..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أزمة النصرة في دواعشها

حمزة المصطفى

٦ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2688

أزمة النصرة في دواعشها
النصرة 00.jpg

شـــــارك المادة

بعد مرحلة يمكن وصفها بـ”الذهبية” امتدت منذ تأسيسها 24 كانون الثاني/يناير 2012، وحتى إعلان “أبو بكر البغدادي” زعيم تنظيم دولة العراق الإسلامية 9 نيسان/ أبريل 2014 دمجها في تنظيمه الجديد “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”، تمر جبهة النصرة بأسوأ مراحلها كونها تشكل تهديدا بنيويا على التنظيم الذي سعى إلى التكيف مع ظروف الثورات العربيّة وتقديم نموذج جهادي جديد قابل للحياة والاستمراريّة.

منذ نشأتها، وعلى الرغم من تبعيتها غير المعلنة لتنظيم قاعدة الجهاد، فإن النصرة سعت ما أمكن إلى “سورنة” تنظيمها أكان ذلك في هيكليتها التنظيمية ومنتسبيها، أو تكتيكاتها العسكريّة والسياسيّة.
لكن سورنة التنظيم، لم تكن تعني حصره بالسوريين، بل على العكس كانت النصرة متشوقة لانضمام “المهاجرين”، ودمجتهم سريعا، ومنحتهم مكانة عسكريّة وإدارية مميزة.
فقد تولى كثير منهم قيادة السرايا والأقاليم، وكُلف آخرون بإدارة مكاتبها الدعويّة والشرعيّة، والأجسام الإدارية المنبثقة عنها.
وعلى الرغم من إدراكها لصعوبة ضبط “المهاجرين” فكريا وعسكريا، فإن النصرة لم تكن في موقع يسمح لها بالتخليّ عن جهودهم لاسيما وأنهم معبأون أيديولوجيا، ومجهزين عسكريا ليكونوا “انغماسيين”، أو مقاتلين في الخط الأول مستعدين للموت في سبيل عقيدتهم، وهذا ما ميزهم عن المنتسبين السوريين والذين انضم أغلبيتهم لجبهة النصرة ضمن تفكير براغماتي (السمعة الجيدة، الرغبة في الحصول على السلاح، الانضباط، الرواتب..) وليس انطلاقا من قناعة بأفكاره وعقائدها.
وبمقدار ما منح وجود المهاجرين “قوة” لجبهة النصرة، بمقدار ما كان عبأ عليها وتحديا لاستمرارها، فغداة إعلان الدولة، ورفض الجولاني لخطوة البغدادي بدمج النصرة في تنظيمه، انضم القسم الأكبر من المهاجرين إلى التنظيم الجديد.
ليس هذا فحسب، بل قادوا هجوما عسكريا مباغتا على مقراتها في معظم المحافظات السوريّة لاسيما في الرقة وريف حلب، واستولوا عليها وأتبعوها بتنظيم البغدادي.
وبناء عليه، ذهبت نتائج ما بنته النصرة، وقدمت على طبق من ذهب للبغدادي (أمير المؤمنين آنذاك)، ليتمدد تنظيمه وبدون أي تكلفة عسكرية ومادية.
وقتها، كانت النصرة مهددة بالزوال أمام زخم انتصارات أنصار البغدادي، حيث تلاشى نفوذها عن مناطق واسعة.
وبرأينا فإن الحمايّة التي وفرتها بعض الفصائل الإسلامية في سوريّة للنصرة، أنقذتها من محاولات الابتلاع التدريجي من قبل تنظيم الدولة.
حمى إقامة الدولة الإسلاميّة، وتحكيم الشريعة وفق المنظور الجهادي انعكست سلبيا على تنظيم الدولة خلال عام 2013، فتوسعه وصراعه مع فصائل المعارضة السورية، وازدياد انتهاكاته ولد حالة من الكره والنقمة لدى السوريين بشكل عام وفصائل المعارضة على اختلاف ايديولوجيتها بشكل خاص.
في ذلك الوقت، وبدلاً من أن تركز النصرة على العنصر السوريّ ضمنها، وتسعى لتفعيله وتأهيله، ركزت على كيفية وقف استنزاف وخروج المهاجرين من صفوفها.
وفي سبيل ذلك بدأت باعتماد خطاب متصلب في مسألة الشريعة والحكم الإسلامي والتكفير والردة ضد الائتلاف والجيش الحر.. الخ.
وجاءت ظروف المواجهة المسلحة مع داعش مطلع عام 2014، لتمنح النصرة فرصة استعادة المهاجرين من تنظيم الدولة.
لقد جيرت النصرة المواجهة لمصالحها الخاصة، وغيرت مسارها من انتفاضة ضد الفكر الجهادي الإقصائي إلى نزاع حول مسألة التحكيم.
وبدلاً من مواجهة عناصر التنظيم وأغلبتهم من المهاجرين خيرتهم بين الانسحاب إلى مناطق يسيطر عليها داعش، أو الانضمام إليها ومبايعة أميرها الجولانيّ.
وبالفعل، عاد عدد كبير من المهاجرين رهبة لا رغبة إلى النصرة ليقاتلوا في صفوفها من جديد. لكن هؤلاء، وكما ذكرنا سابقا كانوا معبأين بأفكار أيديولوجية تجعلهم أقرب إلى نموذج داعش منه إلى النصرة.
وبناء عليه، كان جل هؤلاء عبارة عن “خلايا نائمة” لتنظيم داعش، في المناطق التي طرد منها. لقد كشفت مواجهات ريف دمشق وأحياء دمشق الجنوبيّة عن هذه الحقيقة عن وجود تنسيق كبير بين عناصر من النصرة مع فروع داعش هناك، وأظهرت مقاطع فيديو في ريف دمشق استخدام عناصر داعش لرايات النصرة من أجل مهاجمة بعض مراكز جيش الإسلام والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وتنفيذ هجمات انتحارية ضد المدنيين.
وفي ريف إدلب، اشتكى عدد من قادة الكتائب، والشرعيين من ممارسات وسلوكيات المهاجرين الذين انضموا للنصرة بعد المواجهة مع داعش، دون أن تتخذ قيادة النصرة أية إجراءات رادعة تجاههم.
أما في حلب، فكثيرة هي العمليات الانتحارية التي استهدفت لواء التوحيد ومقراته في ريف حلب الشمالي، من قبل عناصر كانوا يرفعون رايات الجبهة.
وجاءت أحداث العراق الأخيرة، وازدياد نفوذ داعش لتبرهن أن جل هؤلاء كانوا بالفعل خلايا نائمة، استغلت اللحظة المناسبة وتبدل موازين القوى ليجددوا مبايعتهم لداعش و”خليفته”.
على الرغم من ذلك، فإن نهج النصرة ما يزال يركز على اجتذاب المهاجرين، والمحافظة على من بقي منهم في تنظيمها حتى لو كان ذلك على حساب منتسبيها السوريين الذين يشكلون الأغلبية.
ولعل طرح فكرة الإمارة الإسلامية، والانسحاب من الهيئات الشرعية، والاتجاه لإقامة قضاء وأمن بديل أوضح دليل على هذا النهج.
يمكن القول، إن النصرة تعاني من أزمة بنيوية لا تستطيع معالجتها جذريا، ولم تفلح تكتيكاتها في التكيف معها.
وما تزال النصرة حتى الآن تتبع سياسة الهروب إلى الأمام في محاولة لتقليد تكتيكات تنظيم داعش بالإعلان عن الإمارة الإسلامية تارة، ومواجهة كتائب الجيش الحر تارة أخرى بذرائع اللصوصية والتشويل.. الخ.
وفي رأينا فإن هذا النهج لن يكتب له النجاح على اعتبار أن تنظيم داعش يتبنى خطابا مزاودا لا تستطيع النصرة مجارته. وفي نفس الوقت فإن هذه السلوكيات ستقوض العلاقة الناشئة بينها والفصائل السورية الأخرى.


التقرير

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع