..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حكم استيفاء الحقوق من الأعداء بعد إعطائهم الأمان

هيئة الشام الإسلامية

٢٠ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3939

حكم استيفاء الحقوق من الأعداء بعد إعطائهم الأمان
الشام0000.jpg

شـــــارك المادة

السؤال:
نضطر في بعض المعارك أن نعطي الأمان لبعض الشبيحة أو جنود النظام، ثم نكتشف من خلال التحقيق أنهم قاموا بعمليات تعذيب وقتل للمدنيين، أو اغتصاب، أو أنهم من المجرمين السابقين وفي ذمتهم قصاص، فهل يجوز معاقبة هؤلاء على تلك الجرائم؟ أم يبقون على أمانهم؟

 

 

الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأمان يفيد عصمة دم المحارب وماله، وعدم محاسبته على ما ارتكبه خلال الأعمال العسكرية من قتل وتدمير وأعمال هي من طبيعة الحرب وضرورتها؛ وأما الجرائم التي لا تتعلق بطبيعة الحرب فالأمان لا يمنع من معاقبته عليها، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: إذا أعطى المسلمُ الأمانَ لأحد جنود النظام أو شبيحته فقد حرُم بذلك دمه وماله على جميع المسلمين، ولا يجوز التعرض له بأي أذى، ومن اعتدى عليه فإنه آثم، ويُعَزَّر بما يناسب من العقوبة على اعتدائه، كما فصلنا في فتوى (حكم الاعتداء على من أعطي له الأمان وما جزاء ذلك ؟).

ثانياً: إذا تابَ أحد جنود النظام أو أُعطي له الأمان، فلا تتم محاسبته على الجرائم التي ارتكبها خلال الأعمال الحربية والتي هي من طبيعة الحرب، ولا يضمن شيئاً أتلفه من الأنفس والأموال مما وقع خلال القتال والاشتباك.
وقد نص العلماء –رحمهم الله تعالى- على أن جنايات البغاة والخوارج والمرتدين في الحرب: لا ضمان فيها.
قَالَ الشَّافِعِيُّ –رحمه الله- في "الأم": " قَدْ ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ ثَابِتَ بن أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بْنُ مُحْصِنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُقَدْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عَقْلٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا". والقَوَدُ: القصاص، والعقل: الدية .
وعَنْ مَعْمَرٍ, قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ, أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ, كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنِ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا, وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ, وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ [الخوارج], فَتَزَوَّجَتْ, ثُمَّ إِنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى أَهْلِهَا تَائِبَةً, قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ, وَلَا قِصَاصٍ فِي قَتْلٍ أَصَابُوهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ, وَلَا يُرَدُّ مَا أَصَابُوهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ" أخرجه عبد الرزاق.
[والمقصود بإصابة الفرج بتأويل القرآن: الحكم على الزواج وفسخه باجتهاد غير صحيح].
وقال ابن تيمية –رحمه الله- في "الفتاوى" بعد ذكر كلام الزهري السابق:
"وَكَذَلِكَ قِتَالُ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ - حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ - إذَا قَاتَلَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ ، فَأَصَابُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ نُفُوسًا وَأَمْوَالًا، لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ إذَا صَارَ لَهُمْ شَوْكَةٌ ، فَقَتَلُوا الْمُسْلِمِينَ وَأَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، كَمَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ: أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُمْ بَاطِلًا.
كَمَا أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْهُ مَضَتْ بِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا قَتَلُوا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَتْلَفُوا أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ يَضْمَنُوا مَا أَصَابُوهُ مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ. وَأَصْحَابُ تِلْكَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ كَانُوا يُجَاهِدُونَ، قَدْ اشْتَرَى اللَّهُ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ، فَعِوَضُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ".

ثالثًا: أما الجرائم التي ارتكبها الجندي أو الشبيح مما لا يتعلق بالأعمال العسكرية الحربية، كـالاغتصاب، وقتل المدنيين عمداً، والسرقة من بيوتهم، ونحو ذلك، فهذه لا يمنع الأمان من استيفاء الحق فيها؛ لأنها جنايات خاصة لا تعلُّق لها بالحرب، وليست من أعمالها.
قال الشافعي –رحمه الله- في "الأم" عن قطاع الطرق الذين قتلوا وسرقوا: "وَلَوْ أَعْطَاهُمْ السُّلْطَانُ أَمَانًا عَلَى مَا أَصَابُوا، كَانَ مَا أَعْطَاهُمْ عَلَيْهِ الْأَمَانُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ بَاطِلًا، وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعُوهَا".
وقال: "وَأَمَانُ الْإِمَامِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ بَاطِلٌ".
وقال النووي –رحمه الله- في "روضة الطالبين": " فَإِذَا أَتْلَفَ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ أَوْ عَكْسُهُ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ: ضَمِنَ قَطْعًا".
وقال: "فَلَوْ أُتْلِفَ فِي الْقِتَالِ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِتَالِ، وَجَبَ ضَمَانُهُ قَطْعًا".
وقال ابن تيمية –رحمه- في "الصارم المسلول": "مَن حَلَّ قَتلُه لم يُعصم دَمُهُ بِأمانٍ ولا عَهْدٍ، كَمَا لَو أَمَّن المُسلمُ مَنْ وَجَبَ قَتْلُه لِأَجِلِ قَطْعِ الطَّريقِ وَمُحَارَبَةِ اللهِ وَرَسولِهِ والسَّعيِ في الأرضِ بِالفسادِ المُوجِبِ لِلقَتلِ، أَو أَمَّنَ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأجْلِ زِنَاه، أَوْ أَمَّنَ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأَجْلِ الرِّدةِ ...
ولا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَقْدَ عَهْدٍ، سَواءً كَانَ عَقْدَ أَمَانٍ، أَوْ عَقْدَ هُدنَةٍ، أو عَقْدَ ذِمَّة؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَدٌ مِنَ الحُدُودِ، وَلَيسَ قَتْلُهُ لِمُجَرَّدِ كُونِهِ كَافِرًا حَربيًا".

وعليه: إذا أعطى المجاهدون جنديًا من جنود النظام أو شبيحًا أمانًا ثم علموا أنَّ عليه قصاصًا قبل الحرب، أو أنَّه قد قتل مدنيين، أو اغتصب، أو ارتكب جنايةً خارج الأعمال الحربية، فيجوز عقوبته واستيفاء الحقوق منه، ولا يمنعهم الأمان من ذلك.

رابعًا: الأصل ألا يُعطى جنود النظام وشبيحته الأمان إلا في حال الحاجة لذلك، ويكون التعامل معهم وفق الأحكام الشرعية، كما سبق في فتوى (حكم إعطاء الأمان للشبيحة وجنود النظام).
نسأله سبحانه وتعالى أن ينصر إخواننا المجاهدين، وأن يقطع دابر المجرمين المفسدين، والحمد لله رب العالمين.
 

 

هيئة الشام الإسلامية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع