..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أبعاد السحق الطاغي!

عبد الكريم با عبد الله

٢٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6487

أبعاد السحق الطاغي!
4.jpeg

شـــــارك المادة

لم يعد الموت الذي يشهده العالم في سوريا عبر الإعلام المصور والنقل الحي من شوارع الأحداث لغةً عجمى، فالسحق الفظيع في سوريا -سحق الكرامة والأجساد- أضخم من أن تعجز عن فهمه المدركات البشرية ولا حتى البهيمية التي تأسى على فقد فصيلها، للموت هناك رسائل لا يستوعبها ضمير المسلم المتراخي لحب الدنيا وكراهية الموت، ولم تجرؤ على فهمها سياسية التواطؤ على المصالح والنصرة الكلامية، رسائل ينقلها الأثير لأحياء الضمير، فالموتى لا روح فيهم ولا رجاء معهم، العالم بأسره عجمهم وعربهم؛ الذي يسمع الفواجع ويشاهدها هو بذاته يتكتم عليها بصمته، لم يعرف من نخوة المعتصم سوى أنها أسطورة في عصر الخذلان، يشهدون باكورة كل يوم بشهيد ويرحل ليلهم بزهاء المئة شهيد، وبينهم أطفال ونساء، ناهيك عن الموت البطيء في غياهب الموت والمعتقلات، تحت الذل والهوان.. ولم ترحل آلامهم بعد!

 

والسحق الذي يمارسه النظام النصيري له رسائل مدادها الدم.. رسائل لأحياء الضمير الإسلامي في العالم، الذين لا تسوغ استكانتهم بعد كل فاجعة تحل بأمة الإسلام إلى نزعتهم البهيمية، ونزواتهم الشهوانية، وملهياتهم اليومية جرياً وراء الدرهم والدينار، والمتع والأسفار، بل يحيون فكرهم ويوجهون مشاريعهم على مستوى اللحظة الحاضرة والمستقبلة، في الخلاص والمدافعة بالعمل الهادف، حتى يتحقق وعد الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]. يحيون في أنفسهم هذه القضية وفي أسرهم وصداقاتهم لتصحيح مسار الحياة اليومية توبة وإصلاح واجتهاد لأجل قضايا الجسد الواحد.
ومن إيحاءات ممارسات السحق والحقد النصيري.. أن على أهل السنة والإيمان تعميق "ثقافة الموت" والإعداد للمواجهة الجهادية التي طالما عبث في مدلوها التآمر الصليبي، بها يرتقي المسلم بالشهادة في سبيل الله ويذل بالفرار يوم الزحف، بها موت الحياة الدنيا.. وبها حياة الأبد في الآخرة؛ {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون}.. والمؤمن يسترخص حياته ويصنع من شهادته مجداً يروي أجيالاً ويقيم الدين فيهم، وفي الحديث: ((.. ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغِهِ، فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.. )). وهذا يمد النفس بقوة العزيمة والتضحية في سبيل الله وعدم التوقف فكل ما دون الموت هان.. خصوصاً والأحداق تتجه لمعقل الإسلام بمآرب مختلفة ومشارب شتى..
من رسائل السحق النصيري.. إدراك البعد النفسي الحاقد على السنة وأهلها، والتوافق التتاري في تصفية الأجساد المزهوقة، وتقطيعها والتمثيل بها، كلها حقائق على الأرض تسقط معها حمامة سلامهم، وتنحرها نحراً أمام دعاة التقريب؛ ليتقوا الله ويعودوا لأصل الإيمان والبراء من أهل النفاق وإدراك تأصّل عداوة الكافرين وتواطؤ المنافقين على المؤمنين؛ {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء: 138-139].. فالباطنيون ومن لفّ معهم يترجمون عقائدهم بدم الأطفال البريئة، وأعراض النساء العفيفة، ناهيك عن قهر الرجال والتشفي بذويهم أمامهم!
ومن رسائل السحق الذي يمارس بالصوت والصورة الموثقة.. إدراك قيمة الدم المسلم الذي يهون عنده هدم الكعبة حجراً حجراً؛ لا معنى له في ميزان المصالح لدى أعداء الدين، الذي اتحدوا على إراقته رخيصاً وقدمته عربوناً لتحركاتهم الزاحفة، إذ لا زيت يروي ظمأهم، ولا أمان يرنو لهم بعد سقوط الطاغية وكسر شوكته.. فنستيقن بذلك قول الله: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، بل تداعى الغرب والشرق على أمتنا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها!
ومن الرسائل التي تبعثها روائح دم المسلم تميز المنهج الرباني؛ منهج الإحسان عند القتل، والرحمة عند التعزير، والحياة عند القصاص، دون اعتداء أو تمثيل، مبدأ: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، تمييزه عن المناهج الأرضية الوضعية التي تتعدى فوق الغلبة إلى التعذيب والتنكيل والسحق بعد زهق الروح ولم تغب عن ناظرينا أكوام الجثث في العراق وتلتها سوريا...
ومن الرسائل الواجب التحرك لها؛ تسارع الأزمات من حولنا لا يتناسب مع مشاريع الإعداد المادي للأمة، وتوحيد غاياتها بما يحفظ بيضتها ويقوي شوكتها، وتنفيذ مشاريع دعوية وتربوية واتخاذ قرارات إصلاحية تضم الشعث وتوحد الصف على منهج الإسلام وتشريعاته، لا مزيداً من الانفلات يفرق العصي فيسهل كسرها..
رسائل ورسائل.. تلك الرسائل والعبر للغافلين، وبصيرة للمؤمنين بالإعداد بالقوة الإيمانية، والانخلاع من شرك الشهوات والغفلة، والإعداد بالقوة المادية والتسليح والتصنيع والتدريب، ونفض الاهتمامات وتغيير العادات التي لا تمت لخدمة الإسلام بشيء سوى تضييع الأعمار، واستنهاض الهمم ببذل الممكن والبعد عن التثبيط وقطع الخوف من المجهول، واليقين بما عند الله العاجل حال الصبر والثبات والآجل يوم اللقاء والحساب..
وقلب المؤمن لا تنقطع عنه رسائل سحق الكرامة والأجساد تلك التي تتوالى من مجازر طاغية الشام وفرجة العالم المتواني إليه! اللهم وفق ولاة أمرنا لصالح العباد والبلاد ووحد بهم كلمة المسلمين ونصرة المظلومين..

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع