..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سقوط الأقنعة

أبو عبيدة

١٣ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7162

سقوط الأقنعة
855996.jpeg

شـــــارك المادة

كنت في المقهى جالساً أنتظره عندما دخل وكانت علامات التعب بادية على وجهه، جلس على الكرسي قبالتي ورسم بصعوبة ابتسامة صادقة على وجهه فيها الكثير من المحبة والود والحنو، ابتسمت ورغبت بأن أقبل يده إلا أنني أعرف أنه يرفض تماماً مثل هذا التعبير عن المحبة والاحترام، وبالطبع ما كان لي أن أضمه إلى صدري لهيبته ومكانته عندي، طلبت له كأسا من الشاي الأخضر الذي يحبه، وانتظرت حتى يلتقط أنفاسه، وقلت له:


- لا تتكلم قبل أن تستريح.
- لست تعباً، أنا أكثر شباباً منك.
- سمعت الأخبار؟
- طبعاً، متوقع، هل تظن أنهم سيسلمون بسهولة؟
- ولكنهم توحشوا توحشاً تستحي منه الوحوش الضارية!
- هذه أخلاقهم تظهر اليوم للناس حتى يعرفوا مع من كنا نتعامل كل هذه السنين. ومن قبل قال حكيم من  حكماء الجاهلية:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم

- هل تعتقد أن القناع قد سقط اليوم، فبدا الوجه الحقيقي بكل قسماته الفاحشة؟؟
- بل سقطت كل الأقنعة، وظهروا بكل إجرامهم العريق، قبحهم الراسخ، ودناءة نفوسهم العفنة.
- إنهم مازالوا -مع هذا الإجرام- يقولون: إنهم وحدهم الضمان الوحيد لوحدة سوريا! وأن الملايين المستعبدة من الشعب السوري كلها لا يوجد فيهم من يحقق هذه الوحدة، بل الآخرون يسعون إلى التفتيت!! ويبتغون تقسيم هذا البلد الحبيب!!.
- هل هذا- بربك- يصح في ميزان المنطق؟ هل خلت البلاد كلها من المخلصين الشرفاء، ولم يبق إلا أراذل الناس يضمنون وحدة البلاد؟
- إعلامهم ومشايخهم يقولون هذا.
- (ابتسم بألم) لا تذكرني أرجوك، لا أعرف بأي عقل يفكر هؤلاء.
- ويقولون كذلك: إن كل من عداهم سيسقط في أحضان إسرائيل، بل هو ساقط في أحضانها فعلاً!.
- (قهقه هذه المرة بألم) نعم، سمعت شيخهم يقول: إنهم -وهم يضربون الناس العزل في حمص بالمروحيات وقذائف الهاون- يدافعون عن سوريا ضد ما أرادته إسرائيل.
- إسرائيل اليوم صارت في حمص وحماة ودرعا، مع أن الحدود معها لا تشهد حركة لعسكري واحد، بل سحب جميع الجيش من مواقعه التي بني لحمايتها، وأخذ يبيد الأحياء إنساناً وبنيانا!! وكأنه اتفق مع اليهود على ألا تخافوا من جهتنا ظاهراً، بعدما أمناكم باطناً خلال العقود الماضية، عقود "الممانعة" الكاذبة!!!!.
- هبل هؤلاء والله! ويظنون أن الناس - مثلهم- هبل وأغبياء، يتكلمون كلاماً يكاد من سخافته ووهيه يضحك حتى الأطفال!.
- هم يقولون: إنهم بسياستهم الرشيدة استطاعوا أن يحققوا التعايش بين كل الطوائف والملل، وإنهم إن رحلوا سيقتتل هؤلاء وتتقسم البلاد.
- بالحديد والنار، وبالقمع والقهر، استطاعوا أن يمارسوا طائفيتهم النرجسية السادية حتى ركبوا كل الطوائف، وخلقوا طائفيات مقابلة لها الحق في أن تحقد عليهم، وعلى كل من ينتمي إليهم. وبالتدقيق نجد أن هذه العصابة القاتلة تطرح على الساحة معادلة، ما أشد ظلمها! وما أغبى من يقبل بها بعد التدقيق، وتقوم معادلتهم على: إما نحن مع الظلم الطاغي، والقهر الفاجر القاتل للكرامة، أو إسقاط مسرحية الممانعة؟؟ وكأن هذا الشعب كله من الخيانة بمكانة راسخة، فما أن يولي هؤلاء إلى الجحيم حتى تسقط البلاد بأيدي الأعداء لقمة سائغة! إما هم أو جحيم الاقتتال الطائفي، لأنهم يزعمون أنهم صمام الأمان مع كونهم يمارسون اللعب على هذا الحبل الممدود! حيث تنتظر الطوائف غياب هذا اللاعب فإذا بها ينهش بعضها بعضاً!!
- إذن فهم البادئون.
- نعم، هم من علموا السوريين كلهم بالممارسة الوحشية ألف باء الطائفية، حتى صارت سوريا كلها كأنها قائمة على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة، يقولون إنهم علمانيون، وأنهم يحترمون الجميع، ولكنهم في الحق أبشع الناس وأكثرهم إمعاناً في العشائرية والطائفية، أربعون سنة وهم يمارسون التمييز الطائفي، ثم يقولون هم وحدهم ضامنو وحدة البلاد!!.
- وهذا حليفهم الساقط في لبنان يردد ترهاتهم، ويقول إن الشعب الجائع والفقير والمضطهد -والذي تمارس بحقه كل أنواع التمييز والإذلال والإحباط وسد الطرق في وجه الشباب وإهانة الشرفاء ممن لا يرتضون لأنفسهم أن يكونوا سماسرة لهم- هؤلاء يتآمرون على النظام الممانع الوحيد في المنطقة، من أجل سيادة إسرائيل. وهناك نقطة هامة يمثلها اتهام المستبد لطلاب الكرامة، وفيها أن الاستقواء بالأجنبي لا يدل على وطنية! والرد على هذا يسير، ولكن الذي يؤلم بلا حدود أن يتشدق بهذا من استعان من قريب بالأجنبي، وأفتى بالوقوف معه، لإسقاط نظام صدام في العراق!!! أحلال هناك وحرام هنا؟؟؟ علماً أن الشجرة الملعونة إذا تركت تلوث الأجواء، وتسمم النفوس، فإنها تتجذر تجذراً يصعب معه الاقتلاع بمقدار امتداد تلك الجذور!! ويظهر للعيان الآن ما يفعله المنتفعون من هذه الشجرة الملعونة، وهي قارة أسرة واحدة في الحصون المعدة من عشرات السنين، وما يقدم الآن من تضحيات هو ضريبة إمهال الظالم في مرتع ظلمه!! سامحني إن أطلت هنا، فما قصدت الإطالة، ولكن الحديث ذو شجون!!
- (يشرب قليلاً من الشاي ويضع الفنجان ويسرح بخاطره بعيداً) نحمد الله- عز وجل- أن فضح هذا الدجال الذي أعجب به أناس يوم أن كان يهرج على السياسة الخارجية، ويجيد اللعب على الحبال التي نصبها له امتصاص خيرات البلاد، وتكديس الثروة في القبضة!! إلى حد العشق، كم كذب؟! وكم صدقه الآخرون!! ؟!!! إلا أنه اليوم بدا على حقيقته ذيلاً لإيران، وحليفاً لمن يقتل الناس كل يوم بالمئات لا يفرق بين امرأة أو طفل أو عجوز.
- سيدي، هناك من يقول أن الصراع المعلن بين أمريكا وإيران صراع شكلي مفتعل، وأن الأمور بخلاف ما يظهر تماماً.
- هذا غير مستبعد، ولو بمنظار المصالح التي تتحقق بهذا الافتعال! بل لعل إيران ومن تمثلهم هم رأس حربة أمريكا الموجهة - الآن- إلى صدر العالم الإسلامي.
- تقصد أنهم حلف واحد؟؟؟!!
- قد يكون ذلك، أو لأقل إن أمريكا لديها عدة سيناريوهات ممكنة، منها أن تركب المد الشيعي لتضرب أي تكتل إسلامي سني يخرج عن دائرة ما تريد.
- أكاد لا أصدق!!!
- انظر إلى الشيعة في باكستان، وأفغانستان تتضح لك الصورة أمامك.
- ماذا يعني كل هذا؟
- يعني أن التحالف الأسدي النصراوي -نسبة للدجال نصر الله- لا يمثل في الحقيقة أي خطر على إسرائيل وأمريكا، بل على العكس هم يمثلون أدوار الممانعة ليحيدوا الشعوب عن الصراع الحقيقي والفعال مع إسرائيل.
- والآن ماذا نفعل؟ القتل على أشده، والترويع والتجويع والتعذيب يمارس بكل أشكاله، أكاد لا أنام في الليل وأنا أتصور ما يحدث في حمص وغيرها.
- (يشف شفة من الشاي ويسرح بعيداً ثم يتنهد) إيه يا حمص!!!، كم أضحكتينا، واليوم تأبين إلا أن تبكينا.
- ولكنهم يا سيدي رجال، رجال بكل معنى الكلمة، كم أستصغر نفسي أمامهم.
- لعلها روح سيدنا خالد بن الوليد- رضي الله عنه- وقد انبعثت فيهم، إذ يقبلون على أعداء الله بلا خوف، ويستصغرون الشهادة أمام قتل خنزير واحد من خنازيرهم.
- سيدي.. أكاد أجن، أريد أن أصرخ، أضرب، أمزق، أفعل أي شيء يخفف من غيظي مع أي رمز من رموزهم.
- لا... إياك، أنت هنا ضيف، وعليك أن تحترم مضيفك ولا تحرجه، سيما وأنهم سائرون على الطريق الصحيح، إياك وزملاءك من أي عمل طائش، قد يؤثر في الجالية السورية كلها.
- فماذا نفعل إّذن؟
- سأقترح عليك وعلى كل سوري هنا أن يتبرع بحصة من ماله تفوق زكاته التي فرضها الله عليه لهؤلاء الذين يزرعون الأمل في قلوبنا ويروونه بدمائهم.
- هذا سهل.
- (ابتسم) أخشى -ولا أقصدك أنت- أن من يميل إلى الضجيج وإلى (فزعة البدو الجهل) عندما تقترب من جيبه يفكر ألف مرة بالبيت الذي ينوي أن يشتريه وأولاده الذين يريد أن يعلمهم في الجامعات، والتوفير الذي يريد أن يدخره في البنك، الصراخ والضجيج -مع أنه هام أحياناً ومعبر- إلا أنه مجاني، وإن صادف أن أحدكم اليوم خارج سوريا بعيداً عن الخطر فأخشى أن يفكر بطريقة تجعل من ماله أغلى من دماء الشهداء.
- المال أغلى من الدم؟؟!
- مال البعض أغلى من دماء من يعرض نفسه للخطر من أجل تحقيق العدالة وإعادة الأمل بسورية جديدة، هؤلاء الذين يقفون للظلم ويتصدون له ويأبون العودة إلى بيوتهم يجب ألا يجوعوا، ولا يبردوا، وعائلات الشهداء يجب ألا تضام، وإلا خسرنا جميعاً ودفعنا نحن وأنتم ثمن الهزيمة مراً.
- سيدي، هل هناك قنوات مأمونة لإيصال التبرعات؟
- (يضحك بملء فيه) هذا سؤال لا أقبله من سوري، لأن كل واحد منا يعرف على الأقل عشر عائلات تحتاج إلى المساعدة. احذر من هذا السؤال الذي يقصد به عادة التشكيك من أجل المنع والإمساك، ثم يا سيدي، نعم هناك قنوات مأمونة وموثوقة ولا تحتاج إلى تدقيق.
- وهل يكفي التبرع بالمال؟
- الدراهم -الآن- مراهم يا بني، لجروح الثكالى والأرامل والأيتام، هل تعرف... -وشرد بعيداً- إن الشهيد لا يحزنك، لأنه بمجرد استشهاده ينفك من أسر هذه الدنيا وينطلق في عوالم الغيب الفسيحة، ما يحزن فعلاً هم الأطفال المرعبون الجائعون، والنساء المتعبات الهلعات، والشباب الذين يعذبون ويهانون!!، هؤلاء هم الذين يستحقون منا كل فضول أموالنا.
- سيدي، سأسعى لذلك بقدر طاقتي، وماذا أيضاً؟
- كلمة حق تفضح المجرم وتظهره للناس بحقيقته البشعة، والدعاء والتضرع لله –عز وجل- كما لو أنا داخل المحنة وليس بعيداً عنها، إن ما يحزن فعلاً أنني رأيت هنا أناساً سوريين يعيشون حياتهم المعتادة دون أي إحساس بما يحدث لأبناء جلدتهم.
- سيدي.. تكاد كلماتك تقتلني.
- إذن قم إلى العمل وإياك أن تقصر فنحن في نفير عام، وما أخف هذا النفير عليكم.

المصدر: رابطة العلماء السوريين 

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع