..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نداء عام إلى دعاة الإسلام حول نازلة الشّام

خالد عبد العزيز الباتلي

٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7530

نداء عام إلى دعاة الإسلام حول نازلة الشّام

شـــــارك المادة

الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، وبعد:
أيّها العلماء والدّعاة: أنتم شموس الهدى ومصابيح الدّجى، وإليكم يفزع عوام النّاس عند الفتن والمُلِمّات، وقد أخذ الله العهد على أهل العلم بما علمتم.
لقد طفح الكيل، وبلغ السّيل الزّبا، وتفطّرت القلوب، وتقرّحت الأكباد ممّا يجري في بلاد الشام.
ولقد بان لكلّ بصير أنّ الطّغاة في سوريا قد اختاروا القتل والدّم، لا يلوون على أحد، ولا عجب فتاريخهم حافل بمثلها، ولا خيار أمام هذا الوضع العصيب، والكرب الشّديد إلاّ أن يُقابل الدّم بالدّم، والهَدْم بالهَدْم، ولا يفلُّ الحديدَ إلاّ الحديدُ.

 


لقد أمعن المجرمون في القتل، وأسرفوا هذه الأيام، وزادت أعداد القتلى في كلّ يوم، وأصبح الأمر لا يحتمل القعود والتّواني، فماذا ننتظر، وقد أُريقت الدّماء، وتناثرت الأشلاء، ونُحِر الأطفالُ والنّساء، ودُكّت على أهلها الأحياءُ، وانتُهكت الأعراضُ واشتدّ البلاء، حتى شحّ الدّواءُ والغذاء والكساء.
سبحان الله ..
أيُّ عجز وخَوَر أصاب أهل السّنة وهُمُ الأكثرُ عددًا ومالاً، عجزوا أن يوصلوا الغذاء إلى إخوانهم حتى لجأ بعضهم إلى أوراق الشّجر! والرافضة يمدّون إخوانّهم بالسّلاح والرّجال والمال، والبوارجُ والطّائرات تتوالى على الموانئ والمطارات محمّلة بالأسلحة التي تفتك بأهل السّنة، ونحن نتفرّج في الشّاشات، ونكتفي بقول: قلوبنا معكم، ونحن ندعو لكم.
نعم الدّعاء سبب شرعيّ، وسلاح ماضٍ، لكن لا عذر ونحن نملك أكثر من ذلك، فهذه حيلة العجائز اللاّتي لا يملكن سوى الدّعاء، فأين الرّجال يا أهل السّنة؟! وأين الولاء للمؤمنين؟ وأين النّصرة في الدّين؟
لقد خُذل أهل السّنة في سوريا من القريب والبعيد، والعربيّ والعجميّ، فلم ينصرهم مجلس الأمن ولا هيئة الأمم ولا الجامعة العربيّة، ولا حتى منظّمة المؤتمر الإسلاميّ.
يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما من امرئ يخذُل امرءًا مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه، و يُنتهك فيه من حرمته إلاّ خذله الله تعالى في موطن يحبُّ فيه نصرَته، وما من أحد ينصرُ مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلاّ نصره الله في موطن يحبُّ فيه نصرَته). رواه أحمد بسند حسن.
أيّها الإخوة.. إنّ الخطب عصيب، والكرب شديد، والعجيب: أين نصرة المسلمين لهم؟
لقد كانت النّصرة ضعيفة مع فداحة الخطب، بل الملاحظ أنّ التّناسب عكسيّ؛ فالمجرمون يزيدون في عتوّهم وإجرامهم، والمسلمون يضعفون في نصرتهم حتى بالدّعاء والتّفاعل.
وقد يقول قائل: إنّ القلوب تتفطّر ممّا نراه ونسمعه، لكن ما عسانا أن نفعل؟ فالعين بصيرة واليد قصيرة.
وأقول: قد تأمّلتُ هذا الجواب مليًّا وأمعنْتُ النّظر فيه، وبدا لي أنّه صحيح إذا نظرنا إلى الأفراد، لكنّه ليس بصحيح إذا نظرنا إلى الجماعة.
وإيضاحًا لذلك أقول: إنّه يمكن نصرة المسلمين في سوريا نصرة مؤثّرة، إذا سلكنا منهج العمل المؤسّسي المنظّم، وآليّة ذلك فيما يأتي:
1- أن تنشأ رابطة أو لجنة – أو غيرها من المسمّيات – تحت مسمّى: النّصرة الإسلاميّة، وفق عمل مؤسّسيّ منظّم، وهدفها نصرة المسلمين في أوقات الأزَمَات والمحن في أيّ مكان في العالم بأنواع النّصرة المختلفة.
2- أن ينضوي تحت هذه الرّابطة كلّ من له اعتبار وشأن من أهل السّنة في العالم من العلماء والدّعاة وطلاّب العلم.
3- أن يتبع هذه الرّابطة مكتب للدّراسات والتّخطيط يعمل فيه متخصّصون في مختلف التخصّصات، لدراسة الأزمة النّازلة وأبعادها، وسبل الخروج منها.
4- من المهم جدًّا أن يقدّر الجميع أهميّة الاجتماع وخطر الفرقة والنّزاع، فيتمّ التّغاضي عن الاختلافات؛ فالجميع تحت مظلّة أهل السّنة والجماعة، والمصلحة تقتضي الاجتماع وعدم إثارة الخلافات، وهذا من عظيم الفقه في الدّين وتقدير المصالح العامّة. فيجلس الشّيخ زيد – الذي حذّر من مسلسل عمر رضي الله عنه مثلاً- بجوار الشّيخ عمرو الذي أيّد المسلسل، ويتصافحان، ويطويان مثل هذه المسائل، ويضع كلٌّ منهما يده في يد أخيه لنصرة إخوانهم المسلمين في شدّتهم وكربتهم.
وممّا سبق يتبيّن مكمن الفرق بينها وبين غيرها من جهات الإغاثة، وأنّه يظهر في أمرين:
الأوّل: أنّها رابطة عالميّة لا تتقيّد بحدود.
الثّاني: أنّها لا تقتصر على جهود الإغاثة وحسب، بل جهدها الأوّل نصرة المسلمين حينما يتسلّط عليهم من ينكّل بهم، ويفتنهم عن دينهم، كما هو الحال في سوريا وبورما.
إنّ هذه الرابطة التي يقودها العلماء والدّعاة من العالم كلّه، هي من يتولّى فواجع المسلمين، وهي من يوجّه الأمّة إلى القضيّة، ويوحّد الجهود، ويقود الأمّة إلى العمل والنّصرة في كلّ بلد بحسبه، ويلهب المشاعر، ويشغل الرّأي والإعلام بقضايانا، وحينذاك فأنا على يقين أنّه ستنقلب موازين، وتتغيّر مواقف دول.
أيجوز أن نرى هذا الفظائع والمجازر في كلّ يوم وليلة من حثالة لا يساوون بعرة بعير، ونحن مئات الملايين نملك الأموال والعقول نتفرّج ونتباكى؟!
إلى متى هذا الذلّ والهوان ونحن أمّة العزّة والمجد؟
إنّ نازلة الشّام لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد أطلّت نازلة بالمسلمين في بورما وأثيوبيا وغيرها، فما أعددْنا لذلك؟

ألا يستحقّ الأمر أن تنشأ له رابطة كبرى، تكون ردْءًا للمسلمين، وتقود الأمّة جميعًا إلى نصرة إخوانهم وفق منهج منضبط منظّم يحقّق النّصرة دون جفاء أو غلوّ؟
إنّني أدعو العلماء والدّعاة أن يبادروا بتبنّي هذه النّصرة، ويسعوا في تحقيقها واقعًا وعاجلاً، لنرفع الضّيم عن المسلمين، والإثم عنّا، والله المستعان، هو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العزيز الحكيم.

 

المصدر : الإسلام اليوم 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع