..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

من سيرتب مسرح الأحداث؟

الرشيد

٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6816

من سيرتب مسرح الأحداث؟
9.jpeg

شـــــارك المادة

مما لا شك فيه أن عواصم القرار في دول العالم الكبرى لا تنفرد باتخاذ القرارات الخاصة بالقضايا المصيرية على المستوى الدولي دون التنسيق فيما بينها، وذلك بعيداً عن أروقة المنظمات الدولية ومن بينها مجلس الأمن الذي تبين أنه عبارة عن هيئة إنسانية أكثر منه هيئة سياسية مادامت هناك دول تستطيع (التصرف) بعيداً عنه. ولست هنا بصدد تشخيص مهام مجلس الأمن والتي يمكن تعطيلها بكلمة (لا) من أي عضو دائم فيه، إنما أريد أن أزيح بعض الستائر التي تخفي وراءها قذارات اللعبة السياسية الدولية.

 


إن القرار الدولي يجب أن يمر بمراحل عدة قبل وصوله لمجلس الأمن وهو أشبه ما يكون كالجنين في بطن الأم يمر بعدة مراحل من التطور حتى يصبح مخلوقاً كاملاً. ولعلني أستفيد من التشبيه السابق بالولوج لحالة الثورة السورية والتي صار من الواضح تكالب الدول على إجهاضها قبل أن تبشر بولادة سوريا الجديدة. والغريب بالموضوع أن هذا التعمد لإجهاض الثورة كان له ما يبرره لو أن هناك (جنيناً) شاذا سيخرج إلى الحياة، لكن المفارقة هنا أن ما تحمله الثورة السورية هو ولادة سوريا العريقة من جديد، وهذا ما لا تريده دول العالم (المتحضرة) والتي تنادي ليل نهار بالديمقراطية وحقوق الإنسان! إن سوريا جديدة هي أكثر ما يرعبهم، فهي قلب الوطن العربي ودرة الشرق الأوسط، وقد تم إدخالها منذ ستينات القرن الماضي في حالة من الموت السريري، فهي موجودة على الخارطة لكن دون حراك.
أما سبب التغاضي الدولي عن الحالة المرضية للدولة السورية بل والاشتراك في توفير مقومات بقاء المرض هو ذلك الكيان الذي يقبع إلى جوارها، وهو الكيان الإسرائيلي الذي تمده دول العالم بكل أسباب الحياة ولو على حساب جيرانه. فقضايا الشرق الأوسط ينظر لها كلها من المنظور الإسرائيلي، وشرقنا المتوسط ما هو إلا رقعة شطرنج تمتد إليه أيادي اللاعبين من خلال النافذة الإسرائيلية التي تتحكم بحركات اللعبة كلها! أقول في شرقنا المتوسط هناك نافذة واحدة لخروج أي قرار دولي وهي النافذة الإسرائيلية، والتي تم زرعها في قلب الوطن العربي لتكون معبراً لتلك الأذرع التي تريد اللعب على الرقعة المهترئة للسياسة العربية.
وما يهمني في التوصيف السابق هو الثورة السورية وكيف جعلت من سوريا ميداناً لتسابق هذه الأذرع وتنازعها على الساحة السورية. فعندما اندلعت شرارة الثورة السورية متأثرة بحمى الثورات العربية وبدأت بالانتشار على جغرافية الأرض السورية اتسم الموقف الإسرائيلي بالحذر وكان لهذا الحذر تداعياته على القرار الأمريكي ومن بعده الدولي. فالثورة السورية قامت كثورة شعبية بامتياز، أي لا وجود لأي قيادة سياسية لها، وكان طرحها الوحيد هو الحرية بكل أشكالها، ولهذا السبب استشكل الأمر على دول العالم الكبرى وأولها أمريكا، فما من ممثل للحراك الشعبي تستطيع أمريكا أو غيرها من الدول مفاوضته، وحتى تنسيقيات الثورة التي حاولت تأطير النخب الثورية في هيئة واحدة أفرزت مجموعات من التجمعات الثورية ليست ذات باع مقبول بالسياسة وخصوصاً الخارجية منها. ولذلك كان الحذر هو عنوان التعامل مع طرفي النزاع في سوريا. فمن طرف هناك نظام إجرامي مافيوي يرتبط بعلاقات معقدة ضمن محيطه الجغرافي، وهناك حراك شعبي غير موجه أو مؤدلج، ومن الصعوبة بمكان مهادنة الأول، والأصعب منه محاورة الثاني؛ لافتقاده التمثيل المطلوب.
وهكذا دخلت الثورة السورية في حالة من الفعل ورد الفعل، أي انتظار خطوة من النظام لتليها خطوة من المجتمع الدولي، وهذا التصرف من المجتمع الدولي ينم عن تواطؤ غير معلن مع النظام السوري الذي ما زال ينكر ما يحدث على الأراضي السورية رغم هوله. وإلا ما الحاجة للانتظار من قبل المجتمع الدولي والثورة السورية أعلنت صراحة عن نفسها منذ أن دكت الدبابات درعا في الأيام الأولى للثورة وخروج الآلاف في معظم المحافظات السورية نصرة لها.
إن أسوأ ما في الحالة السورية هو وقوف معظم دول العالم موقف المتفرج على مسرحية درامية حيث لا نسمع من هذا (الجمهور) سوى عبارات النقد والتنظير. وبما أن هذه المسرحية قائمة بفصولها الدموية ولا نجد من دول العالم سوى الوقوف موقف المتفرج؛ لذلك وجب على الجميع الانخراط في العمل الثوري، ففي ميدان الثورة السورية لا مكان للمتفرجين؛ فإما أن تكون فاعلاً في العمل الثوري، أو أن تجلس في الصفوف الخلفية تندب أخوانك من المضطهدين.
لم يكن ذنب الثورة السورية أنها عولت على الغرب في إحداث تغيير ما على الساحة السورية وقد عاينت ما جرى على الساحات الثورية في الدول العربية الأخرى وكيف كان للتدخل الغربي دور في دعم ثورات الربيع العربي، أما وقد صارت الصورة أوضح وتكشفت المواقف الحقيقية على أرض الواقع؛ فعلى الشعب الثائر أن ينتظر من الداخل أكثر ما هو مطلوب من الخارج، فالكلمة الحق تأتي ممن هو على خشبة المسرح وليس ممن يتابعها بالصياح حيناً والتصفيق حيناً آخر. يجب دفع الثوار لإيصال صوتهم لكل من يتابع الشأن السوري، وخصوصاً أولئك الذين يصمون آذانهم عن صرخات المظلومين.
لقد قطعت الثورة السورية الشوط الأهم وهو تحولها إلى (قضية) تشغل دول العالم، أما الباقي فهو عملية إحقاق الحق، وما دام الثوار على حق فهم بالنهاية منتصرون لا شك في ذلك –إن شاء الله-.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع