..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل يعول النظام السوري على (الجنرال شتاء)؟

عماد الدين خيتي

٢٥ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6844

هل يعول النظام السوري على (الجنرال شتاء)؟
1.jpg

شـــــارك المادة

يمتاز فصل الشتاء عن بقية فصول السنة بطبيعته القاسية الشديدة، مما يولِّد الحاجة إلى البحث عن وسائل التدفئة، والوفرة في الطعام لتقوية الجسم في مواجهة البرد، كما تشهد مواسم الشتاء انتشار الأمراض والأوبئة التي لا تظهر في الصيف، وتُعد أمراض الشتاء من أقسى الأمراض وأشدها، وتتسبب بآلاف الوفيات سنويًا.

 


ونظرًا لصعوبة التحرك والتموين والعلاج في الشتاء فقد حرصت الجيوش منذ القدم على القيام بغزواتها ومعاركها في الصيف، وكانت الجيوش الإسلامية ترفع الحصار عن العديد من القلاع والحصون في فصول الشتاء وتعود أدراجها، ثم تعاود الكرة في الصيف.

هزائم تاريخية شتوية:
حمل التاريخ بين طياته العديد من المعارك التي شهدت هزائم تاريخية وكان لها آثار كبيرة فيما بعد، وكان للشتاء فيها أكبر الأثر في التسبب بهزيمتها، ومن ذلك:
1_ غزوة الأحزاب عام (5 هــ):
فقد اجتمع لقريش في هذه الغزوة من الظروف ما لم يجتمع في غيرها حتى ظنوا أنهم قادرون على استئصال شأفة المسلمين؛ فقد اجتمع لهم: عشرة آلاف مقاتل، مع نقض بني قريظة لعهدهم مع المسلمين، وانضمام المنافقين لهم، وانقطاع المؤونة عن المسلمين، مع برد الشتاء وزمهريره، فسلَّط الله على قريش التي تحاصر المدينة الريح الباردة الشديدة فأطفأت نيرانهم، وقلبت قدورهم، وقلعت خيامهم، فلم يقدروا على الصمود في هذه الأجواء فرفعوا الحصار، وكانت بداية النصر للمسلين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب: 9].

ومن التاريخ المعاصر:
2_ قرر القائد الفرنسي نابليون غزو روسيا عام (1812م) بأقوى جيش في أوروبا، فلم ترد الحكومة الروسية مواجهة جيشه الجرار، وانسحبت أمامه بخطة بارعة لدرجة أنها أخلت موسكو من سكانها، مما أغراه بالتوغل في أعماق روسيا، ولم تقع معارك حقيقية، وفي طريق عودته إلى فرنسا باغته شتاء روسيا القارس وتدنت درجة الحرارة إلى ما يقارب (40) تحت الصفر، فمات معظم جيشه من الجوع والبرد، ولم ينج من أصل (600.000) إلا حوالي (50000)، مما قوَّض جيشه إلى غير رجعة.
2_ ثم جاء بعده هتلر وكرر الغلطة، فغزا روسيا عام (1941م) لاحتلال حقول النفط فيها، حيث كان مزهوًا بأنَّ لديه (أقوى جيش في العالم)، فجهَّز جيشًا من ثلاثة ملايين رجل غزا به روسيا، فأدرك ستالين عجز روسيا عن مواجهة ألمانيا، وقرر استغلال عامل المساحة وانتظار فصل الشتاء، فتحصن في المدن الرئيسة، وانسحب من مساحات شاسعة شتت جيوش هتلر، وعند حلول الشتاء _الذي يعتاده الروس_ قام بهجوم معاكس أدى لإبادة الكثير من جيش هتلر، بل وصل الأمر إلى غزو الألمان في عقر دارهم، واحتلال أوربا الشرقية.

واقع الحال في سورية:
يجمع المراقبون لتصرفات النظام السوري تجاه القرارات الدولية ضده أنه يفتعل ما يستطيع من أجل كسب الوقت؛ لإيقاع أشد الخسائر في صفوف المعارضين والمتظاهرين بهدف ثنيهم وكسر إرادتهم ووضع العالم تحت الأمر الواقع.
ومن جهة أخرى فهناك العديد من الشواهد التي تدل على افتعال النظام للعديد من الأزمات الداخلية وخاصة مع اقتراب فص الشتاء أو أنه سيستغلها على أقل تقدير في إنهاء حركة المعارضة، وهي:
1_ النقص الشديد في وقود التدفئة (المازوت) وما يمثله ذلك من ضغطٍ شديد على المجتمع الذي يعتمد في أنظمة تدفئته على هذا الوقود، في ظل الانقطاع الكبير والمتكرر للكهرباء، وارتفاع أسعارها، وعدم قدرة الشبكة الحالية على توفير حاجات المواطنين.
2_ النقص الشديد في اسطوانات الغاز التي تُستخدم للطبخ، والتدفئة بشكلٍ جزئي.
3_ الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية وغيرها مع شحها في الأسواق.
4_ قيام عصابات الأمن والشبيحة بإتلاف المؤن ووقود التدفئة في العديد من المناطق أثناء تفتيش البيوت، وسرقة الأموال والمجوهرات.
وكل ما سبق يمثل طريقة جهنمية للضغط على المجتمع عن طريق التجويع ومحاولة التركيع بفرض هذا الحصار الظالم ومحاربة الناس في أساسيات حياتها وإشغالهم بها، بالإضافة إلى الضغط على شرائح كبيرة من المجتمع وبخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمرضى من أجل إرهاب الناس وتخويفهم.
5_ زيادة البطالة في المجتمع إما لتأثير الأحداث الجارية على الحركة الاقتصادية، أو بسبب طرد النظام لمن يشك في معارضتهم من وظائفهم، ويدخل فيها فقدان الأسر لمعيلهم بسبب الاستشهاد أو الأسر.
6_ كما تواترت الأخبار بقيام النظام بحفر خنادق حول بعض أحياء حمص لأجل حصارها وخنقها.
7_ العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول العربية على النظام وأزلامه، وهي وإن كانت غير موجهة للشعب إلا إن تأثيراتها ستصل للشعب بصورةٍ أو أخرى، مما يزيد في صعوبة الحياة ومشقتها.
فإذا أضيف لجميع ذلك: ما في الشتاء من أمطار وثلوج وبرد شديد يحدُّ من الحركة والتنقل فإنَّ ذلك قد يؤدي _نظريًا_ إلى انخفاض عدد المظاهرات والمتظاهرين، وصعوبة استمرارهم في الاحتجاج، كما يؤدي إلى صعوبة انتشار وتحرك مجموعات الجيش السوري الحر الناشئة، وقد يُصعِّب من أي تخطيط للتدخل أو الدعم العسكري، ومن ثم يعمد النظام إلى المماطلة والمناورة لكسب المزيد من الوقت لمحاولة خنق الاحتجاجات خلال فصل الشتاء.
الواجب تجاه الشعب السوري:
إنَّ المحنة التي يواجهها الشعب السوري في هذه الأيام قد اجتمعت فيها أحزاب عديدة لمواجهته: فالنظام بآلته العسكرية التي تُعربد في شتى أنحاء البلاد، إلى جانب الكذب والتضليل الإعلامي، وصولاً إلى شبيحة الدين الذي يُفتون للنظام ويسوغون أفعاله وأقواله ويفترون على الله الكذب وهم يعلمون، والدعم الطائفي غير المحدود من: لبنان، والعراق، وإيران، بالإضافة إلى الحصار التجويعي الذي يحاول النظام فرضه على الناس، وأخيرًا حلول فصل الشتاء بقسوته وظروفه الشديدة.
وكل ذلك يُلقى على الأمة الإسلامية مسؤولية عظيمة في الاستعداد لحملة إغاثة ضخمة للشعب السوري: غذائية، وطبية، ومعيشية.
وقد شهدت الشهور الماضية جهودًا مشكورة للعديد من الجهات السورية المقيمة في الخارج، إضافة إلى جهود بعض التجار أو الجهات الخيرية، وخصوصًا للاجئين في الدول المجاورة، أو المتضررين في الداخل، لكنها جهود قليلة مقابل ما تحتاجه المواجهة الطويلة مع هذا النظام.
فلا بد من مخاطبة الهيئات الإغاثية العربية والإسلامية والهيئات الشعبية، إضافة إلى الدول الإسلامية للتنسيق فيما بينها لإطلاق حملات كبيرة لتوفير الدعم للشعب السوري، فما يحتاجه الشعب أثناء أو بعد إزالة النظام أكبر بكثير مما هو موجود حاليًا.
(وأثناء إعداد هذه المقالة للنشر حملت الأنباء قيام حملة لإغاثة الشعب السوري بالتنسيق بين مؤسسة عيد الخيرية في قطر وعدد من الهيئات والشخصيات، وهي مبادرة طيبة أسأل الله أن يبارك فيها ويكثر من أمثالها).
كما أنَّ مما يوجب سرعة تحرك الدول الإسلامية: بداية ظهور جهود لمنظمات إغاثية عالمية في بعض دول الجوار، فلا ينبغي تركها تنفرد بهذه الجهود فضلاً عن قيادتها والتي لا تتفق توجهاتها _على الأقل_ مع المرجو لمستقبل الشعب السوري والمنطقة بشكلٍ أعم.
إنَّ وقائع الأحداث المختلفة أثبتت أنَّ المواجهة مع هذا النظام الفاجر ليست خاصة بالشعب السوري فحسب، بل هي عامة لجميع دول المنطقة، وستمتد آثارها ونتائجها لتشمل الجميع، مما يجعل مسؤولية الشعب السوري أمانةً في أعناق الجميع.
اللهم مُجري السحاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب: اهزم الطغاة المتجبرين في أرض الشام وزلزلهم، الله عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّه قد طغوا وبغوا وأكثروا في الأرض الكفر والظلم والفساد، اللهم فانتقم منهم، وأخرج المستضعفين من بينهم سالمين.
اللهم اجعل هذا الشتاء والحصار على أهلنا في سوريا بردًا وسلامًا، اللهم احملهم، وأطعمهم، واسقهم، وأدفئهم، اللهم كن لهم يا رب العالمين.
آمين، آمين، آمين.
 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع