..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حكم الاستيلاء على الأموال العامة وآبار النفط وإدارتها

هيئة الشام الإسلامية

١٨ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5419

حكم الاستيلاء على الأموال العامة وآبار النفط وإدارتها
الشام الاسلامية0.jpg

شـــــارك المادة

 السؤال:
شاع في بعض المناطق بعد تحريرها وضع بعض الكتائب يدها على ما في هذه المنطقة من مصانع، وصوامع غلال، وقد جرى استغلال بعض ما فيها من منتجات ومستودعات لصالح الكتائب، بل قامت بعض الكتائب ببيع آلات وأدوات بعض هذه المصانع لشراء الأسلحة، فما حكم ذلك؟

كما وصلت بعض الكتائب إلى حقول النفط، وتقوم بفتح هذه الآبار والاستفادة من مردودها في التسليح، فهل يجوز ذلك بعدما سدت عليها أبواب التمويل والدعم إلا من الله ؟
علماً أنَّ الخبراء وأهل الاختصاص قالوا إن طبيعة هذا النفط الخام وخاصة في دير الزور ضار للبيئة وللصحة.

 

الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأموال العامة ملك لجميع أفراد المجتمع، لا يجوز لأحد الاستيلاء عليها أو الاستئثار بها دون سائر الناس، وهذا تفصيل ذلك :
أولاً: مرافق الدولة من عقارات أو منقولات، وكذا المصانع, وصوامع الغلال, والمستشفيات, والمدارس ونحوها هي أموال عامة تعود منفعتها وملكيتها لعموم الناس، لا لشخصٍ بعينه.
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحْلِفُ عَلَى أَيْمَانٍ ثَلَاثٍ، يَقُولُ: "وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا أَنَا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ ... وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظُّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ يَرْعَى مَكَانَهُ ". رواه الإمام أحمد في المسند، وأبو يوسف في كتاب الخراج .
وإنما تنحصر وظيفة الدولة في تنظيم هذا المال وإدارته، وتوزيعه بطريقة عادلة، باعتبارها وكيلةً ونائبةً عن الأمة فيه، قال ابن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى": "وَلَيْسَ لِوُلاةِ الأُمُورِ أَنْ يَقْسِمُوهَا بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمْ، كَمَا يَقْسِمُ الْمَالِكُ مِلْكَهُ ; فَإِنَّمَا هُمْ أُمَنَاءُ وَنُوَّابٌ وَوُكَلاءُ لَيْسُوا مُلاكًا".
وعليه، فلا يجوز لأحد امتلاكها أو استخدامها لمنفعته الشخصية، أو اختصاص طائفة بها دون سائر الناس؛ لأن في هذا ظلماً واعتداءً على حقوق الآخرين.
كما أنها لا تدخل ضمن الغنائم التي توزَّع على المجاهدين، بل تبقى ملكيتها لعموم الناس، كما سبق ذلك في فتوى (حكم الاستيلاء على صهاريج المازوت ونحوه من المال العام) وفتوى (حكم الأموال التي يغنمها الثوار في سوريا).
والواجب الشَّرعي أن يُحافظ على عملها قدر المستطاع لتبقى منفعتها العامة ؛ مع توفير الحراسة والحماية لها.
 ثانيًا: تُعَدُّ السُّدود، وآبار النفط والغاز وخزاناتها، من الأموال العامة كذلك التي لا يجوز لأحد تملكها، أو استغلال توزيع منتجاتها وريعها لفئة دون غيرها.
قال الشافعي –رحمه الله- في " الأم": " كُلُّ عَيْنٍ ظَاهِرَةٌ كَنِفْطٍ، أَوْ قَارٍ [زفت]، أَوْ كِبْرِيتٍ ... فِي غَيْرِ مِلْكٍ لِأَحَدٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَجَّرَهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا لِسُلْطَانٍ أَنْ يَمْنَعَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَا لِخَاصٍّ مِنْ النَّاسِ ... وَلَوْ تَحَجَّرَ رَجُلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذَا شَيْئًا، أَوْ مَنَعَهُ لَهُ سُلْطَانٌ كَانَ ظَالِمًا".
وعن أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ _رَضِيَ الله عَنهُ- أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، فَقَطَعَهُ لَهُ.

فَلَمَّا أَنْ وَلَّى، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ، فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ) رواه أبو داود والترمذي بسند حسن.
ومعنى (الْمَاءَ الْعِدّ): الدائم الذي لا انقطاع لمنابعه، وما كان كذلك فهو ملك لعامة الناس.
وفي استرجاع النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأرض من أبيض، دلالة على عدم جواز اختصاص شخص معين بالاستفادة من المنافع العامة دون سائر الناس.
وقال الكاساني –رحمه الله- في "بدائع الصنائع": " أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِّ وَالنِّفْطِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْمُسْلِمُونَ لَا تَكُونُ أَرْضَ مَوَاتٍ، حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا لِأَحَدٍ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْإِقْطَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ".
ثالثًا: يجوز للمجاهدين التموُّل من هذه الآبار بما يحقق كفاية كتائبهم وكفاية الناس وحاجتهم.
أما آثار ذلك على البيئة والصحة، فتوجب اتخاذ أقصى وسائل الحماية والحذر في عملية الاستخراج، والتعامل بالتصفية والتكرير، وما يحتاجه ذلك من الاستعانة بالخبراء والأخصائيين؛ دفعًا للضرر الحاصل منها، ووقاية لمستقبل البلاد والعباد.
رابعًا: إن قيام بعض الكتائب أو الجهات الثورية ببيع الأملاك العامة كالصوامع أو المصانع، أو بيع ما فيها من آلات أو معدات أو تخريبها، أو بيع منتجاتها كالنّفط والقمح وغيره لخارج سوريا مع حاجة الناس الماسة لها، يعد من الخيانة والإفساد في الأرض، الذي يستحق فاعله العقوبة الشديدة الرادعة لأمثاله؛ قطعًا لدابر الفتنة والإفساد في الأرض، وحفاظًا على موارد الدولة وثروات الأمة.
فالاعتداء على الأموال العامَّة ذنبٌ عظيم، وجُرْمٌ كبير، إذ هي أشدُّ حرمةً وأحقُّ أن يُحافَظ عليها من الأموال الخاصَّة؛ لأن إضاعةَ مال الفرد يضرُّ فردًا أو أفرادًا معدودين، أما تضييع المال العام فيضرُّ الأُمَّةَ كُلَّها .
روى البخاري في صحيحه عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ومعنى: (يَتَخَوَّضُونَ): يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَاطِلِ، وبِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي.
وعند الترمذي: (رُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ).

وقد حذر الفاروق عمر رضي الله عنه من الاستهانة بالمال العام فقال: " لَا يَتَرَخَّصُ أَحَدُكُمْ فِي الْبَرْذَعَةِ، أَوِ الْحَبْلِ، أَوِ الْقَتَبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، فَإِنْ كَانَ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ رَآهُ عَظِيمًا، وَإِنْ كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِيهِ، وَقَالَ : مَالُ اللَّهِ!! "أخرجه القاسم بن سلام في "الأموال". و(الْبَرْذَعَة) و(الْقَتَب): ما يوضع على الدابة تحت السرج.
خامسًا: قيام إحدى الكتائب بتحرير أيٍ من هذه السُّدود أو آبار النفط أو الغاز أو الصوامع، وغيرها، لا يبيح لها حق التصرف فيها منفردة، بل ينبغي تكوين هيئات مستقلة عن الكتائب العسكرية، من أصحاب الوجاهة والعلماء والمحاكم الشرعيَّة ومن العاملين في هذه المنشآت لإدارتها وتسييرها؛ حفاظًا على مقدّرات البلد وثرواتها أن تضيع، أو يُساء استخدامها.
والله وحده المسؤول أن يحفظ على بلادنا أهلها، وأمنها، وثرواتها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع