاسبة القانونية.

منذ أن تولى «حافظ الأسد» الحكم في سوريا وهو يعتمد على تعيين العلويين المقربين منه في المواقع القيادية، والمناطق الحساسة بالدولة كالمناصب العسكرية والمخابراتية، مع توفير سبل الراحة المادية لهم، كما ترسخت نظرة السوريين للعلويين دوماً على أنهم يتمتعون بـ«امتياز» الوصول إلى أعلى الوظائف الحكومية وفرص العمل المميزة.
"يمكن للأقلية إذا امتلكت السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية أن تتحكم في الأغلبية"

هكذا يتحدث الكاتب «ويرلس» في كتابه «البلد»، وهو ما يٌلخص الوضع في سوريا، الذي رسخه نظام حزب البعث تحت حكم حافظ «الأسد»، والذي استمر خلال حكم ابنه الذي يمتد إلى الآن.

مثل النظام العلوي البعثي في عهد «حافظ الأسد» نقطة تحول حاسمة في التاريخ السياسي الحديث لسوريا، ونتيجة لذلك تولدت عدم الثقة بين كثير من السكان السنة من العلويين وحزب البعث. فوفقاً للمتابعين، ينظر الكثير من السنة للنظام على أنه غير شرعي، قمعي بل أحيانا على أنه «معادٍ للإسلام».
أرض الطوائف:

وتتنوع التركيبة الدينية والمذهبية في سوريا، ويتمتع المسلمون السنة بأغلبية تصل إلى أكثر من 70% من عدد السكان، تأتي خلفهم الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية إضافة إلى عدد آخر من الأقليات لا تشكل نسب ملحوظة من عدد السكان.

والطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد الأب والابن وبالرغم من أنها تمثل أقلية حوالي 12% من السكان، إلا أنها تعمل كبنية اجتماعية داعمة وقفت وراء النظام.
المسيحيون (10% من السكان)

وتمتعت الأقلية المسيحية العربية في سوريا بوضع آمن نسبياً تحت حكم النظام ما قبل الحرب، والعديد منهم هم مؤيد الأيديولوجية القومية العلمانية للنظام. ويخشى كثير من المسيحيين أن هذه الديكتاتورية القمعية «سياسياً» ولكن المتسامحة «دينياً» معهم، سيتم الاستعاضة عنها بنظام «سني» قد يمارس تمييزاً ضد الأقليات.

وقد دفع ذلك المسيحيين، من كبار البيروقراطيين والزعماء الدينيين، لدعم الحكومة، أو على الأقل النأي بأنفسهم عن ما اعتبروه «انتفاضة سنية» في عام 2011. وعلى الرغم من أن هناك العديد من المسيحيين في صفوف المعارضة السياسية السورية، مثل الائتلاف الوطني، وبين الناشطين الشباب المؤيدين للديمقراطية، وبعض الجماعات المتمردة، إلا أنه ينظر الآن إلى المسيحيين بشكل عام على أنهم يقفون في صف واحد مع النظام.
الدروز (2-3%)

الدروز هم أقليات «مسلمة» يعتقد أنها انبثقت من الفرع الشيعي من الإسلام. وهم مثل الأقليات الأخرى، يخشون أن سقوطاً محتملاً للنظام سوف يفسح المجال للفوضى والاضطهاد الديني. وكثيراً ما يفسر إحجام قادتهم عن الانضمام إلى المعارضة دعماً ضمنيا للأسد ونظامه.

نظراً لأن سوريا تتكوّن من عدّة طوائف كما سبق، فإن النظام غالباً ما مارس لعبة الإثارة والتمييز الطائفي مستثنياً فقط العلويين.
البدايات الأولى لظهور الشبيحة:

إن المرة الأولى التي ظهرت فيها هذه المجموعات أو بالأحرى عُرفت فيه، كانت ما بين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي (القرن العشرين)- أي في بدايات حكم «حافظ الأسد». وتركّز وجودها في البداية في المناطق الساحلية، بخاصة اللاذقية وطرطوس، حيث استفادوا من هذه المناطق الساحلية للتهريب إلى داخل سوريا. بدأ الأمر بتهريبهم السلع والمواد الغذائية، ثم تطور إلى تهريب الأجهزة الإلكترونية، ثمّ السلاح فالمخدرات. كذلك تُفيد بعض التقارير إلى اعتماد النظام السوري على الشبيحة خلال تدخله العسكري في لبنان.

ينتمي أغلب الشبيحة إلى الطائفة العلوية، وهذا مما جعلهم وثيقي الصلة بهم، وبأقربائهم في المحافظات المختلفة، وبخاصة في اللاذقية وريفها.

وقد وصل نفوذ الشبيحة إلى الدرجة التي جعلت منهم حرفيًّا «عصابات» فوق القانون والدولة، وكانوا بمثابة القوّات الخاصة لتلك العائلات في دائرة القرب من الأسرة الحاكمة، وقد توسع نفوذهم ودورهم الوظيفي في خدمة النظام بشكل كبير بعد اندلاع الحرب على خلفية احتجاجات عام 2011.
مرتكزات السياسة الخارجية للنظام الأسدي:

ارتكزت العلاقات الخارجية السورية في النظام منذ «حافظ الأسد» إلى الآن، على التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والديني مع روسيا وإيران بشكل أساسي، بالإضافة إلى حزب الله

وتوطدت العلاقة بين سوريا والاتحاد السوفياتي السابق، فقد وقع الأسد والرئيس السوفياتي« ليونيد بريجنيف» في 8/10/1980 معاهدة صداقة وتعاون مدتها 20 عاماً، ووقعت اتفاقية مشابهة مع إيران بعد الثورة الإسلامية التي قادها «آية الله الخميني» عام 1979.
قوميا روسيا والاتحاد السوفيتي:

تحت إدارة الرئيس السوري الراحل «حافظ الأسد»، تطورت العلاقة السورية مع الاتحاد السوفيتي لتصبح واحدة من الشراكات الاستراتيجية الأكثر ديمومة في الشرق الأوسط، تلك العلاقة امتدت بين «بشار الأسد» وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وكانت الأسباب السياسية المعلنة لذلك التعاون السوفيتي السوري آنذاك، هي القومية العربية السورية، التي كانت مرتكزا رئيسيا لحزب البعث سياسيا، محاولا النأي عن المعسكر الأمريكي.

وتتمسك روسيا بالنظام في سوريا لضمان السيطرة على ميناء طرطوس، الذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد لروسيا في البحر المتوسط، وفي المقابل ترسخ التعاون العسكري وأبرمت عقود التسليح بين البلدين وتعهدت روسيا بتقديم الدعم العسكري والسياسي للنظام.
حزب الله:

تؤدي سوريا دوراً كبيراً في الحياة السياسية والعامة في لبنان، وبالأخص عبر تعزيز علاقتها مع حزب الله، منذ دخول قوات كبيرة من الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، وأدى هذا الحضور القوي إلى تكوين موقف لبناني مشابه لموقف سوريا.

عملت سوريا على الاحتفاظ بدور سيادي في لبنان والاستمرار في دعم ومساندة حزب الله بصفته القناة التي تخدم مصالحها الاستراتيجية. وعمل حزب الله كوكيل فعال للنظام السوري على الحدود الشمالية اللبنانية، في المقابل كان بإمكان حزب الله أن يعتمد على سوريا من حيث الدعم السياسي واللوجستي لضمان أن تبقى دمشق دائماً في وضعٍ يؤثر على قيادة الحزب.

في الآونة الأخيرة ارتكزت جهود حزب الله وإيران في دعم النظام السوري عبر مشاركة قوات الحزب بشكل مباشر في القتال الدائر في سوريا.

ووفقا للمحللين، فقد عمد «حافظ الأسد» ونجله من بعده بأن تدرك كل من إيران وروسيا بأن مصالحهما الوطنية تعتمد على بقاء الأسد في الحكم، وأن على الدولتين بذل كلّ ما بوسعهما للوقوف إلى جانب النظام، الأمر الذي يفسّر مساندة إيران وروسيا غير المحدودة للأسد حتى وقت قريب.
الحرب تزلزل مرتكزات العلاقة ببين النظام والطائفة:

بعد 4 سنوات من الصراع الدامي المستمر في سوريا، ربما صار الكثيرون من الطائفة العلوية يشعرون ببعض الإحباط بسبب تزايد خسائرهم البشرية. هناك أكثر من 70 ألفا من الجنود العلويين الشباب وقعوا كقتلى، وأصيب أكثر من 120 ألفا آخرين إضافة إلى 10 آلاف أو أكثر من المفقودين.

يتزايد الشعور بين أبناء الطائفة بأن الرئيس السوري «بشار الأسد» عازم على البقاء في السلطة مهما كانت التضحيات اللازمة.

ووفقا لستراتفور، فإن شباب من الطائفة العلوية يهربون إلى الجبال أو إلى لبنان لتجنب التجنيد، أو يفرون عبر البحر إلى مدينة مرسين التركية متى كان بإمكانهم ذلك، أو ربما يحاولون في بعض الأحيان دخول الاتحاد الأوربي بشكل غير قانوني. بينما تسيطر هواجس سوريا ما بعد الأسد على مخيلة الطائفة العلوية، فهم محصورون بين الرهان اللامحدود على الأسد مع ما يكلفه ذلك من دماء وتضحيات ، ومع تسليم مصائرهم في يد أناس لا يثقون بهم (السنة) خاصة في ظل وجود تاريخ لا يمكن تجاهله من التمييز الطائفي للأسد ونظامه.

«نحن نشهد على البلد وهي تنهار، العديد من الناس الذي أعرفهم قد سأموا وخصوصا هؤلاء الذين فقدوا أناساً يحبونهم، ولكن القليل منهم يستطيع أن يعلن عن ذلك لأنهم سيكونون بذلك في وجه مدفع الانتقادات»

هذا ما جاء على لسان موظف علوي في اللاذقية لصحيفة «وول ستريت جورنال»، لا يزال العلويون يصطفون إلى جانب نظام الأسد، ولكن لا أحد يعلم بالتحديد ما يمكن أن تتمخض عنه هذه الانتقادات المكتومة، التي قد تدفعها الخسائر المتتالية نحو الانفجار.
 

 

هافنغتون بوست عربي

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع