..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ممكنات نجاح وفشل خطة أنان

عمر كوش

٢١ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6387

ممكنات نجاح وفشل خطة أنان
7.jpeg

شـــــارك المادة

يجري التعويل على أكثر من صعيد، في أيامنا هذه، على نجاح خطة كوفي أنان، المبعوث الأممي والعربي المشترك، من أجل التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، التي دخلت شهرها الرابع عشر على التوالي، من دون أن يتمكن النظام من إخماد جذوة الثورة المتقدة، بالرغم من انتهاجه منذ بداية الحراك الاحتجاجي السلمي حلاً أمنياً دامياً، ومحاولاته المتكررة حسم الأزمة الوطنية العامة عسكرياً، وسقوط آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، إلى جانب آلاف المفقودين والمعتقلين وأكثر من مليون نازح ومهجر، فضلاً عن الدمار الكبير في العديد من أحياء المدن والبلدات والقرى السورية.


ولا يبدو أن هنالك في الأفق السياسي الدولي خياراً آخر، يمكنه أن يفضي إلى الخروج السلمي من الأزمة السورية في المرحلة الراهنة، لذلك طُرحت مهمة أنان بوصفها الخيار السياسي الدولي الوحيد للخروج منها، بعد أن حظيت بالتوافق عليها في أروقة مجلس الأمن الدولي، بالرغم من المماحكات والتعارضات بين مختلف اللاعبين الدوليين البارزين.
وقد وافق عليها النظام السوري تحت الضغط الروسي والصيني، ورحبت بها وقبلتها مختلف أطراف المعارضة السياسية السورية. والأهم أنها دُعمت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2042. وهو أول قرار يصدره مجلس الأمن حيال الوضع السوري، بعد التعطيل الروسي والصيني الذي شهده المجلس، ويقضي بوضع آلية مراقبة دولية للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، من خلال إرسال بعثة مراقبين دوليين، وصلت طليعتهم إلى العاصمة السورية، وبالتالي باتت الأزمة السورية تحت مراقبة المجتمع الدولي، ولم تعد مسألة داخلية سورية أو عربية، بل باتت مسألة دولية، قد يضطر المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات أخرى في حال إفشال مهمة أنان.
مرتكزات الخطة:
استند أنان في طرح خطته إلى دبلوماسية توافقية مرنة، تقضي بعدم وضع أي شروط مسبقة، يمكن أن يرفضها أي طرف في الأزمة وتعرقل سير مهمته. وهي دبلوماسية ترى أن تحقيق القليل من التقدم في الحل، ولو بشكل بطيء، أحسن من لا شيء، الأمر الذي يستلزم الأناة والصبر، وقراءة مختلف تضاريس الخارطة السياسية، الدولية والإقليمية، ومعرفة مختلف تدخلات القوى الإقليمية، لذلك لجأ أنان إلى إشراك موسكو وبكين وطهران في مناقشة تفاصيل الحل، وطلب من قادتها وساستها الدعم والمساعدة على نجاح مساعيه، من خلال الضغط على المسؤولين السوريين لتنفيذ بنود الخطة.
والملاحظ أن أنان وضع خطته في إطار البحث عن حل سياسي شامل للأزمة من خلال تنفيذ نقاط ست، مرتبطة مع بعضها، ولا تفاضل فيما بينها، تتمحور في ثلاثة مرتكزات هامة. ينهض أولها: على الإيقاف الفوري لأعمال القتل، بما يعني وقف إطلاق النار (من قبل جميع الأطراف)، وثانيها: تأمين وإيصال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المنكوبة والمتضررة من القصف، وثالثها: تفعيل مسار سياسي تفاوضي، ينهض على حوار بين قوى من النظام ومن المعارضة، يفضي إلى تسوية سياسية، تكفل الوصول إلى نظام ديمقراطي تعددي.
وهي مرتكزات لا تكتمل مع بعضها، بل ولا يكتب لها النجاح، إلا بالاقتران مع إطلاق سراح جميع المعتقلين، واحترام وضمان حق التظاهر السلمي لكافة السوريين، والسماح لمختلف وسائل الإعلام بدخول البلاد، وضمان حرية عملها وتنقلها.
ولعلّ المرتكز الأساس هو الدخول في عملية سياسية تفاوضية شاملة، تشارك فيها جميع الأطراف السياسية، سلطة ومعارضة، بغية تحقيق تطلعات الشعب السوري المشروعة في التغيير السياسي، الأمر الذي يتطلب التزام النظام السوري بتعيين "محاور" أو مفاوض له، يتمتع بالصلاحيات والسلطة، عندما تتم دعوته من قبل المبعوث الدولي والعربي.
أما ضمان وقف إطلاق النار من أي طرف، فيستلزم من النظام السوري سحب جميع القطعات والوحدات العسكرية من المناطق السكنية في المدن والبلدات، وإعادتها إلى ثكناتها ومواقعها السابقة، مقابل الحصول على ضمانات من طرف المعارضة المسلحة. ويتم الإشراف على وقف القتال من طرف المراقبين الدوليين، بما يضمن وقف العنف المسلح، بكافة أشكاله، من قبل جميع الأطراف، بغية حماية المدنيين وتحقيق السلام والأمن والاستقرار في البلاد.
ممكنات النجاح والفشل:
تتجسد ممكنات نجاح خطة أنان في تنفيذ بنودها الستة دون مراوغة أو تأخير أو شروط مسبقة، ويتطلب ذلك إقرار النظام السوري بأن لا حل أمنياً أو عسكرياً للأزمة الوطنية العامة في سوريا، وأن تتوفر لديه الإرادة السياسية اللازمة لتجنيب البلاد مخاطر الاقتتال والدمار والمصير الكارثي، إضافة إلى توفر ضغط دولي لتجنب مخاطر حرب إقليمية تهدد استقرار المنطقة، وتعود بالكارثة على شعوبها، التي من حقها العيش بكرامة وحرية، في ظل أنظمة ديمقراطية تعددية ومدنية.
لكن المؤشرات على الأرض لا تشي بإمكانية نجاح خطة أنان، إذ ما زالت مرتكزات الخطة لم تطبق، ولم ينفذ وقف حقيقي لإطلاق النار، إنما جرى الإعلان فقط عن الموافقة لوقف نظري لأعمال القتل والعنف، وأراد النظام منها تسجيل مواقف إعلامية، فيما قصف الأحياء والبلدات السورية مستمر، وإطلاق النار على التظاهرات، والاعتقالات التعسفية لم تتوقف. يضاف إلى ذلك لجوء النظام إلى سياسة الاشتراطات على بنود خطة أنان، وعلى القرار 2042.
وإن كان كوفي أنان قد تعامل مع النظام السوري، باعتباره سلطة قائمة، وصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، فإن ذلك يعود إلى كونه يمثل وسيطاً يتوجب عليه التعامل مع جميع الأطراف، لكن واقع الحال يشير إلى أنه يتعامل مع نظام يمارس سياسة الإنكار ولا يعترف بمفاعيل الأزمة ولا بأطرافها السياسية، وبالتالي فهو لا يقرّ بوقف إطلاق النار، بغية تثبيت هدنة بين طرفين متنازعين، إنما يريد من مهمة أنان أن تساعده على معالجة الأزمة، والتوصل إلى "نزع أسلحة الجماعات المسلحة لبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وبدء حوار وطني شامل مع أطياف المعارضة في سوريا".
كل ذلك يشير إلى مقدمات لفشل خطة أنان، الذي لم يضع سقفاً زمنياً محدداً، لتفعيل بنودها، وهو ما يفسر الرأي القائل بأنها تتيح المزيد من الوقت أمام النظام السوري لقمع الحركة الاحتجاجية، وأنها في حقيقتها تشكل طوق نجاة له، وتوفر فرصة لتأمين الأوضاع التي تجعله الطرف الذي يملك كيفية إنهاء الأزمة. وأن ما تفعله دبلوماسية أنان هو التأجيل، وليس حلّ الأزمة.
ولا يحتمل الوضع في سوريا تأويلات وتفسيرات كثيرة، لأن المعادلة بسيطة. هناك قطاعات واسعة من الشعب تحركت وانتفضت منذ الخامس عشر من مارس/آذار 2011، وما زالت مصرة وعازمة على تحقيق تطلعاتها في التغيير نحو الأفضل. لكن نظراً لجملة من الأسباب المتعلقة بطبيعة السلطة وتركيبتها وميراثها، قابل النظام جمهور المحتجين منذ اليوم الأول بالقمع وإطلاق الرصاص، ولجأ إلى سياسة الإنكار، والاتكاء إلى نظرية المؤامرة والتدخل الخارجي، وأغلق الحقل السياسي حين أوغل باعتماد حلّ أمني أزهق أرواح آلاف السوريين.
وأسهم إصرار النظام على الإمعان في الحل الأمني والقمعي في تفويت فرص الحل السياسي الداخلي، الأمر الذي أفضى إلى ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية للثورة السورية. ومع إشراك الجيش في أعمال القمع ونشره في المناطق السكنية وتزايد سقوط الضحايا، انتقل الملف إلى الحاضنة العربية، التي وفرت مبادرة، كانت بمثابة فرصة لحلّ سياسي عربي، لكن قوى النظام أدارت ظهرها للمبادرة وأفشلتها، فانتقل الملف إلى دائرة التدويل، ودخل في الحسابات والحساسيات والمماحكات الدولية.
القرار 2042:
تشير القراءة الدقيقة لقرار مجلس الأمن رقم 2042، وموافقة كل من روسيا والصين عليه، إلى أن الأزمة السورية لم تعد سورية وعربية فقط، وأن القوى الدولية تصرّ على ضرورة تنفيذ بنود خطة أنان، بانخراط جميع الأطراف المعنية بالأزمة في عملية سياسية، تتمثل في مفاوضات تقود في نهاية المطاف إلى تحول ديمقراطي ونظام سياسي تعددي، يتماشى مع تطلعات الشعب السوري، والتأكيد على وجوب التزام الحكومة السورية بسحب الآليات العسكرية من المناطق السكنية ووقف استخدام الأسلحة الثقيلة، وبدء سحب القوات من داخل المناطق السكانية ومن حولها.
إلى جانب تنبيه الحكومة السورية إلى ضرورة توفير حرية الحركة للفريق المتقدم من بعثة المراقبين الدوليين، والسماح لأفراده بحرية التواصل مع أطراف المعارضة في سوريا دون تعريض أحد للأذى بسبب اتصاله بهم.
وإذا كان القرار قد ساوى بين مسؤولية النظام ومسؤولية المعارضة عن أعمال العنف، وطالبهما معاً بوقفها، فإن بنوده تؤكد أولوية مسؤولية قوات النظام وأجهزته عن وقف الأعمال الحربية. يضاف إلى ذلك أن القرار يعتبر أن تلبية طموحات الشعب السوري هي السبيل للخروج من الأزمة، ولا يقرّ بحجة تنظيف المدن السورية من المجموعات الإرهابية والمسلحة، وحدد موعداً أقصاه يوم التاسع عشر من هذا الشهر، كي يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً حول مدى التقدم في تطبيق النظام السوري القرار، لذلك حذر من أن مجلس الأمن يعتزم تقييم خطوات مناسبة أخرى في حال عدم تطبيق القرار.
وبينما وافق النظام السوري على قرار مجلس الأمن بحجة أن هدفه تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السوري، إلا أنه لا يريد أن يقرّ بأن قرار مجلس الأمن، يمثل الخطوة الأولى لاختبار مدى التزامه بتنفيذ خطة أنان.
وهناك أصوات عديدة، داخل سوريا وخارجها، تشكك في أن ينفذ النظام السوري بنود ومرتكزات خطة أنان، لأنه لم يستمع، على مدار الثلاثة عشر شهراً السابقة، إلى الأصوات الداعية إلى انتهاج حلّ سياسي للأزمة، والقطع مع الحل الأمني، ومع أوهام نجوع وفاعلية الحسم العسكري.
وظل يعتقد أنه المسيطر على الأوضاع والطرف الأقوى في الأزمة، واطمأن إلى استناده إلى الدعم الروسي والصيني والإيراني على المستوى الدولي. لكن الواقع على الأرض لا يشير إلى نجاح النظام في خططه ونهجه، وهو يعلم جيداً أن تنفيذ خطة أنان يعني تحييد الآلة العسكرية والأمنية، ومنح الناس حقهم في التظاهر، للتعبير عن رأيهم وتطلعاتهم، من دون قتل أو اعتقال أو ملاحقة، بعد أن كسروا جدار الخوف، وساروا في حراك ثوري، لن يتوقفوا عنه قبل بلوغ المراد، وتحقيق الطموحات.

المصدر: الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع