..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نحن دول تحتلها جيوشها

مجاهد مأمون ديرانية

٩ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4653

نحن دول تحتلها جيوشها
00000.jpg

شـــــارك المادة

هذا سؤال كتبه لي أحد الإخوة اليوم، يستحق أن يُنشَر جوابه على الملأ لا في رد خاص، فهو يتعلق بأخطر وأكبر التحديات التي تواجهها الأمة وهي تسعى إلى الاستقلال الجديد.
أستاذ مجاهد, سؤالٌ لطالما فكرت فيه وأرغب بمعرفة إجابته منك إن تكرمت. كيف نفسر عودة معظم الدول العربية والإسلامية للخضوع للاستعباد من أنظمة حكم العسكر بعد سنوات قليلة من نيلها استقلالها؟ هل هذا عائدٌ لقلة الوعي الشعبي العام؟

 


أخي الفاضل: هذا سؤال من "أثقل" الأسئلة التي وصلتني في سنة كاملة، وجوابه لا تتسع له مقالة بل يحتاج إلى كتاب، لأنه -في الحقيقة- وصفٌ لمشكلة الأمّة كلها، من أندونيسيا إلى المغرب. ربما يسّر الله لي أن أستفيض في هذا الموضوع ذات يوم، وحتى ذلك اليوم إليك الجواب باختصار:
لقد سقطت بلدان العالم الإسلامي (أو أكثرها) تحت الاحتلال الأوربي المباشر منذ أوائل القرن التاسع عشر، ثم اجتمع عاملان: تغير موازين القوة بعد الحربين العالميتين ونضال الشعوب من أجل الاستقلال، فكان من أثرهما خروج المستعمرين من بلادنا.
ولكن القوى الاستعمارية لا تستسلم بسهولة، وهي عندما خرجت لم تتخلّ عن نفوذها، بل انتقلت من احتلال مباشر بجيوشها إلى احتلال غير مباشر بجيوش البلاد التي تركتها.
ولم يكن الأمر صعباً، فالجيش هو القوة الكبرى التي تتضاءل بجنبها كل القوى الأخرى في الدولة، ومن يملك الجيش يملك الدولة، وهم ملكوا الجيوش عن طريق السيطرة على قادتها وضباطها الكبار.
في سوريا مثلاً تركت فرنسا وراءها "جيش المشرق" الذي أنشأته أثناء الاحتلال من أبناء سوريا أنفسهم، وكان مكوناً من سبع فرق نصيرية ودرزية وإسماعيلية ونصرانية وفرقة واحدة من السنّة، فهي حينما غادرت سوريا سمحت لمن يريد من ضباطه وعناصره أن يغادر معها، فغادر كثيرون و"تفرنسوا" (صاروا فرنسيين ولم يعودوا إلى سوريا بعدها) وبقي جزء كبير صار هو نواة جيش الاستقلال.
فتأمّل: الجيش الذي سيطرت بواسطته فرنسا على أحرار سوريا صار نواة جيش سوريا الجديد!
هل تعلم مثلاً أن حسني الزعيم وأديب الشيشكلي (صاحبَي الانقلابين الأول والثالث في سوريا) من متطوعي جيش المشرق الفرنسي؟
الصورة نفسها تكررت في كل البلدان الأخرى، فكانت جيوش الجزائر والمغرب وتونس وسوريا ولبنان مرتبطة بفرنسا وتابعة لها، وجيوش الأردن ومصر والعراق مرتبطة بإنكلترا وتابعة لها، وهي نفسها الجيوش التي شاركت (أو شارك أكثرها) في حرب فلسطين سنة 1948، فضيّعت فلسطين لأن قادتها لم يسلحوها ولم يدربوها وسحبوها من ساحات القتال.

 *   *   *

بعد ذلك اخترق الأميركيون عدة جيوش فآلت بلادها إلى سلطانهم، فرتبوا -مثلاً- انقلاب حسني الزعيم في سوريا ثم انقلاب عبد الناصر في مصر ثم انقلاب القذافي في ليبيا، فانتقلت "ملكية" تلك البلدان من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا -على التوالي- إلى الولايات المتحدة، وبقيت كذلك إلى اليوم.
ولعلك تذكر أن انتقال السلطة من الطاغية البائد حافظ إلى ابنه الطاغية الجديد بشار لم يتم (ولم يكن ممكناً أن يتم) إلا بمباركة أميركية مباشرة تولتها وزيرة الخارجية شخصياً.
ولعلك أيضاً لاحظت أن إحدى معارك الجيش مع الرئاسة في مصر خلال السنة الماضية كانت مسألة ميزانية الجيش، وها هو الجيش الآن يفضح نفسَه حينما "يتبرع" للدولة بمئتي مليون جنيه، وكأنه دولة مستقلة تساعد دولة أخرى!
أما ما هو حقيقة معروفة متداولة ضمن وسائل الإعلام الأميركية فهي أن الجيش المصري استمر في تلقي مليار وثلث المليار دولار سنوياً بعد سقوط مبارك، مباشرة من البنتاغون، ولا أحد يعلم أبداً أين تذهب تلك الأموال، وهي قطعاً لا علاقة لها بالتسليح لأن المعونات العسكرية الأميركية كانت تأتي على شكل أسلحة لا في صورة أموال.
لو علمنا أن في الجيش المصري نحو خمسين ألف ضابط لا يزيد عدد الجنرالات منهم على خمسة آلاف أو ستة آلاف، ولو قسمنا المبلغ المذكور على هذا العدد، فسوف نجد أن كل جنرال في جيش مصر يصله من الأميركيين أكثر من مليون جنيه سنوياً!
ولكن بما أن في الجيش ضباطاً شرفاء لا يرتبطون بالأعداء ولا يصلهم شيء (لا بد أن فيه من هم كذلك) فإن حصة كل واحد من غير الشرفاء الذين باعوا لسادتهم الأميركان ضمائرهم وولاءهم أكبر من المليون بكثير.
هل عرفت الآن كيف تحكم أميركا دولنا عن طريق جيوشنا؟ لذلك لم يكن صعباً أبداً على أميركا أن تتخلى عن مبارك طالما بقي الجيش (الذي تسيطر عليه) هو العنصر الأقوى في الدولة، وكذلك لم تمانع فرنسا في رحيل زين العابدين، وبقي الجيش الذي تسيطر عليه أقوى مكونات النظام الجديد كما كان هو أقوى مكونات النظام القديم.

 *   *   *

نحن دول تحتلها جيوشُها، والطريق إلى الحرية واحد من اثنين:
طريق طويل صعب ولكنه محدود الكلفة، كما صنع الإسلاميون في تركيا بصبر وحكمة طويلَين، وهو ما تحاربه عدد من التيارات الإسلامية في بلادنا (كما رأينا في مصر، وكما أشرت في مقالة "كارثة مصر: مَن المَلوم" التي نشرتها قبل أيام).
هذه التيارات تحارب تلك الطريقة دون أن تقدم البديل، أعني أنها لا تقدم منهج الحل الكامل، بل تقدم فقط الأساس النظري للحل الذي هو التطبيق الفوري الكامل للشريعة بلا أي اعتبار لعوامل الضغط الخارجية والداخلية.
الطريق الآخر مكلف جداً، وهو الذي تمشي فيه سوريا اليوم، فليس كل هذا التطويل للمأساة إلا لحماية الجيش (وأجهزة الأمن) من الانهيار والحيلولة دون ولادة جيش سوري وطني حر مستقل خارج عن السيطرة.
إنهم يريدون بقاء الجيش وأجهزة الأمن لتبقى لهم السيطرة على سوريا من خلالها، وهذا هو الخطر الذي ما أزال أكتب بسببه عن ضرورة إسقاط النظام كاملاً وليس تغيير بعض الرموز فقط، وهو سبب رفضي المستمر لأي حل سياسي ومعارضتي الشديدة لمبادرة أخي العزيز الشيخ معاذ التي طرحها بأكثر من صورة.

لقد كان الطريق الأسهل والأطول هو اختياري الأصلي، وبقيت مثابراً على الطرح السلمي حتى أواخر عام 2011 إشفاقاً على سوريا من الثمن الباهظ لسلوك هذا الطريق، أمَا وقد كان ما كان ودُفع الثمن فقد وجب استيفاء النصر كاملاً غيرَ منقوص، لم يعد التنازل ممكناً ولا يجوز أبداً التراجع والنكوص.
 

 

الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع