..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

تفادياً لتجربة يوغوسلافيا في سوريا

خير الله خير الله

١٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6496

تفادياً لتجربة يوغوسلافيا في سوريا
566987.jpeg

شـــــارك المادة

ثمّة وعي لدى قسم من العرب لمدى خطورة الوضع السوري ولمدى انعكاساته على الصعيد الإقليمي. نشأ هذا الوعي في وقت لم يعد وارداً الحديث بأي شكل عن عالم عربي موحّد ولو في الحدود الدنيا. هناك عوالم عربية منفصل كلّ منها عن الآخر. لكلّ عالم من هذه العوالم همومه.


ربما كان التجمع العربي الوحيد الذي ما زال يستطيع الخروج بمواقف موحدة هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية. يحاول المجلس في هذه الأيام التكلّم بصوت واحد من جهة وإدخال بعض المنطق إلى عالم اللامنطق الذي يمثّله النظام السوري من جهة أخرى.
يفعل المجلس ذلك على الرغم من التحديات الضخمة التي تواجهه، في مقدمها السياسة الإيرانية القائمة على نظرية القوة الإقليمية المهيمنة بفضل الشحن المذهبي والاستثمار في الانقسامات العربية والمتاجرة بكل من تقع اليد عليه، خصوصاً الشعبين اللبناني والفلسطيني…
ما يفعله مجلس التعاون الذي يدفع في اتجاه إيجاد مخرج يؤدي إلى وضع حدّ للمأساة السورية يمثل عين العقل نظراً إلى أن غياب المخرج سيشرّع الأبواب أمام حرب أهلية تقضي على وحدة البلد، مع ما لذلك من انعكاسات على المنطقة ككلّ في ظلّ انفلات الغرائز المذهبية.
بكلام وضح، نحن أمام استعادة تجربة يوغوسلافيا في سوريا. تبين بعد سنوات قليلة من وفاة جوزف بروز تيتو أن يوغوسلافيا ليست قابلة للحياة، وأنها مجرد كيان مصطنع استطاع رجل قوي توحيده لفترة قصيرة مستفيداً من هامش للمناورة في ظلّ الحرب الباردة والتنافس بين القوتين العظمتين بعد الحرب العالمية الثانية.
توفّي تيتو في العام 1980م وفي السنة 1992م لم يعد من وجود ليوغوسلافيا الموحدة التي صارت دولاً عدة… ولكن ليس من دون سلسلة من المجازر وعمليات التطهير العرقي التي تثير الاشمئزاز.
تشبه المرحلة التي تعيشها سوريا حالياً مرحلة بداية تفكك يوغوسلافيا بعد عقد من وفاة تيتو. صمدت يوغوسلافيا عقداً. المفارقة أن الأحداث الخطيرة التي تشهدها سوريا بدأت في آذار- مارس من العام 2011م، أي بعد أقلّ من أحد عشر سنة على وفاة الرئيس حافظ الأسد. وهي مستمرة منذ أحد عشر شهراً. أكثر من ذلك، أن الأحداث السورية تقترب يومياً من التحوّل إلى حرب أهلية بكل معنى الكلمة، خصوصاً في ضوء العمليات العسكرية التي تستهدف حمص والمنطقة المحيطة بها وحماة وريف دمشق وإدلب ودير الزور وجسر الشغور والبوكمال…
من حق دول مجلس التعاون دقّ ناقوس الخطر. المشكلة ليست في بقاء سوريا موحدة أم لا. المشكلة في ما يمكن أن يتعرّض له هذا البلد الذي يسعى النظام فيه إلى البقاء في السلطة بأيّ ثمن كان، إضافة إلى المنطقة المحيطة به.
يتمسّك النظام بالسلطة غير آبه بأنّ ليس في الإمكان في أي شكل إصلاحه، وأن البديل من رحيل الرئيس بشّار الأسد، في أسرع ما يمكن، حروب ذات طابع مذهبي -للأسف الشديد- تقضي على الأخضر واليابس في هذا البلد العربي المهم الذي عانى منذ الاستقلال من أزمتي كيان ونظام في الوقت ذاته. هربت سوريا إلى الانقلابات العسكرية ثم إلى الوحدة مع مصر ثم إلى حكم الحزب الواحد، أي الأجهزة الأمنية ولا شيء غير ذلك. انتهى حكم الحزب الواحد بأن صار حكم الطائفة الواحدة قبل أن يتحول إلى حكم العائلة الواحدة…
من حسن الحظ أن هناك مجموعة عربية تفكّر في حماية أمنها أوّلاً وفي كيفية تفادي الحروب الأهلية في سوريا. ليست دول مجلس التعاون وحدها التي تسعى إلى ذلك. هناك دولتان عربيتان مهمتان هما؛ المغرب والأردن تساهمان في لملمة الوضع السوري. هاتان الدولتان اللتان أقامتا علاقات مميّزة مع دول مجلس التعاون تساعدان إلى حدّ ما -أي قدر الإمكان- في سد الفجوات القائمة على الصعيد الإقليمي. على رأس هذه الفجوات الغياب المصري والحالة العراقية التي يصعب إيجاد وصف لها في ظلّ التغلغل الإيراني في البلد والفلتان الأمني والغرائز المذهبية والعرقية…
لا شكّ أن مهمّة أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليست سهلة. لكنّ لا خيار آخر أمام هذا المجلس سوى السعي إلى تفادي تحوّل سوريا إلى يوغوسلافيا أخرى. في النهاية إن المحافظة على سوريا الموحدة في ظلّ نظام ديمقراطي مصلحة عربية وخليجية، خصوصاً أن أي نظام جديد في سوريا سيجد نفسه مجبراً على اتباع نهج أكثر من طبيعي يتمثّل في محاربة فكرة تحكم أقلية تنتمي إلى عائلة معيّنة بالأكثرية الساحقة من الشعب السوري وبثروات البلد تحت شعارات طنانة من نوع "الممانعة" و"المقاومة". تستخدم هذه الشعارات لتغطية الظلم الذي يتعرّض له الشعب السوري وتبرير سياسة الابتزاز التي تمارس على صعيد التعاطي الدول العربية الأخرى على رأسها لبنان.
هل ينجح ما بقي من عرب في تفادي تكرار التجربة اليوغوسلافية في سوريا؟ انه السؤال الكبير في ظل المعطيات المتوافرة عن تطور الأحداث في البلد. في النهاية، لا مشكلة في قيام دول عدة في سوريا على غرار ما حصل في يوغوسلافيا. المشكلة في كيفية تشكيل هذه الدول من دون حمامات دم. في يوغوسلافيا، كان الطلاق بين الصرب والكروات وأهل البوسنة طبيعياً في غياب تيتو. ما لم يكن طبيعياً هو تلك الحروب التي تميّزت بوحشيتها والتي كان البلد، الذي أراد في مرحلة ما إعطاء دروس للعالم عن طريق تأسيس حركة عدم الانحياز، في غنى عنها.
ليست يوغوسلافيا وحدها التي تأثرت بالحروب الداخلية، بل كل منطقة البلقان. الخوف كلّ الخوف أن لا تقتصر الأحداث السورية على سوريا، خصوصاً أن الغرائز المذهبية والعرقية لم تعد تجد من يضع حداً لها. منْ يحتاج إلى دليل على ذلك يستطيع إلقاء نظرة على ما يدور في العراق أو ما شهدته مدينة طرابلس اللبنانية قبل أيام قليلة…

المصدر: أخبار الثورة السورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع