..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الإنسان القرآني

عبد الحكيم الأنيس

١٧ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8742

الإنسان القرآني
الكريم00.jpg

شـــــارك المادة

(القرآنٌ بحرٌ زخّار، تتلاطمُ أمواجُه، وتتدافُع أثباجُه، وإنَّ الحديثَ عنه ذو جوانب متعددة، ومناح متنوعة، وأريد أنْ أتناول هنا مِنْ ذلك صنعَ القرآن للإنسان)

لقد كان للقرآنِ على الإنسان فضلٌ كبيرٌ، ونعمةٌ سابغةٌ، فقدْ نقلهُ مِنْ إنسانٍ جاهليٍ - بكلِّ ما في الجاهلية مِنْ معنى- إلى إنسانٍ حضاريٍ رائعٍ.

 


ونحنُ حين نقرأُ تاريخَ العرب والعالَم قبل الإسلام ثم نقرأهُ بعدَهُ نجدُ الفرقَ بينهما كبيراً جداً.
وإنَّ شيئاً مِنْ هذا أو أكثر مِنْ شيء لَيتضحُ لكلِّ أحدٍ بدون أي تأمُّل أو تفكُّر.
كان الإنسانُ قبل القرآنِ يعيشُ في ضلالاتٍ وظلماتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ... يُشرِكُ بالله ويَنحني للأصنام، ويَعْمَدُ إلى تمر فيصنعُ منه صنماً حتى إذا جاعَ أكله!!
كان الكبيُر يأكلُ الصغيرَ، والأخُ يغزو أخاه، وتُدْفَنُ الوليدةُ حيةً في الرمال اللاهبة.... حتى إذا أشرقَ نورُ القرآن على الصحراء انبعثَ العربُ انبعاثاً جديداً، وبدأ عهدٌ جديدٌ...
لقد غيَّر القرآنُ كلَّ شيءٍ، وأعادَ صياغةَ الإنسان، وأعادَ تشكيلَ أفكاره وتوجُّهاته مِنْ جديد... فإذا الضلالاتُ: نورٌ يشعُّ، وهدىً وقّادٌ.
وإذا الظلماتُ: صباحٌ تلألأ، ونسيمٌ عذبٌ.
مِنْ حضيضِ الجاهلية إلى ذروةِ الحضارة.
مِنْ دركاتِ الجهل إلى مدارجِ العلم.
مِنَ العزلةِ والانطواء إلى الأُخوةِ واللقاء.
مِنَ الظُلمِ والظلمات إلى العدلِ والأنوار.           
مِنْ أقوامٍ متفرِّقين إلى قومٍ متوحِّدين متماسكين.
مِنَ الشركِ والتناحر إلى الوحدةِ والتوحيد
مِنَ الغيابِ التامِّ إلى الحضورِ المطلق.
فالقرآنُ -كتابُ الله الخالدُ- هو الذي صَنَعَ الإنسانَ، الذي هو خليفةُ الله في الأرض..
لقد مرَّتْ مئاتُ السنين والإنسانُ ضائعٌ في بيداءِ الجاهلية... حائرٌ في وديانِ الضلالة... عاجزٌ عن الحركةِ والتغيير... وجاء القرآنُ ليقول له:
هيا إلى مكانِكَ الطبيعي.... هيا إلى خلافة الله...
وما هيَ غير سنواتٍ قليلةٍ -في حساب الزمن- حتى كان العالَمُ كلُّهُ قد لبِسَ حلَّتَهُ الجديدةَ التي أرادها اللهُ له... واستيقظَ المظلومون على صباحٍ دافىءٍ يَنعُمُ بالعدلِ والحريةِ والإخاءِ، وانفتحتْ أبوابُ السجنِ الكبيرِ الذي كان يضمُّ ملايين البشر لينطلقوا إلى واجباتهم على وجه الأرض.
حقاً لقد أعاد القرآنُ صياغةَ الإنسان، وأعاد مِنْ خلال هذا الإنسانِ صياغةَ الحياة من جديد... وبدأتْ الإنجازاتُ الكبرى في عصورِ التغيراتِ الكبرى... وكانت أمجادُ الفتوحات، وكانت جلالةُ الخلافة الراشدة... ثم تشعَّب النورُ مِنْ هنا وهناك ليظلِّل العالَم كلَّه...
وهكذا عاشتْ الأرضُ أزهى أيامِها في ظلِّ (الإنسان القرآني).. إلى أنْ تخلّى هذا الإنسانُ عن قرآنهِ، فتخلّى القرآنُ عنه.
ولَكأني أَسمعُ مِنْ بعيدٍ صوتَ المجدِ الضائعِ، ونبرةَ البطولةِ الباكيةِ، ودمعةَ الحضارة... 
كلّ هذا وغيره أَسمعُهُ يدعونا دعوةَ المضطَّرِ الغريقِ في بحرٍ لُجِّيٍ لنعودَ إلى العهد السالف، والطريقِ الأولِ الذي استوحش إلى سالكيه.
فيا أيها الإنسانُ الذي أتعبَهُ السفرُ في مجاهلِ الأرض، ويا مَنْ ضاعَ في صحراء الحيرة والشك: عُدْ إلى القرآن فإنّه ينتظرُك...
دَعْ عنك كلَّ المرافىء، ولا تركبْ إلا في سفينة القرآن.... فإنَّ العالَمَ ينتظرُك لتُعيدَ صياغتَه مرةً أخرى... فأنتَ الوريثُ الشرعيُ لأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وأنتَ حفيدُ الحسن والحسين... أنتَ -ولا أحد سواك- الذي سَيَمْسحُ الدمعة من عين الزمان، ويُعيد البسمةَ إلى شفاهِ الأرضِ الحزينة...

أيها الإنسان: قُلْ لكلِّ مَن أكلتْ الأحقادُ قلبَهُ:
مِنْ هنا ستُشرِقُ الشمسُ لمّاعةً وهّاجةً.
ومِنْ هنا ستتعلمون كيف تكونُ مواقفُ الرجالِ الرجالِ.
ومِنْ هنا سيعلِّمُكم رسولُ الله محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- كيف تكونُ حقوقُ الإنسان.

وبعدُ:
فإن الله -عز وجل وعلا- يقول: (والعصر، إنَّ الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).


رابطة العلماء السوريين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع